أنا ..من جديد
* ليس الغريب أنّي أولد كلّ يوم؛الغريب حقّا هو أنّي لا أموت بين مولد و آخر.
كنت أستتر كلّما وجّه بصره نحوي..كان منبعي الذي لا ينضب و الذي لا يجب أن ينتبه إلى وجودي.أستقي منه مادّتي.أتّجر بها أحيانا و أتسلّى بإذاعتها أحيانا أخرى.راقبته ما يزيد عن العشرين عاما،قلّة نفعه أو قل عدمها أوحت لي بالكثير، ألهمتني و حثتّني على السّرد و بثّ الحكايات.تأمّلت خطوط وجهه ،و تجاعيد قميصه ، شعره ،و نعليه ،و تابعت نموّ كرشه القبيحة لحظة بلحظة.دقّقت في قسماته كي يسهل عليّ وصفه.رصدته من قريب و من بعيد ،سافرت فيه،أمعنت فيه النّظر، نفضت يدي من كلّ شيء و امتهنته .صببت فيه دهشتي و شكّلت به طيلة المدّة عمودي في الصّفحة الثّالثة على اليسار. سجّلت حركاته و سكناته،دوّنتها كي لا تضيع،لم أغفل عنه و لم يفارقني منظاري و قلمي و الدّفتر ساعة.
مرّت الأعوام و كنت كلّما وجّه بصره ناحيتي استترت.
عشرون عاما و أنا أنقل للنّاس أُضحكهم دون أن يشعر،شروده و هو يشيّعهم بنظراته فاغر الفم،متدلّي الشّفاه.
لم يكن يفعل شيئا عدا الالتفات و الفرجة و التّحديق يمينا و شمالا و مشاهدة الفاعلين.لم يكن يعيش القصّة،كان يمضغ ما ظهر له من قصص النّاس،بعيون شاخصة غبيّة.خواؤه و عشقه للخنوع و اكتفاؤه بالفرجة ذليلا أثاروا شهيّتي، و أسالوا حبري فأعجب الخليط جمهوري..و دون أن يشعر سخرت منه .. شوّهته..صوّرته.. هجوته ..هاجمته ،و فضحت خموله .لم يكن معنيّا بشيء،و لم أكن معنيّا بغيره.كنت حذرا فوق الذّكاء كي لا يرتاب من جهتي فيعدّل سلوكه و تضيع بالتّالي غنيمتي و يشتاق قرّائي لدعاباتي و أنا أتفلسف و أروي لهم حياده المُقيت،و أتفنّن في محوه و هو يُقابل حتفهم بلبّانة يلوكها،و نصرَهم النّادرَ بسحابة تبغ ينفثها من منخريه.
يحبّ النّاس بعد حمّام ساخن أن يُنكِّل غيرهُم بجثّة غيرِهم.
من جهتي فهمت ما هو المطلوب منّي،لذلك كنت حريصا على أن ألتقط له مقالا مُغايرا في كلّ مرّة،و لا أذكر يوما أنّه اكتشف أمري أو شكّ بأنّي له بالمرصاد،أو أنّ أحدا من مقالاتي تكرّر،رغم أنّه ظلّ كعادته حبيس المقعد ،جامدا ،مشلولا لا يتحرّك إلاّ ليعدّل من جلسته و لا يبرح مكانه إلاّ ليتعقّب الظلّ كلّما تحوّلت الشّمس..
و كان كلّما وجّه كالأبله نظراته ناحيتي استترت.
و لم يكن ليتغيّر شيء على الإطلاق لو لم أُصب بثقل مفاجىء في ساقي اليمنى، تطوّر تدريجيّا فأصبحت أجد صعوبة في المشي،أو بالأحرى في الجلوس.زرت الطّبيب الأوّل،فالثّاني ،فالثّالث ..و كنت في كلّ مرّة أغيّر الاختصاص ،حتّى بلغت بي الأوضاع حدّ الهلوسة و الرّعب..و صرت في وقت وجيز أتعثّر في أكياس الدّواء ..و حالتي تزداد سوءا يوما بعد يوم..مربط الفرس التّشخيص ..فلو أنّ أحدهم شخّص حالتي بدقّة ،لوصف لي الدّواء المناسب.
شاع بين النّاس مرضي و زارني أحد معارفي و مدّني بعنوان طبيب في محافظة مجاورة،ظلّ يمدحه و يعدّد لي خصاله و مهاراته حتّى تمنّيت لو يصمت.قلت لا بأس أجرّب ،و إن كنت في العادة أبدي –مجاملة- إعجابي بالنّصيحة ،ثمّ ألقي بها عرض الحائط مباشرة بعد انتهاء الحوار. خصوصا إذا تعلّقت المسألة بسفر أو غياب يفوق السّاعتين عن مرصدي حيث عدستي و دفتري و قلمي و جاري سجين الكرسيّ.
لم تعد ساقي تستجيب.و صرت أستعين بعكازتين.لكن بالرّغم من عجزي ركبت الحافلة أطلب الشّفاء.
غريبة هي أحوال هذا الإنسان ،كلّما شُلّ له طرف،كلّما ازداد جسمه ابتعادا و استطال ما يقطعه من مسافة.
جَلستْ إلى جانبي فتاة صغيرة ،غيّرت المقعد أكثر من عشر مرّات قبل أن يستقرّ بها مرحها حذوي،لا أدري ما السرّ في ذلك.ما أجزم به هو أنّي استأنست لها كثيرا و أظنّها استأنست لي.و كانت أمّها جالسة خلف السّائق،و كانت تناديها من حين لآخر،ربّما لتثبت لي أو لنفسها أو للجميع أنّها أمّ مثاليّة لا تغفل على صغارها أكثر من خمس دقائق.
و ليس المهمّ ما دار بيني و بينها من حوار و لا السّبب الذي جعلني أعود أدراجي حال وصولي إلى مدينة الشّفاء،في نفس الحافلة و دون أن أهبط منها.الشّاهق هو أنّها رجّتني بنصيحة مفجعة بريئة،كان وقعها على كياني كذاك الهول المركّّز في جزء من الثّانية ،و الذي يتملّكك عادة إذا هممت بالجلوس و أدركت عند منتصف المسافة و أنت تهوي أن لا وجود لكرسيّ وراءك.
قالت لي بعد حديث ساذج متعرّج محوره ساقي: عمّي ..حاول أن تغيّر عاداتك..أبي دائما يقول هذا لأمّي.
لم تكن الصّغيرة مخطئة..الفظيع أنّها لم تكن مخطئة.المشكلة كما قلت تكمن في التّشخيص الصّحيح،و لا أرى إلاّ أنّ البنيّة قد حسمت.
ما عادت بي حاجة بعد اليوم إلى كلّ تلك الأدوية.ألقيت بها كما ترمى القاذورات، ولمّا تدبّ الحياة في ساقي بعد.
أهملت العدسة و هجرتُ الدّفتر و القلم،و رحت أخوض القصّة مع الخائضين داخل المجال البصري لجاري،لأوّل مرّة دون ستار.عندها فقط أحسست بالفرق،و عاد الدّم يسري حارّا في شراييني من جديد.و عاينت يقينا أنّي أفنيت عمرا لا أكثر من جاسوس مُقعد يُحفّز مشلولا رخوا على النّهوض.
سحقا لركوده.غلبني نعاسه.امتصّ ركبتي،و فرّ بنخاعه منّي.
فليقل عنّي القرّاء،خان الرّسالة .المبرّرات كثيرة،و لم أبرّر من الأساس؟مصلحتي فوق الجميع،أصلا لن ينتبهوا لأفولي، فالذين تركتهم فوق منصّة المرصد أكثر عددا منهم.ثمّ هب أنّي واصلت حربي على جبنه حتّى أُحال على الشّيخوخة،ماذا ستكون عاقبتي أكثر من مسنّ منسيّ مكروه بين الجيران؟
لم و لن يتأذّى أحد سواي،إنّها مسألة قناعة و لا أحد يمتلك الحقّ في محاجّتي و لا وقت لديّ أصلا للشّرح.. عشرون عاما و أنا أشرح فماذا جنيت؟
فككت قيدي و انطلقت دون العكّازتين.لم تكن البنيّة مخطئة،كانت صاحبة التّشخيص الصّحيح ، تجوّلت.. سافرت..غنّيت حدّ الثّمالة ..رقصت حدّ الصّحو..بعيدا ركضت..أخطأت حدّ البوح..أصبت.. نسيت..عشت القصّة بعدما كنت أسير أسطرها،لا أقنعة و لا أنا أحزن..إلى أن التقيت صديقي الذي أشار عليّ بالطّبيب..
يومها ضحكت.
ضمّني بحرارة .كان صادقا .قرأت ذلك في عينيه.أحببت بريقهما.أنا بدوري ابتهجت ،و تعجّبت كيف فرحت بصدق لم أعهدته في نفسي من قبل.لم أكن أسايره كما اعتدّت أن أفعل يوم كنت لا أبرح مقعدي وراء المنظار،طربت لهذا الشّعور الجديد،أحسست بأنّي حرّ و بأنّي أخفّ من الهواء،و عدّت طفلَ الحواسّ من جديد؛ كالصّغار لو أعطيتهم الملعقة في يميناهم أكلوا بها و لو قدّمتها لهم في يسراهم لأكلوا بها أيضا.
قال : أراك مُعافى ما شاء الله..بل أنت أفضل منّي..الحمد لله..أرأيت؛ وقفت على كلامي ؟ألم أقل لك بأنّك لن تُشفى إلاّ على يديه..
أيّدته لكنّي لم أكن أسايره.لم أشعر البتّة أنّي كذبت عليه حين أيّدته..ربّما لأنّها الحقيقة،ألم أُشفى و أنا في الطّريق إليه؟.
و دعاني إلى فنجان قهوة في شرفة بيته؛يقول بأنّه أعزب لبعض الوقت..
اعتذرت ضاحكا:أرجوك ،تبت عن الشّرفات ..تخيّر لنا مكانا آخر..ما رأيك في مقهى المنجم؟
ليلتها ضحكت..
عمّرت الدّنيا بضحكي.
ليلتها غطّى ضحكي صخب العمّال.
و أحسست في سرّي بأنّ شيئا ما اكتمل بداخلي،أو كأنّي استعدت كلّ الذي افتقدته دفعة واحدة..و غمرني شعور عجيب بالعتق،و جرفني حنين لا يُقاوم،حنين أكبر من كلّ الرّغبات إلى دفتري و القلم.
الّلعنة أنتما من جديد؟
أيّ منفى لا أجدكما فيه؟
ما الّذي كنت أصنعه إذن طيلة الأشهر الفارطة؟ إنّي أخون النّصيحة..
..حسنا لا بأس ..الّليلة أكتب القصّة برمّتها ،و غدا أدفع بها إلى الجريدة..و بعد غد أتوب..
مرّت الأعوام و كنت كلّما وجّه بصره ناحيتي استترت.
عشرون عاما و أنا أنقل للنّاس أُضحكهم دون أن يشعر،شروده و هو يشيّعهم بنظراته فاغر الفم،متدلّي الشّفاه.
لم يكن يفعل شيئا عدا الالتفات و الفرجة و التّحديق يمينا و شمالا و مشاهدة الفاعلين.لم يكن يعيش القصّة،كان يمضغ ما ظهر له من قصص النّاس،بعيون شاخصة غبيّة.خواؤه و عشقه للخنوع و اكتفاؤه بالفرجة ذليلا أثاروا شهيّتي، و أسالوا حبري فأعجب الخليط جمهوري..و دون أن يشعر سخرت منه .. شوّهته..صوّرته.. هجوته ..هاجمته ،و فضحت خموله .لم يكن معنيّا بشيء،و لم أكن معنيّا بغيره.كنت حذرا فوق الذّكاء كي لا يرتاب من جهتي فيعدّل سلوكه و تضيع بالتّالي غنيمتي و يشتاق قرّائي لدعاباتي و أنا أتفلسف و أروي لهم حياده المُقيت،و أتفنّن في محوه و هو يُقابل حتفهم بلبّانة يلوكها،و نصرَهم النّادرَ بسحابة تبغ ينفثها من منخريه.
يحبّ النّاس بعد حمّام ساخن أن يُنكِّل غيرهُم بجثّة غيرِهم.
من جهتي فهمت ما هو المطلوب منّي،لذلك كنت حريصا على أن ألتقط له مقالا مُغايرا في كلّ مرّة،و لا أذكر يوما أنّه اكتشف أمري أو شكّ بأنّي له بالمرصاد،أو أنّ أحدا من مقالاتي تكرّر،رغم أنّه ظلّ كعادته حبيس المقعد ،جامدا ،مشلولا لا يتحرّك إلاّ ليعدّل من جلسته و لا يبرح مكانه إلاّ ليتعقّب الظلّ كلّما تحوّلت الشّمس..
و كان كلّما وجّه كالأبله نظراته ناحيتي استترت.
و لم يكن ليتغيّر شيء على الإطلاق لو لم أُصب بثقل مفاجىء في ساقي اليمنى، تطوّر تدريجيّا فأصبحت أجد صعوبة في المشي،أو بالأحرى في الجلوس.زرت الطّبيب الأوّل،فالثّاني ،فالثّالث ..و كنت في كلّ مرّة أغيّر الاختصاص ،حتّى بلغت بي الأوضاع حدّ الهلوسة و الرّعب..و صرت في وقت وجيز أتعثّر في أكياس الدّواء ..و حالتي تزداد سوءا يوما بعد يوم..مربط الفرس التّشخيص ..فلو أنّ أحدهم شخّص حالتي بدقّة ،لوصف لي الدّواء المناسب.
شاع بين النّاس مرضي و زارني أحد معارفي و مدّني بعنوان طبيب في محافظة مجاورة،ظلّ يمدحه و يعدّد لي خصاله و مهاراته حتّى تمنّيت لو يصمت.قلت لا بأس أجرّب ،و إن كنت في العادة أبدي –مجاملة- إعجابي بالنّصيحة ،ثمّ ألقي بها عرض الحائط مباشرة بعد انتهاء الحوار. خصوصا إذا تعلّقت المسألة بسفر أو غياب يفوق السّاعتين عن مرصدي حيث عدستي و دفتري و قلمي و جاري سجين الكرسيّ.
لم تعد ساقي تستجيب.و صرت أستعين بعكازتين.لكن بالرّغم من عجزي ركبت الحافلة أطلب الشّفاء.
غريبة هي أحوال هذا الإنسان ،كلّما شُلّ له طرف،كلّما ازداد جسمه ابتعادا و استطال ما يقطعه من مسافة.
جَلستْ إلى جانبي فتاة صغيرة ،غيّرت المقعد أكثر من عشر مرّات قبل أن يستقرّ بها مرحها حذوي،لا أدري ما السرّ في ذلك.ما أجزم به هو أنّي استأنست لها كثيرا و أظنّها استأنست لي.و كانت أمّها جالسة خلف السّائق،و كانت تناديها من حين لآخر،ربّما لتثبت لي أو لنفسها أو للجميع أنّها أمّ مثاليّة لا تغفل على صغارها أكثر من خمس دقائق.
و ليس المهمّ ما دار بيني و بينها من حوار و لا السّبب الذي جعلني أعود أدراجي حال وصولي إلى مدينة الشّفاء،في نفس الحافلة و دون أن أهبط منها.الشّاهق هو أنّها رجّتني بنصيحة مفجعة بريئة،كان وقعها على كياني كذاك الهول المركّّز في جزء من الثّانية ،و الذي يتملّكك عادة إذا هممت بالجلوس و أدركت عند منتصف المسافة و أنت تهوي أن لا وجود لكرسيّ وراءك.
قالت لي بعد حديث ساذج متعرّج محوره ساقي: عمّي ..حاول أن تغيّر عاداتك..أبي دائما يقول هذا لأمّي.
لم تكن الصّغيرة مخطئة..الفظيع أنّها لم تكن مخطئة.المشكلة كما قلت تكمن في التّشخيص الصّحيح،و لا أرى إلاّ أنّ البنيّة قد حسمت.
ما عادت بي حاجة بعد اليوم إلى كلّ تلك الأدوية.ألقيت بها كما ترمى القاذورات، ولمّا تدبّ الحياة في ساقي بعد.
أهملت العدسة و هجرتُ الدّفتر و القلم،و رحت أخوض القصّة مع الخائضين داخل المجال البصري لجاري،لأوّل مرّة دون ستار.عندها فقط أحسست بالفرق،و عاد الدّم يسري حارّا في شراييني من جديد.و عاينت يقينا أنّي أفنيت عمرا لا أكثر من جاسوس مُقعد يُحفّز مشلولا رخوا على النّهوض.
سحقا لركوده.غلبني نعاسه.امتصّ ركبتي،و فرّ بنخاعه منّي.
فليقل عنّي القرّاء،خان الرّسالة .المبرّرات كثيرة،و لم أبرّر من الأساس؟مصلحتي فوق الجميع،أصلا لن ينتبهوا لأفولي، فالذين تركتهم فوق منصّة المرصد أكثر عددا منهم.ثمّ هب أنّي واصلت حربي على جبنه حتّى أُحال على الشّيخوخة،ماذا ستكون عاقبتي أكثر من مسنّ منسيّ مكروه بين الجيران؟
لم و لن يتأذّى أحد سواي،إنّها مسألة قناعة و لا أحد يمتلك الحقّ في محاجّتي و لا وقت لديّ أصلا للشّرح.. عشرون عاما و أنا أشرح فماذا جنيت؟
فككت قيدي و انطلقت دون العكّازتين.لم تكن البنيّة مخطئة،كانت صاحبة التّشخيص الصّحيح ، تجوّلت.. سافرت..غنّيت حدّ الثّمالة ..رقصت حدّ الصّحو..بعيدا ركضت..أخطأت حدّ البوح..أصبت.. نسيت..عشت القصّة بعدما كنت أسير أسطرها،لا أقنعة و لا أنا أحزن..إلى أن التقيت صديقي الذي أشار عليّ بالطّبيب..
يومها ضحكت.
ضمّني بحرارة .كان صادقا .قرأت ذلك في عينيه.أحببت بريقهما.أنا بدوري ابتهجت ،و تعجّبت كيف فرحت بصدق لم أعهدته في نفسي من قبل.لم أكن أسايره كما اعتدّت أن أفعل يوم كنت لا أبرح مقعدي وراء المنظار،طربت لهذا الشّعور الجديد،أحسست بأنّي حرّ و بأنّي أخفّ من الهواء،و عدّت طفلَ الحواسّ من جديد؛ كالصّغار لو أعطيتهم الملعقة في يميناهم أكلوا بها و لو قدّمتها لهم في يسراهم لأكلوا بها أيضا.
قال : أراك مُعافى ما شاء الله..بل أنت أفضل منّي..الحمد لله..أرأيت؛ وقفت على كلامي ؟ألم أقل لك بأنّك لن تُشفى إلاّ على يديه..
أيّدته لكنّي لم أكن أسايره.لم أشعر البتّة أنّي كذبت عليه حين أيّدته..ربّما لأنّها الحقيقة،ألم أُشفى و أنا في الطّريق إليه؟.
و دعاني إلى فنجان قهوة في شرفة بيته؛يقول بأنّه أعزب لبعض الوقت..
اعتذرت ضاحكا:أرجوك ،تبت عن الشّرفات ..تخيّر لنا مكانا آخر..ما رأيك في مقهى المنجم؟
ليلتها ضحكت..
عمّرت الدّنيا بضحكي.
ليلتها غطّى ضحكي صخب العمّال.
و أحسست في سرّي بأنّ شيئا ما اكتمل بداخلي،أو كأنّي استعدت كلّ الذي افتقدته دفعة واحدة..و غمرني شعور عجيب بالعتق،و جرفني حنين لا يُقاوم،حنين أكبر من كلّ الرّغبات إلى دفتري و القلم.
الّلعنة أنتما من جديد؟
أيّ منفى لا أجدكما فيه؟
ما الّذي كنت أصنعه إذن طيلة الأشهر الفارطة؟ إنّي أخون النّصيحة..
..حسنا لا بأس ..الّليلة أكتب القصّة برمّتها ،و غدا أدفع بها إلى الجريدة..و بعد غد أتوب..
محمد فطومي
تعليق