ثلاثة أيام والعم أحمد يرفض مغادرة المكان,ورغم إلحاح العديد من الأصدقاء والجيران ,إلا انـه أصر على البقاء حيث هو متحديا قسوة اللحظات والخراب وضجيج صفارات الإنذار.وبـــين الفينة والأخرى كان يتجه إلى حيث يرقد أحباؤه فيطوف عليهم واحدا واحدا بنظرات حزينة, مكفكفا دموعا تترقرق في عينيه المتعبتين ,مهيلا بعض التراب على هذا أو ذاك بحنان وكأنه يدثرهم ويحميهم من قر شديد.
طيلة ثلاثة أيام وهو يعيش على إيقاع صدمة متواصلة,فقد وقع كل شيء فجأة, وبدأت حـمم النار والقذائف المجنونة تهطل من السماء ليل نهار لتحرق كل شيء في لحـــــــــظات خاطفة: أجساد الكبار وحتى الصغار..أكواز الذرة..السواقي وصنابير الماء..أشجار الزيتون..المساجد والأكواخ...ومن اليوم الأول أدرك العم أحمد أنها عاصفة من النار المصــــــــبوبة وليست كسابقاتها,فقد أحاط جنود الـــــعدو بالبيت وقـــــلبوا عاليه أسفله ,وأخرجوا من فيه من النساء والأطفال, وطرحوا عليه أسئلة حول ما سموه المسلحين والأنفاق والصواريخ,ولما لم يجــب ,سحبوا النساء والأطفال إلى باحة الدار وأمطروهم بالرصاص وهم يهـــــللون مثل آكلي لحوم البشر,وأعطوه مهلة وغادروا.وحين استـــــفاق العم أحمد من صدمة ذهوله وجد نفسه بين الجثث غارقا في الدم والجنون.
في اليوم الموالي عادت صفارات الإنذار,وحلقت طائرات العدو فوق المقابر المفتوحة لكن العم أحمد رفض مغادرة المكان .كان يعرف بحدسه العميق أن الأمر سيزداد سوءا وألا مهرب إلا إلى صمت ذوي القربى وشقاقا تهم الأشد فتكا من قنابل الفسفور,لذلك ظل قرب أحبائه متربصا, فاقدا لكل إحساس بالحياة إلا من رائحة التراب الممزوج بالرصاص.
في صبيحة اليوم الرابع خيم هدوء مفاجئ فاتجه إلى جب يوجد يمين الدار.تيـــــمم وصلى ركعتين ثم سحب شيئا من أعماق الجــب : منصة إطلاق مع دزينة صواريخ.هيأ المنــــصة بسرعة وكبر وأطلق ما في الجعبة متمتما بحقد :
– إلى الجحيم أيتها الخنازير والقرود المسعورة .
وفجأة رأى شيئا يومض في الأعلى قادما نحوه.ارتسمت على شفــــتيه بسمة كبيرة.شرع صدره وانقض على الأرض غارسا قبضتي يديه في التراب وسط انفجار رهيب هز المـــكان وأحال الجسد الواهن إلى أشلاء لم يتبق منها سوى القبضتين المغروستين في التراب.
عزالدين مرجان ازمور في 25-1-09
تعليق