ميرا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد الزاكي
    عضو الملتقى
    • 08-08-2010
    • 14

    ميرا

    [BIMG]http://www.farid-benyaa.com/algerie_femmes/algerie_femme_musique[/BIMG]قصة قصيرة


    ميرا


    كان لا بد له من الرجوع إلى هذه الصخور الممتدة على الساحل ، ليعانق رذاذ الأمواج الخريفية ، ويحمل في قلبه سحر ابتسامة ميرا .
    قصد تلك الصخور عصرا .. الأفق في هذه اللحظة دفعة متدفقة من شحنات نشاط لا يفتر ..
    - لم تأت ميرا ..
    قالها ، ثم رمى ببصره هناك ، فشاهد صيادا يصارع أمواج الخريف في نهاية نوفمبر، لكنه وفير الصيد من سمك البوري المتراكم .. كلما صاد سمكة رماها في حفرة صخرة ، ويعود بسرعة ليرمي صنارته ، بعد صعود كل موجة جالبة معها البوري بحظ سعيد .
    وصياد آخر قليل الصيد في قفته الدومية ، ورغم حظه العاثر ، فوجهه يشع بالصبر، ويبرق بالأمل .
    وحينها أتت ميرا .. ساعتها أصبحت هذه الصخور الممتدة محراب سعادته في البحر ، تبهج أيامه كلما أوى إليها .. مستمتعا بابتسامة ميرا ، وموقظا من داخله فيضا من مشاعر الاستئناس بترجمتها لما تسمعه من عمق ما بداخل أصداف البحر من أصوات وأسرار وأصداء .
    لن يتنازل عن لحظات أنسه ، وعن الالتصاق بمحراب و مصدر سعادته.. لن يترك عشقه المحموم بنسمات البحر ، ومنظر الطيور البحرية، وهي تصارع سطح الماء .. بالماء تعيش حياتها ، وتقتات منه أسماكا وأشياء أخرى تلبي خلجاتها ، وتشبع نهم غرائزها ..
    يشعر أنه مثل هذه الطيور البحرية .. تقاسمه كثيرا من الخلجات في هذه الصخور ، رغم تحركها بغريزة الطير .

    ها هو الخريف قد آذن بالرحيل بعدما ألفه ، وسيأتي الشتاء ليلسعه ببرودته فيعتاده.. ويقبل الربيع بلطيف نسيمه ، ويلفحه الصيف بشمسه التي يلطفها رذاذ البحر .. علم أن كل ذلك بعوالمه وجماله .. وما أجمل ميرا في كل الفصول .. لا تضيع ابتسامتها الغجرية ، ولا يغيرها تغير الفصول..
    وتبقى أصداف البحر سبحتها ونزهة أذنيها .. تنصت من خلالها إلى نبضات البحر ، فللبحر قلب نابض ، وهذه الأصداف صماماته .
    نظر إلى ميرا وسألها :
    - فماذا تسمعين في هذه الأصداف ؟
    - أسمع نشيد البحر ، وأتطلع إلى فك بعض أسراره .
    - وهل للبحر أسرار .. يا ميرا ؟.
    - أكثر من أن تعد أو تحصى ..
    أرهفت ميرا سمعها نحو صدفة ، وتابعت كلامها :
    - وخلاصة هذه الأسرار أن ما بداخلها من أصوات حمد وتسبيح لخالق البحر.. ما خلق هذا باطلا .. سبحانه تعالى وبحمده .

    استدار إلى الجهة اليمنى .. لفت انتباهه البرج المطل على البحر .. بناء عتيق أشبعه البحر برطوبته وملوحته .. أحدث فيه ثقبا .. كأنها أشكال هندسية مقصودة ..
    وقف منشغلا به .. تقدم إليه .. حاول أن يصعد إلى فوهة من فوهاته العالية لكي يصير بداخله .. لحقت به ميرا .. يريد أن يشبع حب استطلاعه.. لم تكن ميرا مهتمة بأمر البرج بقدر ما كانت منهمكة في التقاط الأصداف المتناثرة حول البرج ، فبقي هو تحت إحدى الفوهات محاذيا لسوره العتيق .
    صعد إلى الفوهة ، ونزل برفق على إحدى الحافات .. صار على طولها، فأصبح بداخل البرج .
    شاهد في جدرانه الداخلية بعض الأسماء المحفورة .. لم يستطع قراءتها لأن الدهر طمس رسمها .. وقبل أن يخرج من البرج ، لم ينس أن يجلب معه لميرا بعض الأصداف البحرية بداخله ، لكنه لا بد له من العودة إليه لكشف المزيد من الأسرار .

    خرج من البرج ، فوجد ميرا قد ابتعدت عنه بعشرات الأقدام حين دخلت بستان عمتها.. فيه شجر البرتقال .. دخل البستان .. أراد أن يقطف برتقالة.. قالت له ميرا :
    - لم ينضج بعد رغم اصفرار لونه .
    فنظر إليها مبتسما :
    - تعلمين يا ميرا أن لونه بلون ما يغطي شعرك الفاتن .
    برق ثغرها بابتسامتها المعهودة ، ثم نظرت إلى الشمس ، وهي ترسل أشعتها الأخيرة ، في موعد الإشراف على غروبها ، فتلامس من على بعد أطراف البحر ، وتبعث الأضواء صوب عيني ميرا ، فتتعبهما بقوتها .
    وضع نظارته الشمسية على عينيها ، لكنه ما لبث أن نزعها من عينيها الجميلتين ، وهو يقول لميرا :
    - لن يكتمل سحر ابتسامتك بدون الاستمتاع ببريق عينيك .

    لم يبق لهما الآن سوى مغادرة البحر .. طمأن نفسه بأن يعود مرة أخرى، ولا بد لميرا أن تفك له ما تسمعه من نبضات البحر من خلال إنصاتها لصوت الأصداف .
    لقد نشأت ميرا منذ صغرها على اكتساب هذه المهارة حين ترافق والدها إلى البحر ، وهو يمارس هواية الصيد ..هي الأكثر فهما لمزاج والدها في كل حالاته .. قال لها يوما ، وهو يلحظها تجمع الأصداف ، وتلصقها بأذنيها لتنصت إلى ما بداخلها :
    - يا ميرا .. من ينصت لنبضات البحر ، فلن يعسر عليه الإنصات لقلوب الناس .. وإنك يا صغيرتي خير من يفهمني .
    كانت الوحيدة لديه من بين ستة ذكور ، وقد سماها باسم جدتها ، و كانت مثلها تعشق كل ما يربطها بالبحر .

    اخترق – وهو يقصد بيته – البراريك التي تتموقع في نهاية هذا الحي المطل على البحر .. لفه الأسف ، فهو يحلم بأن يكون هذا الحي من أروع الأحياء المطلة على البحر .. ماذا لو بني كورنيش على ساحله ؟ .. لم لا تشيد على الساحل منشآت فنية بمعمار جميل.

    وما يزيد من أسفه هو تلك النفايات بجانب تلك البراريك ، فلا هندسة تسر العين ، ولا حفاظ على اخضرار تلك البساتين الفيحاء ، ولا اهتمام بما بني قديما على البحر من أبراج بمهارة بديعة.
    تابع سيره ، معللا نفسه بكل الآمال المعقودة على غد لا تفارق فيه البسمة الشفاه مثل بسمة ميرا .. يأمل أن ينصت بغيرة من يتطلع إلى المستقبل المشرق بأذن واعية، مثلما تنصت ميرا لنشيد البحر بأذن الإحساس الرقيق .. ومثل المسؤولية التي تحملها من شيدوا ذلك البرج .

    سلا : صيف 1999

    إبداع : محمد الزاكي
    التعديل الأخير تم بواسطة محمد الزاكي; الساعة 15-08-2010, 01:11. سبب آخر: إرفاق صورة
  • رقيه المنسي
    أديب وكاتب
    • 01-01-2010
    • 591

    #2
    استاذ محمد الزاكى

    تملك قلما معبرا
    اشد ما اعجبنى وبهرنى هو وصفك لميرا
    هذا الوصف الدقيق المبدع بعيون المحب
    الذى يربط كل الحياه بها


    مزيد من الابداع
    تحياتى
    تعبت من البحر
    لكن قلبى يصر عن البعد عن بؤس برىء

    تعليق

    • مختار عوض
      شاعر وقاص
      • 12-05-2010
      • 2175

      #3
      الأستاذ محمد الزاكي
      استمتعت بمعايشة ما رسمت من لوحات متقنة خلفها سردك الراقي لطبيعة خلابة زانها الماء والخضرة والوجه الحسن مضافا إليها قلبان رهيفان..
      مودتي,

      تعليق

      • إيمان الدرع
        نائب ملتقى القصة
        • 09-02-2010
        • 3576

        #4
        الأستاذ القدير: محمد زاكي..
        تابعت النصّ باهتمام شديدٍ..
        لأنك تمتلك ناصية الكتابة ومفتاح قلمها..
        نقلتنا باقتدارٍ لغويّ ملفتٍ لأجواء بحريّة وطبيعة خلاّبة..
        وميرا وحدها لوحة فنيّة جميلة الخطوط والألوان
        أخي محمد سررْت بالقراءة لك..
        ويسعدني أن وجدتك بيننا..علماً يرفرف في سماء الأدب..
        أعد نفسي بمشاركات جديدة حلوة منك..
        دُمتَ بسعادةٍ...تحيّاتي
        رمضان كريم...وكلّ عام وأنت بخير

        تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدود

        تعليق

        • محمد الزاكي
          عضو الملتقى
          • 08-08-2010
          • 14

          #5
          شكر وتقدير

          أشكرك أيتها الأخت الكريمة على متابعتك للقصة ، وعلى نقدك العميق وروح
          الذوق الفني لديك بلغتك النقدية الرائقة ..
          تحيتي وشكري وتقديري .. وكل عام وأنت بخير.

          تعليق

          • خالد يوسف أبو طماعه
            أديب وكاتب
            • 23-05-2010
            • 718

            #6
            الأستاذ القدير ..... محمد الزاكي
            محظوظة جدا هذه ال .... ميرا ....
            جميل ما قرأت لك هنا وأتمنى لك المزيد
            من الرقي والإبداع بيننا
            أشكرك على هذا النص الشاعري الجميل
            كل عام وأنت بخير أخي الفاضل
            رمضان كريم
            مودتي
            sigpicلن نساوم حتى آخر قطرة دم فينا

            تعليق

            يعمل...
            X