أحزان رجل من عشب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • الضيف حمراوي
    أديب وكاتب
    • 28-11-2008
    • 70

    أحزان رجل من عشب

    أحزان رجل من عشب.


    مررت على المرج،حييته بصوت واهن وشجي، أجاب:
    - كما ترى أقفرت، تهاوت أدواحي ، وسافرت طيوري وجرفت ملامحي ، وجفت جذوري ، واختنقت أسماكي ، وغارت ينابيعي.

    قلت: كفى يا مربع الطفولة ، ومنبع الفرح ، لا توغل سهام الأسى بقلبي، لقد أصابنا الصلع معا ، وأقفرت المضامر والمظاهر.ولم يبق شيء يمكن أن تتعلق به الأفئدة وتتحلق حوله المشاعر.

    في حضنك كنت أدفن أحزاني ، وبين أكمام زهرك كنت أبذر شتلات أمالي، يهدهدها هديل أطيارك ، وحفيف أوراقك ،ويغني لها خرير مياهك. أجاب:

    - لأنك كنت طفلا، فيك أسرار الله، يسري الجمال إلى أعماقك، وكذلك كان أمثالك، أعمامك وأخوالك وأجدادك. كان رأس المال والربح للمريد ، هو أن تسكن السعادة القلوب وتفرخ بين أغصانها عصافير من أضواء وألوان، تحمل حامليها إلى معارج تفضي إلى مروج تنتشي فيها الأرواح برحيق الرضا والاطمئنان.

    - فما الذي أقحلك وأمحلك يا أعز مربع ، وما دهاها الحياة؟ أجاب:

    - غارت، بعد غارات تلتها غارات، قادتها أفكار وفلسفات، شوهت رجالا أشداء مسلحين بأطماع ومحاريث

    و جرارات.

    - أتذكر... ؟ ، كنا نأتيك أصيلا،نجتمع متزاحمين ، نحن ومواشينا ، وأسراب الطيور، تتلقانا أعشابك الطرية اللدنة، فتتراقص الأسماك بأحواض سلسبيلك مرحبة ، ويتغامز الفراش ، ويندفع ولهانا نحو رموش نوارك، سابحا بين لزاجة نسماتك وأنوارك. أجاب:

    - كان هذا في الأزمنة الخالية ، وكله قد غار، وانتهى المسار. فمع انطفاء كل نفس من أنفاس أحبابي، كانت تذوي الملايين من جذور أعشابي.

    أتذكر؟ هنا كانت تسكن الخضرة الأبدية، يطوف الصيف والخريف حولك، وينحسران مهزومين متتابعين، ويأتي الشتاء فتتصاعد أنفاس ينابيعك الدافئة أبخرة ، تلطف الجو
    و تذيب الصقيع.

    - كل هذا غار، وانتهى المسار، فبعد الحرث، جاء الجفاف، وأنابيب الصرف تصب بجوفي كل القاذورات، و السموم.

    حين غدا جمال البطولة هو تدمير قلوب اللآلئ ، والعبث بعيون ألمها، وزرع الحرائق بأكباد السحب.

    حين غدا الجد مهزلة بساحات اللعب، وصارت دماء الأطفال أرخص من أجنة الخمر في حوصلات العنب، انتهى المسار.

    - أبكيك ، أم أبكي بكاءك لأحبابك ـ أم أبكي أحبابي وأيامهم بمحرابك ؟.

    كنت سترا ، للروح وللجسد ، التقينا ، تلاعبنا فوق عشبك ، تحداني أحبابي بقدرتهم على تجريدي من ثيابي، كنت قوي البنية ،فأعلنت لهم أنني سأمحقهم كما تمحق الرحى حبات القمح ، لم يخفهم كلامي ، بدأت المباراة فوق عشبك الأخضر الطري ، ورذاذ مياهك المصفقة ، وطيورك المزغردة، كان أحبابي فريقا ، وكنت وحدي فريقا ، وانجلت المعركة عن خسارتي للمباراة ، وفقدت ثيابي فقفزت أستتر بمياه ينابيعك التي لا تستر شفافيتها شيئا ، ترجيت أحبابي أن يعيدوا لي ثيابي ، فأبوا ،أخذوها وانصرفوا ، قفزت من الماء كسمكة نشوى ، واقتلعت من أعشابك ما سترت به جسدي، كانت ملساء مريحة ، امتطيت حصاني رجلا من عشب ، كان حصاني يلتفت نحوي يريد أكلي فأنهره فيحتار ؛ لم يسبق للعشب أن نهر الحصان .

    اقتربت من البيت ، ناديت زوجتي فبرزت ترنو ، ولوحت بيدها، وأردفت بصوتها:

    - ماذا تريد؟.

    - هاتي لي ثيابي، عباءتي، وتعالي أنت وحدك.

    جاءت مسرعة مستغربة، رويت لها الرهان، وكانت تعرف روعة المكان ...، وشتمت أمامها أحبابي، اللذين فروا بثيابي، وجلسنا في طرف المرج نضحك ، أنا وهي والحصان.




    [align=left][align=left]الضيف حمراوي [/align]18/08/2010[/align]
    التعديل الأخير تم بواسطة الضيف حمراوي; الساعة 18-08-2010, 14:15.
  • خالد يوسف أبو طماعه
    أديب وكاتب
    • 23-05-2010
    • 718

    #2
    الأستاذ / الضيف حمراوي
    مساء الخير
    نص جميل ويذكرنا بطفولتنا وشبابنا
    في آن واحد ولغة سلسة ورقراقة وعذبة
    العودة إلى الماضي والحنين إلى المروج
    والفيافي والينابيع والعشب والطبيعة الجميلة
    كلها توقد الذاكرة وتتجلى بذكراها الحلوة
    جمل هذا الرهان الذي خسره بطلنا
    وهذا ما جعلني أضحك من قلبي
    فأضحك الله سنك أخي العزيز
    استمتعت بحكيك هنا أستاذي الفاضل
    ورمضان كريم
    مودتي وتقديري
    sigpicلن نساوم حتى آخر قطرة دم فينا

    تعليق

    يعمل...
    X