" لم تقصد ذلك حقا !"
عاجلتُه بمجرد أن احتوتنا السيارة ، بعد أن أغلقت الباب وقبل أن يدير مقودها.
نظر إلي ، ثم حرك المقود دون أن يرد على أجيج احتجاجي..وتركني فريسة صمته الذي أمقت.
كنت قد اتخذت قرارا أخيرا ، بتجاهل ( توافه الأمور ) هذه ، والتي تعد أمام الأمور الحقيقية ترفا أو فضولا ، لكني ما استطعت أن أتحكم بغضبي الذي أحترقت فيه ، ربما لأني بدأت أتخلى عن حلم السعادة الزئبقي الذي لا أتمكن من أمساكه براحة يدي.. إذا مالمشكلة ؟
لم لا ألقي بكل ما حفظته من دروس اللياقة أرضا.. أبدأ في سكب طوفاني قبل أن أغرق أنا كمدا وكبتا؟
لا أدري كيف وصلنا ، ولا كيف جلست هاشة مبتسمة في تلك الزيارة العائلية ، ونيران الغضب تؤجج أطرافي ، مسترقة النظر صوبه بين لحظة وأخرى وهو يعبث بشعيرات ذقنه ، أو يطلق ضحكة مجللة لدعابة ما أو يرسل لي تلك النظر اللائمة التي نسيت سواها من نظراته ، أشار إلي إشارة أفهمها..لمثلها سابقا كنت أتلون ، أتصبب عرقا ، لكني هذه المرة وقفت بتؤدة وألقيت السلام وانسحبنا لباب الخروج.
أعدتُها عليه:
" لم تكن تقصد ذلك حقا "
لم يلتف لي !
هل هي رائحة النهاية بدأت تجوب دهاليز حياتنا ،هل قصد ما قاله حقا أمام أخته؟
كنت قد اعتدت على بروده ، على انتقاصه من ذاتي ، على تبديده لكل ما أجمعه من دقائق فرح فقيرة ، فطعم طخبي الأشهى مر في فمه ، و تنسيق غرفتي الرفيع سمج في نظره ، وصوتي الرخيم نعيق في أذنيه!
كل شيء بي بحاجة لتقويم وأعادة تشكيل وتصنيع ..
وأنا ..أشرب كؤوس الصبر في صحراء حياتي الصادية معه..وأردد ربما أجني ورود الأمل بعد حين ، أحاول معه بكل الطرق ..كلها!
ولكن أن يقول لأخته أنني شراك بغيض صفدته به أمه ، فهذا ما لن أطيق.
ركن السيارة ، ترجلنا منها ، دخل إلى داخل البيت سريعا ، وقفت طويلا وسؤال يلمع في سمائي:
" إلى أين ؟"
تعليق