المصيدة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عنان العجاوي
    محظور
    • 19-08-2010
    • 29

    المصيدة

    [align=justify]
    دق العجوز وتد المصيدة في السهل, ثم ارتدى معطفه المهترىء وصعد إلى سكنه الدائم في أعلى الجبل, وهناك لملم الحطب وأشعل نارا هائجة لشواء ما تجود به الأرض, ثم تمدد داخل الكهف فغالبه النوم لساعة واحدة أفاق بعدها على صوت لم يستطع تمييزه..
    أطل من مكمنه المطل على المصيدة, فرأى فريسة تتلوى في الفخ, حمل الخنجر وهبط عن الجبل بسرعة الريح يتخبط بالصخور " ليته غزال.. ليته غزال" بقي يمني نفسه حتى وضع قدميه على أول السهل, أخذ نفسا طويلا من الراحة ثم نظر إلى المصيدة بعيون جائعة, فكانت الفريسة شاباً, صفعت الخيبة أمله, فأكمل مشيه نحو المصيدة ببطء: " بشر؟ يا لكم من صيد سهل وعديم الفائدة" ظل يرددها بسخط وهو يلوح بالخنجر حتى وصل الشاب "أين كنت تنظر؟ للأعلى..آه؟ وتنسون الأرض..
    حاول الشاب الوقوف ولكن السلسة القصيرة شدته فسقط فوق العشب, أخذ يتحسس أسنان المصيدة المطبقة على قدمه اليمنى: من ساعة وأنا أصرخ..
    تبدلت ملامح العجوز من القسوة إلى الشفقة "وهل الصراخ يفك قيداً" ثم انحنى نحو الشاب واخذ يتحسس جرحه الذي يقطر دماً "ليتك استغليت تلك الساعة وحاولت الخلاص
    - حاولت ولكن النزيف كان يزداد...
    وقبل أن يكمل قاطعه العجوزغاضبا: "وحين تكف عن المحاولة ستبقى تنزف بلا فائدة", ثم شد إصبعه على الجرح وسمر وجهه بوجه الفتى:
    - دم هذا الذي يسيل بلا مقابل أم ليس دم؟
    - دم دم.
    - نعم دم لا يحقق شيئاً, لو ضحيت بالمزيد منه لخلّصت قدمك
    - ولكني انتظرت أحدهم حتى يأتي..
    لم يرق الجواب للعجوز, فتجاهل أنينه ومشى مبتعدا يدوس العشب, ودون أن يلتفت قال "افترض أن لا أحد هنا.. ستبقى هكذا معلقاً مثل فريسة تنتظر آكلها؟"
    وأكمل خطواته البطيئة حتى وصل أول سفح الجبل, ولكن فكرة ما اقتحمته فتردد قليلاً ثم عاد إلى المصيدة, استل الخنجر من وسطه, واقترب من الشاب, "ليتك غزال", نظر الشاب إلى الخنجر يلمع في الشمس فتراجع للوراء مرعوباً, فيما العجوز يدنو منه ببطء, رفع الخنجر للأعلى ثم أغمد النصل في التراب وأخذ يحفر حول الوتد حتى بان كله, سحبه من الحفرة ثم رماه في حجر الشاب "هيا انطلق أنت حرٌ الآن".
    تململ الشاب وهو ينظر إلى أسنان المصيدة المطبقة على قدمه: حررني من أسنان الفخ.
    - لا, سأعطيك حرية الحركة فقط والباقي عليك
    حاول الشاب معه, ولكن تصميم العجوز كان يزداد "المصيدة هديه لك" ثم أقنعه بأن الهدايا لا ترد, خجل الشاب أن يتوسل أكثر, حمل الوتد بيده اليمنى, ثم وقف على قدم واحده فتعلقت رجله التي تنهشها أسنان المصيدة في الهواء, وانطلق يقفزعلى الرجل الناجية.. يبتعد ثم يقع ثم يقوم ثم يتعثر..
    أما العجوز فصعد إلى مأواه في أعلى الجبل, نظر إلى السهل فرأى الشاب يتأرجح حاملا قيده بيده ويعرج كالكونجر, فهز رأسه يائساً "سيتصفى دمه قطرة قطرة" ثم وضع كفيه حول فمه كالبوق وصاح في البرية بأعلى صوته:
    - الدم القليل يذهب سدى, المزيد منه يحقق ما تريد.

    [/align]
    التعديل الأخير تم بواسطة عنان العجاوي; الساعة 21-08-2010, 23:14.
  • خالد يوسف أبو طماعه
    أديب وكاتب
    • 23-05-2010
    • 718

    #2
    الأستاذ القدير / عنان العجاوي
    كل عام وأنت بألف خير
    نص جميل ومتين ولغة رائعة ورصينة
    السرد والحبكة والتشويق والحكي الجميل
    شروط النص كاملة ولا ينقصها سوى القراءة
    المتأنية وبتأمل كبير في ثنايا النص الوطني
    العجوز الذي نصب مصيدته وصعد أعلى الجبل
    يراقب طريدته وغزالته التي تمناها ولم تتحقق
    أمنيته بذلك وعلى النقيض تماما كان الصيد أقل
    بكثير مما كان يأمل ويتمنى .
    جائت اللغة فاتنة .... تراث عربي أصيل وتقاليد
    لرجال المقاومة الحرة من إشعال النار والمعطف المهترئ
    جاء الوصف دقيقا وموفقا جدا للسهل والنزول والركض والخنجر
    وغيرها الكثير وكأننا نرى بعين كاميرا فيديو ونشاهد فيلما ...

    "أين كنت تنظر؟ للأعلى..آه؟ وتنسون الأرض..
    هذه العبارة فيها الكثير من التأويل والمعنى والتريث والوقوف
    عليها مطولا وفيها عمق كبير ومذهل....
    ربما عنى السارد هنا حب الأرض ووجوب الحرص عليها
    وعدم الإلتفات لغيرها من أرض الوطن الغالي وعدم التفريط
    بحبات ترابه الندية ورائحتها الزكية التي اختلطت بالزعتر والريحان
    وربما عنى منها أيضا شيئا أخرا وهو عدم الخيلاء والتكبر والغرور
    وربما غير ذلك بكثير ...

    وقبل أن يكمل قاطعه العجوزغاضبا: "وحين تكف عن المحاولة ستبقى تنزف بلا فائدة", ثم شد إصبعه على الجرح وسمر وجهه بوجه الفتى:
    وسمر وجهه في وجه الفتى هذه الجملة معبرة ورائعة جدا
    تصوير فني دقيق المعنى واللفظة حلوة المذاق تمعن وحدد ملامحه.
    دم هذا الذي يسيل بلا مقابل أم ليس دم؟
    سؤال وجواب في نفس اللحظة ؟

    دم هذا الذي يسيل ؟
    بلا مقابل أم ليس دم ؟
    لماذا يسيل في الصيدة ؟
    أليس الأولى له أن يسيل في المعركة في مجابهة اليهود
    في تحرير الأرض والذود عنها طلب الثمن للدماء التي تنزف
    وأي ثمن أراد غير أرض فلسطين الحبيبة !!
    - دم دم.
    - نعم دم لا يحقق شيئاً, لو ضحيت بالمزيد منه لخلّصت قدمك


    درس في الخلاص والتضحية مرة أخرى ويسلمه مقاليد الأمور
    كي يستفيق على الحل ولكن دون جدوى ثم تركه يعاني أمه ونزفه ومضى .

    نظر الشاب إلى الخنجر يلمع في الشمس فتراجع للوراء مرعوباً, فيما العجوز يدنو منه ببطء, رفع الخنجر للأعلى ثم أغمد النصل في التراب وأخذ يحفر حول الوتد حتى بان كله, سحبه من الحفرة ثم رماه في حجر الشاب "هيا انطلق أنت حرٌ الآن".
    تململ الشاب وهو ينظر إلى أسنان المصيدة المطبقة على قدمه: حررني من أسنان الفخ.
    - لا, سأعطيك حرية الحركة فقط والباقي عليك
    حاول الشاب معه, ولكن تصميم العجوز كان يزداد "المصيدة هديه لك" ثم أقنعه بأن الهدايا لا ترد, خجل الشاب أن يتوسل أكثر, حمل الوتد بيده اليمنى, ثم وقف على قدم واحده فتعلقت رجله التي تنهشها أسنان المصيدة في الهواء, وانطلق يقفزعلى الرجل الناجية.. يبتعد ثم يقع ثم يقوم ثم يتعثر..
    أما العجوز فصعد إلى مأواه في أعلى الجبل, نظر إلى السهل فرأى الشاب يتأرجح حاملا قيده بيده ويعرج كالكونجر, فهز رأسه يائساً "سيتصفى دمه قطرة قطرة" ثم وضع كفيه حول فمه كالبوق وصاح في البرية بأعلى صوته:
    - الدم القليل يذهب سدى, المزيد منه يحقق ما تريد.

    مشهد درامي وسينمائي بكل براعة وإتقان
    تصوير رائع وجميل جدا وهذا يحسب للكاتب
    ويبقى الإصرا متلبسا روح العجوز المناضل
    بتوجيه النصح والتعليم والإرشاد له حتى بعد
    ما أعطاه حريته وفك قيده من الأرض ليحرر نفسه
    وينقذها ولا حياة لمن تنادي ... انفجر العجوز غضبا لما يرى
    من حماقة الشاب وإصراره القفز على قدم واحدةوعدم
    التضحية بقليل من الدم لتنجو رجله وتهرب من البتر أو الموت
    المحقق فيصرخ عليه بوضع يديه حول فمه وهذا تصوير فني آخر
    ورائع
    الدم القليل يذهب سدى ..... المزيد منه يحقق ما تريد ....!!!
    وهذا ربما ما أراده العجوز من الشاب المزيد من الدم يحقق ما تريد
    من تحرير الأرض وهي بحاجة لطوفان آخر ربما لتتطهر من رجسها والظلم
    القابع عليها من ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!
    أظن الرسالة وصلت من تلك العلامات أخي عنان العجاوي
    أرجو المعذرة لمشاكستي العنيفة في نصك الرائع
    واعذر خربشاتي ها هنا بين حروفك الندية التي لا تقدر بثمن؟
    تقبل مني هذه القراءة المتواضعة للنص
    وأرجو أن أكون اقتربت من الهدف والمعنى
    محبتي تعرفها
    التعديل الأخير تم بواسطة خالد يوسف أبو طماعه; الساعة 22-08-2010, 10:01.
    sigpicلن نساوم حتى آخر قطرة دم فينا

    تعليق

    • وفاء الدوسري
      عضو الملتقى
      • 04-09-2008
      • 6136

      #3
      مساء الخير.. أستاذ/عنان
      أرحب بك هنا أنت أمير القصة بدون شك
      وقد اشتقنا كثيراً لقلمك الذي أقل ما يقال عنه مبدع
      كل عام وأنت بخير
      هذا ولي عودة بإذن الله

      تعليق

      • وفاء الدوسري
        عضو الملتقى
        • 04-09-2008
        • 6136

        #4
        سال حبر القلم هنا عبر أودية الحرف وجرف
        الرمال الأحجار.. وصل للغصن الذي كاد أن يذبل..أو ذبل!
        أوهنه ما علق به عليه.. إذ لم تعد فروعه تحتمل الكسر ولا الجرح.. على شجرة
        لا ترتوي جذورها بغير الدماء وسقوط الأوراق!
        نص شاهق يتحدث عن نفسه بالحروف الذي لن يصدق كيف أنه هو أيضا تنفس الألق الجمال المتواصل والمستمر
        وكان لا بد أن ينحني لك الإبداع هنا شكراً وامتناناً
        دمت بخير
        التعديل الأخير تم بواسطة وفاء الدوسري; الساعة 23-08-2010, 11:14.

        تعليق

        • عنان العجاوي
          محظور
          • 19-08-2010
          • 29

          #5
          اخي العزيز خالد يوسف.. لم يكن بمعلومي قبل الآن ان التعليق يعطي النص قيمة إلا حين قرأتك
          وكم كان صغير هو النص بين يداك, وأنت تقلب وتقطب كل ثغراته رقعة وراء رقعة, وتفك رموزه التي لم أعلم انها موجودة, ربما لأن القارىء الإيجابي مرآة صادقة للنص.. حين يتعامل معه بأمانه تفوق حرص كاتبه..
          وهذه القصة صدقاً هي ممنونة لك كثيراً, وبأسمها أشكرك بعدد الحروف التي كتبتها ولعلي لم أعطك حقك في الإخلاص بعد..
          دمت بخير أخي وأستاذي خالد.. العزيز دائماً

          تعليق

          • عبدالكريم وحمان
            أديب وكاتب
            • 18-05-2010
            • 127

            #6
            نص يجبر القارئ على قراءته حتى آخره
            أعتقد أن هذا الشاب كسول لا يقدر نعمة العقل و التدبر

            أتراه حال شباب اليوم الذين يعولون كثيرا على الغير
            ويريدون كل شيء بدون بذل مجهود؟؟
            لو طال حديثه مع العجوز الذي أراه حكيما
            لإستفاد منه
            خالص مودتي و تقديري


            تعليق

            • عنان العجاوي
              محظور
              • 19-08-2010
              • 29

              #7
              [align=right]
              الأستاذة الرائعة وفاء عرب
              كم ممنون لكِ على حسن ضيافتك/ترحابك/كرمك/ وفائك... وكل شيء
              انا هنا أنحني إجلالاً للذاكرة.. ربما لأنها آخر هوية تُعرف الإنسان.. وانتِ إنسانة ومبدعه قبل كل شيء, قرائتك للنص أكثر جرأة مما فيه, سطوة الدم في تعليقك كانت مثل وصف لمحارب حريص على شجرة العائلة..
              دمتِ بخير سيدتي.. وجودك شر للنص كعادتك دوماً
              كل عام وأنتِ بخر.[/align]

              تعليق

              • عنان العجاوي
                محظور
                • 19-08-2010
                • 29

                #8
                [align=right]
                الأستاذة الرائعة وفاء عرب
                كم ممنون لكِ على حسن ضيافتك/ترحابك/كرمك/ وفائك... وكل شيء
                انا هنا أنحني إجلالاً للذاكرة.. ربما لأنها آخر هوية تُعرف الإنسان.. وانتِ إنسانة ومبدعه قبل كل شيء, قرائتك للنص أكثر جرأة مما فيه, سطوة الدم في تعليقك كانت مثل وصف لمحارب حريص على شجرة العائلة..
                دمتِ بخير سيدتي.. وجودك شر للنص كعادتك دوماً
                كل عام وأنتِ بخير.[/align]

                تعليق

                • عنان العجاوي
                  محظور
                  • 19-08-2010
                  • 29

                  #9
                  [align=right]
                  الأستاذ عبد الكريم وحمان
                  مبارك مرورك هنا واتمنى لك المزيد من المتعة
                  شرفني وجودك عزيزي..
                  وكل عام وأنت بخير
                  [/align]
                  التعديل الأخير تم بواسطة عنان العجاوي; الساعة 31-08-2010, 20:22.

                  تعليق

                  يعمل...
                  X