5
جلس يستعيد اللوحات التي رسمها الطلبة في كلية الفنون، ناقشه وقتها أحدهم، حين وجده يرسم أشكالاً غير واضحة الملامح، مجرد حُفَر في وجوه، العيون حفر، الأفواه حفر، الأشكال غير مترابطة، مجرد فوضى وهياج.
سأله:
-ماذا ترسم؟ أنت تسيء للفن برسومك هذه.
- أجابه:
- هذا ليس من شأنك، والنقاش بيننا عقيم، لكل منا طريقته في التعبير عن ذاته.. وأنت ماذا ترسم؟
-أرسم ابنة العراق السمراء، أنثى غامضة أليفة الجمال، انظر كيف الأنوثة تصفو في عينيها.
رد عليه وليد:
- ترسم ابنة العراق، وأنا أرسم العراق كله.
احتدم النقاش بين الأصدقاء، تدخّلَ أحد الأساتذة الذي خرج على صوت نقاشهم الحاد، تطاول عليه صاحبه ونعته بالشيوعية، ثم وجّه كلامه للأستاذ جلال:
ـ أستاذ، كل لوحاته صراخ.. إنه يحرّض للثورة.
نظر إليه وليد كقزم خسيس، متأكداً أن لوحاته ستُباع في الأسواق بثمن بخس وفي متاجر الفن الهابط. وحاول أن يلتمس له المعاذير، قائلاً: تذوّق الفن يحتاج إلى ثقافة عالية وعريضة المساحة.
من وقتها لم يتدخل وحيد في رسومات رفيقه وليد، كي لا يفضح ثقافته السطحية، إلا يوم قادت الشرطة وليـــــد من الكلية إلى التحقيق مكبّـل اليدين.
وقف متسائلاً، بعد استئذان الشرطي :
- ألم تعجبك صورة المرأة التي رسمتها؟
ردّ وليد بشجاعة:
- لا (واستمرّ): كل يبحث عمـّا ينقصه، وعمـّا يترجمه من الداخل، أنت بحاجة لما يترجم نقصك الجنسي.
نهره الشرطي:
- وأنت أيها الكلب تنقصك الثورة، اسمعوا، هذه إجابة صريحة، إنه يدين نفسه أمامكم ويبرهن على تحريضه ضد الدولة والرئيس والحزب*
في لندن يحوك عزلته في غربة نفسه، مجموعة لوحات تنتظر من يعرفها أو يستكشف ببياضها، مجاميع من الأماني لا وقت لها الآن ولا محل لها في ركن من الحياة. يتخيلها عارية، حلمة متورّدة لا يجرؤ على الاقتراب منها. يفتح الثلاجة، لم يجد زجاجة بيرة، يمشي متوتراً صوب المرآة:
-ها أنا أعود لامرأتك يا وحيد.. لمَ لمتك وقتها؟ لمَ وبّختك ؟ لست أدري.
تساءل وقطـّب حاجبيه:
-هل كنت أكذب على نفسي وقتها؟
شعر بحاجة ماسّة للتبوّل، دخل الحمام، ولعب لعبته المعهودة في إغلاق الضوء وفتحه من خيط متدلٍ قرب الباب:
-ألا يكفي الإنجليز علبهم وأقفاصهم التي يتوهمون أنها بيوتاً؟
ضرب الخيط كي يتأرجح، سحب السيفون، وترك الضوء منبعثاً:
-كم أنتم تقليديون.
***
رجع الى جلسته، استحضر أعزّته، كانت أمه تبتسم والمغزل بيدها على آخره. سمع طقطقة صفائح النفط، ابتسامة "علية" الأخيرة، نظرة طفلتها الجميلة. صديقة تعرف عليها أول مجيئه إلى لندن، بعد فترة اكتشف أنها تتجسس عليه، وكانت تعامله كامرأة مثلها، لم تكن تحب الرجال، أسرّت إليه:
- أنها تعرفت على غانية مغربية تعمل سكرتيرة لدى ثري إنجليزي، بعد أن أغوته وتزوجته، كما ذكرت له علاقتها بامرأة ذات ثراء وزوجها الثري، كلاهما في الإمارات. ولمعرفته الجيدة بالناس وتجاربه الحياتية استنتج من أحاديثها أنها لا تصادق إلا من تجد لديهم ما تحتاجه وتصبو إليه، لا يهم إن كانت غانية سيئة السمعة ، من اجل حاجتها تترك أولادها وتبيت في بيتها ثلاث ليالٍ، المهم كم تستفيد من علاقتها بها. ومن تلك النظرة ذات المصلحة وطـّدت علاقتها بالخليجية، التي بحكم الطيبة المعهودة في بلادها شربت المقلب.
استحضر من يحب ومن لا يحب، تنفست مسام جلده إثر ابتسامة تلتها ضحكة عالية، إذ طرأت عليه فكرة ذات يوم للتنزّه في شارع (هاي ستريت كنزكتن) استقل الحافلة (72) ثم سار مشياً ممشطاً الشارع ومحلاته وفنادقه ومقاهيه، الشقق الفاخرة، محلات البضائع النسائية والرجالية، مكاتب العقارات. شم رائحة بخور هندي ، استدرجته الرائحة ودخل المحل ذا الطابع الشرقي، الديكور الهندي بألوانه الزاهية بين الأحمر الناري والأزرق الفاتح، بضائع حريرية، ملابس نسائية وحلي، حقائب نسائية يدوية.
دخل فاتــــحاً منخاريه على آخرهما، لم يقصــــد الشراء أو التجــــوال في الشوارع، بل رغب في رؤية وجوه النساء لعلـّه يجد من يتمنى رسمها. ابتسم له صاحب المحل، ردّ على ابتسامته، لحقه البائع الشاب عارضاً عليه خدماته. شكره، ثم ردّ على سؤال طرحه البائع حول مسقط رأسه :
I am from Iraq)- )
ـ ( أوه.. صدام.. You are from Saddam)
هزّ رأسه مؤكداً :
- لكن كما لديكم (غاندي)؛ لدينا......(مبتسما)، مع الفارق طبعاً. وبما أن في بلادكم حكمت امرأة مثل (أنديرا غاندى )منذ زمن، نحن جاءنا الفرج، لقد رفعت نزيهة الدليمي ورفيقاتها صوت المرأة عالياً. وطبعاً مع فارق الزمن.
- اسمح لي ، أظنك فخوراً (بطاغور) ، ونحن فخورون بالسيف الذي تغني به المتنبي. أنتم تعودتم لغة السلام ونحن لغة السيف ، تفننتم بالتجارة والزراعة والعلم والفن وكل ما يحتاجه الإنسان، ونحن قمنا بطمر الإنسان ووسعنا قبره.
وضع يده على وليد: لا تكن متشائما.
ـ (أوه .. سوف أفعل. (مستهزئاً).
ثم خرج مودعاً، كأنه يبحث عن شيء فقده .
استوقفه محل للوشم.. طوابير الفتيات المراهقات، النساء والرجال. دفعه حب الاستطلاع إلى الدخول،غرفة ذات أربع كنبات حُشرت عليها أجساد الفتيات المنتظرات دورهن، صور معلقة على الحائط بكل الرسومات الصغيرة والكبيرة مستعرضة الأشكال والمواقع الموشومة، على السرّة والأفخاذ والأوراك والأثداء.
شاهد صورة امرأة وصورة صليب موشوم على عورتها، بينما صورتان لرجلين أحدهما جالس على ركبتيه الموشومتين والرسومات تملأ فخذية وعلى مؤخرته، بينما وقف الثاني منتصب القامة كأن منظره الموشوم يقول ها أنا ذا برجولتي المزخرفة.
مدّ يده إلى بنطلونه يتحسس شيئاً فقده منذ زمن، وفكر؛ ماذا لو حجزت لي موعداً مع الوشّام، ربما نغز الإبر يوقظ المقتول بين فخذي، هزّ يده مستنكراً، وخرج*
شعر بحرارة الكرسي تحته، كان الوقت يُغرقه بالذكريات، وكانت الساعات الثلاث التي قضاها على جلسة واحدة قد تركت النمنمة والخدر يدبّان في قدميه حتى لم يعد قادراً على تحريكهما. فركهما بيده، شعر بوخز قوي في رجله اليمنى، فركها أكثر، دعك ساقه وقدمه، اعترف بالخطأ الجسيم أمامها:
- ((من حقك أن تخدري، أكو مجنون يجلس ثلاث ساعات مرة واحدة؟ أي وين كنت يا ابن الكلب أكو واحد يسوّي عملتك هذه؟ إي ما جعت؟ ما عطشت؟
- أدري بأنك كنت ترسم صورة في خيالك، تستحضر كل الوجوه في (هاي ستريت كنزكتن)، تتفحصها وجهاً وجهاً، ثم ما الذي استفدت من اجترار أشعار عبد الحق؟
حتى التليفون كان مصـــراً على الصمــت، كان متواطئاً مع ساعاته. نهض متعباً، لم يكن راغباً بفتح التلفاز، ولم يستحضر امرأة بباله. وقف أمام المرآة في مدخل الشقة، تفحص عينيه المحمرّتين، ثم أشار بإصبعه: نعم، مازلت تشبه وليداً الذي عرفته. وليد بائع النفط، وليد الرسام، وليد الذي لم يساوم.. انتبه فجأة.. ووليد النصف، وتريد أن تهواك امرأة؟
- النساء تحب الرجل الكامل، المرأة أيها النصف تحب أن يمسكها الرجلبيديه، يطبقهما ويتفحص الجسد، يتنقل من نقطة إلى نقطة،يرتجف عشقا ورغبة فأين يداك؟
ثم أنت فاقد لحاسة الشم، تشم ماذا؟ ها. كيف تتغزل بعطرها؟ وعضوك المخذول ماذا تفعل به؟ هل تتذكر أول ( قحبة) جئت بها من (البيكاديللي) إلى هنا؟
هل نسيت ما قالته إليك؟ أنا أذكّرك، قالت لك: لا جيب ولا رجولة أحضرتني هنا لتمصّ ثديي، طيّب هات نصف أجرة إذاً؛ ودفعت لها أجرة كاملة لتغطى عيبك.
ماذا لو كانت "علية" الآن أمامك، وأنت لا جيوب ممتلئة ولا سيارة فارهة ولا رجولة؟ مجرد زبالة تتصورها وليداً، (تفو عليك..)
بصق وراح يتابع بصاقه كيف تنزلق على سطح المرآة، حتى وصلت إلى النصف؛ نعم:
-استقرّي هنا. (وينك يا علاّوي تشوف صاحبك، حتى التفلة عرفت وين تستقر)
جلس يستعيد اللوحات التي رسمها الطلبة في كلية الفنون، ناقشه وقتها أحدهم، حين وجده يرسم أشكالاً غير واضحة الملامح، مجرد حُفَر في وجوه، العيون حفر، الأفواه حفر، الأشكال غير مترابطة، مجرد فوضى وهياج.
سأله:
-ماذا ترسم؟ أنت تسيء للفن برسومك هذه.
- أجابه:
- هذا ليس من شأنك، والنقاش بيننا عقيم، لكل منا طريقته في التعبير عن ذاته.. وأنت ماذا ترسم؟
-أرسم ابنة العراق السمراء، أنثى غامضة أليفة الجمال، انظر كيف الأنوثة تصفو في عينيها.
رد عليه وليد:
- ترسم ابنة العراق، وأنا أرسم العراق كله.
احتدم النقاش بين الأصدقاء، تدخّلَ أحد الأساتذة الذي خرج على صوت نقاشهم الحاد، تطاول عليه صاحبه ونعته بالشيوعية، ثم وجّه كلامه للأستاذ جلال:
ـ أستاذ، كل لوحاته صراخ.. إنه يحرّض للثورة.
نظر إليه وليد كقزم خسيس، متأكداً أن لوحاته ستُباع في الأسواق بثمن بخس وفي متاجر الفن الهابط. وحاول أن يلتمس له المعاذير، قائلاً: تذوّق الفن يحتاج إلى ثقافة عالية وعريضة المساحة.
من وقتها لم يتدخل وحيد في رسومات رفيقه وليد، كي لا يفضح ثقافته السطحية، إلا يوم قادت الشرطة وليـــــد من الكلية إلى التحقيق مكبّـل اليدين.
وقف متسائلاً، بعد استئذان الشرطي :
- ألم تعجبك صورة المرأة التي رسمتها؟
ردّ وليد بشجاعة:
- لا (واستمرّ): كل يبحث عمـّا ينقصه، وعمـّا يترجمه من الداخل، أنت بحاجة لما يترجم نقصك الجنسي.
نهره الشرطي:
- وأنت أيها الكلب تنقصك الثورة، اسمعوا، هذه إجابة صريحة، إنه يدين نفسه أمامكم ويبرهن على تحريضه ضد الدولة والرئيس والحزب*
في لندن يحوك عزلته في غربة نفسه، مجموعة لوحات تنتظر من يعرفها أو يستكشف ببياضها، مجاميع من الأماني لا وقت لها الآن ولا محل لها في ركن من الحياة. يتخيلها عارية، حلمة متورّدة لا يجرؤ على الاقتراب منها. يفتح الثلاجة، لم يجد زجاجة بيرة، يمشي متوتراً صوب المرآة:
-ها أنا أعود لامرأتك يا وحيد.. لمَ لمتك وقتها؟ لمَ وبّختك ؟ لست أدري.
تساءل وقطـّب حاجبيه:
-هل كنت أكذب على نفسي وقتها؟
شعر بحاجة ماسّة للتبوّل، دخل الحمام، ولعب لعبته المعهودة في إغلاق الضوء وفتحه من خيط متدلٍ قرب الباب:
-ألا يكفي الإنجليز علبهم وأقفاصهم التي يتوهمون أنها بيوتاً؟
ضرب الخيط كي يتأرجح، سحب السيفون، وترك الضوء منبعثاً:
-كم أنتم تقليديون.
***
رجع الى جلسته، استحضر أعزّته، كانت أمه تبتسم والمغزل بيدها على آخره. سمع طقطقة صفائح النفط، ابتسامة "علية" الأخيرة، نظرة طفلتها الجميلة. صديقة تعرف عليها أول مجيئه إلى لندن، بعد فترة اكتشف أنها تتجسس عليه، وكانت تعامله كامرأة مثلها، لم تكن تحب الرجال، أسرّت إليه:
- أنها تعرفت على غانية مغربية تعمل سكرتيرة لدى ثري إنجليزي، بعد أن أغوته وتزوجته، كما ذكرت له علاقتها بامرأة ذات ثراء وزوجها الثري، كلاهما في الإمارات. ولمعرفته الجيدة بالناس وتجاربه الحياتية استنتج من أحاديثها أنها لا تصادق إلا من تجد لديهم ما تحتاجه وتصبو إليه، لا يهم إن كانت غانية سيئة السمعة ، من اجل حاجتها تترك أولادها وتبيت في بيتها ثلاث ليالٍ، المهم كم تستفيد من علاقتها بها. ومن تلك النظرة ذات المصلحة وطـّدت علاقتها بالخليجية، التي بحكم الطيبة المعهودة في بلادها شربت المقلب.
استحضر من يحب ومن لا يحب، تنفست مسام جلده إثر ابتسامة تلتها ضحكة عالية، إذ طرأت عليه فكرة ذات يوم للتنزّه في شارع (هاي ستريت كنزكتن) استقل الحافلة (72) ثم سار مشياً ممشطاً الشارع ومحلاته وفنادقه ومقاهيه، الشقق الفاخرة، محلات البضائع النسائية والرجالية، مكاتب العقارات. شم رائحة بخور هندي ، استدرجته الرائحة ودخل المحل ذا الطابع الشرقي، الديكور الهندي بألوانه الزاهية بين الأحمر الناري والأزرق الفاتح، بضائع حريرية، ملابس نسائية وحلي، حقائب نسائية يدوية.
دخل فاتــــحاً منخاريه على آخرهما، لم يقصــــد الشراء أو التجــــوال في الشوارع، بل رغب في رؤية وجوه النساء لعلـّه يجد من يتمنى رسمها. ابتسم له صاحب المحل، ردّ على ابتسامته، لحقه البائع الشاب عارضاً عليه خدماته. شكره، ثم ردّ على سؤال طرحه البائع حول مسقط رأسه :
I am from Iraq)- )
ـ ( أوه.. صدام.. You are from Saddam)
هزّ رأسه مؤكداً :
- لكن كما لديكم (غاندي)؛ لدينا......(مبتسما)، مع الفارق طبعاً. وبما أن في بلادكم حكمت امرأة مثل (أنديرا غاندى )منذ زمن، نحن جاءنا الفرج، لقد رفعت نزيهة الدليمي ورفيقاتها صوت المرأة عالياً. وطبعاً مع فارق الزمن.
- اسمح لي ، أظنك فخوراً (بطاغور) ، ونحن فخورون بالسيف الذي تغني به المتنبي. أنتم تعودتم لغة السلام ونحن لغة السيف ، تفننتم بالتجارة والزراعة والعلم والفن وكل ما يحتاجه الإنسان، ونحن قمنا بطمر الإنسان ووسعنا قبره.
وضع يده على وليد: لا تكن متشائما.
ـ (أوه .. سوف أفعل. (مستهزئاً).
ثم خرج مودعاً، كأنه يبحث عن شيء فقده .
استوقفه محل للوشم.. طوابير الفتيات المراهقات، النساء والرجال. دفعه حب الاستطلاع إلى الدخول،غرفة ذات أربع كنبات حُشرت عليها أجساد الفتيات المنتظرات دورهن، صور معلقة على الحائط بكل الرسومات الصغيرة والكبيرة مستعرضة الأشكال والمواقع الموشومة، على السرّة والأفخاذ والأوراك والأثداء.
شاهد صورة امرأة وصورة صليب موشوم على عورتها، بينما صورتان لرجلين أحدهما جالس على ركبتيه الموشومتين والرسومات تملأ فخذية وعلى مؤخرته، بينما وقف الثاني منتصب القامة كأن منظره الموشوم يقول ها أنا ذا برجولتي المزخرفة.
مدّ يده إلى بنطلونه يتحسس شيئاً فقده منذ زمن، وفكر؛ ماذا لو حجزت لي موعداً مع الوشّام، ربما نغز الإبر يوقظ المقتول بين فخذي، هزّ يده مستنكراً، وخرج*
شعر بحرارة الكرسي تحته، كان الوقت يُغرقه بالذكريات، وكانت الساعات الثلاث التي قضاها على جلسة واحدة قد تركت النمنمة والخدر يدبّان في قدميه حتى لم يعد قادراً على تحريكهما. فركهما بيده، شعر بوخز قوي في رجله اليمنى، فركها أكثر، دعك ساقه وقدمه، اعترف بالخطأ الجسيم أمامها:
- ((من حقك أن تخدري، أكو مجنون يجلس ثلاث ساعات مرة واحدة؟ أي وين كنت يا ابن الكلب أكو واحد يسوّي عملتك هذه؟ إي ما جعت؟ ما عطشت؟
- أدري بأنك كنت ترسم صورة في خيالك، تستحضر كل الوجوه في (هاي ستريت كنزكتن)، تتفحصها وجهاً وجهاً، ثم ما الذي استفدت من اجترار أشعار عبد الحق؟
حتى التليفون كان مصـــراً على الصمــت، كان متواطئاً مع ساعاته. نهض متعباً، لم يكن راغباً بفتح التلفاز، ولم يستحضر امرأة بباله. وقف أمام المرآة في مدخل الشقة، تفحص عينيه المحمرّتين، ثم أشار بإصبعه: نعم، مازلت تشبه وليداً الذي عرفته. وليد بائع النفط، وليد الرسام، وليد الذي لم يساوم.. انتبه فجأة.. ووليد النصف، وتريد أن تهواك امرأة؟
- النساء تحب الرجل الكامل، المرأة أيها النصف تحب أن يمسكها الرجلبيديه، يطبقهما ويتفحص الجسد، يتنقل من نقطة إلى نقطة،يرتجف عشقا ورغبة فأين يداك؟
ثم أنت فاقد لحاسة الشم، تشم ماذا؟ ها. كيف تتغزل بعطرها؟ وعضوك المخذول ماذا تفعل به؟ هل تتذكر أول ( قحبة) جئت بها من (البيكاديللي) إلى هنا؟
هل نسيت ما قالته إليك؟ أنا أذكّرك، قالت لك: لا جيب ولا رجولة أحضرتني هنا لتمصّ ثديي، طيّب هات نصف أجرة إذاً؛ ودفعت لها أجرة كاملة لتغطى عيبك.
ماذا لو كانت "علية" الآن أمامك، وأنت لا جيوب ممتلئة ولا سيارة فارهة ولا رجولة؟ مجرد زبالة تتصورها وليداً، (تفو عليك..)
بصق وراح يتابع بصاقه كيف تنزلق على سطح المرآة، حتى وصلت إلى النصف؛ نعم:
-استقرّي هنا. (وينك يا علاّوي تشوف صاحبك، حتى التفلة عرفت وين تستقر)
تعليق