رســـالــــة مــــــــن هــــــــنـــــــــــاك !!

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • أديب قبلان
    عضو الملتقى
    • 28-12-2007
    • 39

    رســـالــــة مــــــــن هــــــــنـــــــــــاك !!

    انفرجت أسارير الأزهار وعاد الورق الأصفر المتساقط إلى أمكنته على أغصان الأشجار ، وها هو الربيع يعود مبتسماً أخضراً خضرة صافية نقية طارداً وحدة الخريف وعناء موسمه ، فالكل الآن يعود إلى حقله ، ليس نضال وجهاد فقط بل عاد الجميع .. عمر وسعيد وخالد واعتصام و ليث ، هؤلاء الشباب الذين وقفوا في وجه من لم يعرف معنى كلمة الوطن في قلوب العاشقين .
    كانت الأيدي السمر قد أتعبها الاسترخاء وحنت للزراعة والحصاد وهاهي الآن ستحقق ما حنت إليه .. ما هي إلا دقائق حتى وصلوا إلى الحقول التي لم يروها منذ أن وضع الاحتلال الصهيوني يده الغاشمة على أرزاقها و كنوزها التي تركها الأجداد منذ حقب بعيدة .
    أطل من بعيد هؤلاء السكان الأشداء من على شرفة جبل ..... ورأوا ما آلت إليه مزارعهم تلك من فرقة وخراب ودمار وما عانته من جفاف بعد أن أحرقها هؤلاء الصهاينة بعد انتفاعهم منها ، ولكنهم لم يعرفوا كعادتهم لم يعرفوا الفشل وباشروا مزارعهم بالري والترطيب والبذر وطالت بهم الأيام على هذه الحال حتى حان موعد ذلك اليوم ....
    منذ صياح ديك مزرعة أبو صالح النقشي سمع في جانب الجولان الغربي صوت لإطلاق النيران .. لم تعرف بعد الأسباب ، ولكن ما هي إلا دقائق حتى جاء بدر ، صبي القرية الذي يجلب الأخبار عادة مبلغاً أهل القرية بهلاك مزارعهم !! .. ماذا ؟! ، ماذا تقول يا بدر ؟! ، لقد عاد الأوغاد ليهدموا ما بنينا وحان موعد الشهادة أو النصر وتنادوا إلى السلاح ... أي سلاح ! إنها الفؤوس والعصي .. إنها الخناجر وسيوف الشهامة والشجاعة ، جاءت حميتهم تنادي ... هلموا إلى الأرزاق ... ولن يحدث إلا ما كتبه مالك هذه الأرزاق ، وخلال دقائق كان الثائرون من أبناء أرض الصمود يختلفون في مصائرهم فمنهم من آثر أن يسقي مزرعته من دمه بدلاً عن الماء العذب الذي يسقيها صباحاً به ، ومنهم من آثر السجن على الموت عل الله يأجره به أجراً عظيماً ، ومنهم من نادى الله أكبر ليؤثر الصمود في ساحة القتال حتى الزوال ، وانتهت هذه الافتتاحية الصباحية بانضمام ثائري القنيطرة إلى جانب أهل الصمود والكفاح ووقعوا بينهم عقد الموت دفاعاً عن شرف الأحرار ، وذوداً عن حمى الوطن الكبير في القلوب ، حيث سارعوا بالإجهاز على مئتي وغد من أصل ثلاثمئة وخمسين و قد عادوا ودمع النصر يغرق مآقيهم الغراء ، فقدوا الكثير من أصحاب الحمية والكرامة لكنهم كسبوا نصراً ليس بعده نصر وجعلوا من حياة الأوغاد جحيماً وكسروا شوكةً طالما قيل فيها " الشوكة الخالدة " ، عادوا ومحامل النصر على أعقابها الرجال الذين وضعوا حدًا لحياتهم بتلبية دعوة الوطن الخالد المبجل .
    دخل جهاد على أمه حاملاً أخبار المجاهدين ثم قبل يدها ورأسها ودمع العين منهمر يسيل وقال بصوت مبحوح هادئ :
    - ادع لخالي أبي أحمد بالرحمة فقد رأى في جنات الخلد مقامه ...
    لم تستقبل الأم ذلك بالعويل بل استقبلته بالزغاريد التي ملأت أرجاء القرية .. هؤلاء صامدات الجولان .. هؤلاء وريثات الأجداد الكرام ، لم يكونوا في يوم من الأيام إلا أصحاب مواقف رجولية إن دلت فإنما تدل على العشق المميت لأرض الوطن والرغبة الصامدة في تحريره ورفع يد ذلك الغاشم عنه إلى الأبد ، فرفعت تلك الأم يديها إلى عنان السماء مخرجةً بلسانها كل ألفاظ الدعاء من فمها الذي طالما نطق بالدعاء ليحفظ لها الشاب الذي وهبت حياتها لتربيته حتى رأته نخلةً قائمة بكل قواها ، حتى ترى أحفاده قبل أن يستدعيها ملك الموت ليقبضها .
    هذا لم يكن الخبر الوحيد الذي استقبلته أم اعتصام بهذه الوقعة ، فقد اضطر أبو تائب لأن يأخذ ابنته إلى " داية " القرية أم الوفا بعد أن جاءها خبر استشهاد زوجها في المواجهة فخرت قواها على الأرض وخرت هي وراءها علها تجمعها لكن دون جدوى ، كما أصاب خبر وفاة ابن العجوز خالد قلبها لتخر على الأرض دون حراك ولتصبح الفاجعة فاجعتان وليزيد حقد أهل القرية على اليهود ويزيدوا قوة نفسية و ليبدأوا مشوار الانتقام الذي تضاعف بعد آخر مواجهة والتي قضى فيها العشرات من نبلاء القرية وأشرافها الذين ظلت القرية حاملة ً شرف أسمائهم الساطعة في سماء الجولان طيلة عقود طويلة .
    تناولت أمي المقشة وشرعت في تنظيف " أرض الدار " التي كم سهرنا فيها مع خالي المرحوم أبو أحمد ووالدي – شهيد الجولان – الذي قدم روحه رخيصة في مقام جليل هدية لأرض الجولان الحبيب ...
    - أمي .. منذ متى لم نسهر هنا في هذه الجنة الصغيرة ؟!
    - لقد ولت تلك الأيام مدبرة بعد أن سئمت مجالسنا ..
    لم أطل في هذا الموضوع فلم ألبث أن رأيت دمعها هاج غاضباً يريد الانهمار فمنعته بقولي :
    - إن لجارتنا أم السعيد وحشة .. لو أنها لا تزال هنا لما شعرت بالملل والفراغ الكبير الذي يطغى عليك .
    صمتت برهة .. :
    - يا بني .. أما سمعت عن المثل الذي يقول لا أسف على رخيص إذا تولى الغالي .
    لم أتمالك نفسي وقصدت باب البيت الذي أحسبه عادةً مخبئا للبكاء بعيداً عن ناظري والدتي المسكينة ، فخرجت ليكون نصيبي – كالمعتاد - بائع الحلوى الفلسطيني الأصيل المعروف في قريتنا باسم " سلطان الحلو " بوجهه البشوش المليء بالمعاني المختبئة بين طيات التجاعيد التي أوجبها الزمن في أرجاء وجهه بعد أن فرض عليه ترك أرضه في فلسطين ورحيله إلى أقرب منطقة فكان من نصيبنا .
    - كلما جئت من هنا أراك خارجاً يا جهاد .. ربما حتم عليك القدر أن تشتري من عندي أحد أنواع الحلوى !
    فعلاً أضحكني .. وأحرجني ... فها هو يطلب بصريح العبارة أن أشتري من عنده ... فكيف سأرفض ؟! لم أطل كثيراً التفكير ... فتناولت ما معي من " ليرات" ووضعتها في يده مبتسماً ابتسامةً تعقب الحزن :
    - إذا لم نشتر من حلوى العم أبو جاسم .. فمن عند من سنشتري ! .
    - جبر الله خاطرك وأخذ بيدك ونصرك على أعدائك أجمعين .
    كعادتي .. لم أبتعد كثيراً فحدودي النهائية لهذا المخبأ السياج الموضوع ليحجب عنا نور الحياة والذي يمنع عنا الاحتفال بوطننا الأم سوريا ، تلك الأرض التي كان من نصيبها أن تحتضن أرض الجولان .. أرض الأطهار الذين لم يعرفوا بعد معنى كلمة الخيانة أو السكوت على باطل .
    تناولت طريق البيت قاصداً الراحة البدنية والنفسية وهي بضع خطوات .. وها أنا أطل على مشارف منزلنا الحبيب البسيط صوت طحن القمح ينادي شوقي للخبز التنوري الذي اعتدت أكله بشره .
    فتحت الباب ، دخلت .. اتجهت إلى أمي وقد احتلتها حالة من الراحة كما يبدو :
    - عل وضعك قد تغير إلى الأفضل إلى شاء الله يا أمي ...
    - إن شاء الله يا بني .. إن شاء الله
    دخلت إلى حجرتي و شرعت في تنظيم خطة لرد الصاع الصهيوني صاعين أليمين وكما اتفقت مع معتز والبقية .. كل منا بجهز خطة ثم نختار الخطة الأفضل حتى نستطيع ضرب الصهاينة بأسلوب متمكن .
    الساعة أشرفت على الثامنة مساءً من يوم الأربعاء والاجتماع بيننا مقرر في الساعة الثامنة والنصف ..
    تأكدت من نوم أمي في سريرها المنخفض ، ثم خرجت بخطوات صامتة قاصداً الجامع والشيخ أبو شعلان حسب الاتفاق ، وهاهي لحظات مضت وأطل المسجد في نهاية الدرب .. اقتربت .. وجدت عدداً من أحذية في الخارج .. دخلت سلمت ..أوه جيد ، الشباب جميعهم حاضرون في الموعد وحسب الاتفاق :
    - السلام عليكم
    - وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، لقد كنت آخرنا على غير عادتك ..
    - أ .. أ نعم ، لقد اضطررت إلى التأكد من نوم الوالدة أطال الله عمرها لأستطيع الخروج كما تعرفون .
    لحظات .. وكانت الخطة قد جهزت و موعد التنفيذ هو يوم الجمعة فجراً .
    يوم الخميس مساءً .. كانت التجهيزات بيننا على أتمها ، ولم نلق أية صعوبات أو مضايقات من مختار الحي أبو العز الذي اعتاد أن يكون ذيلاً لمخفر القرية الذي لم يلبث أن يتفق مع أحفاد صهيون على إفنائنا عن بكرة أبينا هذا إن لم يكن هو صهيوني ...
    جهزنا العدة وكانت اللقيا على تل الوداد ، هكذا أسميناه ، لأنه فعلاً مكان محبة وتآلف ووداد ، فجراً ومع نداء الشيخ أبو شعلان على صلاة الفجر .. صليناها جماعة كما اعتدنا منذ صغرنا وتوجهنا إلى التل لنتزود بالقنابل والذخيرة التي جاءتنا من لبنان عن طريق الحدود .
    تزودنا بتلك الذخيرة ووجهنا نيتنا وقصدنا لمولانا رب العباد وتناولنا أسلحتنا وركبنا سيارة عسكرية قديمة واتجهنا إلى أولى المستوطنات المستهدفة .
    هي ساعات قليلة وترى الدخان الأسود يتطاير خلف حاجز عال الارتفاع دليلاً على نجاح العملية ولكن اضطررنا إلى توديع بعض من إخوتنا الذين تبرعوا بأرواحهم فداءً للوطن وهم إن شاء الله في جنات النعيم .
    ركبنا السيارة وتوجهنا عائدين إلى القرية خائفين من زلات الحظ فأي دورية لشرطة ستشك في أمرنا وخصوصاً أننا عرب ، وكان ما توقعناه ..
    حاجز نهائي مفعم بالجند اليهود يفتشون السيارات ، كان السائق هو صالح النقشي فحاول تجاوز هذا الحاجز بزيادة السرعة لكن رصاصةً غادرت القانص الآلي لتكون نقطة نهاية حياته التي امتلأت بالبهجة والسرور ، وتوقفت السيارة على جانب الطريق متعثرة بصخرة عملاقة وأخرجونا منها وأغلبنا قاوم الجنود الإسرائيليين فأطلقوا عليهم النار عل الأرض تروي عطشها الذي امتد طويلاً وها أنا الآن لا أعرف مكاني ولكنني أعلم أنه حكم علي بالإعدام وأنتظر تنفيذ الحكم وأنقل لكم هذه الرسالة لتوصلوها إلى العالم أجمع ...

    الأسير في ظلمات سجون الصهاينة
    [CENTER][SIZE="5"][COLOR="Blue"]من كل عريق وجميل تحتضنه الأرض
    من كل فسيلة ، من كل شجرة ، من كل زهرة
    من كل روح عطرة أودعت في نفوس الكائنات
    من الحب كل الحب
    من قطرات الندى بوادي السباع
    من كل طيب تنطق به الألسن
    من كل هذا ..

    إلى مقام الجمال والجلال البديع
    إلى مقام[/COLOR] [COLOR="Red"]الــــشـــــام[/COLOR] [COLOR="blue"]وأهلها[/COLOR][/SIZE]

    أديب قبلان[/CENTER]
  • د.مصطفى عطية جمعة
    عضو الملتقى
    • 19-05-2007
    • 301

    #2
    الأستاذ الأديب / أديب قبلان
    تحياتي وتقديري
    قصة واقعية ، مصاغة بأسلوب حسن ، امتزج فيه الحدث المباشر المقاوم للمحتل الصهيوني ، مع العلاقات الإنسانية الحميمية في الأسرة والقرية والبائعين ، وأرى أن لديك موهبة القصة بشكل رائع ، وأسلوبك عالي الوصف ، شديد الحميمية ، ذو حس عال ، وإن وجد بعض الخطاب المباشر الذي يدعو للتحريض والهجوم ، وهذا يتنافى مع النص الأدبي في وجوب أن يشير النص لا يصرح ، يرمز ولا يخطب .
    ويستحب أن تكون القصة محدودة بزمن ومكان وأحداث ، بعيدة عن الاسترسال التفصيلي ،فهذا من لوازم الرواية .
    تحياتي وتقديري

    تعليق

    • أديب قبلان
      عضو الملتقى
      • 28-12-2007
      • 39

      #3
      الدكتور مصطفى ...


      جزاك الله كل خير على هذا المرور الراقي على صفحتي المتواضعة هذه وأتمنى من الله العزيز القدير أن يأجرك بتوجيهي ..

      بصراحة أنا كنت بحاجة لهذه التوجيهات لأنني كنت أفتقدها حيث أنك تعرفت مجاملة المحبين وأنا دائمًا أحرص على أن أبتعد عن المجاملة لأنني أحب الصراحة ولأنني لا أقنشر أعمالي بهدف الحصول على الإطراء وإنما للاتقاط التنبيهات حول نقاط متنوعة ..


      تقبلني
      [CENTER][SIZE="5"][COLOR="Blue"]من كل عريق وجميل تحتضنه الأرض
      من كل فسيلة ، من كل شجرة ، من كل زهرة
      من كل روح عطرة أودعت في نفوس الكائنات
      من الحب كل الحب
      من قطرات الندى بوادي السباع
      من كل طيب تنطق به الألسن
      من كل هذا ..

      إلى مقام الجمال والجلال البديع
      إلى مقام[/COLOR] [COLOR="Red"]الــــشـــــام[/COLOR] [COLOR="blue"]وأهلها[/COLOR][/SIZE]

      أديب قبلان[/CENTER]

      تعليق

      • هيام مصطفى قبلان
        أديب وكاتب
        • 27-10-2007
        • 502

        #4
        رسالة من هناك : أديب قبلان

        أخي الأديب والشاعر : أديب قبلان
        أسلوبك ينمّ عن موهبة في كتابة القصة , أنت رقيق المشاعر
        بالرغم من أحداث القصة القاسية والحزينة , تنقل القارىء
        للأماكن وتجعله يعيش أحداث القصة لكنك استعملت اسلوبك
        من زاوية السرد وهذا أدى الى تفصيل الأحداث مع انه من المحبذ
        ادخال " الرمز " لتسير الأحداث متداخلة وذلك من خلال المتعة الفنيّة
        كأسلوب قصصي , يقول الكاتب القصصي الأمريكي " هنري جيمس "
        في نصيحة لكاتب القصة :
        " لا تقل لنا ماذا يجري , بل دعه يحدث أمام بصرنا وسمعنا "
        وهنا أهمية كبيرة للأخراج الدرامي للحدث الذي يترك انطباعه
        في نفس القارىء دون تدخل من الكاتب .
        ان القصة القصيرة البارعة تنطوي على رؤيا حياتية
        بني عليها " النسيج الفني " .. ويكون الموقف أو الحدث
        الذي يدور في القصة ممتعا ومؤثرا في حدّ ذاته لكنه
        أيضا قد ينطلق من حكم الزمن والمكان المحدودين الى التعميم .

        أنتظر منك قصة أخرى ,انت بألف خير
        مني : هيام قبلان

        تعليق

        • أديب قبلان
          عضو الملتقى
          • 28-12-2007
          • 39

          #5
          الأستاذة الفاضلة هيام ...


          أشكر مرورك وإطراءك ..

          جميل أن أتلقى هذه النصائح من هؤلاء الفرسان ..

          الصراحة ، هناك شيء جعلني أكثر من السرد ، وهو أن مشروع هذه القصة كان رواية لكن زمن الثانوية داهمني فاضطررت إلى إنهائها على هذا النحو دون أن أغير شيئًا في بنيتها ، مما أدى إلى ذها الخلل ..


          بوركتم جميعًا ...
          [CENTER][SIZE="5"][COLOR="Blue"]من كل عريق وجميل تحتضنه الأرض
          من كل فسيلة ، من كل شجرة ، من كل زهرة
          من كل روح عطرة أودعت في نفوس الكائنات
          من الحب كل الحب
          من قطرات الندى بوادي السباع
          من كل طيب تنطق به الألسن
          من كل هذا ..

          إلى مقام الجمال والجلال البديع
          إلى مقام[/COLOR] [COLOR="Red"]الــــشـــــام[/COLOR] [COLOR="blue"]وأهلها[/COLOR][/SIZE]

          أديب قبلان[/CENTER]

          تعليق

          يعمل...
          X