عينا روزا...؟.

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ماهين شيخاني
    أديب وكاتب
    • 03-02-2009
    • 194

    عينا روزا...؟.

    [align=right]

    عينا روزا..؟.


    كانت روائح شتى من الأطعمة تتسرب إلى داخل ذاك المنزل الشبه الأثري في حي قديم الذي يسكنه طالب جامعي مع أخته التي تصغره بعدة أعوام والتي قامت بدورها لحظتئذٍ بتحضير بعض حبات من درنات البطاطا في طبق صغير تسمى ( المفركة ) بجانبه صحن تحتويه أقراص من الفلافل مع أبريق من الشاي المكرر , الباب مفتوح على مصارعيه كالعادة للتهوية لعدم وجود نافذة لاستقبال نسمات الهواء عوضاً عن التكييف , تفوح من جوارهم ألذ وأشهى أنواع الأطعمة , حتى بات بإمكانهما معرفة ما أحضره كل منزل سفرتها للفطور في شهر رمضان المبارك .
    فجأةً , أقحمت هرة صغيرة هزيلة منهكة تجرجر ذيلها الخامل هدأة سكونهما ومزقت صمتهما , فنظرا لبعضهما ومن ثم إلى تلك الهرة باستغراب , تمتم بنبرة أليمة : سبحان الله تركت كل هذه البيوت واتجهت إلينا , لبيت لا تملك لقمة تفتخر بها أمام هذا الروح , حتى رائحة لحم لن تحصلي عليها أيتها القطة , لو كنت بجانب مطعم ألآن لكنت على أحسن حال من هذه الزيارة , ولوفرت عناء التعب والمشقة, على الأقل كنت ستحصلين على رائحة شواء أو بعض من العظام المرمية في الحاويات. أما عندنا يا للحسرة حتى الخبز يابس , عليك نقعها بالماء لبلعها ؟.
    أرادت أخته بذكاء وفطنة أن تخفف من محنته فقالت: يا الله ما أجمل عينيها ؟ انظر إلى عيناها الزرقاوات , كم تشبه عينا (روزا ) ؟.
    - ارتسم على شفته ابتسامة ساخرة وقال : ومن روزا هذه..؟.ثم أستأنف : أوه تذكرت , تقصدين جارتنا بنت البلد أم عيون الصافية كزرقة السماء..؟.
    - تماماً , لون عيونها وجسمها الهزيل المائل إلى لون البرتقالة , توحي لي بأنها ماثلة أمامنا , سبحان الله , الخالق الناطق , كأنها تحولت إلى هذه القطة.
    نظر إلى القطة بشفقة , سبقته أخته بما يجول في خاطره لتقديم شيء ما للقطة بالرغم من أنه لا يملك سوى بعض النقود القليلة و قالت :
    أخي ...؟!. لم لم تذهب إلى المحل وتشتري لروزا قطعة لحمة أو علبة ( مرتديلا ) . إنها ضيفة ؟.وإكرام الضيف واجب , أليس كذلك ؟.
    - (( حك بأصابعه القلقة رقبته , فكر بما في جيبه من نقود )) قال : كذلك . أختي.كذلك والله فكرة حميدة , لأبأس بها لكن دقائق قليلة سنسمع دوي المدفع وتغلق المحال أبوابها حتماً و جميع المحال موصدة في هذا الوقت – ثم استطرد - مع ذلك لن أخذلك أمام ضيفتك , سأسعى للبحث , ربما أجد محلاً فاتحاً, تكرمين أنت وروزاك هذه ؟. كرمال عين تكرم مرج عيون .
    خرج الشاب والهرة تنظر إليه بتودد وكأنها فهمت ما دار بينهما من حديث عن الطعام والواجب .
    لحظات قليلة وكانت في يده علبة صغيرة من المرتديلا , فتحها ووضعها على جريدة قديمة وقدمها وجبة للضيفة , أكلت الوجبة بشراهة , لم تبقِ على شيء وصارت تلحس بلسانها قاع العلبة ثم تتلمظ شفتها وجسمها , جلست على مقعدها , مدَّت رجلها الأمامي إلى رأسها مسدتها وحكتها , كأنه لمس منها الرضا والشكر , ثم تركتهما واتجهت نحو الباب وهي رافعة ذيلها .
    كم كان إطعام هذا الحيوان الأليف مصدر سعادة لهما,تسلل الفرح إلى روحهما كتسلل تلك الروائح الشهية من الأطعمة إلى داخل غرفتهما , بالرغم من أن بطونهما الفارغة تلتهبا جوعاً وعطشاً , وهما بانتظار الدقائق القليلة المتبقية للمدفع , لم يجد قط إحساساً رائعا ًسيطر على حالته كهذه , حتى إنه وجد من الصعوبة تفسير وشرح مدى وعمق هذه السعادة بل النشوة العارمة التي حظي بها كإنسان راق يرفق بحيوان أليف , أحس بكثير من الغبطة والسرور وهو يرى هذا الشعور المماثل على ثغر أخته وهي تلوح بكفها مودعة القطة وتقول : باي روزا المدللة , أنا ذاهبة للمطبخ ؟.
    بعد الإفطار بفترة وجيزة , دخلت القطة مسرعة باتجاهه وهي تموء مواءً غير طبيعي ,كأن كارثة ستحصل وهو ممدد على فراشه للاسترخاء بعد حشو معدته ب ( مفركة ) كالوحل وبعض أقراص الفلافل الباردة , اصطدمت ذيلها بكأس الشاي التي بقربه ولم تأبه لذلك , بل تقدمت و نطت على الوسادة وأصبحت تبحث عن شيء ما , انتابه شعور بالقلق والخوف من تصرفها الغريب , كونه يعلم أن بعض الحيوانات أحياناً تحس بأشياء قبل حدوثها كالزلازل مثلاً , أثارت القطة حفيظته فرفع الوسادة بهدوء يشوبه الحذر, انتفضَ وقفز في الهواء لاشعوريا حين وقعت عيناه على عقرب داكن اللون , هرع نحو الحذاء , أما هي فانقضت عليه بسرعة البرق وأخذه بمخلبها جانباً , تصارعه بكل ما أوتيت من قوة وبعدما تخلصت منه رآها تترنح كأنها فقدت توازنها ثم تمددت وهي تموء وتئن كلحن حزين , حينها أدرك أن العقرب قد سارع بلسعها , ظل جامداً في مكانه بدون حراك, ليس بوسعه فعل شيء لإنقاذها أو تخفيف الألم عنها سوى دموعه التي انسالت على خده البارد وهو يودعها بنظراته الممتنة , أغمضت عينيها الجميلتين وانقطعت مواءها .

    بقلم : ماهين شيخاني .
    27- 8 -2010



    [/align]
    السلام عليكم :
    وشكراً لزيارتكم للمدونة
    مع تحيات ماهين شيخاني
    http://azad90.man-blog.net
  • آسيا رحاحليه
    أديب وكاتب
    • 08-09-2009
    • 7182

    #2
    قصة جميلة..و العنوان أيضا..
    الكرم خلق نبيل و يكون أنبل مع الفقر و الفاقة..
    و ما أروع الوفاء خاصة حين يعلّمه لنا حيوان ابكم .
    أتمنى لو تراجع سيدي و تصحّح بعض الأخطاء التي أكيد جاءت سهوا .
    تحيّتي و احترامي.
    التعديل الأخير تم بواسطة آسيا رحاحليه; الساعة 27-08-2010, 15:20.
    يظن الناس بي خيرا و إنّي
    لشرّ الناس إن لم تعف عنّي

    تعليق

    • الحسن فهري
      متعلم.. عاشق للكلمة.
      • 27-10-2008
      • 1794

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة ماهين شيخاني مشاهدة المشاركة
      [align=right]

      عينا روزا..؟.


      كانت روائح شتى من الأطعمة تتسرب إلى داخل ذاك المنزل الشبه الأثري في حي قديم الذي يسكنه طالب جامعي مع أخته التي تصغره بعدة أعوام والتي قامت بدورها لحظتئذٍ بتحضير بعض حبات من درنات البطاطا في طبق صغير تسمى ( المفركة ) بجانبه صحن تحتويه أقراص من الفلافل مع أبريق من الشاي المكرر , الباب مفتوح على مصارعيه كالعادة للتهوية لعدم وجود نافذة لاستقبال نسمات الهواء عوضاً عن التكييف , تفوح من جوارهم ألذ وأشهى أنواع الأطعمة , حتى بات بإمكانهما معرفة ما أحضره كل منزل سفرتها للفطور في شهر رمضان المبارك .
      فجأةً , أقحمت هرة صغيرة هزيلة منهكة تجرجر ذيلها الخامل هدأة سكونهما ومزقت صمتهما , فنظرا لبعضهما ومن ثم إلى تلك الهرة باستغراب , تمتم بنبرة أليمة : سبحان الله تركت كل هذه البيوت واتجهت إلينا , لبيت لا تملك لقمة تفتخر بها أمام هذا الروح , حتى رائحة لحم لن تحصلي عليها أيتها القطة , لو كنت بجانب مطعم ألآن لكنت على أحسن حال من هذه الزيارة , ولوفرت عناء التعب والمشقة, على الأقل كنت ستحصلين على رائحة شواء أو بعض من العظام المرمية في الحاويات. أما عندنا * يا للحسرة حتى الخبز يابس , عليك نقعها بالماء لبلعها ؟.
      أرادت أخته بذكاء وفطنة أن تخفف من محنته فقالت: يا الله ما أجمل عينيها ؟ انظر إلى عيناها الزرقاوات , كم تشبه عينا (روزا ) ؟.
      - ارتسم على شفته ابتسامة ساخرة وقال : ومن روزا هذه..؟.ثم أستأنف : أوه تذكرت , تقصدين جارتنا بنت البلد أم عيون الصافية كزرقة السماء..؟.
      - تماماً , لون عيونها وجسمها الهزيل المائل إلى لون البرتقالة , توحي لي بأنها ماثلة أمامنا , سبحان الله , الخالق الناطق , كأنها تحولت إلى هذه القطة.
      نظر إلى القطة بشفقة , سبقته أخته بما يجول في خاطره لتقديم شيء ما للقطة بالرغم من أنه لا يملك سوى بعض النقود القليلة و قالت :
      أخي ...؟!. لم لم تذهب إلى المحل وتشتري لروزا قطعة لحمة أو علبة ( مرتديلا ) . إنها ضيفة ؟.وإكرام الضيف واجب , أليس كذلك ؟.
      - (( حك بأصابعه القلقة رقبته , فكر بما في جيبه من نقود )) قال : كذلك . أختي.كذلك والله فكرة حميدة , لأبأس بها لكن دقائق قليلة سنسمع دوي المدفع وتغلق المحال أبوابها حتماً و جميع المحال موصدة في هذا الوقت – ثم استطرد - مع ذلك لن أخذلك أمام ضيفتك , سأسعى للبحث , ربما أجد محلاً فاتحاً, تكرمين أنت وروزاك هذه ؟. كرمال عين تكرم مرج عيون .
      خرج الشاب والهرة تنظر إليه بتودد وكأنها فهمت ما دار بينهما من حديث عن الطعام والواجب .
      لحظات قليلة وكانت في يده علبة صغيرة من المرتديلا , فتحها ووضعها على جريدة قديمة وقدمها وجبة للضيفة , أكلت الوجبة بشراهة , لم تبقِ على شيء وصارت تلحس بلسانها قاع العلبة ثم تتلمظ شفتها وجسمها , جلست على مقعدها , مدَّت رجلها الأمامي إلى رأسها مسدتها وحكتها , كأنه لمس منها الرضا والشكر , ثم تركتهما واتجهت نحو الباب وهي رافعة ذيلها .
      كم كان إطعام هذا الحيوان الأليف مصدر سعادة لهما,تسلل الفرح إلى روحهما كتسلل تلك الروائح الشهية من الأطعمة إلى داخل غرفتهما , بالرغم من أن بطونهما الفارغة تلتهبا جوعاً وعطشاً , وهما بانتظار الدقائق القليلة المتبقية للمدفع , لم يجد قط إحساساً رائعا ًسيطر على حالته كهذه , حتى إنه وجد من الصعوبة تفسير وشرح مدى وعمق هذه السعادة بل النشوة العارمة التي حظي بها كإنسان راق يرفق بحيوان أليف , أحس بكثير من الغبطة والسرور وهو يرى هذا الشعور المماثل على ثغر أخته وهي تلوح بكفها مودعة القطة وتقول : باي روزا المدللة , أنا ذاهبة للمطبخ ؟.
      بعد الإفطار بفترة وجيزة , دخلت القطة مسرعة باتجاهه وهي تموء مواءً غير طبيعي ,كأن كارثة ستحصل وهو ممدد على فراشه للاسترخاء بعد حشو معدته ب ( مفركة ) كالوحل وبعض أقراص الفلافل الباردة , اصطدمت ذيلها بكأس الشاي التي بقربه ولم تأبه لذلك , بل تقدمت و نطت على الوسادة وأصبحت تبحث عن شيء ما , انتابه شعور بالقلق والخوف من تصرفها الغريب , كونه يعلم أن بعض الحيوانات أحياناً تحس بأشياء قبل حدوثها كالزلازل مثلاً , أثارت القطة حفيظته فرفع الوسادة بهدوء يشوبه الحذر, انتفضَ وقفز في الهواء لاشعوريا حين وقعت عيناه على عقرب داكن اللون , هرع نحو الحذاء , أما هي فانقضت عليه بسرعة البرق وأخذه بمخلبها جانباً , تصارعه بكل ما أوتيت من قوة وبعدما تخلصت منه رآها تترنح كأنها فقدت توازنها ثم تمددت وهي تموء وتئن كلحن حزين , حينها أدرك أن العقرب قد سارع بلسعها , ظل جامداً في مكانه بدون حراك, ليس بوسعه فعل شيء لإنقاذها أو تخفيف الألم عنها سوى دموعه التي انسالت على خده البارد وهو يودعها بنظراته الممتنة , أغمضت عينيها الجميلتين وانقطعت مواءها .

      بقلم : ماهين شيخاني .
      27- 8 -2010



      [/align]
      بسم الله.

      أخانا الكريم/ ماهين شيخاني،
      حيّاك الله.
      أرجو أن تعذرني عما صنعت بقصتك الجميلة حقا،
      بموضوعها الإنساني، وسردها المشوّق، وأسلوبها السلس..

      إلا إنني أزعم أنها ستكون لا محالة أجمل وأبلغ،
      وآخذ بإعجاب القارئ،
      لو تفضلت بمراجعة بعض كلماتها وسياقاتها،
      وقمت بتعديلها..
      (أرجو ألا تنسى علامات الترقيم)

      مررت بها، وتأثرت..

      رمضان كريم،
      وتحيات أخيكم.
      التعديل الأخير تم بواسطة الحسن فهري; الساعة 27-08-2010, 17:02.
      ولا أقـولُ لقِـدْر القـوم: قدْ غلِيَـتْ
      ولا أقـول لـباب الـدار: مَغـلـوقُ !
      ( أبو الأسْـود الدّؤليّ )
      *===*===*===*===*
      أنا الذي أمرَ الوالي بقطع يدي
      لمّا تبيّـنَ أنّي في يـدي قـلــمُ
      !
      ( ح. فهـري )

      تعليق

      • روان عبد الكريم
        أديب وكاتب
        • 21-03-2010
        • 185

        #4
        قصة رائعة بكل المقاييس

        يلفها سحر الحكى الذى تفتقده معظم حكايات المنتدى للاسف بل وتجد كثير من التصفيق

        اسعدتنى بهذه القصة

        انت مبدع حقيقى

        ولكن اعذرنى ما معنى اسمك هو الفضول الذى اثارنى جراء قصتك الرائعة ليس اكثر

        تقبل مودتى

        تعليق

        • روان عبد الكريم
          أديب وكاتب
          • 21-03-2010
          • 185

          #5
          معذرة استاذى الكبير انا اقرأ الان مدونتك

          تعليق

          • ماهين شيخاني
            أديب وكاتب
            • 03-02-2009
            • 194

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة آسيا رحاحليه مشاهدة المشاركة
            قصة جميلة..و العنوان أيضا..
            الكرم خلق نبيل و يكون أنبل مع الفقر و الفاقة..
            و ما أروع الوفاء خاصة حين يعلّمه لنا حيوان ابكم .
            أتمنى لو تراجع سيدي و تصحّح بعض الأخطاء التي أكيد جاءت سهوا .
            تحيّتي و احترامي.
            الأخت الفاضلة: آسيا رحاحليه
            تحية عطرة
            سررت بحضوركم وملاحظاتكم
            لكم كل التحية والتقدير
            ماهين شيخاني
            السلام عليكم :
            وشكراً لزيارتكم للمدونة
            مع تحيات ماهين شيخاني
            http://azad90.man-blog.net

            تعليق

            • ماهين شيخاني
              أديب وكاتب
              • 03-02-2009
              • 194

              #7
              الأستاذ الحسن فهري المحترم

              الأستاذ الحسن فهري المحترم
              تحية عطرة ومساء الخير
              لكم جزيل الشكر لهذه الملاحظات القيمة , هي بكل تأكيد محل ترحيب وتقدير
              قمت بمراجعتها
              أشكركم ولكم مني أجمل تحية
              ماهين شيخاني
              عينا روزا..؟.

              كانت روائح شتى من الأطعمة تتسرب إلى داخل ذاك المنزل شبه الأثري في حي قديميسكنه طالب جامعي مع أخته التي تصغره بعدة أعوام، والتي قامت بدورها لحظتئذٍ بتحضيربعض حبات من درنات البطاطا في طبق صغير تسمى (المفركة) بجانبه صحن تحتويه أقراص منالفلافل مع أبريق من الشاي المكرر. الباب مفتوح على مصراعيه كالعادة للتهوية لعدموجود نافذة لاستقبال نسمات الهواء عوضاً عن التكييف. تفوح من جوارهم ألذ وأشهىأنواع الأطعمة, حتى بات بإمكانهما معرفة ما أحضره كل منزل سفرتها للفطور في شهررمضان المبارك.
              فجأةً, أقحمت هرة صغيرة هزيلة منهكة تجرجر ذيلها الخامل هدأة سكونهما ومزقتصمتهما, فنظرا لبعضهما ومن ثم إلى تلك الهرة باستغراب. تمتم بنبرة أليمة: سبحانالله تركت كل هذه البيوت واتجهت إلينا, لبيت لا تملك لقمة تفتخر بها أمام هذاالروح, حتى رائحة لحم لن تحصلي عليها أيتها القطة, لو كنت بجانب مطعم الآن لكنت علىأحسن حال من هذه الزيارة, ولوفرت عناء التعب والمشقة, على الأقل كنت ستحصلين علىرائحة شواء أو بعض من العظام المرمية في الحاويات. أما عندنا يا للحسرة حتى الخبزيابس, عليك نقعها بالماء لبلعها؟
              أرادت أخته بذكاء وفطنة أن تخفف من محنته فقالت: يا ألله ما أجمل عينيها؟ انظرإلى عينيها الزرقاوين , كم تشبهان عينا (روزا)!
              - ارتسم على شفته ابتسامة ساخرة وقال: ومن روزا هذه؟ ثم أستأنف: أوه تذكرت, تقصدين جارتنا بنت البلد أم عيون صافية كزرقة السماء؟
              - تماماً, لون عيونها وجسمها الهزيل المائل إلى لون البرتقالة, توحي لي بأنهاماثلة أمامنا, سبحان الله, الخالق الناطق, كأنها تحولت إلى هذه القطة.
              نظر إلى القطة بشفقة, سبقته أخته بما يجول في خاطره لتقديم شيء ما للقطة بالرغممن أنه لا يملك سوى بعض النقود القليلة وقالت:
              أخي ..! لم لم تذهب إلى المحل وتشتري لروزا قطعة لحمة أو علبة (مرتديلا). إنهاضيفة.. وإكرام الضيف واجب, أليس كذلك؟
              - حك بأصابعه القلقة رقبته, فكر بما في جيبه من نقود. قال: كذلك. أختي. كذلكوالله فكرة حميدة, لأبأس بها لكن دقائق قليلة سنسمع دوي المدفع وتغلق المحالأبوابها حتماً وجميع المحال موصدة في هذا الوقت – ثم استطرد ـ مع ذلك لن أخذلك أمامضيفتك, سأسعى للبحث, ربما أجد محلاً فاتحاً, تكرمين أنت وروزاك هذه. كرمال عين تكرممرج عيون.
              خرج الشاب والهرة تنظر إليه بتودد وكأنها فهمت ما دار بينهما من حديث عن الطعاموالواجب.
              لحظات قليلة وكانت في يده علبة صغيرة من المرتديلا, فتحها ووضعها على جريدةقديمة وقدمها وجبة للضيفة, أكلت الوجبة بشراهة, لم تبقِ على شيء وصارت تلحس بلسانهاقاع العلبة ثم تتلمظ شفتها وجسمها, جلست على مقعدها, مدَّت رجلها الأمامية إلىرأسها مسدتها وحكتها, كأنه لمس منها الرضا والشكر, ثم تركتهما واتجهت نحو الباب وهيرافعة ذيلها.
              كم كان إطعام هذا الحيوان الأليف مصدر سعادة لهما, تسلل الفرح إلى روحهما كتسللتلك الروائح الشهية من الأطعمة إلى داخل غرفتهما, بالرغم من أن بطونهما الفارغةتلتهب جوعاً وعطشاً, وهما بانتظار الدقائق القليلة المتبقية للمدفع.
              لم يجد قط إحساساً رائعا ًسيطر على حالته كهذه, حتى إنه وجد من الصعوبة تفسيروشرح مدى وعمق هذه السعادة بل النشوة العارمة التي حظي بها كإنسان راق يرفق بحيوانأليف, أحس بكثير من الغبطة والسرور وهو يرى هذا الشعور المماثل على ثغر أخته، وهيتلوح بكفها مودعة القطة وتقول: باي روزا المدللة, أنا ذاهبة للمطبخ.
              بعد الإفطار بفترة وجيزة, دخلت القطة مسرعة باتجاهه وهي تموء مواءً غير طبيعي, كأن كارثة ستحصل وهو ممدد على فراشه للاسترخاء بعد حشو معدته بـ (مفركة) كالوحلوبعض أقراص الفلافل الباردة, اصطدمت ذيلها بكأس الشاي التي بقربه ولم تأبه لذلك, بلتقدمت ونطت على الوسادة وأصبحت تبحث عن شيء ما. انتابه شعور بالقلق والخوف منتصرفها الغريب, كونه يعلم أن بعض الحيوانات أحياناً تحس بأشياء قبل حدوثها كالزلازلمثلاً.
              أثارت القطة حفيظته فرفع الوسادة بهدوء يشوبه الحذر, انتفضَ وقفز في الهواءلاشعوريا حين وقعت عيناه على عقرب داكن اللون, هرع نحو الحذاء, أما هي فانقضت عليهبسرعة البرق وأخذته بمخلبها جانباً, تصارعه بكل ما أوتيت من قوة وبعدما تخلصت منهرآها تترنح كأنها فقدت توازنها ثم تمددت وهي تموء وتئن كلحن حزين, حينها أدرك أنالعقرب قد سارع بلسعها.
              ظل جامداً في مكانه بدون حراك, ليس بوسعه فعل شيء لإنقاذها أو تخفيف الألم عنهاسوى دموعه التي انسالت على خده البارد وهو يودعها بنظراته الممتنة, أغمضت عينيهاالجميلتين وانقطع مواؤها.
              ماهين شيخاني
              27/8/2010

              التعديل الأخير تم بواسطة ماهين شيخاني; الساعة 01-09-2010, 17:20.
              السلام عليكم :
              وشكراً لزيارتكم للمدونة
              مع تحيات ماهين شيخاني
              http://azad90.man-blog.net

              تعليق

              • ماهين شيخاني
                أديب وكاتب
                • 03-02-2009
                • 194

                #8
                الى روان عبد الكريم

                المشاركة الأصلية بواسطة روان عبد الكريم مشاهدة المشاركة
                قصة رائعة بكل المقاييس

                يلفها سحر الحكى الذى تفتقده معظم حكايات المنتدى للاسف بل وتجد كثير من التصفيق

                اسعدتنى بهذه القصة

                انت مبدع حقيقى

                ولكن اعذرنى ما معنى اسمك هو الفضول الذى اثارنى جراء قصتك الرائعة ليس اكثر

                تقبل مودتى
                الى روان مع تحياتي العطرة
                اشكركم لحضوركم وسررت بقراءتكم ,
                اما معنى اسمي , له عدة معاني بلغات بعض الشعوب كالشجاع بالهندوسية وتتعلق القمر بالفارسية وأيضاً ورد في ألف ليلة وليلة هو وزير لشهريار
                ولكن أسمك عندنا بمعنى الروح , شكرا لك ولروحك الطيب
                ماهين شيخاني
                السلام عليكم :
                وشكراً لزيارتكم للمدونة
                مع تحيات ماهين شيخاني
                http://azad90.man-blog.net

                تعليق

                يعمل...
                X