خارج القِسمَّة
لم أكنْ أعرف اسم أمِّي، وهي لم تسألْني عن اسمي، الكهف رغم انقطاع الكهرباء عنه، وشح الماء فيه، لم يكنْ سيئاً، مقارنةً بالمساحة التي تركها لي أبي في ظهره، قبل أنْ يلفظني بهذه الطريقة التي لم تنلْ اعجاب أمِّي، ما يزعجني في ذلك الكهف مواعيد الطعام غير المنتظمة، وكذلك التلكؤ في الإخراج...
حاولتُ جاهداً أنْ أنبه صاحبة الكهف، بأنَّ المرأة التي تسمى (بالقابِّلة) تقلق منامي، وتثرثر كثيراً، وتستعجل خروجي، مع أنَّي دققت في شهادات البحث، وتأكدتُ أنَّ الكهف يخص أمِّي وحدها، لم تعرْ أمِّي اهتماماً لكلامي، وخرقتْ بنود الإتفاق، وتركتْ الباب موارباً (للقابِّلة) لتطلُّ برأسها الكبير، وتدخل أناملها اليابسة عبر الباب، وتتحسس رأسي الحليق، لم تمهلْني حتىَّ ألملمُ أغراضي، وأغتسل بما جمعته من ماءٍ في الفترة السابقة، سحبتني بعنف، وكأنَّها تريدُ أنْ تفسحَ المكان لشخص آخر يهمّها أمرّه، صممتُ حالما أخرج ألاّ أدفع قيمة الإيجار كاملة، حتىَّ لو استدعى الأمر مقاضاة أمِّي، لخرقها الفاضح لبنودِ الإتفاق، وحتماً صديقي (خالد) الذي لفظّه والده مؤخّراً، ورحبتْ به أمُّه مجاناً في كهفها سيدعمني بشهادته، لذا عليَّ أنْ اتصل به قبل خروجي كي يشرع في استخراج بطاقته الشخصية بسرعة، ووفق الطرق السحريَّة المتاحة حالياً، (القابِّلة) تشدني بعنف، وأنا أتمايل على إيقاع رنين هاتف (خالد)، الرصيد لم يخذلْني كما أعتاد..
- آلو..آلو
- مرحبا
- أنا...
- لا تقل لي بأنَّك مازلت هناك في الداخل..
- القابِّلة تهزّني بشدة، وأمعائي تمزقتْ
- أصمد، ولا تستعجل الخروج
- إنَّها أقوى منِّي..البطاقة..البطاقة الشخصيَّة، ماذا فعلت بشأنها؟
- استخرجتُ البطاقة، وتبقت الشخصيَّة، أصبر علينا قليلاً..
نزعتْ منِّي (القابِّلة) الهاتف وتفحصته، أدارتْ قرص (الكاميرا) وصورتْ وجهها، ودسّته في جيبها، وأخرجتني عارياً، وخلفي حبل الغسيل الذي يخصني وحدي، رمتني في حضن أمِّي، وهي تخاطبها بلهجة غريبة..(هذا هو الذي كان قابعٌ في داخلك، والمتسبب في كلِّ هذه الفوضى، وفي المرّة القادِّمة لا تهبي كهفك إلا لشخص محترم، حاولي أنْ تسترجعي حقوقك كاملة منه، أما عن فلوسي فأريدها غداً) تركتْ ثرثرتها خلفها وخرجتْ..
أزاحتني أمِّي جانباً، لم تعرضْ لي صدرها، ولم تدعْني أمتص الرحيق، حدقتْ في وجهي طويلاً، ولوحّتْ بإبهامها الغليظ وقالت: (أسمع يا ولد، قبل ما نفك الإرتباط، أنا (ست الدار) أمُّك، كما ترى اسمي مثل فعل الألم، لا يقبل القسمة على إثنين، (ست و دار)، (دار و ست)، وأنتَ مجرد فاصلة بين (الست) و(الدار)، وبين (الدار) و(الست)، ومن الآن وصاعداً أبحث بمفردك عن اسم لك يشبه الزانة، حتىَّ تستطيع أنْ تقفز بنا، وتخرجنا من بيت الإيجار هذا)...
تذكرتُ في تلك اللحظة صديقي (خالد) ونصيحته التي تسربت عبر الحبل السرِّي، واستقرتْ في جوفي (لا تستعجل الخروج)، تناولتْ أمِّي (ست الدار) آلة قديمة، متسخة وبلا مقبض، ونحرتْ بها الحبل، فككتُ ارتباطي بها، وركضتُ حافياً جهة السوق، علّني أجمعُ في يومٍ واحد قيمة إيجارين، قيمة إيجار كهفي الداخلي السابق، وقيمة إيجار كهف أمِّي الخارجي، نعم..سأسدد المبلغ كاملاً لأمِّي التي ظلتْ فيما بعد تقبل القسمة على أيَّ عدد زوجي.
تعليق