المُبجّل شاليط - فرج ياسين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • مهند التكريتي
    أديب وكاتب
    • 06-03-2010
    • 115

    المُبجّل شاليط - فرج ياسين

    المُبجّل شاليط

    [rainbow]

    كما هي الحال في معظم أيام شهر تموز ، كانت هذه الأمسية حارّة ً جدا ً ، وهما يجلسان تحت رحمة دوّامة ٍ من هواء ثقيل ، تنثها حولهما مروحة ٌ سقفية ٌواطئة ٌ. كانا عجوزين مهمومين صامتين . قبل دقائق دلف أحدهما إلى داخل البيت ، وأحضر جريدة ً مطوية ً بعناية ؛ وضعها أمام جاره وصديقه سليم الوزان قائلا ً :
    - هنا ستجد المقالة .
    في خلال نوبة الصمت ، دخلت امرأة بدينة سمراء في نهاية الخمسينيات من عمرها ، تصر وجهها وعنقها بلفاع أسود ، فسدّ جسدها معظم فتحة باب الحجرة ، ذهبت إلى مكان جلوسهما ناظرة إلى سليم الوزان وهتفت بلهجة لا تخلو من دعابة:
    - قهوتك على الريحة .
    حين كانت تضع أمامهما فنجاني القهوة ؛ لاحظت أن صمتهما يُضمر قلقا ً ما .
    قالت :
    - لم أعتد منكما هذا الهدوء الوقور أبدا ً !
    أجاب زوجها أحمد اليافي :
    - كنا نتكلم ، وقبل دخولك نفد الكلام .
    ثم خرجت فلاحقا صدى خروجها البطئ .
    قال سليم الوزان :
    - هل تذكر يوم استبدلوا بضعة جنود بأربعة آلآف أوأكثر من العسكريين والمدنيين ؟
    أجاب أحمد اليافي :
    - أجل . وكان بعضها جثثا ً قديمة .
    - هل حصل ذلك مرة واحدة ؟
    - لا لقد تكرر مرات عدّة .
    عبر صرصار كبير باب الحجرة قادما ً من الداخل ، وتقدّم نحوهما فأوحى منظره لأحمد اليافي برائحة ما ، وحين نهض للتخلص منه تذكـّر أنه مهموم منذ بضعة أشهر بمشكلة أنابيب الصرف الصحي في البيت ، إذ إنها أصبحت متآكلة تنز مياهً ثقيلة ً آسنة ً وروائح كريهة .
    هتف سليمان الوزان :
    - لا تقتله بحذائي؟ إنني أكره رائحة هذه الحشرة .
    لكن أحمد اليافي سحقه بحذائه . وهو يختض ضاحكا ً ، ثم أخرج من جيب قميصه منديلا ً ورقيا ً ، وحمل الصرصار النافق وغادر المكان .
    أدار سليم الوزان أنظاره في أرجاء الحجرة . الجدران صفر كابية ؛ بدا وكأنها لم تنعم برشة دهان منذ أمد بعيد ، وحروف الجدران الدنيا الملامسة للأرضية مقصّفة
    منخورة ، شقوقها بائنة للعيان في أكثر من موضع ، وملاط السقف مبقـّع بآثار نزف ٍ مائي قديم ، وبعض أجزاء الطلاء تتدلى موشكة على السقوط ، وثمة ستارة قصيرة قماشها رخيص مخرّم من دون بطانة أزيح نصفها الآن ؛ من أجل مرور الهواء والضوء عبر ظلفتي نافذة مفتوحتين خلفها تلوح أغصان شجرة برتقال ذاوية ، غرست في المساحة الوحيدة الخالية في فناء البيت ، كثيرا ً ما فكر – عند رؤيتها – بأنها تعاني ظمأ ً مستديما ً ، وعلى الجدران لوحات وصور عائلية وكلمة ( عائدون ) مشغولة بخرز أخضر تبدو وكأنها مصنوعة بمزاج طفل . وعلى الجانب المقابل لنافذة الحجرة الوحيدة ، رُكنت خزانة خشبية مملوءة بالكتب والمجلات والصحف ، وفي مخيلته تداعت صور شتى تخصهما هما الاثنان - المدرسة الأبتدائية في يافا ، وكارثة الأحتلال ، وديار الشتات ، ومخيم اللاجئين في البصرة ، ثم دار الأقامة في بغداد منذ أوائل الخمسينيات . وتداعت أيضا ً شظايا من مهانة عمر قاحل أمده أحدى وسبعون سنة ، توّجته مع كرّ السنين ، أمراض السكري وضغط الدم ، والرئتان المنخورتان بدخان السكائر الرخيصة .
    عند عودة أحمد اليافي وجلوسه قبالته سأله :
    - هل رأيت المقالة ؟
    - لا ، ولكن ألم تفكر بعد بعمل شئ من أجل التمديدات الصحية في البيت .. انني متأكد من أن جميع الأنابيب منخورة وتالفة الآن .
    - صحيح . وقد اقترحت ُ على صاحب المنزل بأن يعفيني من أجرة شهرين لكي أتمكن من استبدالهما، واصلاح ما أصادفه من خلل في المنظومة كلها . لكنه أبى .
    أتما شرب القهوة منذ زمن ، وأخذا يدخنان وهما سادران في نوبة صمت جديدة . كانت ساعة الغروب تهبط بينهما ؛ أحسا بها من خلال شحوب الضوء القادم من النافذة حين اشتبكا في حوار صامت أليم . وماتزال شاشة التلفاز تصدر وميضها المتخاطف على الجدار خلفهما ، على أن حاجزا ً واحدا ً كان يمنعهما من تبادل الأحاديث ، انه حاجز الرهبة من التورط في ذكر أي شئ عن المقالة التي قرأها أحمد اليافي صباح هذا اليوم في جريدة ( المكان ) ، وأراد أن يتسلى بصدمة اكتشاف مضمونها من قبل صديق طفولته وفتوته وشبابه وكهولته ، ولكي يشاركه في التعرف على ذلك التحليل المنمق المذل الذي أثار حفيظته ، مع أن ما تستلهمه المقالة بات أمرا ً متداولا ً ، ولا تخلو منه نشرات الأخبار في المذياع أوفي التلفاز هذه الأيام . ثم سمعا صوت المرأة يأتي من الداخل :
    - هل اعد لكما الشاي ؟
    أجاب أحمد اليافي :
    - هيّا ولكن لاتخطئي في وضع السكر.
    ثم التفت الى سليم الوزان وسأله :
    - الا تشعر بالخجل ؟ انهم يروّجون لاستبدال أسير واحد بألف سجين منـّا .
    - الخجل . بلى هذا مانشعر به الآن !
    - وماذا بشأن الحلم ؟
    - لمس سليم الوزان طرف الجريدة ، التي ماتزال مطوّية أمامه ، وبعد لحظة أبعدها بأطراف أصابعه وأشعل سيكارة ثم خفض رأسه مستغرقا ً في نوبة سعال قاسية ، ولم ينبس بنت شفة .


    [/rainbow]
  • عنان العجاوي
    محظور
    • 19-08-2010
    • 29

    #2
    [align=right]
    مؤلم
    حتى
    الهزيمة
    ولكن.. دعنا أنثر هنا بعض الأمل..
    هل تعلم؟
    عندما استشهد يحيى عياش قُتل مقابله 80 صهيونيا وجُرح المئات.
    هذا يعني أن الإنسان عندنا له قيمة أيضاً.
    وعندما استشهد محمود أبو هنود, قتل مقابله 40 صهيونياً وجرح المئات.
    هذا يعني أننا نقدر رجالنا ونعطيهم حقهم أيضاً.
    وعندما استشهد فتحي الشقاقي قُتل مقابل 24 جندياً صهيونيا في بيت ليد.
    الأبطال لهم قيمة عندنا أيضاُ.
    وعندما استشهد الشيخ احمد ياسين قُتل مقابله 28 صهيونيا في النقب.
    القادة لهم قيمة أيضاً.
    وعندما استشهد أبو علي مصطفى قتل مقابله وزير السياحة صهيوني (رفعام زئيفي).
    الرأس بالرأس.. والقائد مقابله قائد.
    وعندما استشهدت الطفة إيمان حجو (4شهور) قتل مقابلها عشر صهاينه في نفس اليوم..
    ودم الاطفال عندنا غالِ أيضاً.
    ...
    هم لا يقدروا الإنسان أكثر منا صدقني.. ولكن الفرق الوحيد أن حكوماتنا تختلف عن حكوماتهم.. والإمكانيات كذلك.
    حتى يحصل التعادل ستبقى قصتك هذه تنخر في عظامنا
    كل الاحترام للقلم الواعي.
    وسلامي لتكريت.

    [/align]

    تعليق

    • خالد يوسف أبو طماعه
      أديب وكاتب
      • 23-05-2010
      • 718

      #3
      الأستاذ القدير / مهند التكريتي
      لا أعلم إن كنت أنت كاتب النص أم فرج ياسين؟
      على كل هو نص متين من الألف إلى الياء ولغة رائعة ودقيقة الوصف والتدقيق في ملامح الشخصيات والبيت وما يحتويه من أدوات مستهلكة وقد أكل عليها الدهر وشرب !!!
      هذا النفس ليس نفس قاص بل هو نفس روائي من أول مطلع هذا النص شعرت بأني أقرأ رواية بذاك العنوان الرائع والمبهج والتعرض لقضية هامة وحساسة جدا عن الأسير الصهيوني شاليط الذي ما زال لهذه اللحظة أسير التنظيمات والحركات الفلسطينية ...
      أدار سليم الوزان أنظاره في أرجاء الحجرة . الجدران صفر كابية ؛ بدا وكأنها لم تنعم برشة دهان منذ أمد بعيد ، وحروف الجدران الدنيا الملامسة للأرضية مقصّفة
      منخورة ، شقوقها بائنة للعيان في أكثر من موضع ، وملاط السقف مبقـّع بآثار نزف ٍ مائي قديم ، وبعض أجزاء الطلاء تتدلى موشكة على السقوط ، وثمة ستارة قصيرة قماشها رخيص مخرّم من دون بطانة أزيح نصفها الآن ؛ من أجل مرور الهواء والضوء عبر ظلفتي نافذة مفتوحتين خلفها تلوح أغصان شجرة برتقال ذاوية ، غرست في المساحة الوحيدة الخالية في فناء البيت ، كثيرا ً ما فكر – عند رؤيتها – بأنها تعاني ظمأ ً مستديما ً ، وعلى الجدران لوحات وصور عائلية وكلمة ( عائدون ) مشغولة بخرز أخضر تبدو وكأنها مصنوعة بمزاج طفل . وعلى الجانب المقابل لنافذة الحجرة الوحيدة ، رُكنت خزانة خشبية مملوءة بالكتب والمجلات والصحف ، وفي مخيلته تداعت صور شتى تخصهما هما الاثنان - المدرسة الأبتدائية في يافا ، وكارثة الأحتلال ، وديار الشتات ، ومخيم اللاجئين في البصرة ، ثم دار الأقامة في بغداد منذ أوائل الخمسينيات . وتداعت أيضا ً شظايا من مهانة عمر قاحل أمده أحدى وسبعون سنة ، توّجته مع كرّ السنين ، أمراض السكري وضغط الدم ، والرئتان المنخورتان بدخان السكائر الرخيصة .
      تصوير فني رائع ودقيق في جميع حالاته الفنية وباقتدار رهيب من السارد
      هي القضية الأم التي أصبحت حلم كل أسير ربما وربما أهليهم الذين ينتظرون الإفراج عنهم بصفقة ربما تكون رابحة بالنسبة لهم والحوار الدائر بين العجوزين بالغ الأهمية واعتراضهما على ما تناولته تلك الصفقة بأنها مربحة ورائعة في نظرهم لا تساوي شيئا بما قامت به بعض الدول مع نفس اليهود
      ومن هنا أقول يخب أن تكون هذه رواية وأنا واثق بأنها ستخرج بثوب رائع وبهي وأشكرك هنا بأنك ذكرتني برائد الأدب الفلسطيني الكاتب غسان كنفاني في رواياته المميزة والتي تناول فيها هموم الشعب الفلسطيني كافن من منظور واسع وشيق ورهيب ... لكم آلمتني تلك العبارة الموسومة باللون الأحمر وهذ أخي سيظل شعارنا حتى الممات حتى بات الناس كل الناس يعرفون من نكون ومن أي وطن منه ...
      تقبل مني مروري المتواضع على نص بحجم الكون في طرحه وفنه الرائع البديع
      مودة بحجم فلسطين
      التعديل الأخير تم بواسطة خالد يوسف أبو طماعه; الساعة 01-09-2010, 19:52.
      sigpicلن نساوم حتى آخر قطرة دم فينا

      تعليق

      • ميساء عباس
        رئيس ملتقى القصة
        • 21-09-2009
        • 4186

        #4
        مهند
        شاعرنا الجميل
        قصة بروح وسرد رواية
        جميلة جميلة
        بلغتها وروحها
        بقيمها ونجومها
        شكرا لك أيها الرائع
        دمت بخير وسعادة يارب
        ميساء العباس
        مخالب النور .. بصوتي .. محبتي
        https://www.youtube.com/watch?v=5AbW...ature=youtu.be

        تعليق

        يعمل...
        X