نهض عنترة من سباته العميق ينفض غبار السنين عن بدنه ويتلفت يمينا وشمالا باحثا عن سيفه وفرسه لكنه لم يجد أمامه سوى صحراء واسعة تغزوها رمال حارقة جعلت الأفكار تضطرب في مخيلته وتطرح عليه أسئلة كثيرة أين شد القوم رحالهم؟ لماذا تركوني وحيدا
في العراء دون سيفي وفرسي ؟ هل سخروا مني وهربوا بعبلة ؟ ترى أين اتجهوا ؟ لابد أن أهتدي إليهم ولو قضيت العمر باحثا عنهم
سار عنترة ساعات وساعات يقطع الصحراء والشمس تصب جحيمها الذي لا يطاق حتى أدركه التعب وأنهكه الجوع جلس يستريح قليلا تمدد فوق الرمال منكفئا على وجهه واضعا يديه وسادة تحت رأسه وفجأة سمع صوتا مخيفا يخترق أذنيه ويقترب منه بسرعة مذهلة قفز من مكانه متأهبا وإذ بطائر غريب قد عبر من فوقه بسرعة جنونية ارتعد فرائصه من الخوف وخاطب نفسه آه لو سيفي وفرسي معي ما كنت أشعر بالخوف لكن سؤالا ألح على مخيلته هل تسطيع فرسي أن تسبق هذا الطائر وهل أستطيع قتله بسيفي
تابع سيره مذهولا والطائر الغريب لا يبرح مخيلته حتى أطلت واحة خضراء فرح بها كثيرا بعد العناء الذي واجهه
أشرقت الواحة بجمالها في ذاته المضطربة وأنساه تغريد الطيور وهمس الأشجار ذلك الطائر الغريب إلى حين
قطف بعض الثمار وأكلها شعر بالارتياح فأخذ يتجول في الواحة رأى رجلا من مسافة ليست بعيدة عنه يحمل بيده عصا يصوبها إلى إحدى الشجرات فأراد أن يقترب منه ليسأله عن قومه لكنه تراجع واختبأ خلف شجرة عندما سمع دويا يخرج من تلك العصا وينطلق نحو الشجرة التي سرعان ما سقط منها ثلاثة طيور بينما طار الباقي مذعورا
هل أصدق أنني خائف في حياتي كلها لم أخف واليوم ينتابني شعور الخوف مرتين لا مستحيل ربما أنا في حلم ولكن الطائر الغريب وهذه العصا السحرية من يدري ربما لو رآه الرجل لقتله لا لن يقترب منه وابتعد متابعا مسيره حذرا من المفاجآت التي تعترض طريقه بين الحين والحين
نظر إلى السماء فرأى الشمس تتأهب للأفول
-لابد من وجود مضارب قريبة من هذه الواحة لكن أين هي؟
هذه فتاة تسوق الغنم لا بد أنها في طريق العودة إلى المضارب وفكر قليلا هل يحدثها أم يتبعها من بعيد لكنها فتاة ولن يخاف منها وما إن اقترب من الفتاة ورأته حتى صوبت بندقيتها نحوه وصرخت به قائلة : قف مكانك
تسمرت قدما عنترة وجحظت عيناه وهو يتفرس العصا ذاتها التي رآها مع الرجل ثم استجمع شجاعته كلها وخاطب الفتاة
- حياك الله يا أختاه
- من أنت وماذا تريد ؟
أحس بعطش شديد فقال : أريد ماءا
- من أنت ؟.
- عنترة
- عنترة اسم قديم
نظر إليها مستغربا وحدث نفسه "اسمي قديم ماذا حدث لهذا العالم ترى هل أصابني ما أصاب أهل الكهف فنمت سنين طويلة ثم استيقظت أم أحلم بكل ما يحدث لا لابد أنه كابوس ولكن الصحراء ذاتها التي عشت بها وهذه الواحة الخضراء إنها ذات الواحات التي يوجد منها الكثير في بلادنا لا لاشيء تغير سوى الطائر وهذه العصا قطعت الفتاة تفكيره قائلة :الماء قريب من هنا وجد تصرفات الفتاة غريبة لا تدل على الكرم الذي اشتهر به العرب وأخذ يتفحصها إنها الملامح العربية ذاتها على وجه الفتاة واللباس العربي نفسه ولكن شيئا ما تغير في هذه الفتاة
طرح سؤالا على الفتاة :هل تعرفين أين حط قومي رحالهم
-ومن قومك ؟
- بني عبس
- لم اسمع بهم من قبل !
_أتهزئين من قومي أيتها الفتاة !
- لا لكني لا أعرفهم !
- العرب كلها تعرف قومي !
- من تظن نفسك أيها الفتى ؟
- صمت عنترة عن الكلام الذي لا جدوى منه وارتسمت على وجهه ملامح اليأس ابتسمت الفتاة لأول مرة وسألته: هل أنت مصاب ؟
فحص عنترة نفسه بنظراته ويديه غير متأكد إذا كان مصابا أم لا فكل شيء محتمل ثم قال لها :هل تشاهدين اصابتي
-لا ولكن ربما وقعت أو أصبت ففقدت الذاكرة !
-ماذا تعنين ؟
-لا شيء
أخفضت الفتاة بندقيتها وضحكت قائلة :آسفة ولكني لا أعرف ما تريد ومن أنت؟
-لاشيء وأعتذر منك شكرا لك
تركها ومضى يريد أن يبتعد عن كل شيء فنادته الفتاة : تعال واتبعني أيها الفتى
سار خلفها صامتا حتى وصلا إلى منازل غريبة الشكل ليست خياما كما اعتادها فآثر الصمت لأن كل شيء أصبح بالنسبة له كالحلم
دخل مع الفتاة إلىالمنزل فاستقبله والدها بالترحاب بعد أن أخبرته الفتاة عنه ولمحت له ربما الفتى مصاب بفقدان الذاكرة
وريثما يحضر له الطعام شاهد أشياء غريبة وعجيبة لاتصدق حتى كاد يجن حقا وأدرك أنه استيقظ في زمن بعد زمنه بآلاف السنين
صندوق يتحدث ما أخطر ما تحدث به الأشخاص الذين يطلون منه دمار حروب حرب توشك أن تقع وتدمر العالم بأكمله بعد هذا يغنون ويرقصون كالجان
دارت به دائرة من الدوامات الكثيرة التي جعلته شبه مجنون لا يشعر بوجود الأشياء مع أنها تعيش معه
وعندما قدموا له الطعام وجد كل الأوعية غريبة وأخيرا وجد شيئا عرفه وفرح به كثيرا إنه خنجر صغير حاد تقدم منه عنترة وحمله بكلتي يديه أمسك به بقوة ثم وجهه إلى قلبه وغرسه في أحشائه وهو يبتسم لأول مرة ابتسامة ذات معان كثيرة .
********
نشرت هذه القصة في المجلة الثقافية الصادرة بدمشق ( اتمنى ان تنال اعجابكم )
تحياتي
تعليق