الكــابـــوس

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • حسام عزيز عزوز
    • 15-07-2010
    • 3

    الكــابـــوس

    الكابوس


    كن النور لعذاباتي أيها الليل..
    ...وأقبل من دفء جراحي أو من صقيع غربتي.
    ....لملم كل ما في الكون من فرح وتعال ، فأنا في شوق إ ليه منذ ألف عام !
    والصباح ؟..الصباح بعيد جداً عن أحلامنا، ربما سنحتاج لألف عام ٍ أخرى لنحلم به .. فحتى جدي لم يحلم به .. بل لقد حاول وجاهد ففشل ..جدي ذلك البطل الأسطوري لم يستطع،قلت يا جدي: كيف يكون الصباح؟
    ابتسم وشد علي غطائي ، وأطفأ المذياع الثرثار .. ورحل !
    أقسمت أمي بدماء أبي وجراحه ، أنها لم تفعل ذلك ، ولم تغادر غرفتها في تلك الليلة الباردة !.. فهل عاد جدي حقيقة ً بعد عشرين عاماً من موته ليقي جسدي النحيل برد الليل ؟!

    إذن عادت معه حكايات البطولة القديمة ، وروايات الجن القابعين في الجبل البعيد ، حيث حصرهم جدي في مغارة خلف صخرة سوداء كبيرة .
    ـ أيا جدي أخافني وجهك الجميل ، وكتفاك الجباران ، فلم رحلت ؟ وخليتني شلواً على غضن يابس ، في صحراء كلها ذئاب ، أهتز مع أصغر النسمات . الذئاب في أشداقها نار البراكين الملتهبة ؟!
    لم تفارق وجه جدي الابتسامة الهادئة الغامضة ، اضطجع قربي ، وحملني معه في ذكريات وأحلام الماضي .جدي شاب صغير ، يقد الصخر بمعوله الفولاذي ، وينقل أضخم الجذوع من الغابات البعيدة على كتفيه ، لم يحتج لدابة ٍ يوماً ، بل كان يكرهها ويحتقرها ، ذلك لأن ّ أولى بطولاته كانت تلك الصفعة الوحيدة لثور ٍ هائج هاجمه، سمّي على إثرها البطل .نظر جدي يومها في كف يده اليمنى مدهوشاً ، ونظرة أخرى إلى الثور النازف المرتمي على الأرض .. أجرأ الناس صاح حياك يا بطل ) .
    ـ من أي عشق جلبت جبروتك أيها الفتى ؟ وهل خط شارباك لتعرف معنى العشق الرجولة ؟!وكيف عرفت معنى العشق والأنوثة ولم تنسَ بعد عطش فطامك ؟؟.
    أشعر بالبرد يا جدي ، دفئني بنيرانك ، وأشعل منها قبساً يذيب الجليد عن جسدي. سخرت من نفسي ، وكيف الميت يدفئ حياً كيف ؟
    قدّ الصخرة الأولى وسواها ، وقد الثانية ، ومضى في عمله .. لم يفلح أحد في حملها ، فحملها هو ، وهكذا أصبح جدي بناءً ، يقطع وينقل ويبني ، ويحضر الجذوع الضخمة من أدغالٍ لم يصلها سواه ، يصنع منها السقوف ، ويكمل البناء إلى آخره .قال لي صديقه العجوز المقعد :
    ـ يا عمي جدك "كان مآخي الجن" ، و ذلك بعد أن استطاع أن يقتل دباً بضربة بلطة واحدة ، ثم حمله على ظهره من الأدغال البعيدة إلى القرية وهو جريح من ضربةٍ بمخلبه في ظهره ؟جدك أخذ مخلب كفه الأيمن ، وحمله معه . يقال : إن من يقتل دباً ويحمل مخلبه الأيمن ، يستطيع أن يكشف ستر الجن ويراهم عياناً ، وتسير خلفه إناثهم، أما ذكورهم فيراهم فقط ، وقد يحاربونه ...
    ــ وهل استطاع أن يفعل ذلك ؟ هل رأى جدي الجن عيانا ؟؟
    ــ ويقال : إنه قاتلهم في رؤوس الجبال ....
    شدتني غرابة الأسطورة..
    ـ وماذا أيضا ؟ هل حكى لك شيئاً بلسانه ؟

    ــ حكى لي الكثير . أنا مستودع أسراره . سأقول لك شيئاً ، فلا تبح به أيها الشاب :

    جدك عشق جنية !! وقاتل من أجلها أبطال قبيلتها ، وفي النهاية تعادل مع أقواهم ، فخيّرت بينهما ، وطال الجدال ، فأشار عليها شيخٌ منهم أن تَرضى بجدي لفترة حقناً للدماء ، فقبلت به لشهر واحد تكون فيه طوع بنانه وتحقق أمنياته .

    ـ وماذا كانت الأمنية الأولى ؟

    ـ للأسف تمنى مالا يستطيع الجن فعله . أن تغير له قدره فلا يُقتل كما قُتِل أبوه وجده ... طبعا رفضت لكنها أخذت تقرأ وتعزّم وتشعل أبخرتها السحرية ، فكشفت له طريقاً طويلاً . مكتوبٌ في الطريق أشياء غامضة منها : إنهم آتون بعد جيلين، وإنهم سيقاسمونكم الحَبّ والعنب والنبيذ .. الدار والأهل والحواكير ، رأى بعدها أشلاء أحفاده الشهداء الأبطال منثورة على الطرقات, ثم رأى ينابيع و أزهار تتفتق وتظهر فوق القبور ، ثم رأى سواداً وعتماً مطبقاً ،لكنه لم يستطع أن يصل إلى النور المطل من أعماق الظلمة ، فقد أعادته محظيته لأنّ البشر لا يستطيعون تحمل أكثر....

    سكت العجوز ثم بصق دمعة مرة فيها حزن ألف عام .

    ـ وماذا بعد .. أكمل يا جدي .. ما تفسير كل هذا . من هم الآتون في جيلي أنا ؟ ومتى سيأتي ذلك النور ؟؟!

    ـ لم يرَ جدك أكثر من أشلاء أحفاده الأبطال . إنه نسي أن يرى كيف سيقتل .

    عدت إلى غرفتي حزيناً يائساً . البرد قارس. رفعت صوت مذياعي، ونمت عارياً ، ألن يشفق علي جدي َ ، فيأتي ليشد علي غطائي ؟

    ــ تعال يا جدي ، وقل لي لماذا قتلوك على بوابة القرية ، وعدنا إلى الرحيل ، ولماذا سيبقى القتل مصير أحفادك كما هو مصير أجدادك ؟؟ وإلى متى سيبقى القديسون والأنبياء يقتلون ؟ ولماذا لم تعرف متى سيأتي النور ؟؟!!!

    أتى جدي ، مسح دموعي ، وشدّ غطائي ونام قربي ، نام أبي ، نام جده ، ونام جد جدي ، نام أحفادي الشّهداء الذين لم يأتوا بعد .

    نامت سلالة الشهداء كلها... نامت كل الخليقة فوق فراشي تحلم بالنور الذي رآه جدي ، ويبدو أن النوم سيطول ... ويطول ... ويطول ....
  • محمد فطومي
    رئيس ملتقى فرعي
    • 05-06-2010
    • 2433

    #2
    أخي حسام عزيز ..
    نصّك مذهل و رائع جدّا،
    مدهش حقّا ،لك منّي كلّ الودّ و المحبّة و ما يليق بك من ترحاب.
    مدوّنة

    فلكُ القصّة القصيرة

    تعليق

    • خالد يوسف أبو طماعه
      أديب وكاتب
      • 23-05-2010
      • 718

      #3
      هنا وجدت هامة أدبية رائعة في عالم القصة
      نص متين وجميل ورائع جدا جدا جدا
      نص يجرنا لسنوات من النضال الذي بتنا نأمله
      ونتمناه ونراه بأم أعيننا نضال حقيقي وليس وهمي
      نضال الأجداد الذين ضحوا بدمائهم الأرض وبذلوا
      من أجلها الغالي والنفيس ولم يرضوا المهانة والذل أبدا
      نص جميل من سرد وحبكة متقنة وتشويق رائع وحكي جميل
      نص اختلط فيه الواقع والخيال فزاده جمالا وبهاء وتألقا ...
      تعال يا جدي ، وقل لي لماذا قتلوك على بوابة القرية ، وعدنا إلى الرحيل ، ولماذا سيبقى القتل مصير أحفادك كما هو مصير أجدادك ؟؟ وإلى متى سيبقى القديسون والأنبياء يقتلون ؟ ولماذا لم تعرف متى سيأتي النور ؟؟!!!
      لي تحفظ على هذه العبارة باللون الأزرق فما ينبغي لنا
      تشبيه الأجداد والناس بالأنبياء والقديسين !!!
      وجهة نظر أحتفظ بها لنفسي ولكني لا أحبذها ..
      أستاذي القدير حسام عزيز عزوز
      استمتعت بسردك وقصك ها هنا
      احترامي

      التعديل الأخير تم بواسطة خالد يوسف أبو طماعه; الساعة 05-09-2010, 20:57.
      sigpicلن نساوم حتى آخر قطرة دم فينا

      تعليق

      • ربيع عقب الباب
        مستشار أدبي
        طائر النورس
        • 29-07-2008
        • 25792

        #4
        لي تحفظ على هذه العبارة باللون الأزرق فما ينبغي لنا
        تشبيه الأجداد والناس بالأنبياء والقديسين !!!

        الكاتب أخي خالد لم يشبه أحدا بأحد
        الكاتب يتساءل إلى متى يظل قتل القديسين و الأنبياء ؟
        و السؤال قد يعود إلى التاريخ القذر لبني صهيون فى قتلهم
        الأنبياء و القديسين !!
        أظن هذا ما قصد .. هنا .. و لم يشبه البشر ، و إن كان الأنبياء و القديسون بشرا
        و ليسوا ملائكة خلصا !!

        تحياتي للكاتب حسام عزوز و أهلا بك هنا أخي
        شحنت القص بالكثير و الكثير ، و بدأت بالبرد و انتهيت به
        و لكن ربما كان الدفع بالتفاصيل كثيرا إلى حد التسرب


        أشكرك على الكابوس ، الذى لم أره إلا مغيبا ، و غير حاضر !!

        محبتي
        sigpic

        تعليق

        • حسام عزيز عزوز
          • 15-07-2010
          • 3

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة محمد فطومي مشاهدة المشاركة
          أخي حسام عزيز ..
          نصّك مذهل و رائع جدّا،
          مدهش حقّا ،لك منّي كلّ الودّ و المحبّة و ما يليق بك من ترحاب.
          مرحبا أستاذي العزيز محمد فطومي
          أشكرك وكلي امتنان لمرورك المليء بالمودة والمحبة ..
          وأتمنى أن أكون بمستوى هذه الكوكبة من الأعلام الموجودة في هذا المنتدى...
          تحيتي ومودتي واحترامي

          تعليق

          • ماهر هاشم القطريب
            شاعر ومسرحي
            • 22-03-2009
            • 578

            #6
            الصديق المبدع حسام عزوز
            سعيد جدا بتواجدك معنا في الملتقى ايها العزيز وافخر بك فأنت بالنسبة لي كاتب قصة قصيرة من الطراز الانيق الجميل
            في الكابوس وفي جميع قصصك لديك اسلوب متين في القص والسلاسة التي تبعد القارئ عن الملل والتململ
            الخيال يمتزج بالواقع لديك لترسم لوحة وقصة بأنفاسك لتصفعنا بالدهشة والجمال
            القصة القصيرة بأمان بين يديك ياصديقي لأنك مخلص لها كما هي التي تعشقك
            شكراً لك ياصديقي
            انتظر المزيد من قلمك
            مودتي لك على مدى الحرف وشساعة الكلمة

            تعليق

            • محمد عزوز
              عضو الملتقى
              • 30-03-2010
              • 150

              #7
              قد تكون شهادتي مجروحة في قاص هو صديق وابن عم
              رافقته منذ بداياته
              المهم في نصوص حسام ومنها ( الكابوس ) أنها غير عفوية
              فعندما تومض الفكرة لديه ينسج عليها قصته
              ويأتي إتقانها من أنه يتعب عليها ويعاود الشغل بها
              حتى أنني قلت له مرة : كأنك لم تنته من قصصك بعد ..
              فيعلن عن قلقه الدائم من قصور نصه عن تجسيد فكرته
              وعندما بدأ ينشر بعضها .. حصد النتائج المرجوة ..
              حسام .. أرحب بك مع باقي الزملاء في الملتقى ..
              دمت ويراعك في تألق
              كل المودة والتقدير

              تعليق

              • حسام عزيز عزوز
                • 15-07-2010
                • 3

                #8
                المشاركة الأصلية بواسطة خالد يوسف أبو طماعه مشاهدة المشاركة
                هنا وجدت هامة أدبية رائعة في عالم القصة
                نص متين وجميل ورائع جدا جدا جدا
                نص يجرنا لسنوات من النضال الذي بتنا نأمله
                ونتمناه ونراه بأم أعيننا نضال حقيقي وليس وهمي
                نضال الأجداد الذين ضحوا بدمائهم الأرض وبذلوا
                من أجلها الغالي والنفيس ولم يرضوا المهانة والذل أبدا
                نص جميل من سرد وحبكة متقنة وتشويق رائع وحكي جميل
                نص اختلط فيه الواقع والخيال فزاده جمالا وبهاء وتألقا ...
                تعال يا جدي ، وقل لي لماذا قتلوك على بوابة القرية ، وعدنا إلى الرحيل ، ولماذا سيبقى القتل مصير أحفادك كما هو مصير أجدادك ؟؟ وإلى متى سيبقى القديسون والأنبياء يقتلون ؟ ولماذا لم تعرف متى سيأتي النور ؟؟!!!
                لي تحفظ على هذه العبارة باللون الأزرق فما ينبغي لنا
                تشبيه الأجداد والناس بالأنبياء والقديسين !!!
                وجهة نظر أحتفظ بها لنفسي ولكني لا أحبذها ..
                أستاذي القدير حسام عزيز عزوز
                استمتعت بسردك وقصك ها هنا
                احترامي

                كل الاحترام والتقدير لوجهة نظرك هنا
                فهي وجهة نظر حريص محب يقدر الإبداع ويغار على الأفكار ..
                كما أتوجه بالشكر الجزيل للأستاذ المبدع ربيع عقب الباب..
                ففيها ما يكفي ويفي..
                وأضيف إن التشبه بالأنبياء و القديسين والاقتداء بهم وبنهجهم في الحياة والشهادة هو من المكرمات التي نفخر بها ووجود الواو من باب عطف النسق جعل الأجداد شيء والأنبياء عليهم السلام والقديسين شيء آخر..
                هي بالفعل إشارة إلى تاريخ بني إسرائيل القّذر والمليء بالقتل والجرائم..
                أعود فأشكرك على التنبيه فهو مصدر سعادة وتقدير واحترام كبيرين..
                تحيتي....

                تعليق

                يعمل...
                X