آلام المسيح في بيروت

تقليص
هذا الموضوع مغلق.
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • مصطفى بونيف
    قلم رصاص
    • 27-11-2007
    • 3982

    آلام المسيح في بيروت

    كتب مصطفى بونيف


    أنا الآن مقيم في بيروت ..في صيف 2006 ، حيث أسمع صوت الطائرات الصهيوينة ، وهي ترمي بحمم الموت على الضاحية الجنوبية ، ولا شيئ يملأ أذني سوى صوت سيارات الإسعاف وهي تجوب شوارع بيروت تحمل القتلى والجرحى إلى المستشفيات..
    ولا شيئ يملأ عيني في هذا الظرف العصيب سوى جميلات قناة الجزيرة وهن يعلن عدد القتلى في هاته الحرب المفاجئة ، كأمطار الصيف...
    بيروت اليوم أجمل من كل يوم مضى ، ولأجل هذا رفضت الهروب منها إلى سوريا مع أصدقائي ، الذين فضلوا مشاهدة قتل بيروت من الخارج..أما أنا فقررت البقاء هنا ، قررت أن أموت مع مايا تلك الفتاة البيروتية الجميلة...فأنا أحب الجمال ، ومن أجله هاجرت إلى لبنان...فكيف أهاجر إليه ، ولا أموت معه ؟.
    مايا ..فتاة من لبنان ..يمسح وجهها الأبيض الجميل ، شيئ من نور الكنائس ، فهي مسيحية تعرفها من الصليب الذي يرقص فوق صدرها ..فيطلق أجراس بداية الصلاة.
    عاتبني كثيرا أصدقائي على علاقتي بهذه الفتاة لا لشيئ سوى لأنها مسيحية ...فأرد وأضحك وما ذنب الفتاة المسلمة حتى تبتلى برجل مثلي ؟؟..الجميع يدرك أن في إجابتي الساخرة تلك الكثير من المعاني ..يدركونها ثم يبتسمون بوجوه صفراء فاقع لونها.
    يقتحم علي غرفتي وأنا أكتب الآن شاب صديق لبناني ، من أنصارحزب الله ، ويرفع من صوت التلفزيون ..وهو يصرخ بفرح ..لقد قتلنا عشرين صهيونيا في مارون الرأس ...
    فأتزع نظارتي الطبية ، وأتأمله بوجه ساخر : من قتلهم ؟ ، فيجيبنا : نحن حزب الله.
    يتكلم صاحبي وكأنه كان في قلب المعركة ، مع أنه كان على موعد غرامي مع بنت من بنات كلية الآداب في نوادي الشباب .
    أهم بالخروج ، فيسألني : إلى أين ؟ ، فأجيبه : أنا خارج حيث كنت ، فربما سأقتل فيلقا صهيونيا .
    الجميع هنا يريد أن يتبنى المقاومة ، لأنها استطاعت أن تقتل وتدمر الكثير من القوات الصهيوينة المتربصة على الحدود الجنوبية للبنان. ولو أن المقاومة تفشل يوما ما ، فلا أحد سيرحمها ، جميعهم سيتبرأون منها .ويحملونها مسؤولية الدماء اللبنانية التي سفكت ، وقطع الأراضي التي استحوذ عليها الصهاينة.
    جلست مع مايا في المقهى البيروتي ، نرتشف العصير ، كانت تتكلم عن بيت عمتها الذي دمرته الطائرات الصهيوينة في البقاع ..وعن زوجة جارهم التي قضت في مجزرة قانا ، وأمام صمتي راحت تتكلم عن آخر خطاب للسيد حسن نصر الله ، وكيف أنه أبهر الأعداء ببرودة أعصابه ...كانت تتكلم وكأنها مسلمة متدينة ومتعصبة لحزب الله.
    وسرعان ما نسيت برودة أعصاب سماحة السيد ، لتسألني عن سر برود أعصابي ، وكيف أني لا أتكلم عن المقاومة بالحماس المطلوب.
    - أكثر ما يعجبني فيك يا مايا هو سواد عينيك ...
    ولأنها أنثى تسمرت في مكانها وتلعثم لسانها ، ولم تجد جوابا لمغازلتي المباغتة هذه سوى ((وهل هذا وقته يا أستاذ ؟ )).
    دنوت منها وهمست في أذنها : (( أشهـــى أوقات الحب يكون في زمن الحرب )).
    تعود مايا للحديث عن انتصارات المقاومة ..وأعود أنا للغزل .. لا يستمر الوضع كثيرا ..لتنفجر (( طبعا ليست بلادك التي تحترق وإلا ما كنت تأخذ الأمر بهذا البرود )) وتهم بحمل حقيبة يدها لتنصرف ..أمسكها من يدها .
    - كلا يا ما يا ، الناس جميعهم تركوا بيروت ، ومع ذلك لا زلت هنا ، أليس هذا شكلا من أشكال المقاومة ؟ ، إن صمتي هذا الذي تصفينه بالبرود لهو أنبل وسائل المقاومة . ثم أنفجر ضاحكا كالمجنون ، تلتف مايا حولي لتضع يدها على كتفي (( ما الذي أضحكك أيها المجنون ؟)). فأجيبها ودموع الضحك تملأ عيني (( تذكرت والدي ، تجدينه الآن يعتكف أمام قناة الجزيرة ، ويحرم على إخوتي الوقوف أو الجلوس أمام شاشة التلفاز إلا من أجل مشاهدة نشرات الأخبار ، والعك الذي يسمونه تحليلا سياسيا ، تجدينه الآن ككل العرب ، يلبس عباءته الصيفية ، وينبطح على سرير خشبي ، والريموت كنترول متوقف عند ذات القناة ، ويصرخ واللقمة تملأ فمه : الله ينصر المقاومة ، ثم يدعو على الحكام العرب )). تضحك مايا وتقول (( هذا أضعف الإيمان ..أن تنصروا المظلوم ولو بقلوبكم أليست هذه تعاليم دينكم ؟)).
    - مشكلتنا يا ما يا أننا لم نتعلم من ديننا سوى هذا الحديث ، بل لم نأخذ من هذا الحديث الشريف سوى الجملة الأخيرة ..أن نغير العالم بقلوبنا . من أجل ذلك قال الحكام العرب للعراق وفلسطين ولبنان قلوبنا معكم وسيوفنا عليكم. ، كلنا يا مايا نستنكر الرائحة الكريهة بأنوفنا وقلوبنا ، ولكن ما الجدوى مما تضمره قلوبنا من اشمئزاز والجيفة مرمية أمام بيوتنا ، ولا أحد منا تطوع ليرميها بعيدا.
    اعتدلت مايا بقامتها الطويلة ووقفت في مواجهتي ...كأنها تريد أن تلتهمني بعيونها السوداء العربية الجميلة..وهمست بشفتين مرسومتين (( كل هذا في قلبك يا حبيبي ؟ )).
    تأملتها جيدا ...وقلت في حماس (( أين جورج بوش الأحمق ، فربما عندما ينظر في عينيك الجميلتين يدرك أن المسيحية قد ولدت هنا ...وأن إدعاءه بحملة صليبية إدعاء باطل ،المسيحية الحقيقية ولدت هنا ، والسيد المسيح ولد وترعرع هنا ، وسيهبط ذات يوم هنا ، وليس في أوروبا أو أمريكا )). استطردت مايا قائلة (( جورج بوش ليس مسيحيا ، ولكنه يهودي صهيوني ، لقد شاهدت صوره وهو يزور سنة 1989 حائط المبكى في القدس ، ويضع على رأسه قلنسوة مثلثة الشكل)).
    رن الهاتف المحمـــول لمايا ..فتحته لترد ..استأذنتني لتنصرف إلى البيت فوالدتها قلقة عليها .وتريدها أن تعود إلى البيت فورا خصوصا وأن القصف بدأ يقترب من بيروت في هذا اليوم.
    صافحتني ، وقبلت يدها التي تشبه حمامة بيضاء ..((نلتقي في القريب إن شاء الله ، واتظر مني مكالمة الليلة ))...ابتسمت وقلت (( إن شاء الله )).
    امتطت مايا سيارة أجرة لتنطلق بها إلى الأشرفية حيث تسكن مايا ..وهو حي يقطنه المسيحيون في بيروت.
    بينما رحت أتمشى ..في شارع طويل ...كنت أنظر إلى بيروت وكأنها امرأة حسناء مقبلة على عملية جراحية خطيرة...كنت أتمنى لها السلامة وفي نفس الوقت أودعها ..لعلها تموت أثناء العملية ..هي مشاعر وأمنيات متناقضة في زمن الحب والحرب.
    وفجأة صم أذني صوت قصف قوي جدا...إن القصف في وسط بيروت..ازدادت دقات خفقانا حتى كاد أن يتوقف... ساعة .. ساعتان..ثلاث ساعات.. هاتف مايا المحمول لا يرد ، وفجأة رسالة قصيرة على هاتفي المحمول من شقيقة مايا .. الرسالة تقول (( لقد استشهدت مايا في قصف عشوائي للأشرفية على أحد المخابز حيث كانت تشتري ربطة خبز ..انتهت الرسالة ))...لا شيئ في أذني الآن سوى كلماتها الأخيرة ..(( جورج بوش ليس مسيحيا ...)).


    مصطفــــى بونيــــــــف
    [

    للتواصل :
    [BIMG]http://sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc3/hs414.snc3/24982_1401303029217_1131556617_1186241_1175408_n.j pg[/BIMG]
    أكتب للذين سوف يولدون
  • ياسمينة المغربي
    عضو الملتقى
    • 12-12-2007
    • 80

    #2
    قصة حزينة ، من يقتل الأبرايء ليس له دين. تسلم
    [COLOR=#FF6633][mark=#FFFF33]كن صديقي.
    كن صديقي.
    إنني أحتاج أحياناً لأن أمشي على العشب معك..
    وأنا أحتاج أحيانا لأن اقرأ ديواناً من الشعر معك..
    وأنا – كامرأة- يسعدني أن أسمعك..

    فلماذا –أيها الشرقي- تهتم بشكلي؟..
    ولماذا تبصر الكحل بعيني..
    ولا تبصر عقلي؟.

    إنني أحتاج كالأرض إلى ماء الحوار.
    فلماذا لا ترى في معصمي إلا السوار ؟.
    ولماذا فيك شيء من بقايا شهريار؟[/mark][/COLOR]

    تعليق

    • ياسمينة المغربي
      عضو الملتقى
      • 12-12-2007
      • 80

      #3
      ...المأساة ذاتها تتكرر في غزة هاته الأيام .....
      ولا زال العرب يغطون في سباتهم العميق .
      لا زال عنترة العبسي يهدد ..وسيفه الخشبي يفضح ضعفه .
      لا زالت الصور العارية النكراء في فضائياتنا. ومجلاتنا .
      في كل يوم تذبح فتاة عاشقة عربية ....ونحن نكتب قصائد الرثاء.
      [COLOR=#FF6633][mark=#FFFF33]كن صديقي.
      كن صديقي.
      إنني أحتاج أحياناً لأن أمشي على العشب معك..
      وأنا أحتاج أحيانا لأن اقرأ ديواناً من الشعر معك..
      وأنا – كامرأة- يسعدني أن أسمعك..

      فلماذا –أيها الشرقي- تهتم بشكلي؟..
      ولماذا تبصر الكحل بعيني..
      ولا تبصر عقلي؟.

      إنني أحتاج كالأرض إلى ماء الحوار.
      فلماذا لا ترى في معصمي إلا السوار ؟.
      ولماذا فيك شيء من بقايا شهريار؟[/mark][/COLOR]

      تعليق

      • عثمان علوشي
        أديب وكاتب
        • 04-06-2007
        • 1604

        #4
        [align=center]الأستاذ مصطفى بونيف،
        قرأت النص للمرة الثانية وهو يحتاج لقراءات أخرى تحليلية
        لي عودة إن شاء الله
        تحياتي[/align]
        عثمان علوشي
        مترجم مستقل​

        تعليق

        • مصطفى بونيف
          قلم رصاص
          • 27-11-2007
          • 3982

          #5
          الياسمينة ....
          بالأمس فقط ارتكبت الصهيونية واحدة من أحقر جرائمها على شعبنا في غزة. وجورج بوش صافح بيده الملطخة بدماء الأطفال العرب كل زعمائنا الأشاوس .

          أخي عثمان في انتظار عودتك اشكرك على المرور
          [

          للتواصل :
          [BIMG]http://sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc3/hs414.snc3/24982_1401303029217_1131556617_1186241_1175408_n.j pg[/BIMG]
          أكتب للذين سوف يولدون

          تعليق

          يعمل...
          X