مسرحية من ثلاثة مشاهد
(نلتقي اليوم مع المشهد الأول . المشهدين المتبقيين في الأيام القادمة بمشيئة الله)
في بيت من بيوت الصفيح.
يدخل سليمان ( 36 سنة ) يرتدي ملابس فقدت لونها لكثرة ارتدائها و أيضا لقدمها. يجلس على كرسي متهالك ليستريح.
تدخل زوجته رقية ( 30 سنة )
رقية : أين تأخرت ؟
سليمان : و عليكم السلام و رحمة الله تعالى و بركاته.
رقية : لم تجب عن سؤالي.
سليمان ( ينهض من الكرسي ) : تمنيت يوما واحدا أن أدخل بيتي و تستقبليني بابتسامة جميلة أو كلمة حلوة.
رقية : أجبني.... أين كنت؟
سليمان : أووووف.... كنت في المقهى مع صديقي عباس.
رقية : ماذا؟؟؟ في المقهى؟؟؟ تبعثر نقودنا في المقاهي؟؟ ألم امنعك من الجلوس في المقاهي يا سليمان؟
سليمان : اطمئني يا رقية..... عباس هو من دعاني .... و على حسابه. لم أنفق درهما واحدا.
رقية : هات مرتبك.
سليمان ( يخرج النقود من جيبه و يعطيها لزوجته. تعدّ رقية النقود )
رقية : مرتبك ناقص مائة درهم..... أين هي؟
سليمان ( ابتسامة خجولة ) : أخذتها.... رأيت سروالا جميلا و اشتهيت ان....
رقية ( مقاطعة. تمد يدها اليمنى وتتكلم بحدة ) : هات الورقة النقدية.
سليمان ( متوددا ) : أرجوك يا رقية...... لم اشتر سروالا منذ خمس سنوات.
رقية : اذا أردت ان تشتري ملابس جديدة، ابحث عن عمل آخر بدخل كبير.... هات الورقة النقدية.
سليمان ( يرفع صوته قليلا ): هل وجدت عمل و قلت لا؟
رقية : هات الورقة النقدية.
سليمان ( يزفر بصوت مسموع . يعطيها الورقة النقدية ) : أليس في قلبك رحمة يا امرأة؟
رقية : ليس أنا من لا يرحم. الظروف هي التي لا ترحم..... ( تهم بالخروج لكن تفتكر شيئا ما ) أه... افتكرت ، يجب أن تذهب الى الدكان لشراء قنينة غاز.
سليمان : قنينة غاز!!!! لم يمر على ملئها سوى خمسة عشر يوما..... ماذا تفعلين بالغاز حتى ينفذ بسرعة يا رقية؟
رقية : سمعت أحد الأطباء في الراديو ينصح بالإستحمام بالغاز لإزالة القشرة من الشعر و أيضا للحصول على بشرة نظرة.
سليمان : يا لطيييييف .....حتى مزاحك يقطر نكد..... من الأحسن ان أذهب الى الدكان و أغير جو.
رقية : ماذا تقصد بكلامك؟ أنني انسانة لا تطاق و " دمها ثقيل " كما يقول المشارقة؟
سليمان ( يهم بالإنصراف ) : أنا ذاهب لإحضار قنينة الغاز.
رقية : قبل أن تذهب ، قم باصلاح باب غرفة النوم.
سليمان : ماذا حلّ ب.....( يتوقف عن الكلام. لا يكمل جملته ) من الأحسن أن لا اسأل خشية ان تعطيني إجابة ..... او بالأحرى نكتة " تموّت " من الضحك.
رقية ( نظرات حادة ) : أتسخر مني يا سليمان؟
سليمان ( يتفادى النظر الى وجهها ) : حاشى لله.... حاشى لله... من يستطيع أن يسخر من السيدة رقية....
رقية : أتعتقد انني غبية لا أفهم حركاتك و لا أعي المعنى بين السطور؟.... هل هكذا تشكرني لأنني أفكر فيك و في و في طفلينا الصغيرين؟ هل هذه هي الطريقة التي تقول لي بها شكرا لأنك تصبرين على حياة الذل التي نعيشها في هذا البيت... أقصد علبة السردين التي أصابتني و أولادي بأمراض عدة؟
سليمان : أرجوك يا رقية، ليس هذا وقت تقليب المواجيع. .... و أعتذر إن جرحتك بكلامي.
رقية : اعتذارك غير مقبول.
سليمان ( ينظر إليها في صمت لعشرة ثواني ) : أنا فعلا آسف.... هات رأسك لأقبلها.
رقية ( تعود خطوة للوراء ) : ابتعد عني.... لا أريد اعتذارات و لا قبلات.
سليمان ( حركات بيديه ): و ماذا تريدين؟..... ماذا تريدين؟
رقية : أنت تعرف ما أريد.
سليمان : .....كلا.... أرجوك يا رقية.... لن نعود لنفس الموضوع مرة اخرى....
رقية : بل سأناقشك فيه يوميا و كل ساعة لو اضطررت حتى تقتنع بفكرتي.
سليمان : و سيكون جوابي كل يوم و كل ساعة : لا... لا ..... لا.... اتفهمين؟... سأذهب الى الدكان لإحضار قنينة الغاز.
( يهمّ بالإنصراف )
رقية ( تصرخ ) : سليمان....
سليمان ( يعود ادراجه ) : ماذا هناك؟
رقية : أريد جوابا شافيا على تساؤلي.
سليمان ( يدعي الجهل بالموضوع ): بخصوص أي موضوع؟
رقية : اكتراء الطابق السفلي من بيت أخيك محمود.
سليمان : إنس أخي محمود. لقد بدأت فعلا بالبحث عن بيت للكراء. و لكن لم اجد بعد شيء. الموجود غال جدا.
رقية : هل تعتقد أن بمرتبك الزهيد الذي لا يتجاوز 2000 درهم شهريا ستستطيع ايجاد بيت للكراء؟ ألا تعلم أن ايجار الكراء يتراوح ما بين 1300 درهم و 3000 درهم؟
سليمان : أعلم ذلك.
رقية : الحل إذا هو أن تطلب من أخوك محمود ايواءنا في بيته بايجار زهيد.
سليمان : انا اعرف أخي محمود جيدا : لن يقبل أن يأخذ مني درهما واحدا.
رقية : و لماذا يأخذ منك المال؟ ألا يدير بنكا و يتقاضى أجرا يضاعف أجرك عشرين مرة أو أكثر؟ خير يعمل.
سليمان : أنا لا أرضى أن أكون عالة على اخي.... و لو كان هو بيل غيتس الملياردير.
رقية : بالمقابل ، ترضى أن أمرض و أولادك بالربو و أمراض جلدية نظرا للسكن في علبة السردين التي نحيا فيها. اليس كذلك يا سليمان؟
سليمان ( ينظر إلى الأرض )
رقية : لماذا لا تجيب؟
سليمان : س....سأذهب لإحضار قنينة الغاز.
رقية : كما تشاء . و بعد عودتك ستذهب لبيت أخيك لتطلب منه ايوائنا في الطابق السفلي من بيته.
سليمان : لن اذهب.
رقية : بل ستذهب..... و إلا ، أقسم بالله العلي العظيم على اخذ أبنائي و أذهب إلى بيت والدي. لقد طفح الكيل.
سليمان : لا بد أنك تمزحين.
رقية : متى اعتدت مني المزاح في الأمور الجدية؟
سليمان ( صمت )
رقية : تكلم.... قل انك تفكر في مصلحة عائلتك و ستذهب إلى أخيك تطلب منه استئجار الطابق السفلي من بيته.
سليمان : سأفكر في الأمر. ربما سأذهب اليه غدا أو بعد غد.
رقية : بل اليوم و ليس غدا.
سليمان ( بنبرة تحدي ) : قلت غدا أو بعد غد.
رقية ( بنبرة تحدي ) : و أنا قلت اليوم و ليس غدا.
سليمان ( بعد صمت قصير ) : اخي محمود يعود متعبا من البنك و يحب أن.....
رقية ( مقاطعة ) : ستذهب إليه اليوم . و إلا لن أبيت هنا الليلة و اولادي.
سليمان ( صمت قصير ) : لقد فكرت جيدا و قررت ان أذهب اليه اليوم و ليس غدا. فصحّتي و صحّة أولادي هي أغلى ما املك.... و سأقترح عليه اعطاءه مبلغا شهريا و لو رمزيا. فأنا لا اقبل الصدقات و لو من المقربين.
رقية : اذهب الآن لإحضار قنينة الغاز قبل غروب الشمس.
سليمان : أجل. من الأفضل أن أحضر قنينة الغاز لأذهب بعدها لأخي محمود. أرجو فقط أن يرضى استئجاري الطابق السفلي من بيته . فهو ليس في حاجة اليه.
رقية : أسرع بالذهاب و كفى ثرثرة فارغة.
( تخرج رقية . يتابعها سليمان بنظراته. يرتسم الحزن على ملامحه و كانه يرثي الحال التي وصل إليها )
( نهاية المشهد الأول )
( نلتقي بمشيئة الله في المشهدين المتبقيين في القادم من الأيام. تحياتي )
تعليق