روابط أيونية خارج دائرة الكتمّان قرّر (عاصم) أنْ يعيشَ ما تبقى له من حياة، حياة تمسُّ حافّة الشمس، وتتوسد أشعتها، ولا تقبل القسمة على أيِّ عدد، تضخّم البسط أو تقيَّح المقام، لا شئ سيثنيه عن عزيمته، ، وفي المساء سينزوي وحده مع القمر ويرسم في وجنتيه وجنتين. هذا أوَّل قرّار خرج به بعد الاجتماع الذي عقده ليلة البارحة مع نفسه، واستمر إلى ما بعد منتصف الليل. حضر كُلَّ الأعضاء الذين تمّ دعوتهم، لم تتخلفْ حاسَّة واحدة من حواسِّه الست. بدأ الاجتماع بتقييم جماعي لمجمل تفاصيل أيامه التي انقضتْ من عُمره. الظلام الذي كان يقود سلوكه في السنوات المنصرمة أعاق الرؤية، الشئ الذي جعل غالبية الأعضاء يغضون الطرف عن كثير من التفاصيل، وأكدوا على أهمية محور التعويض، وعلى الرجل الداعِ لهذا الاجتماع أنْ يعلم أنَّ العُمرَ موظَّف كهل لا يرتشي، وأنَّ النحيب مُرّاً كان أو لاذعاً فوق قبر الأيام المنصرمة ماهو إلا معملاً لتفريخ مزيد من الدموع. أعتبر (عاصم) أنَّ الأمرَّ لا يخلو من إهانة، والملاحظة التي ذُكرَّتْ كانت قاسية جداً، ولا تأخذ في عين الاعتبار خبرته الطويلة، وأنَّه الأكبر سناً بين الأعضاء، تزحزحتْ الحاسَّة التي تجلس خلف الجهاز لتسجل بأمانة ما يدور، وأوضحت بأنَّه ما لم يقزِّمْ أناه المتضخمة، والمتقيحة، سيظلُّ ولأمدٍّ بعيد مجرد عنصر انتقالي بين الأربعين مليون عنصر انتقالي. النقاط المجاورة لنقطتي الكتمان والتعويض تمسك بها (عاصم)، وأنَّه سينحاز قريباً لقبيلة الفلزات التي تؤمن بالروابط الأيونيَّة بين البشر، أو في أسوأ الحالات سينتمي لقبيلة اللافلزات، وسيظلُّ تساهمياً فقط مع الجنس الآخر، وأنَّه لن يعطلَ ذهنه ثانيةً كلَّما ارتفعت درجة حرارة الطقس، وسينفذ جميع قرّاراته حالما يبرد الجو وينزل المطر. رمت إحداهنَّ الجهاز بعصبية، وتكلمتْ حتىّ اختلط الكلام بلُعابِها، وأعلنتْ عن سأمَّها، وأنَّ هذا المخلوق لا يعرف أبسطَّ أبجديات الحياة المتحضّرة، وكثيراً ما يضحك في وقتِ الحزن، ويحزن في وقتِ الفرح، لا يعرف الآلية الحديثة التي ابتكرها الغرب لتغيير الوجوه بأسرع ما يمكن، وأنَّ أزمنة الأقنعة قد ولَّت دونَ رجعة. فضَّ (عاصم) الاجتماع بطريقة فظّة أساءت للأعضاء، وعلى ضوئها قرّروا بالاجماع السكوتي عدا واحدة متواطئة، أنَّ لا اجتماع بعد اليوم مع هذا الكائن الشرس. تجاهل (عاصم) هذه الملاحظة وصمم أنْ يعتمد على نفسه، وأنْ لا يكون رهينة لأفكار الأخرين، خاصةً إذا كانت تدور حولهم الشبهات، وبأنّهم مجرد طابور خامس، وأنْ لا تستهويه بعد اليوم أيَّ فكرة ما لم تكنْ من بناتِ أفكاره، وعليه أنْ يبحثَ عن امرأة تقاسمه أيامه القليلة القادمة، لتنجب له بناتاً لأفكاره. انتظر أربعة أيام حتى اعتدل الطقس وصار ملائماً، واستعرض في ذهنه كلَّ عقول الفتيات الجميلات، توقف طويلاً عن البنت التي اسمها (أفكار)، ضحك بعمق كمن وجد ضالته..
(أفكار) بثوبها الحريري الشفاف، وشعرها المسدل والمتمرد على طيات المنديل الطوبي اللون، وبساقيها المتورمتين حدّ التوّرم، كأنهما جذعي نخلة، أو أنبوبتين من أنابيب مصافي البترول، لا تهتم كثيراً بثقافة الشّد، واللصق، والتلميع، بقدر ما تهتم بالنظافة، وجودة الغذاء، وراحة البال، تسكن في منزل قريب من منزله، رأته مرّة أو مرّتين، لم يلفتْ نظرها، كانت تعتبره عادياً تماماً، هذا إنْ لم يكنْ قبيحاً بصّريح العبارة، مائلاً للقِصَّر، بشرته محترقة كأنَّها خارجة من فوهةِ بركانٍ، ملابسه رخيصة، ولكنها ليست ببالية، نظيف في كلِّ الأوقات، لا يبتسم كثيراً، تجاوزه قطار الزواج بسبع محطّات، مشهور في المنطقة بأنَّه ماهر في بناء المنازل، خاصة تلك التي تشيد بالطوب الأخضر، تفاجأت به وهو يستأذن بوقاحة من الذي يجاورها في مقاعد (الباص)، وبعملية إحلال بسيطة تمّ له ما أراد، جلس على يمينها وفي يده هاتفه المحمول، سألها بدون مقدمات كمن يريد أنْ يكون مرحاً عن قيمة جاذبية (المعيشة)، لم تردْ عليه وانشغلتْ بمكالمة هاتفية على الهاتف. ألصق كتفه بكتفها، مدَّ إليها الجهاز الذي يحمله في يده. أوضح لها بأنَّ دائرة الهلع التي ندور فيها لديها تسارع لا يلتفت للقيمة الفعلية لجاذبية (المعيشة) البالغة 9,8. توترتْ قليلاً، نهضتْ، توجهتْ نحو الباب، لحق بها في الشارع، دارتْ نصف دورة وبصقتْ، مسح البصاق عن كتفه، أدخل الجهاز في جيبه وابتسم لها، استعانتْ بخبرتها وتمهلتْ، عرفت أنَّه خارج للتوِّ من دائرة الكتمان، وأنَّ كلَّ ما يبحث عنه هو التعويض، بادلته الابتسام، زجّتْ يدها في جيبه، أخرجتْ الجهاز، سجلتْ أرقاماً فيه ثمّ أعادته إلى ذاتِ المكان وغادرتْ.
(أفكار) بثوبها الحريري الشفاف، وشعرها المسدل والمتمرد على طيات المنديل الطوبي اللون، وبساقيها المتورمتين حدّ التوّرم، كأنهما جذعي نخلة، أو أنبوبتين من أنابيب مصافي البترول، لا تهتم كثيراً بثقافة الشّد، واللصق، والتلميع، بقدر ما تهتم بالنظافة، وجودة الغذاء، وراحة البال، تسكن في منزل قريب من منزله، رأته مرّة أو مرّتين، لم يلفتْ نظرها، كانت تعتبره عادياً تماماً، هذا إنْ لم يكنْ قبيحاً بصّريح العبارة، مائلاً للقِصَّر، بشرته محترقة كأنَّها خارجة من فوهةِ بركانٍ، ملابسه رخيصة، ولكنها ليست ببالية، نظيف في كلِّ الأوقات، لا يبتسم كثيراً، تجاوزه قطار الزواج بسبع محطّات، مشهور في المنطقة بأنَّه ماهر في بناء المنازل، خاصة تلك التي تشيد بالطوب الأخضر، تفاجأت به وهو يستأذن بوقاحة من الذي يجاورها في مقاعد (الباص)، وبعملية إحلال بسيطة تمّ له ما أراد، جلس على يمينها وفي يده هاتفه المحمول، سألها بدون مقدمات كمن يريد أنْ يكون مرحاً عن قيمة جاذبية (المعيشة)، لم تردْ عليه وانشغلتْ بمكالمة هاتفية على الهاتف. ألصق كتفه بكتفها، مدَّ إليها الجهاز الذي يحمله في يده. أوضح لها بأنَّ دائرة الهلع التي ندور فيها لديها تسارع لا يلتفت للقيمة الفعلية لجاذبية (المعيشة) البالغة 9,8. توترتْ قليلاً، نهضتْ، توجهتْ نحو الباب، لحق بها في الشارع، دارتْ نصف دورة وبصقتْ، مسح البصاق عن كتفه، أدخل الجهاز في جيبه وابتسم لها، استعانتْ بخبرتها وتمهلتْ، عرفت أنَّه خارج للتوِّ من دائرة الكتمان، وأنَّ كلَّ ما يبحث عنه هو التعويض، بادلته الابتسام، زجّتْ يدها في جيبه، أخرجتْ الجهاز، سجلتْ أرقاماً فيه ثمّ أعادته إلى ذاتِ المكان وغادرتْ.
تعليق