كانت عيناه تتحركان بسرعة بين هياكل رفاقه و رفيقاته ،
من قاطني القبو ؛ فمنذ انصرافهم عنه دون تعليق واحد ،
تأكد أنه سيصبح هدفا لممارسات و ألآعيب مالك هذه المتاهة ،
و شركائه الذي لا يدري كم يصل عددهم ،
و إن وصل به حدسه و تخميناته إلي الكم الهائل من هؤلاء !
أحاطت به أشباح بلا رؤوس ، وهو يدور ، يدور ، و يتخيل حجم ما قد تأتى به ، و أن المقصود ليس إذاء جسديا بقدر ما هو النيل من رأسه ،
أو ما تبقي من رأسه .
همهمات تعلو و تنكسر ، ثم تتدحرج فى أرجاء الفراغ المهيمن ، و تمتد ذيول كأنها أفاع فتلتف حول جسده المتهالك . و هو بلا صوت ، يدور معها ، حتى لم يعد له وجود .
احتبس صوته ، بل نسي أنه يحمل صوتا من الأساس ، لم يخلصه من تلك ، إلا صوت دبيب قادم ، فتخلت الأفاعي عن لعبتها ، و دغدغاتها ، التى وصلت حد إنهاكه ضحكا و صراخا ، أدت إلى توقف قلبه لثوان !
حين عاد إليه وعيه ، رأى أمامه مخلوقا بشعا ، دقيق الرأس و العنق ، أسعل ، آدر ، أصلع ، طويل القامة بشكل مخيف ، حتى أن رأسه المغاضبة طوله ارتطمت رغما عنه بسقف القبو ، دون أي انتباهة منه ، و كأنه إلى جانب هذا ، مصاب بالغباء أو العمى !
أتاه صوت لا يدري أيصدر عن هذا الشيء ، أم يأتي من بقعة أخرى غير معلومة ، فشل في تحديد اتجاهها تماما ، مما وتّره حد الهذيان ، و الصراخ :" جئت طوعا إلى هنا ، بمحض إرادتي ، و أريد الخروج .. أتراني تجاوزت ، أم طلبت مستحيلا ؟!".
لم يوجه الحديث إلى أحد ، لكنه رمي به هكذا ، سواء كان لهذا أم غيره ؛
فأتاه الصوت مع تحليق لطيور ، تشبه الخفافيش ، الواحد منها فى حجم رخ صغير ، لكنها ليست إلا طيور ، لم يرها من قبل ، و لم يكن ليراها لولا وجوده هنا : " جئت طوعا ، و تركنا لك مساحات من رحيل ، فلم تأبه بها ، و عشت حلما جميلا ، حاولنا فيه أن نكون بعض ألوان و أقنعة لا أكثر ، فما الذي حدث لك ، ودفعك إلى التمرد ؟!".
فجأة تحولت الطيور التى تشبه الخفافيش ، إلى كائنات ، إلى رفاق كانوا هنا معه ، ورفيقات بين حد الحب و الكراهية ، كن هنا ، يتبادلن معه الحب ، و الدموع ، أو الضحك ، و الرقص !
الآن تتكشف له حدود الخديعة ، حدود ما ظل بين براثنه وقتا ليس هينا ، بل طال أكثر مما كان متوقعا ، حيث كان هنا رهقا و ألما من واقع ، ما عاد يقبله ، بل يرفضه بكل كيانه ، كما رفضه هذا الواقع ، يتخلص من كبت طال ، و أذي وصل حد الحلقوم ، و هو يشهد مأساة وطنه ، وما وصل إليه من تدهور في كل شيء ، لا يمكن السكوت عليه ؛ فالسكوت خيانة ، و التراجع مؤامرة هو مشارك فيها بلا شك ، فقرر الرحيل لأقصي ما تسمح له قدماه ، ربما انتحارا و يأسا ، مخلفا بيته و عياله ، ووظيفته الحقيرة .
غزا أماكن لم يسمع بها ، و لم تصادفه حتى فى أحلامه ، فى نهاية ألأمر كان يلتقط قصاصة ، و يقرأ عن قبو جهزه صاحبه لكل من تاقت نفسه ، لحرية ما .. حرية فى الحزن ، و الكره ، و الضحك و البكاء ، قبو تجري فيه أنهر من عسل و لبن ، وحوريات من كل صنف و جنس ، يتحدثن لغات شتي ، و غلمان يفصدون أوهامهم ، ويشتلون بعضها ياسمينا و جوريا ، ورجال لا يخجلون من مراهقتهم المتأخرة ، و تصابي بعضهم .
هنا رأي عالما أكثر اتساعا رغم ضيقه الملحوظ قياسا بما كان من قبل .
أحاطت به الطيور مدبدبة ، جروه إلى الحائط ، و دقات الساعة تؤكد أنها الخامسة مساء . أتى شيء متمدد من الجانبين ، وكأنه مط على آلة جهنمية ، حولته إلى كائن شائه ، و بيده حجر قوي، و مسامير غليظة
يصل طولها إلى أكثر من ثلاثين سنتيمترا .. رفعوا ذراعه الأيمن ، و ثبتوا ألأيسر ، و بدأ الكائن المضغوط ، البائن القصر ، الذى صعد فوق مرتفع من أجساد الرفاق ، فى دق كف اليدين ثم القدمين ، ثم بمسمار كنصل ، دق في قلبه !
كانت اللوحة قد أحدثت جرحا فى قلب القبو ، أحالت عتمته إلى مهرجان من دموع ، كانت تتلألأ على وجوه هؤلاء ، و الدماء تأخذ طريقها تحت الأقدام ، بينما تتسلل خيوط نور من فجوات مجهولة المصدر ، فتضفي على المصلوب نوعا من القداسة و الرهبة ، مما أدى إلى ارتفاع أصوات البكاء و العويل ، و أيضا العديد الذي تردد على استحياء ، بينما بخطوات ثابتة كان صاحب المكان يتحرك حاملا إكليلا ، عبارة عن طائر تم تفريغه حيا ، ثم حقنه ببعض السيانيد !
كان طائر القلب يرفرف حول النصل ، دماؤه الساخنة تدفق ، كحبات الدمع ، على نبضاته يهتز جلده بكامله ، و يرتعش بقوة ، و كان عليه أن يضع للصورة آخر ألوانها ، لينهى المشهد ، لكنه لم يكن في عجلة من أمره ، فقد أراد بعض المتعة ، و ربما الدهشة فيما لو تحرك المتمرد ، و ألقى آخر ما في جعبته ، فيضع الإكليل مع دقات السادسة ، و تبدأ فقرات الحفل على شرف هذا الرجل ، الذي أعطاه اسما و لونا ، و أيضا كتابا ، فسماه ( ربما ) ، ووشحه بألوان الطيف ، و أعطاه كتاب الموت الذي لم يع تماما ما يحمل حتى ساعة خلاصه ، و لا السبب الذي اختصه به هو دون سواه !
من قاطني القبو ؛ فمنذ انصرافهم عنه دون تعليق واحد ،
تأكد أنه سيصبح هدفا لممارسات و ألآعيب مالك هذه المتاهة ،
و شركائه الذي لا يدري كم يصل عددهم ،
و إن وصل به حدسه و تخميناته إلي الكم الهائل من هؤلاء !
أحاطت به أشباح بلا رؤوس ، وهو يدور ، يدور ، و يتخيل حجم ما قد تأتى به ، و أن المقصود ليس إذاء جسديا بقدر ما هو النيل من رأسه ،
أو ما تبقي من رأسه .
همهمات تعلو و تنكسر ، ثم تتدحرج فى أرجاء الفراغ المهيمن ، و تمتد ذيول كأنها أفاع فتلتف حول جسده المتهالك . و هو بلا صوت ، يدور معها ، حتى لم يعد له وجود .
احتبس صوته ، بل نسي أنه يحمل صوتا من الأساس ، لم يخلصه من تلك ، إلا صوت دبيب قادم ، فتخلت الأفاعي عن لعبتها ، و دغدغاتها ، التى وصلت حد إنهاكه ضحكا و صراخا ، أدت إلى توقف قلبه لثوان !
حين عاد إليه وعيه ، رأى أمامه مخلوقا بشعا ، دقيق الرأس و العنق ، أسعل ، آدر ، أصلع ، طويل القامة بشكل مخيف ، حتى أن رأسه المغاضبة طوله ارتطمت رغما عنه بسقف القبو ، دون أي انتباهة منه ، و كأنه إلى جانب هذا ، مصاب بالغباء أو العمى !
أتاه صوت لا يدري أيصدر عن هذا الشيء ، أم يأتي من بقعة أخرى غير معلومة ، فشل في تحديد اتجاهها تماما ، مما وتّره حد الهذيان ، و الصراخ :" جئت طوعا إلى هنا ، بمحض إرادتي ، و أريد الخروج .. أتراني تجاوزت ، أم طلبت مستحيلا ؟!".
لم يوجه الحديث إلى أحد ، لكنه رمي به هكذا ، سواء كان لهذا أم غيره ؛
فأتاه الصوت مع تحليق لطيور ، تشبه الخفافيش ، الواحد منها فى حجم رخ صغير ، لكنها ليست إلا طيور ، لم يرها من قبل ، و لم يكن ليراها لولا وجوده هنا : " جئت طوعا ، و تركنا لك مساحات من رحيل ، فلم تأبه بها ، و عشت حلما جميلا ، حاولنا فيه أن نكون بعض ألوان و أقنعة لا أكثر ، فما الذي حدث لك ، ودفعك إلى التمرد ؟!".
فجأة تحولت الطيور التى تشبه الخفافيش ، إلى كائنات ، إلى رفاق كانوا هنا معه ، ورفيقات بين حد الحب و الكراهية ، كن هنا ، يتبادلن معه الحب ، و الدموع ، أو الضحك ، و الرقص !
الآن تتكشف له حدود الخديعة ، حدود ما ظل بين براثنه وقتا ليس هينا ، بل طال أكثر مما كان متوقعا ، حيث كان هنا رهقا و ألما من واقع ، ما عاد يقبله ، بل يرفضه بكل كيانه ، كما رفضه هذا الواقع ، يتخلص من كبت طال ، و أذي وصل حد الحلقوم ، و هو يشهد مأساة وطنه ، وما وصل إليه من تدهور في كل شيء ، لا يمكن السكوت عليه ؛ فالسكوت خيانة ، و التراجع مؤامرة هو مشارك فيها بلا شك ، فقرر الرحيل لأقصي ما تسمح له قدماه ، ربما انتحارا و يأسا ، مخلفا بيته و عياله ، ووظيفته الحقيرة .
غزا أماكن لم يسمع بها ، و لم تصادفه حتى فى أحلامه ، فى نهاية ألأمر كان يلتقط قصاصة ، و يقرأ عن قبو جهزه صاحبه لكل من تاقت نفسه ، لحرية ما .. حرية فى الحزن ، و الكره ، و الضحك و البكاء ، قبو تجري فيه أنهر من عسل و لبن ، وحوريات من كل صنف و جنس ، يتحدثن لغات شتي ، و غلمان يفصدون أوهامهم ، ويشتلون بعضها ياسمينا و جوريا ، ورجال لا يخجلون من مراهقتهم المتأخرة ، و تصابي بعضهم .
هنا رأي عالما أكثر اتساعا رغم ضيقه الملحوظ قياسا بما كان من قبل .
أحاطت به الطيور مدبدبة ، جروه إلى الحائط ، و دقات الساعة تؤكد أنها الخامسة مساء . أتى شيء متمدد من الجانبين ، وكأنه مط على آلة جهنمية ، حولته إلى كائن شائه ، و بيده حجر قوي، و مسامير غليظة
يصل طولها إلى أكثر من ثلاثين سنتيمترا .. رفعوا ذراعه الأيمن ، و ثبتوا ألأيسر ، و بدأ الكائن المضغوط ، البائن القصر ، الذى صعد فوق مرتفع من أجساد الرفاق ، فى دق كف اليدين ثم القدمين ، ثم بمسمار كنصل ، دق في قلبه !
كانت اللوحة قد أحدثت جرحا فى قلب القبو ، أحالت عتمته إلى مهرجان من دموع ، كانت تتلألأ على وجوه هؤلاء ، و الدماء تأخذ طريقها تحت الأقدام ، بينما تتسلل خيوط نور من فجوات مجهولة المصدر ، فتضفي على المصلوب نوعا من القداسة و الرهبة ، مما أدى إلى ارتفاع أصوات البكاء و العويل ، و أيضا العديد الذي تردد على استحياء ، بينما بخطوات ثابتة كان صاحب المكان يتحرك حاملا إكليلا ، عبارة عن طائر تم تفريغه حيا ، ثم حقنه ببعض السيانيد !
كان طائر القلب يرفرف حول النصل ، دماؤه الساخنة تدفق ، كحبات الدمع ، على نبضاته يهتز جلده بكامله ، و يرتعش بقوة ، و كان عليه أن يضع للصورة آخر ألوانها ، لينهى المشهد ، لكنه لم يكن في عجلة من أمره ، فقد أراد بعض المتعة ، و ربما الدهشة فيما لو تحرك المتمرد ، و ألقى آخر ما في جعبته ، فيضع الإكليل مع دقات السادسة ، و تبدأ فقرات الحفل على شرف هذا الرجل ، الذي أعطاه اسما و لونا ، و أيضا كتابا ، فسماه ( ربما ) ، ووشحه بألوان الطيف ، و أعطاه كتاب الموت الذي لم يع تماما ما يحمل حتى ساعة خلاصه ، و لا السبب الذي اختصه به هو دون سواه !
تعليق