فرقد البراري خالتي/رسائل الى خالتي/الرسالة الخامسة .

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • يعقوب القاسمي
    محظور
    • 23-07-2010
    • 215

    فرقد البراري خالتي/رسائل الى خالتي/الرسالة الخامسة .



    فرقد البراري خالتي/ رسائل الى خالتي / الرسالة الخامسة

    خالتي

    ولا زلت أتفحص وبعين ثاقبة ما كنت فيه وما أصبحت عليه. ما زلت أتفحص بعين عالم بسرائر النفوس مبعث تلك العزلة التي كنت تعيشيه في تلك البوادي الموحشة . أو هكذا تبدو تلك النواحي في عيني عين رجل طاف أرجاء المعمورة وحمل عصا الأسفار ولبس ثياب السفر ليتنقل من أدنى الأرض الى أقصاها.

    ولا زال يأخذ بي العجب كل مأخذ كيف لم يقهرك في ذاتك وحشة تلك النواحي وشحة علائقك مع الجنس الآدمي . وإني ربما أجانب الحقيقة إذا قلت انك كنت تعيشين عزلة اجتماعية إذ أنك لم تكوني تعرفي لهذا المفهوم معنى ولا مغزى . فلم تكوني تنظري إلى الملأ إلا من منظور واحد وهو منظور أهؤلاء من أهل الأصل والفصل أم هم رعاع وأهل القثاء والبصل .أو أهل زرع وخضار . ولا يعني هذا أنك كنت تنظرين نظرة استعلاء أو دونية الى ما دونك من سواد القوم نظرة كوكب سماوي إلى الأرض . إنك كنت تقيمين عاليا مفاخر انتمائك إلى بيتة من بيوتات الشرف وتحيين حياة طيبة على ذكر مفاخر الآباء ورجع صدى مآثر الأجداد . وكذا فانك كنت من النوع الذي يشتعل وقدة ذاتك بزيت شرف الأصل دون أن يأخذك العزة بالنفس ويتملكك أحاسيس التعالي على هذا الآخر رغم أنك كنت متعاليا وتعانين من مرض الذات المتضخمة إلا أنك لم تكوني تري في تلك الذات المحتقنة وسيلة للتسلط على رقاب الغير وانما ملجأ او مغارا في الحنو والحدب على هذا الإنسان الآخر وكأنك كنت ترين بأنه يقع على كاهلك خفض الجناح لسواد القوم لأن الذات الإلهية توجب عليك ذلك عطفا وشفقة منك أو من الإله على هذا الآخر المغلوب على طبعه أو المغشوش في مكانته أو المترهل والمتقزم في علو كعبه . فلسفة جميلة . وما أجملها من فلسفة . نبي دون ان يكون لك تفويض أو تكلفة إلاهية بالنبوة .

    أما ماذا كانت تعني العيش لك في تلك البراري القفرة فأقول لا شيء إذ أنك كنت تعيشين وتملأين صدرك من أحاديث بني جلدتك وهي تحمل اليك على جناحي نعامة من القرى والحمائل المجاورة . وكنت في تلك الأزمان فرعا أو ذؤابة من أصل أكبر للعائلة ريثما يدور الزمان دورته أو تصبح الأيام بين يديك دولا لتصبحي أنت الأصل ويمسي أهل الأصل فرعا في ذؤابتك أو تبعا لك . أجل لقد كان أحاديث بني جلدتك وأخبارها بلسم شفاء وريح نماء وربيع كبرياء . فلاعجب والحالة هذه أن تكوني رقباء أي ذي رقبة لا تشرئب إلى كل حديث وكل تحاكك مع صغار القوم وأنما إلى قوم لها في العلياء منارا . ولقد طبب ذلك البلسم في نفسك ما قد وجدتيه من قبح في القفر وفي أرض لا تنبت السوسن والقرنفل .

    وعجيبة كانت أمر تلك البقاع القفرة . وربما كانت تحتضن ربة القبح رغم أنها كانت على مرمى حصا من قيصريات الحاضرة . ولو أن ريحا قوية هبت من عقر تلك القيصريات في إتجاه موطن نشأتك لحملت الى نواحي منبتك روائح ولفاحت نواحي نِشأتك بروائح . إلا أنه يتراءى لي أن جغرافية تلك التضاريس لم تساعد ولم تبعث تلك الريح من رقدتها. إنني حقا أعجز في الاتيان بمسوغ خمول الريح في مضارب نشأتك او فلاتانها من عقال ربتها . من كانت حقا ربة الريح في تلك المضارب . إنك لم تكوني بعد يا خالتي تلك الربة ولو كنت ربة لمعلم من معالم الحياة او رمزا من رموزها لكنت ربة الحكمة والحنكة .
يعمل...
X