غرفة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبد الله راتب نفاخ
    أديب
    • 23-07-2010
    • 1173

    غرفة

    غرفة :
    صعقتني كهرباء المنظر ، و تكسرت بعثرات شعوري في قارة الصمت ، أترى .... كان لا بد لهم أن يصنعوا هذا الصنع الشنيع ، و يبددوا بجرافاتهم كل هذا العبق الأثيل ؟؟؟
    كنت قد رأيتهاغير مرة حين نذهب لزيارتهم في بيتهم القديم الخشن ، عجيبة عليها وقار الزمن ، مركونة إلى جانب البيت وحدها ، قوامها اللِّبن و الخشب ، تتوسط حديقة صغيرة في خاصرة الفناء الريفي ، تميل عليها شجرة صفصاف كبيرة كطفلة تطلب من أمها حنواً ، و من حولها الحشائش و الأعشاب تتسلق جدرانها كأنما تنشد غوثاً من شر ما .
    قالوا : عاشت بها العجوز أيامها الأخيرة متفرغة لأذكارها و صلواتها ، فأسبغ عليها هذا القول خشوع الروح ، و هيبة الموت ، و سكينة العبادة ، حتى خُيِّل إلي أن العجوز تطل علينا من بابها روحاً شفافة يكسوها بياض النقاء ، تنظر إلينا من وراء الطبيعة مبتسمة باطمئنان ، و هي ترفع يدها التي خلقت بها السنون رعشة الكبر لتلوح لنا مودعة .
    كانت وحيدة في شاعرية الظلام ، مختلية بنفسها بعيداً عن أخواتها غرف البيت ، كالمتصوف السارح بحثاً عن الإلهامات و الواردات العلية ، و الشاعر الذي يدفعه تأمله الشفيف بالكون و أسراره إلى اعتزال الناس و مفارقتهم في مكان يشعر أنه يرى العالم منه بوضوح أكبر ، ويطلع على كنهه المخبأ تحت أردية الواقع المنظور .
    و في ساعات الغروب حين تلف الدنيا عاصفة الشاعرية الملونة كانت تبدو كعاشق عذري رمته أمواج الحب عند صخرة بحرية ، فأخذ يحدق في المدى البعيد مستلهماً من توهج لحظات النهار الأخيرة ألف قصيدة حب فريدة المواجع .
    كنت أراها وحدها تاريخاً يسرَد، كأن العجوز ما تزال فيها تردد بصوتها الشجي الذي تعلوه خنة الشيخوخة آيات القرآن من مصحف عتيق مهترئ الغلاف ،قاعدة على طرف سريرها الحديدي القديم ، و أشعة شمس الضحى تداعب غرفتها من النافذة الخشبية التي أكلت معالمها تصاريف الزمان ، كأنما تدخل خاشعة لسماع ترتيل الذكر الحكيم .
    مضيت أقلب كفيَّ حين رأيت البناء الإسمنتي الذي حل محلها كأخطبوط مفترس أو غول من غيلان الأساطير ، و راحت الأسئلة تزدحم و تشتجر في دماغي حتى أنهكته : أيعقل أن أبناء العجوز لم يكن فيهم من يتحسر على غرفتها التي غادرت الدنيا بها ، ألم يسمعوا صرخاتها و شهقاتها تحت وطأة الجرافات و هي تهرسها ، ألم ير أحدهم طيف والدته يستغيث و يشهر يديه في وجوههم طالباً ترك مأوى روحها الأخير في هذه الدنيا لتبقى تطيف به كلما حنت إليه ، أيعقل أن تتبلد مشاعر الإنسان فلا يحس وقع جريمة فظيعة كتدمير هذا الكنز من الشاعرية و الذكريات .
    لحظتها التفت ليطل علي سهل القرية الكبير الواسع و قد آلت أراضيه الخضراء المزدانة بأشجار الثمار على اختلافها أبنية إسمنتية مشوهة و شاهقات تشعر بالقرف والغثيان ، تراكبت فوق بعضها كجحفل من العناكب أو الجرذان ، كم غرفة كغرفة الذكريات ابتلعت ، و كم كتاب من كتب الزمن أحرقت و مزقت، و كم روح من الأرواح الطيبة صاحبة العبق أتعست و أشقت .
    وجدتني أبتسم بسخرية مشبعة بالألم قائلاً لنفسي : أليس من فعل كل هذا الإجرام و التشويه بشراً كذلك ، أليسوا ذوي عقول وقلوب مثلنا ؟؟
    فرد علي صوت غريب لست أحسبه من نفسي و إن سمعته آتياً من قبلها : بلى .... لهم قلوب و عقول ، لكنها ليست كقلوبنا و عقولنا .
    ً
    الأديب هو من كان لأمته و للغتها في مواهب قلمه لقب من ألقاب التاريخ

    [align=left]إمام الأدب العربي
    مصطفى صادق الرافعي[/align]
  • بلال عبد الناصر
    أديب وكاتب
    • 22-10-2008
    • 2076

    #2
    تلكَ غرفة عمرها ألفُ عامٍ
    رقدت بي ... لا تنسى
    ولو حل مكانها ألفُ جدار ...
    انها هنا مرسومة ...
    بها ذكرياتي ... و اشياء
    من طفولتي مبعثرة ..
    بها رائحة أوراقي دفاتري
    و بعضٌ من ثيابي المهترئة ...
    انها غرفة ... يصعبُ
    تفسير المفردات الصغيرة
    أحياناً ... لانها كانتْ منزلي ...

    صديقي ...
    أعتذرُ على تطفلي ...
    شكراً لحروفكَ الجميلة ...

    تعليق

    • محمد زكريا
      أديب وكاتب
      • 15-12-2009
      • 2289

      #3
      وكأنني معكَ أناظر بحرقة ما صنعتهُ الأيام بتلك الغرفة ... بل بذلك التاريخ
      رسمتها لنا ... فأبدعت التصوير حقاً
      وكأني أقرأ شيئاً من تأملات جبران ... وفلسفة الرافعي
      \\
      شكراً للذين يرسمون عندما يكتبون
      نحن الذين ارتمينا على حافة الخرائط ، كحجارة ملقاة في مكان ما ،لايأبه بها تلسكوب الأرض
      ولاأقمار الفضاء
      .


      https://www.facebook.com/mohamad.zakariya

      تعليق

      • عبد الله راتب نفاخ
        أديب
        • 23-07-2010
        • 1173

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة بلال عبد الناصر مشاهدة المشاركة
        تلكَ غرفة عمرها ألفُ عامٍ
        رقدت بي ... لا تنسى
        ولو حل مكانها ألفُ جدار ...
        انها هنا مرسومة ...
        بها ذكرياتي ... و اشياء
        من طفولتي مبعثرة ..
        بها رائحة أوراقي دفاتري
        و بعضٌ من ثيابي المهترئة ...
        انها غرفة ... يصعبُ
        تفسير المفردات الصغيرة
        أحياناً ... لانها كانتْ منزلي ...

        صديقي ...
        أعتذرُ على تطفلي ...
        شكراً لحروفكَ الجميلة ...
        بل حروفك هي الأجمل صديقي العزيز
        كل الشكر لمرورك و تعليقك الرائع
        سلام عليك
        الأديب هو من كان لأمته و للغتها في مواهب قلمه لقب من ألقاب التاريخ

        [align=left]إمام الأدب العربي
        مصطفى صادق الرافعي[/align]

        تعليق

        • عبد الله راتب نفاخ
          أديب
          • 23-07-2010
          • 1173

          #5
          [align=center]الإبداع منكم أخي العزيز محمد
          لك كل الشكر
          فعلاً .... من ذكرتهما أحب الناثرين إلى قلبي ، و أستاذاي الكبيران
          أجدني تعلمت من الأول شرارة البداية ، و من الآخر ما تبقى
          سلام عليك [/align]
          التعديل الأخير تم بواسطة عبد الله راتب نفاخ; الساعة 01-10-2010, 06:29.
          الأديب هو من كان لأمته و للغتها في مواهب قلمه لقب من ألقاب التاريخ

          [align=left]إمام الأدب العربي
          مصطفى صادق الرافعي[/align]

          تعليق

          • نارنج ونيس
            عضو الملتقى
            • 22-09-2010
            • 35

            #6

            تساءلت وانا اقرأ لك
            هل هي خاطرة من خيالك
            ام انها حقيقة

            وفي الحقيقة
            شيء ما في داخلي اراد ان يزور تلك العجوز
            ويشرب معها كوبا من الشاي
            وقبل ان اغادر اهديها مصحفا جديدا
            مطبوع بخط كبير حتى لاتتعب في قراءته

            اردت ذلك بشدة

            تحياتي لك اخي عبدالله

            تعليق

            يعمل...
            X