الحد ... والحدود
بقلم ( محمد فتحي المقداد )*
منذ صغري وأنا أكره الحدود السياسية بين الدول العربية , تلك الخطوط التي رسمتها اليد الاستعمارية الآثمة , وما سايكس و بيكو إلا تلك اللعنة الحقيرة التي أحالت بلادنا دولاً وممالك شتى , ذات أنماط حكم مختلفة , بحيث تتنافر ولا تقترب من بعضها , وكوني من محبي السفر والاغتراب فقد كنت أصاب بالرُّهاب النفسي عندما أقترب من مراكز الحدود , أفتش عن جواز سفري وأملأ استمارات الدخول محاولاً عدم الخطأ في نقل المعلومات والأرقام , حتى ندخل قاعات المغادرة أو الدخول , وقلبي يخفق باضطراب عجيب , خوفاً من أن لا أستلم جواز سفري ممهوراً بختم المغادرين أو القادمين , تعود الأنفاس إلى صدري ويخف اضطراب القلب عندما ينادى على اسمي وأستلم جوازي بيدي ممهوراً .
لأستعيد بعجالة فيلم الحدود الذي ألّفه محمد الماغوط وقام ببطولته دريد لحام وهو يعاني من عدم استطاعته بالدخول من شرقستان إلى غربستان واضطر للعيش في المنطقة العازلة , مثلما حدث في مرج الزهور وفي رويشد , حيث أقيمت لهم المخيمات البائسة التي تفتقر لبسط وسائل العيش .
عجيبة تلك الحدود اللعينة التي أنتظر فيها الساعات الطويلة , وأنا أنظر إلى خواجة أوربي يدخل معززاً مكرّماً , ويتناول الموظف جواز سفره ليمهره له دون المرور على أجهزة الحاسوب , ويودعه بابتسامة تدل على كرم الضيافة العربية بينما أنا أخضع للاستجواب والتأشيرة المسبقة , وأنا ابن هذه الأرض والديرة التي باعدتها الحدود أعاني من القهر النفسي عندما أصل هذه البقعة.
ومن هنا كان تقديسي لحدود الله عز وجل وعدم اقتراف أي منها , وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره إقامة الحدود , ومن هنا كانت القاعدة الفقهية بأن الحدود تدفع بالشبهات ( أي إذا اتهم شخص باقتراف حد ما, لا يقام عليه الحد ما دام هناك شبهة ولو ضئيلة بأنه ليس هو الفاعل ) ,والذين يحادون الله ورسوله أولئك في جهنم خالدين فيها , وقد ورد في القرآن (لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمان)* لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون) يصادقون (من حاد الله ورسوله ولو كانوا) أي المحادون (آباءهم) أي المؤمنين (أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم) بل يقصدونهم بالسوء ويقاتلونهم على الإيمان كما وقع لجماعة من الصحابة رضي الله عنهم (أولئك) الذين لا يوادونهم (كتب) أثبت (في قلوبهم الإيمان).
مادة ( حد في اللغة)
- حَدَّ السِّكِّين وغيره: معروف. وحَددت السكَين وغيرَه أحده حداً، إذا مسحته بحجر أو مِبْرَد؛ يقال: حددت السِّكَين وغيره أحُده، وأحَدَّها يُحُّده إحداداً. وسِكِّين حديد وحُداد.
- ورجل حدٌّ ومحدود، إذا كان محروماً لا ينال خيراً.
وأحددت إليك النظر أحده إحداداً.
- والحَدًّ بين الشيئين: الفَرْق بينهما لئلا يعتدي أحدُهما على الآخر. وحَدَدْت على الرجل أحدُّ حدَّة، إذا غضبت عليه.
- وحَدًّ الدار: معروف.
- وحَدُّ السارق وغيرِه: الفعل الذي يمنعه من المعاودة ويحده عنه، ويمنع غيره أيضاً.
- وأصل الحَدّ: المنع. يقال: حَدّني عن كذا وكذا، إذا منعني عنه. و به سُمّي السَجّان حَدّاداً لمنعه كأنه يمنع من الحركة.
- وحدّت المرأةُ وأحَدّت، إذا تركَتِ الطِّيب والزينة بعد زوجها. وأبى الأصمعي إلّا أحدَّت فهي مُحِدّ ولم يعرف حدَت.
- ويقال: هذا أمر حَدد، أي ممتنع. ودعوة حَدد، أي مردودة لا تُجاب.
- وبنو حُدَاد: بطن من العرب، من طيّء. وبنو حِدّان من بني سعد. وحُدّان من الأزد.
والحد والحدود في الحياة الشعبية
يقولون عن شخص ما أنه قوي بالدفاع عن شخص ما ( مثل سيف أبو حدّين) , وعن شخص إذا أشير إليه بتهمة فيقول ( حدْ الله ما بيني وبينك) وهي بمثابة اليمين والتبرؤ مما أسند إليه من تهمة .
ومن لم يلق أحداً يساعده في حاجته يقول ( ما حدا لِحَدا) أي لا أحد ينتبه لأحد .وفلان شديد في اتخاذ قراره بصرامة وحزم فهو من
( يحط الحد على الزعرورة ) والزعرورة شجرة في أرض فلاة , فعندما اختلفوا على تلك حدود الأرض , مضى يمشي حتى غرز سيفه عند تلك الشجرة وقال هنا الحد , وفرض رأيه بقوة ورجولة .ومن أراد أن ينبه قريباً منه على التحذير من أمر أن لا يأتيه ( حد الدنيا بيني وبينك) أي إذا فعلت ذلك الأمر فستكون نهاية العلاقة .
وتوالدت المعاني من ذلك , حتى قيل عن فلان أنه ( محايد ) أي أنه لا ينتمي لفئة ما , وهناك الحياد الإيجابي في علاقات الدول ( كعدم الانحياز) والحياد السلبي الذي يكون قلبه معنا وسيفه علينا وكذلك (حادي العيس) و ( حادي عشر) كعدد أول في التعداد المركب , و( حادَ) عن الطريق , وفلفل ( حادّ) أي ذو طعم حرّيف ولاذع , و ( حيْد مرجاني ) في البحار تكون الأرض منحدرة ببطء شديد تعيش فيه الشعاب المرجانية .
لكن عيني ترقب ذلك اليوم المأمول أن تكفر الشعوب العربية بالحدود فتنتفض عليها وتعود بلادنا كما كانت قبل القهر الأوربي حتى أستطيع ركوب قطار عربي من طنجة حتى رأس الخيمة ولا يعترضني أحد ولا أحتاج مراجعة السفارات العربية للحصول على تأشيرة مسبقة , ومن قال غداً , فإنه قريب ..... بعون الله , وما ذلك على الله بعزيز ..
================== انتهى
بصرى الشام 25-9-2010م
بقلم ( محمد فتحي المقداد )*
منذ صغري وأنا أكره الحدود السياسية بين الدول العربية , تلك الخطوط التي رسمتها اليد الاستعمارية الآثمة , وما سايكس و بيكو إلا تلك اللعنة الحقيرة التي أحالت بلادنا دولاً وممالك شتى , ذات أنماط حكم مختلفة , بحيث تتنافر ولا تقترب من بعضها , وكوني من محبي السفر والاغتراب فقد كنت أصاب بالرُّهاب النفسي عندما أقترب من مراكز الحدود , أفتش عن جواز سفري وأملأ استمارات الدخول محاولاً عدم الخطأ في نقل المعلومات والأرقام , حتى ندخل قاعات المغادرة أو الدخول , وقلبي يخفق باضطراب عجيب , خوفاً من أن لا أستلم جواز سفري ممهوراً بختم المغادرين أو القادمين , تعود الأنفاس إلى صدري ويخف اضطراب القلب عندما ينادى على اسمي وأستلم جوازي بيدي ممهوراً .
لأستعيد بعجالة فيلم الحدود الذي ألّفه محمد الماغوط وقام ببطولته دريد لحام وهو يعاني من عدم استطاعته بالدخول من شرقستان إلى غربستان واضطر للعيش في المنطقة العازلة , مثلما حدث في مرج الزهور وفي رويشد , حيث أقيمت لهم المخيمات البائسة التي تفتقر لبسط وسائل العيش .
عجيبة تلك الحدود اللعينة التي أنتظر فيها الساعات الطويلة , وأنا أنظر إلى خواجة أوربي يدخل معززاً مكرّماً , ويتناول الموظف جواز سفره ليمهره له دون المرور على أجهزة الحاسوب , ويودعه بابتسامة تدل على كرم الضيافة العربية بينما أنا أخضع للاستجواب والتأشيرة المسبقة , وأنا ابن هذه الأرض والديرة التي باعدتها الحدود أعاني من القهر النفسي عندما أصل هذه البقعة.
ومن هنا كان تقديسي لحدود الله عز وجل وعدم اقتراف أي منها , وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره إقامة الحدود , ومن هنا كانت القاعدة الفقهية بأن الحدود تدفع بالشبهات ( أي إذا اتهم شخص باقتراف حد ما, لا يقام عليه الحد ما دام هناك شبهة ولو ضئيلة بأنه ليس هو الفاعل ) ,والذين يحادون الله ورسوله أولئك في جهنم خالدين فيها , وقد ورد في القرآن (لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمان)* لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون) يصادقون (من حاد الله ورسوله ولو كانوا) أي المحادون (آباءهم) أي المؤمنين (أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم) بل يقصدونهم بالسوء ويقاتلونهم على الإيمان كما وقع لجماعة من الصحابة رضي الله عنهم (أولئك) الذين لا يوادونهم (كتب) أثبت (في قلوبهم الإيمان).
مادة ( حد في اللغة)
- حَدَّ السِّكِّين وغيره: معروف. وحَددت السكَين وغيرَه أحده حداً، إذا مسحته بحجر أو مِبْرَد؛ يقال: حددت السِّكَين وغيره أحُده، وأحَدَّها يُحُّده إحداداً. وسِكِّين حديد وحُداد.
- ورجل حدٌّ ومحدود، إذا كان محروماً لا ينال خيراً.
وأحددت إليك النظر أحده إحداداً.
- والحَدًّ بين الشيئين: الفَرْق بينهما لئلا يعتدي أحدُهما على الآخر. وحَدَدْت على الرجل أحدُّ حدَّة، إذا غضبت عليه.
- وحَدًّ الدار: معروف.
- وحَدُّ السارق وغيرِه: الفعل الذي يمنعه من المعاودة ويحده عنه، ويمنع غيره أيضاً.
- وأصل الحَدّ: المنع. يقال: حَدّني عن كذا وكذا، إذا منعني عنه. و به سُمّي السَجّان حَدّاداً لمنعه كأنه يمنع من الحركة.
- وحدّت المرأةُ وأحَدّت، إذا تركَتِ الطِّيب والزينة بعد زوجها. وأبى الأصمعي إلّا أحدَّت فهي مُحِدّ ولم يعرف حدَت.
- ويقال: هذا أمر حَدد، أي ممتنع. ودعوة حَدد، أي مردودة لا تُجاب.
- وبنو حُدَاد: بطن من العرب، من طيّء. وبنو حِدّان من بني سعد. وحُدّان من الأزد.
والحد والحدود في الحياة الشعبية
يقولون عن شخص ما أنه قوي بالدفاع عن شخص ما ( مثل سيف أبو حدّين) , وعن شخص إذا أشير إليه بتهمة فيقول ( حدْ الله ما بيني وبينك) وهي بمثابة اليمين والتبرؤ مما أسند إليه من تهمة .
ومن لم يلق أحداً يساعده في حاجته يقول ( ما حدا لِحَدا) أي لا أحد ينتبه لأحد .وفلان شديد في اتخاذ قراره بصرامة وحزم فهو من
( يحط الحد على الزعرورة ) والزعرورة شجرة في أرض فلاة , فعندما اختلفوا على تلك حدود الأرض , مضى يمشي حتى غرز سيفه عند تلك الشجرة وقال هنا الحد , وفرض رأيه بقوة ورجولة .ومن أراد أن ينبه قريباً منه على التحذير من أمر أن لا يأتيه ( حد الدنيا بيني وبينك) أي إذا فعلت ذلك الأمر فستكون نهاية العلاقة .
وتوالدت المعاني من ذلك , حتى قيل عن فلان أنه ( محايد ) أي أنه لا ينتمي لفئة ما , وهناك الحياد الإيجابي في علاقات الدول ( كعدم الانحياز) والحياد السلبي الذي يكون قلبه معنا وسيفه علينا وكذلك (حادي العيس) و ( حادي عشر) كعدد أول في التعداد المركب , و( حادَ) عن الطريق , وفلفل ( حادّ) أي ذو طعم حرّيف ولاذع , و ( حيْد مرجاني ) في البحار تكون الأرض منحدرة ببطء شديد تعيش فيه الشعاب المرجانية .
لكن عيني ترقب ذلك اليوم المأمول أن تكفر الشعوب العربية بالحدود فتنتفض عليها وتعود بلادنا كما كانت قبل القهر الأوربي حتى أستطيع ركوب قطار عربي من طنجة حتى رأس الخيمة ولا يعترضني أحد ولا أحتاج مراجعة السفارات العربية للحصول على تأشيرة مسبقة , ومن قال غداً , فإنه قريب ..... بعون الله , وما ذلك على الله بعزيز ..
================== انتهى
بصرى الشام 25-9-2010م
تعليق