نشأة الوجودية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد جدوع
    • 23-09-2010
    • 3

    نشأة الوجودية





    يتيح لنا تتبع تاريخ (الوجودية) التعرّف على أجيالها، التي ساهمت في نشأتها وتحولها من مجرد رؤى وأراء متباينة، إلى فلسفة لها مواضيعها، وبراهينها وأفكارها، طموحاتها، وإحباطاتها هذه الفلسفة - الوجودية - ناجمة عن مساهمات ذات بعد إنساني ساهم في نشأتها. كل من الفلاسفة اليونان والعرب المسلمين إلى أن تصدر نشأتها الفعلية الفيلسوف الدانمركي (سيرن كيركيغارد) ويمكننا تتبع نشأة فلاسفة الوجودية عبر عدّة أجيال، ابتداء من بدايات ملامح تشكلها في الفكر الما - قبل ميلادي - عند الإغريق والحضارات الأخرى مروراً بالفلاسفة العرب المسلمين إلى جيليْ الريادة والتأسيس والترسيخ.
    * الوجودية في الحضارات القديمة:بما أن الأدب انعكاس للوجود الإنساني، في كل مراحله وعصوره، بدءاً من قلق الإنسان الأول – العاقل، حيث لازمه على وجوده الذي أحس بانفصاله عما يحيط به من أشياء، وبعد ما ساوره القلق عن مصيره حينما اكتوى بحرارة الصيف اللاهبة، وبرودة الشتاء القارسة، وقرص الجوع. وعندما استدعته حاجاته الوجوديّة إلى التعامل مع المحيط – الوسط المتبدل / تعاقب الليل والنهار - تفاوت الفصول في طقوسها، دعته الرغبة وحرّضته الإرادة في استمرارية وجوده لاكتشاف النار من خلال الظواهر الطبيعية، البروق والصواعق، وما ينجم عنها من حرائق، وما خلَّفته من لحم الطرائد المشوية، إضافة لاهتدائه لتأمين حاجياته من الغذاء والكساء والمأوى، واستخدامه لأدوات الدفاع والصيد، وبعد التحولات الناجمة عن تغيير المهنة من الصيد والجمع والالتقاط إلى الزراعة المستقرة وما تتطلبه من انتظار هطول الأمطار، ومواسم نضج الثمار، كل هذه الأمور مجتمعة دعته للاستقواء بمظاهر الطبيعة لتأمين ما يتمنى حدوثه فعبد (الرعد - البرق – الشمس – القمر – الأمطار...) ثم اهتدى إلى صياغة معرفيّة تتمثل في الأساطير التي تتعلق بوجود الآلهة (Theogony) والخلق، والطوفان. وتعتبر أسطورة الخلق أول تصور معرفي عن نشوء الكون (Cosmos) وكينونة (L, ETRE) الإنسان في هذا الكون – العالم المحيط الخاضع لقوانين حاول التعرف عليها من خلال الاهتداء لاثنينية (Dualism) التفسير البرد/ الحر- الصيف/ الشتاء – النور / الظلام – الموت / الحياة – الحب / الكره، ومن تمجيد الآلهة والاحتفال بأعيادها، ولدت فكرة المسرح في اليونان من خلال أعياد الإله (ديونيسوس) فبرع الشاعر (ثيسبس حوالي 550ق.م) في إيجاد أناشيد الأمدوحة (الديثرام) ثم تلاه اسخليوس ويوربيديس واكسينوفان بمسرحياتهم (الكوميدية) و(التراجيديّة) كما صاغ الفلاسفة الملطيون - نسبة إلى ملطية في تركيا – طاليس وأناكسيمندر وأناكسيمنس نظرياتهم حول الوجود الإنساني فيعتبر طاليس أول فيلسوف مادي كما اعتبر تلميذه (أناكسمندر) أن أصل الوجود يعود إلى مادة لا نهائيّة (APORIA) واعتقد أناكسيمنس أن الهواء هو أصل الوجود.
    أما الشاعر والفيلسوف أكسينوفان(1) فيعتبر أول من قال بـ (وحدة الوجود) وتتابع عدد كبير من الفلاسفة - حسب مدارسهم - بفيض كبير من النظريات المادية والمثالية بدءاً من (هرقليطس وبرمنيدس وديمقرطيس وأبيقور واقليدس) وغيرهم كثير ونهايةً بالمثلث الفلسفي /الإغريقي: سقراط – أفلاطون – أرسطو / أمّا حضارة بابل فقد اشتهرت في شريعتها ولغتها التي أنجبت ملاحم الخلق والطوفان وجلجامش أما عيد(2) (الاكيتو) رأس السنة ففيه تمثَّل قصيدة الخلق الملحميّة ذات الطابع الوجودي، كما كانت تمثَّل في مصر طقوس أعياد الآلهة مثل (حورس) و(رع) التي لا تقل عنها شأناً في الحضارات المجايلة وتعتبر العمارة وفن التحنيط سر الحضارة المصرية القديمة، كما عرف البراهمة في الهند علوماً معرفيّة لا تقل أهميّة عن الإغريق والبابليين ويعتبر كتاب (الفيدا) بأقسامه الأربعة سفر علوم عن الوجود الإنساني وعلاقته بالطبيعة، كما ثبتوا قواعد السلوك من خلال أقسام – الفيدا – الأربعة، التي عرفت نزعتين: الأولى محافظة وأهم مذاهبها (الفايشيشكا) و(اللوكايانا) و(الفيدلانتا) و(الميماسا). أما الثانية فهي النزعة التطورية وتمثلها (الجاينيّة والبوذية).
    وتحولت الفلسفة الصينية إلى ديانة وقواعد سلوكيّة على يد الفيلسوف (كونفوشيوس 551 – 479ق.م) وتلميذيْه (موتزو 947 – 381ق.م) و(لاتـزو) الذي يعتبر الأب الشرعي للفلسفة التاوية (TAOISM) معتبراً أن الهواء هو الجوهر (تسي) الذي يعود إليه أساس العالم.
    * الوجودية في أسطورة الخلق البابليّة: تعتبر ملحمة الخلق البابليّة أول تفسير وجودي – أسطوري لنشأة الكون الذي نظمه الإله (مردوك)* فقد ورد في اللوح الخامس:
    (أوجد مردوك محطّات للآلهة العظيمة
    وضع الكواكب التي تماثلهم، لتكون رموزاً لهم
    حدّد السنة، وقسّم الفصول
    وخصص ثلاثة أبراج للأشهر الإثنتي عشر
    وبعد أن حدد للسنة أيامها
    أوجد محطة للمشتري لتثبيت مداراتها
    حتى لا يكون هناك خطأ أو زلّة
    ومعها ثبَّت محطة للإلهين أنليل وإيا
    فتح البوابات على كلا الجانبين
    ورسّخ الأقفال على الشمال واليمين
    وفي الوسط ثبَّت السّمْت
    أنار القمر
    وجعل الليل في عهدته
    ثم توجه مردوك إلى القمر وحدد مهمته:
    (لتكن، في ليلة البدر، مقابلاً للشمس وهي في منتصف الشهر
    وحين تطالك الشمس في الأفق
    خفِّضْ نورك وانطوِ به
    في يوم المحاق اقترب من مدار الشمس
    في اليوم الثلاثين كُنْ مقابلاً للشمس ثانيةً
    لقد وضعت علامة فاتبعها
    .... اقترب واحكم .... ص41)
    * الوجودية في الحضارة العربية الإسلامية: (العلم بالموجودات بما هي موجودة) هذا التعريف الذي اعتمدناه في صدارة الدراسة يعود للفيلسوف (الفارابي 872 – 950م) وذلك ما لمكانته من قيمة معرفيّة، ولما لتأثيره على من تلاه من الفلاسفة العرب – المسلمين وبخاصة فلسفة (ابن سينا وابن رشد) وما يهمنا هو نظريته (الفيض) الإلهي التي ينفي فيها وجود العالم من العدم مؤكداً أن (الأول – الله – هو الذي عنه وجد ومتى وجد للأول الوجود الذي هو له لزم ضرورة أن يوجد عنه سائر الموجودات التي وجودها لا بإرادة الإنسان واختياره) لماذا؟ (لأن وجود ما يوجد عنه إنما هو على جهة فيض وجوده لوجود شيء آخر) بمعنى آخر أن وجود العالم صادر عن الموجِد الأول وهو الله سبحانه وتعالى، أما المعرفة فيعزوها إلى (العقل الفعّال) وهو ما يقابل (العقل المطلق) عند ديكارت وهيجل.
    *الوجود والماهية عند ابن سينا:اعتمد ابن سينا في تفسيره للوجود على المذهب التجريبي(3) الذي يعتمد الوصول إلى الحقيقة عن طريق المعرفة الحدسيّة، وهذا التفسير أسبق من فلسفة هوسرل (الفينومولوجيّة) التي تعتمد على المعرفة الحدسية. كما يعتبر الخيال أنه القوة التي (تقبل جميع الصور المنطبعة في الحواس) لهذا تعتبر فلسفة ابن سينا إثنينية التفسير، الأول مادي من خلال اعتباره أن العالم الخارجي يشكل الحقيقة الشاملة والمطلقة، أمّا الثاني فهو مثالي ويعتبر أن الحقيقة تقع خارج حدود إحساسات الإنسان، كما لا تقتصر فلسفته على التنظير المحض، وإنما صاغ أفكاره من خلال قصة (سلامان وأبسِال) فيرمز الرجل (سلامان) إلى العقل النظري الذي يضبط ويكبح الشهوات، أما امرأته (أبسِال) فترمز إلى القوة الشهوانيّة التي لا تضبطها كوابح.
    * القوانين الوجودية عند ابن طفيل: كما لا تغيب عن كل متابع القصة الوجوديّة الأولى (حي بن يقظان) للفيلسوف والفقيه والطبيب الأندلسي (عبد الملك بن طفيل القيسي ت 1185م) وفيها يتوصل الطفل (حي بن يقظان) إلى عدة حقائق عن طريق حواسه ومن هذه الاستنتاجات والقوانين(4):
    1. البحث عن علَّة موت الظَّبية التي تولت رضاعته دونما استعانة بآخر باعتباره وحيداً في الجزيرة.
    2. الكشف عن القلب، وتعلّم دفن الجسد من خلال تقليد الغربان في الجزيرة.
    3. التوصل إلى قانوني (الكثرة والوحدة) بعد أن (تصفح – حي بن يقظان – جميع الأجسام التي في عالم الكون والفساد من الحيوانات على اختلاف أنواعها... فرأى لها أوصافاً كثيرة وأفعالاً مختلفة وحركات متفقة ومتضادة... رأى أنها تتفق ببعض الصفات وتختلف ببعض، وأنها من الجهة التي تتفق بها واحدة، ومن الجهة التي تختلف فيها متغايرة ومتكثرة). ثم يستنتج من خلال أجزاء جسمه إلى قانون الوحدة: (فيرى أن أعضاءه وإن كانت كثيرة فهي متصلة كلها بعضها ببعض... فهي بحكم الواحد لا تختلف إلا بحسب اختلاف أفعالها...ص50).
    ومن القوانين الوجوديّة التي توصل إليها فهي أنه: (علم بالضرورة أن لكل حادث لا بد له من مُحدِثْ... ص68) كما أن: (البحث عن الذات هي التي أدركت واجب الوجود... ص75). وفي رواية (عزازيل) يتساءل الراهب(5) (هيبا): (لماذا أمر الرب آدم بالابتعاد عن شجرتي المعرفة والخلود؟ ولماذا انزعج الرب لمّا أكل آدم من شجرة المعرفة؟ ..ص120)
    كذلك يثور ادريس(6) في (أولاد حارتنا) على قرار (الجبلاوي) تكليف (أدهم) بإدارة الوقف. أما (ادريس) فاستنكر قرار (الجبلاوي) معلناً رفضه وعدم انصياعه: (لن ترعبني، انت تعلم أنني لا أرتعب، وأنك إذا أردت أن ترفع ابن الجارية علي فلن أسمعك لحن السمع والطاعة... ص15) ولا يكتفي بذلك بل يخاطب أخوته لائماً انصياعهم: (يا جبناء، ما توقعت منكم إلا الهزيمة المزريّة، وبالجبن يتحكم فيكم ابن الجارية السوداء... ص14)
    الملامح الوجودية في الفلسفة العربية الإسلاميّة:
    إن الاستعراض العاجل يبين لنا: أن الوجودية من أقدم المذاهب الفلسفية، التي بدأت تفسيراتها للوجود بدءاً من الفيلسوف الإغريقي (بارميندس 515 ق.م) الذي قال إن:(الفكر والوجود شيء واحد) ثم انبادوقليس الذي سار على خطى بارمنيدس(7) في (وحدة الوجود) والذي أيده الفيلسوف الصيني (فان تشون 97-27 ق.م) ا لذي بين أن الموت والحياة هما وجهان لجوهر واحد. إلا أن الفلاسفة العرب المسلمين مثل الكندي – ابن سينا والفيلسوف المتصوف (ابن عربي) والمعتزلة، فقد كان لهؤلاء جميعاً أراء مهمة في وحدة الوجود والذات الإلهية، وذلك من خلال تبيان: أن تعدد الصفات الذي يؤدي إلى تعدد المواصفات، لا يعني هذا وجود آلهة متعددة، وإنما على العكس بيَّنوا جميعاً: أن الله قادر حي مريد، قادر بذاته لا بقدرة، عالم بذاته لا بعلم، حيِّ بذاته لا بحياة، مريد بذاته لا بإرادة، ويعتبر الكندي(8) أول وأفضل الفلاسفة العرب، الذين فسروا وجود الوجود من خلال نظرية: (لا وجود للجرم من دون الحركة ولا وجود للحركة من دون الجرم) سابقاً بذلك أحدث نظريات فيزياء الكم / الكوانتم /التي تربط جدلية وجود الجسم بحركته الذاتية. كما أن ابن عربي أيَّد وأكد وحدة الوجود من خلال قوة متعالية عن المادة والحركة والزمان والمكان والكيف والكم، تعالياً مطلقاً. كما تصدى(9) لكل من أوَّل التساؤل عن الماهية الإلهية ببيتيه الشعريين. حسب تصوره المعرفي - الغنوصي - الصوفي للذات الإلهية:

    أين الفرار ومافي الكون إلا هو



    وهل يجوز عليههلهو،أوماهو؟


    إن قلت هل تشهد والعينُ تُنكره



    أو قلت: ماهـو فليس إلا هو


    كما أنه - ابن عربي- طوَّح ما تناوله الفلاسفة(10) في التدليل على الذات الإلهية جانباً غير آخذ باليقينية النقليّة التي تبنتها المدرسة الأشعرية:
    فالفيلسوف يرى نفي الإله بما



    تعطيه علّته وذاك تعطيل


    والأشعري يرى عيناً مُكثرة



    وذلك علمٌ ولكن فيه تمثيل


    كما أدلى الفارابي(11) بحجّته التي يُعتّد بها في وحدة الوجود والكثرة الناجمة عن الفيض الإلهي: (الأول هو الذي عنه وجد، ومتى أوجد للأول الوجود الذي هو لـه، لزم ضرورة أن يوجد عنه سائر الموجودات التي وجودها،لا بإرادة الإنسان واختياره، ووجود ما يوجد عنه، إنما هو على جهة فيض وجوده،لوجود شيء آخر، ويلحق جوهره ووجوده ويتبعه أن يوجد عنه غيره ).
    وقد مرَّ معنا تصدي الفيلسوف ابن سينا لمسألة الوجود والماهية في نظريته في الماهية: (قد يجوز أن تكون الصفة التي هي الوجود للشيء سبباً لصفة من صفاته وان تكون لـه سبباً لصفة أخرى، ويمكن أن تكون الصفة التي هي الوجود للشيء، إنما هي بسبب ماهيته التي ليست من الوجود. أو سبب الشيء قد يكون محسوساً عند ما يشاهد، ثم متخيلاً - عند غيبته - وقد يكون معقولا عندما يكون الموجود أيضاً) وبناء على علاقة الوجود والماهية يكون: (الوجود هو مصدر الماهية) كما تطرق (السهروردي) إلى أبدية الحركة والزمان. لذا سنقف عند أهم مَعْلَم في الوجوديّة في القرن الحادي عشر الميلادي الذي يمثله فيلسوف الشعراء، وشاعر الفلاسفة (أبو العلاء المعري - أحمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد التوخي 973 – 1075م) في رائعته الخالدة: (رسالة الغفران) الذي تساءل لماذا عوقب بعض الناس؟، ولماذا كوفئ البعض منهم؟. كما كان له الأثر الكبير في الآداب الإنسانية حيث جاءت (الكوميديا الإلهيّة) لـ(دانتي) نسخة مستجدَّة عن أحداث رسالة الغفران مثلما جاءت رواية(12) (روبنسن كروزو) لـ (دانيل ديفو) كمثيل ونظير لـ(قصة حي بن يقظان) لابن طفيل. ففي لزوميّات المعري ورسائله سبق (آلة الزمان) – الرواية الخياليّة للإنكليزي ( هـ.ج ويلز) من خلال خياله الاستشرافي لما سيعانيه البشر في حياتهم ومماتهم. ولأن المعري يعتبر وفيلسوف وجودي، بكل ما تعنيه هذه الصفة من معاني ودلالات. حيث تضمن شعره مواقف وجوديّة تتقاطع مع فلاسفة الإغريق من جهة، والفلاسفة العرب المسلمين من جهة أخرى، إذ عكست لزوميّاته مقولات وجوديّة تعود إلى مقولات الفلاسفة الإغريق وبخاصة (ديمقريطس 460 -370ق.م) الذي أكّد أن المادة ( لا تفنى وأن الروح كالجسد مكونة من ذرات ) أمّا أبو العلاء المعري(13) فقد عكس هذه المقولة شعراً بقوله:
    لا حسّ للجسم بعد الروح نعلمه



    فهل تحس إذا بانت عن الجسد؟


    إذا افترقت أجزاؤنا حُطْ ثقلنا


    ونحمل عبئاً حين يلتئم الشعب


    كما عكس شعره مقولة (هيراقليطس) حول وجود أكوان(14)، وأنواع حيوات أخرى خارج الأرض:
    إذا لم يكن في سماءٍ فوقنا بشرٌ



    فليس في الأرض وما تحتها ملك


    والدهر أكوان تمرُ سريعةٌ



    ويكون آخرها نظيرُ الأولِ


    كما آمن أبو العلاء المعري بأفضلية العقل عما سواه من المذاهب والنظريات:
    صدقتَ يا عقل فليبعد أخو سفهٍ



    صاغ الأحاديث إفكاً أو تأولها


    ................................

    .................................
    وينفرعقلي مغضباً إن تركته



    سدىً وتبعت الشافعي ومالكا


    كما أيقن بوحدانية الله بالرغم من اتهامات الإلحاد التي وجّهت إليه من قبل أعوان السلطة التي فشلت في استمالته لصالحها:
    إلهنا الله ملك أول أحدٌ



    تطيعه من صنوف الناس آحادُ


    مولاك مولاك الذي ماله



    ندٌ وخاب الكافر الجاحدُ


    وتبدّت إنسانيته ليس في معاملته مع الآخرين فحسب. وإنما حث على الرفق(15) بالحيوانات وحرم أكل لحومها ومنتجاتها:
    أحسن إلى الناقة الوجناء تبعثها




    فيما تشاء وأكرم عشرة الفَرسِ


    وابك على طائر رماه فتىً



    لاهٍ فأوهى بسهمه الكتفا


    .................................

    ................................
    تقِ الله حتى في جني النحل شِرّته



    فما جمعت إلا لأنفسها النحل


    ومع اتهام المعري أنه ضد المرأة – من خلال بعض أبياته المتناثرة في ثنايا أشعاره – إلا أنَّه أوصى بها خيراً، فالرجل الذي حرم أكل لحوم الحيوانات، هل يعقل أن يدعو(16) لاضطهاد المرأة؟ :
    فإن أنت عاشرت الكعاب فصادها




    وحاول رضاها واحذرنَّ غضابها


    ..................................

    ..................................
    أحسن جواراً للفتاة وعدَّها



    أحبّ السماك على دنوٍ الدار


    ولا تغيب عنه فلسفة (هيراقليطس) حول ثنائية الخير والشر :
    الخير والشر ممزوجان ما افترقا




    فكلُ شهدٍ عليه الصاب مذرور


    كما بيّن عن جبريته ولا أدريته(17) وثنائية العقل / والعاطفة:
    ما باختياري ميلادي ولا هرمي



    ولا حياتي فهل لي بعد تخيير


    وفي كل شر دعته الخطوب



    شواسع منفعة أو دوائي


    واللب حارب تركيباً يجاهده



    فالعقلوالطبعحتىالموت خصمان


    ولقناعته بعبثية الحياة، رفض الزواج مثله مثل معظم فلاسفة الوجوديّة، مثل (كيركيغارد- سارتر والبدوي...) لذلك أوصى أن يكتب على قبره:
    هذا جناه عليّ أبي وما جنيت على أحد.
    أمّا عن عدميّة الحياة لديه فيلخصها قوله:
    في العدم كنا وحكم الله أوجدنا



    ثم اتفقنا على ثانٍ من العدم



    القسم الأول – الفصل الأول – المراجع والهوامش:

    1. موجز تاريخ الفلسفة الحديثة – مصدر سابق
    2. العيد سفين عائم – أعياد الشرق واحتفالاته وتقاويمه د. جورج ن نحاس – منشورات وزارة الثقافة – دمشق 2000م
    3. النزعات المادية في الإسلام – مصدر سابق صـ 549
    4. حي بن يقظان – قصة فلسفية – عبد الملك بن طفيل القيسي – سلسلة خزانة الفكر العربي 24 – مؤسسة ناصر للثقافة – بلا تاريخ للطبعة
    5. عزازيل – رواية – يوسف زيدان – مصدر سابق
    6. أولاد حارتنا – رواية – نجيب محفوظ ط 6 – دار الآداب – بيروت 1976م.
    7. المصدر الأول – مصدر سابق – صـ 96 وما بعدها
    8. النزعات المادية في الإسلام ج1 – حسين مروة – مصدر سابق
    9. الفتوحات المكيّة ج1 – ابن عربي – دار صادر – بيروت – بلا تاريخ للطبعة
    10. المصدر السابق ص، 191
    11. النزعات المادية في الإسلام ج2 مصدر سابق – صـ 494 وما بعد
    12. روبنسون كروز – رواية – دانييل ديفو – ترجمة أسامة أسبر – الكتاب الشهري /49 – منشورات وزارة الثقافة – دمشق 2007م
    13. ذخائر العرب – رسالة الغفران – أبو العلاء المعري – تحقيق وشرح عائشة عبد الرحمن / بنت الشاطئ ط 5 – دار المعارف – القاهرة 1969م
    14. مجلة الذخائر – فصلية محكمة – العدد 10 – السنة الثالثة – بيروت 2002م
    15. المصدر السابق صـ 15
    16. المصدر السابق صـ 21
    17. المصدر السابق صـ 17
    *. يعود هذا النص إلى ترجمة الدكتور: نائل حنون – عالم الآثار العراقي الذي ترجم ملحمتي (الخلق) و(جلجامش) من الأكاديّة إلى العربيّة والنص نقلاً بتصرف عن كتاب (الرقم سبعة في حضارة بلاد الرافدين ) لمؤلفه حكمت بشير الأسود – منشورات اتحاد الكتاب العرب – دمشق 2007
يعمل...
X