غربة .. واغتراب
بقلم ( محمد فتحي المقداد )*
لا يوجد شخص في هذه الدنيا إلا اغترب عن وطنه ومسقط رأسه , إما للسياحة أو للعمل أو لأشياء أخرى , ومهما كانت الغربة مريحة وسهلة لكنها لها كربات على النفس , من اللهفة والشوق للأهل والأصدقاء والأوطان .
- وهذا مالك بن الريب الذي رثى نفسه يقول :
(غَريبٌ بَعيدُ الدارِ ثاوٍ بِقَفرَةٍ = يَدَ الدَّهرِ مَعروفاً بِأَن لا تَدانِيا)
- وكذلك في قصيدة ليس الغريب ( للإمام زين العابدين علي بن الحسين )
(لَيْسَ الغَريبُ غَريبَ الشَّأمِ واليَمَنِ *إِنَّ الغَريبَ غَريبُ اللَّحدِ والكَفَنِ )
ومن هنا لضرورة البحث في مكنونات الغربة والاغتراب , وغروب شمس النهار ومعها غروب شمس العمر وغروب الحضارة إذا ضعفت , وإذا كانت الرياح غربية في الشتاء فهي الرياح التي تحمل المطر والثلج حيت يشتد البرد .ولكن إذا رجعت للشعر والشعراء فهناك الشاعر المصري , ذو الطلعة البهية ( صفاء غراب) , وليس ببعيد عما حدث للعراق الجريح من الاستعمار الأمريكي وحلفائه من قتل وتدمير وتشريد , وما المآسي اللا إنسانية التي شاهدناها على شاشات التلفزيون في سجن أبو غريب , إلا دليل البلطجة الأميركية الغربية التي تستعبد وتنكل بالشعوب . ونعود بالذاكرة لمسرحية ( غربة) التي كتبها محمد الماغوط وقام ببطولتها دريد لحام ونهاد قلعي, ما هي إلا عودة بالذاكرة للتخلف الاجتماعي والذي كرسته انتهازية الواجهات الاجتماعية بما مارست من الاستحواذ على كل شيء , والجدب وإلهاء الناس بتوافه الأمور لصرفهم عن الحقيقية , ودفع الكوادر من الشباب للهجرة والاغتراب .
أما ونحن أبناء الأرض كفلاحين اختلطت ذرات التراب بأرواحنا ومزجت بدمائنا , فإننا نعمل ليل نهار في الأرض , وفي موسم الربيع وقبل الحصاد , كنا نقوم بتعشيب الأعشاب الضارة من بين المزروعات , ومنها عشبة تسمى ( الغريبة) ونعود لدوحة العربية في لسان العرب ( لابن منظور)* ونتتبع فيه مادة( غرب)
الغُربة: الاغتراب، تقول منه: تَغَرَّبَ، واغتربَ، بمعنًى، فهو غريب وغُرُب أيضاً. والجمع الغُرَباء. والغُرَباء أيضاً: الأباعد. واغترب فلانٌ، إذا تزوَّج إلى غير أقاربه. وفي الحديث: "اغترِبوا لا تُضْووا". والمُغَرِّب: الذي يأخذ في ناحية المَغْرِب. ويقال أيضاً: هل جاءكم مُغرِّبة خَبَرٍ، يعني الخبر الذي طرأ عليهم من بلدٍ سوى بلدهم. وشَأْوٌ مُغَرِّبٌ ومغرَّب أيضاً: أي بعيد. والتَّغْريب: النفي عن البلد. وأغْرَب الرجل: جاء بشيءٍ غريب. وأغْرَبْتُ السقاءَ: ملأته. وأغْرَب الرجل: صار غريباً. واستَغْرَب في الضحك: اشتدَّ ضحكه وكثر. والمُغْرَب: الأبيض، والمُغْرَب أيضاً: الأبيض الأشفار من كلِّ شيء؛ تقول: أغْرِب الفرس، على ما لم يسمّ فاعله، إذا فشت غُرَّته حتَّى تأخذ العينين فتبيضّ الأشفار. وكذلك إذا ابيضَّت من الزَّرَق. وأُغْرِب الرجل أيضاً،إذا اشتدَّ وجعه. والغُراب: واحد الغِرْبان، وجمع القلَّة أَغْرِبة. وغرابُ الفأس: حدُّها وغُرابا الفرس والبعير: حدُّ الوِركين، وهما حرفاهما: الأيسر والأيمن، اللذان فوق الذنب حيث يلتقي رأسا الورك. وجمعه أيضاً غِرْبانٌ. ورِجلُ الغُراب: ضربٌ من الصِّرار شديد. يعني به النضيج من ثمر الأراك. وتقول: هذا أسود غِرْبيبٌ، أي شديد السواد. وإذا قلت: غرابيبُ سودٌ، تجعل السود بدلاً من الغرابيب؛ لأنَّ تواكيد الألوان لا تقدَّم. والغَرْب والمَغْرِب بمعنًى واحد.وقولهم: لقيته مُغَيْرِبان الشمس، صغَّروه على غير مكبَّره، كأنَّهم صغَّروا مَغْرِبانا. والجمع مُغَيْرِبانات.وغَرَبَ أي بَعُد؛ يقال: اغرُبْ عنِّي، أي تباعد. وغرَبت الشمس غُروباً. والغُروب أيضاً: مجاري الدمع. وللعين غُرابان: مقدِمها ومؤخِرها. قال الأصمعيّ: يقال: لعَينهِ غَرْبٌ، إذا كانت تسيل ولا تنقطع دموعها. والغُروب: الدموع. والغروب أيضاً: حدَّة الأسنان وماؤها، واحدها غَرْب والغَرْب أيضاً: الدلو العظيمة. ويقال لحدّ السيف غَرْب. وغَرْب كلِّ شيء: حدُّه. يقال في لسانه غرب، أي حدَّة. وغَرْبُ الفرس حدَّته وأوَّل جريه. تقول: كففت عن غَرْبه. وفرسٌ غَربٌ، أي كثير الجري. والغَرْب أيضاً: عِرق في مجرى الدمع يسقي فلا ينقطع، مثل الناسور. ونَوًى غَرْبَةٌ، أي بعيدة. وغَرْبة النوى: بُعْدها. وغَوارِب الماء: أعالي موجه، شبِّهت بغوارب الإبل. والغَرَب، بالتحريك: الفضَّة. والغرَب أيضاً: الخمر. والغَرَب في الشاة كالسَعَف في الناقة، وهو داءٌ يتمعَّط منه خرطومُها، ويسقط منه شَعر عينيها. وقد غَرِبت الشاة. والغرَب أيضاً: الماء الذي يقطر من الدلاء بين البئر والحوض، وتتغيَّر ريحُه سريعاً. والغَرَب أيضاً: ضرب من الشجر وهو إسفيدار بالفارسية. وأصابه سهم غَرَب يضاف ولا يضاف يسكَّن ويحرك، إذا كان لا يُدرى من رماه.
وقد وردت في القرآن الكريم بلفظ , في قوله تعالى :( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ }فاطر27(ألم تر تعلم (أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا) فيه التفات عن الغيبة (به ثمرات مختلفا ألوانها) كأخضر وأحمر وأصفر وغيرها (ومن الجبال جدد) جمع جدة طريق في الجبل وغيره بيض وحمر) وصفر (مختلف ألوانها) بالشدة والضعف (وغرابيب سود) عطف على جدد أي صخور شديدة السواد يقال كثيرا أسود غربيب وقليلا غربيب أسود
وقد ورد في الحديث الشريف في باب الزهد بمتاع الدنيا( طوبي للغرباء ), وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم:( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل )
وفي تراثنا الشعبي ما يمكن أن نضيفه هنا , فالأب عندما يغضب من فعل ولده يقول له ( اغرب عن عيني ) ومن أهمل أمراً يقولون عنه(ترك الحبل على الغارب) والغارِب: ما بين السنام والعنق. ومنه قوله (حَبْلُكِ على غارِبك)، أي اذهبي حيث شئت. وأصله أنَّ الناقة إذا رعت وعليها الخِطامُ أُلقِي على غاربها؛ لأنَّها إذا رأت الخطام لم يهنئها بشيء. والغراب ذلك الطير الأسود , الذي يعيش في المناطق المهجورة وهو نذير شؤم عند الكثير من الناس , فعندما يتشاءمون من شخص يقولون له :(غراب البيْن ) . وليس لأي منا استغناء عن حلويات (الغُرَيْبَة ) في المناسبات وهي لصيقة بالبرازق . تلك الحلويات الطيبة والحلوة المذاق والمنتشرة في بلاد الشام على نطاق واسع . أما أصعب أنواع الغربة والاغتراب في غربة الإنسان عن نفسه وعن محيطه الأسري والاجتماعي , فهي التي تصيب بخيبة الأمل والإحباط واليأس .
------------------------------------ انتهى
بصرى الشام 3-10-2010م
تعليق