أصبحتُ نملة
صبري رسول
تحسستُ وجهي ، بأناملي ، كانمكوراً وصغيراً ، شعرت به كوجه نملة . عينانِ غارقتان في الحجم المجهري ، رأسمرتبطٌ بالصَّدر بنهاية دقيقةٍ ، الشكل طولاني مؤلف من قسمين . هل أصبحت نملةً ؟
يا إلهي ! لقد أصبحت نملةً . كيفأتفادى نظرات النّاس وتعليقاتهم ؟ ماذا لو رأتني زوجتي التي تفتخر بوجهي الناعم ؟لو رآني الجمهور الذي صفّق لي كثيراً في نهاية أمسية أدبية ؟ ماذا لو دخلتُ الفصلبهذا الرأس الصغير ؟ كيف سيستقبلني الطّلابُ في الحصة الأولى ؟ وكيف سأشرح لهمتاريخ الأدب المملوكي بكلّ انحطاطه المدهش ؟ تاريخ تلك الحقبة يشبهني ويشبهُ النّملشكلاً فقط ، هل سيصطادني مدرّسُ العلوم – حسن البكري ، المعروف بفقهه الكلاميالسَّاخر - لتشريحي أمام الطلاب ؟ ما العمل لو مرّت بجانبي دجاجة ؟ هل ستلتقطنيبمنقارها ؟ يا إلهي ما أصعب أن تكون وجبةَ أكلٍ لغيرك ؟ أن يستغلّ ضعفك ليستمرّبقاؤه في الحياة . غريزة البقاء صفةٌ خامدة تحت رماد الأمان ، ما أن يحس الكائنبأنّ الأمان تعرض للافتقاد والزوال حتى تتقد تلك الصفة لتدمّر كل ما حوله حفاظاًعلى بقاء صاحبه .
دخلتُ الغرفة الثانية خوفاً مناستيقاظ زوجتي وتفادياً من رؤيتها لي بعد هذا التحول الكارثي المرن . والتحولالخارج عن منطق الشكل لأحجام الموجودات والكائنات المتخذة لنفسها هيئة بمعرفتها لكنمن غير إرادتها ، أثار في نفسي – ككائن يبحث عن فرصة الارتباط بالحياة ، حزناًوحنقاً على هذا الشّكل .
أسرعت إلى إغلاق الباب ، تقودنيمساحات من الألم في تحول الذاتِ إلى شكل مغاير في تكوين الفقهي الجسدي ، ربما أعودإلى حالتي المفترضة في فترة قصيرة ، قد أستعيد لحظات الاندلاق الكبرى بعد الانسلاخمن الهيكل الإنساني إلى الغرابة المدهشة والمشاركة في الحجم الأزلي للنّمل .
كيف أعيش ؟ هل سأمارس طقوسي فيتجلياته البشرية داخل هذا الشّكل الجنوني ؟ فالارتياد إلى الأسواق والأماكن السابقةكالمدرسة والنادي ومراكز السفريات لم يعد ممكناً لأنني قد أتعرض لدَهسٍ مفاجئ ،فالناس ينظرون إلى الأعالي المنفلتة منهم ، متناسين أنهم وآدم (( من وإلى التراب)).
قد لا أكون جديراً بالدخول إلى أماكن مخصصة هندسياً ، لأشكالٍ أخرى تهمّش كلّ منلم يخلقُه الله على رائحة شكله . بتّ أعيش في مساحة صغيرة فاصلة بين حياة هاربةوموتٍ يندلق قريباً من الرأس.
جدة 20/9/2005
تعليق