على راحلتي في أثر الجمال المفقود/ التربية الجمالية 1
ولا ريب فأن حاسة الجمال وملكته عند الفرد جزء لا يتجزء من ملكة العقل الكلية عنده ومن مجمل قوى الخير الفاعلة في بواطنه . وعبر تلك الملكة يقدر المرء على جر خيوط الجمال والدمامة عن بعضها البعض .ولابد أن يكون الشيء الذي يحوز قيراطا من الجمال قريبا إلى أعين أهل الوبر كقربه الى أعين أهل المدر لا بل أقرب .. فأعين البدوي وإن كانت أقل دربة على كشف مواطن الجمال من أعين الحضري إلا أن نتف الجمال ربما يكون أكثر وثوبا الى العين في بوادي يطغي عليها التسطيح والتبسيط . فهل يمكن للعين أن تخطأ لمح ندبة جمال في بوادي مفتوحة على العين .
محظوظ أولئك الذين ينشئون في أكناف بيوتات تقدر قليلا أو كثيرا الذائقة الجمالية لدى أعضاءها أو تعمل على تنمية وتغذية تلك الذائقة .ومن يربط في التربية بين القدرة على رؤية الحق ورؤية السطح الهندسي المتناسق بين الصمت أمام مشهد جمالي وبين نازعة التعبير عنه والتعريف به وبكل عنف وعنفوان . قلة أولئك الآباء الذين يغريهم المشهد الجميل والسطح الأملس والقوام المتناسق ليفقهوا أسرار الجمال أو يتوخوا حركة الأصبع التي تشير نحوها . وقلة أولئك الآباء الذين يستنبطون وبكل ما أوتو من عقل نافذ وخيلاء جانح وبصيرة ثاقبة مبدأ من مباديء الجمال لينقلوه بدورهم إلى حفيد أو سليل. وما أحوج هذا الحفيد وهو يعيش هواجر البوادي إلى مربي يربيه ويرهف حواسه ويفتح أعينه على ملكوت متوار عنه .وقد إكتظ أخدان حواسه بما يثلم ويكلم . يجرح ويخدش تحت قباب ركام .
وتلقين الطفل وتعليمه على فضائل الجمال من صلب مهام الأم والأب . والمحيط العائلي أو ما كان فاعلا في وعيه يضع اللبنات الأولى والأخيرة في هيكل البناء الجمالي للطفل . وكل مبدأ يشب عليه الطفل في أكناف العائلة يشيب عليه . ويتصلب في عوده . ليصبح ذلك المبدأ مقص الطفل الذي به يقص . ولا تضيف معاهد التعليم في أطوار لاحقة على ذلك البناء ما يجمله ولا ما يزيد عليه وينقص . وكل شيء تعلمه المرء في طفولة أو يفاعة يصبح منقوشا على حجره وفي درجه . فإن كان له في هذا الشيء مبدأ ترشيد سما به ورفعه وهو يقف وتحت قدمه درج من زجاجة . وهو يلتفت إلى حواليه وينظر إلى عالم رجراجة .
تعليق