النحو أحد علوم العربية
اللحن ( قولا أو كتابة ) هومخالفة قواعد النحو ، وهو داء يستشري الآن في جسد أبناء العربية ، لجهلهم قواعد النحو ، الذي يمثل أحد علوم اللغة العربية الإثني عشر ،
تلك التي أحصاها الشيخ العطار رحمه الله تعالي بقوله :
نحو وصرف عروض بعده لغة *** ثم اشتقاق قريض الشعر انشاء
كذا المعاني بيان الخط قافية *** تاريخ هذا لعلم العرب احصاء
وإذن فاللحن داء دواؤه النحو ،
وفي عجالتنا هذه نعرض بإيجاز لتاريخ تدوين علم النحو ،،،،،
علي أنه من الجدير بالذكر أن هذا المرض العضال ابتدأ منذ زمن بعيد ، وبالأحري في عهد أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه ، وذلك من بعد أن فتحت الروم وفارس ، إذ دخل هؤلاء وأولئك في الإسلام ، والعربية جديدة علي ألسنتهم ، ولذلك كان يعسر عليهم تمييز حركات الإعراب المتغيرة من مثل الرفع والنصب والجر في الأسماء أوالأفعال ،
بل إن الأمر تعدي ذلك ، فأصيب أبناء العرب الخلص بهذا المرض ،
كيف ذلك ؟
كانت اللغة العربية عند العرب ملكة في ألسنتهم ، يأخذها اللاحق عن السابق ،
فلما فتح المسلمون الممالك والأمصار غير العربية ، فارقوا بلادهم ، وهناك خالطوا أبناء العجم من غير العرب ، فتغيرت تلك الملكة لدي كثيرــ ولاسيما الناشئة منهم ــ بما ألقي إليهم من سماع المخالفات التي يسمعونها من العجم ،
وعليه فقد فسدت هذه الملكة اللسانية العربية شيئا فشيئا ، حتي فشا اللحن بصورة تكاد تكون واضحة ،
ذلك الذي كان العرب يستسمجونه ، ويستقبحونه ،
روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه مر بقوم يرمون فاستقبح رميهم ، ،
وقال : ما أسوأ رميكم ،
فقالوا : نحن قوم ( متعلمين ) ،
فقال : لحنكم عليّ أشد من فساد رميكم .
وهكذا كان اللحن قولا ،
أما اللحن كتابة ،
فقد بدأ كما تذكره الروايات وتتفق عليه من أن كاتبا لأبي موسي الأشعري كتب إلي عمر بن الخطاب ( من أبو موسي ) ،،
فكتب أمير المؤمنين عمرإلي أبي موسي : عزمت عليك لما ضربت كاتبك سوطا ،،
وفي رواية أخري : أن قنع كاتبك سوطا ،،
وقد خشي أهل العلم أن تفسد الملكة والسليقة العربية ، فينغلق القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف علي تلك الفهوم المريضة بداء اللحن ،
ماذا صنعوا ؟
استنبطوا من مجاري كلامهم العربي الرصين المحكم قوانين هذه الملكة السليمة ، وجعلوها قواعد يقيسون عليها سائر أنواع الكلام ، ويلحقون الأشباه بالأشباه
فالفاعل مرفوع ، والمبتدأ مرفوع ، والمفعول منصوب ، و ، و ، وهكذا ،
ثم رأوا تغير الدلالة بتغير حركات هذه الكلمات ،،
فاصطلحوا علي تسميته إعرابا ،،
وسموا الموجب لذلك عاملا ،،
وبذا وجدت اصطلاحات خاصة سموها ( علم النحو ) ،
وقد كان الإمام علي كرم الله وجهه هو أول من تصدي لهذا الصنيع الخالد ، إذ أشار علي أبي الأسود الدؤلي الكناني( واسمه ظالم بن عمرو بن سفيان ) بذلك ، قائلا له : { انح للناس كتابا } .
فقام أبو الأسود في ذلك ، فكان أول من كتب في علم النحو .
وابتكر الضبط بالنقط ، في القرآن الكريم ،،
(وضع النقط بين يدي الحرف أو فوقه أو تحته ، إذا كان متحركا ، أما الحرف الساكن فلم يضع عليه شيئا من النقط ) ،
وسمي هذا النقط شكلا ، باعتبار دلالته علي شكل الحرف وصورته ،
[ وقيل إن الذي طلب إلي أبي الأسود أن يضع طريقة لإصلاح الألسنة هو زياد بن أبيه والي البصرة آنذاك ، حين رأي ظهور الخطأ واللحن عند بعض الناس في قراءة القرآن الكريم ]
ولم تشتهر طريقة أبي الأسود إلا في المصاحف ،
ثم جاءت مرحلة إعجام الحروف ، لاسيما المتشابهة منها ،إذ فشا اللحن في الكتابة ، حين نقلت الدواوين من الرومية والفارسية والقبطية ( المصرية ) إلي اللغة العربية ، في عهد عبد الملك بن مروان . وفزع إلي ذلك الحجاج الثقفي، ودعا لهذا الأمر رجلين من تلاميذ أبي الأسود هما : نصر بن عاصم الليثي ، ويحيي بن عامر العدواني ، فرتبا حروف المعجم ترتيبا جديدا غير الترتيب القديم ، وجمعا الحروف المتشابهة بعضها بجانب بعض ، وميزوا بينها بالنقط أفرادا وأزواجا ،
فلما كان هذا العمل يستدعي اشتباه نقط الشكل ( التي وضعها أبو الأسود ) بنقط الإعجام الذي قرراه ، اتفقا علي أن تكون نقط الشكل بالمداد الأحمر ، أما نقط الإعجام فبنفس مداد الحروف ،
ثم جاء الخليل بن أحمد الفراهيدي من بعدهما في أيام الرشيد ، فهذب هذه الصناعة ، وكمل أبوابها ، فوضع طريقة جديدة للشكل مبتكرة من عند نفسه وهي العلامات الثمانية :
( الضمة والفتحة والكسرة والسكون والشدة والمدة والصلة والهمزة ) .
فأمكن أن يجمع الكتاب ( أي كتاب ) بين كل من الكتابة والشكل والإعجام بمداد ذي لون واحد ،،
وقد صار الخليل رحمه الله إمام البصريين في النحو ، فتتلمذ علي يديه سيبويه ( أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي بالولاء ) فكمل تفاريع صناعة النحو ، واستكثر من أدلتها ، وشواهدها ووضع فيها كتابه ( كتاب سيبويه ) ، فصار إماما لكل من كتب في النحو من بعده ،
ثم جاء أبو علي الفارسي ( الحسن بن أحمد بن عبد الغفار ) فاشتهر بآرائه في أصول النحو، وكذا أبو القاسم الزجاج ( أبو سهل ابراهيم بن السري بن سهل ) الذي كان من الأكابر في علم النحو ،
فوضعا كتبا مختصرة للمتعلمين ،
ثم جاءت مرحلة جديدة من مراحل صناعة النحو ، وبخاصة في البصرة والكوفة ،
إذ تباينت الطرق في التعليم ، وكثرت الأدلة ، وظهر الإختلاف بين أهل البصرة وبين أهل الكوفة في إعراب كثير من آي القرآن الكريم باختلاف القواعد عند كل منهما ،
إلي أن جاء دور بعض العلماء الذين عمدوا إلي الإختصار لما قد طال وتفرع ،،
ومثال ذلك كتاب ( التسهيل ) لابن مالك ، أو الإقتصار علي المباديء للمتعلمين كما فعل الزمخشري في ( المفصل ) ، بل ونظموا ذلك نظما ، كما فعل ابن مالك في ألفيته ، وابن معط في ألفيته ، ، ،
والآن ، يعتمد النحاة علي ما وصلنا من هؤلاء العلماء ، فيدرسونه ويشرحونه ويعلمونه في المدارس والجامعات .
هذا والله أعلي وأعلم ،،
والحمد لله رب العالمين .
صلاح جاد سلام
اللحن ( قولا أو كتابة ) هومخالفة قواعد النحو ، وهو داء يستشري الآن في جسد أبناء العربية ، لجهلهم قواعد النحو ، الذي يمثل أحد علوم اللغة العربية الإثني عشر ،
تلك التي أحصاها الشيخ العطار رحمه الله تعالي بقوله :
نحو وصرف عروض بعده لغة *** ثم اشتقاق قريض الشعر انشاء
كذا المعاني بيان الخط قافية *** تاريخ هذا لعلم العرب احصاء
وإذن فاللحن داء دواؤه النحو ،
وفي عجالتنا هذه نعرض بإيجاز لتاريخ تدوين علم النحو ،،،،،
علي أنه من الجدير بالذكر أن هذا المرض العضال ابتدأ منذ زمن بعيد ، وبالأحري في عهد أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه ، وذلك من بعد أن فتحت الروم وفارس ، إذ دخل هؤلاء وأولئك في الإسلام ، والعربية جديدة علي ألسنتهم ، ولذلك كان يعسر عليهم تمييز حركات الإعراب المتغيرة من مثل الرفع والنصب والجر في الأسماء أوالأفعال ،
بل إن الأمر تعدي ذلك ، فأصيب أبناء العرب الخلص بهذا المرض ،
كيف ذلك ؟
كانت اللغة العربية عند العرب ملكة في ألسنتهم ، يأخذها اللاحق عن السابق ،
فلما فتح المسلمون الممالك والأمصار غير العربية ، فارقوا بلادهم ، وهناك خالطوا أبناء العجم من غير العرب ، فتغيرت تلك الملكة لدي كثيرــ ولاسيما الناشئة منهم ــ بما ألقي إليهم من سماع المخالفات التي يسمعونها من العجم ،
وعليه فقد فسدت هذه الملكة اللسانية العربية شيئا فشيئا ، حتي فشا اللحن بصورة تكاد تكون واضحة ،
ذلك الذي كان العرب يستسمجونه ، ويستقبحونه ،
روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه مر بقوم يرمون فاستقبح رميهم ، ،
وقال : ما أسوأ رميكم ،
فقالوا : نحن قوم ( متعلمين ) ،
فقال : لحنكم عليّ أشد من فساد رميكم .
وهكذا كان اللحن قولا ،
أما اللحن كتابة ،
فقد بدأ كما تذكره الروايات وتتفق عليه من أن كاتبا لأبي موسي الأشعري كتب إلي عمر بن الخطاب ( من أبو موسي ) ،،
فكتب أمير المؤمنين عمرإلي أبي موسي : عزمت عليك لما ضربت كاتبك سوطا ،،
وفي رواية أخري : أن قنع كاتبك سوطا ،،
وقد خشي أهل العلم أن تفسد الملكة والسليقة العربية ، فينغلق القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف علي تلك الفهوم المريضة بداء اللحن ،
ماذا صنعوا ؟
استنبطوا من مجاري كلامهم العربي الرصين المحكم قوانين هذه الملكة السليمة ، وجعلوها قواعد يقيسون عليها سائر أنواع الكلام ، ويلحقون الأشباه بالأشباه
فالفاعل مرفوع ، والمبتدأ مرفوع ، والمفعول منصوب ، و ، و ، وهكذا ،
ثم رأوا تغير الدلالة بتغير حركات هذه الكلمات ،،
فاصطلحوا علي تسميته إعرابا ،،
وسموا الموجب لذلك عاملا ،،
وبذا وجدت اصطلاحات خاصة سموها ( علم النحو ) ،
وقد كان الإمام علي كرم الله وجهه هو أول من تصدي لهذا الصنيع الخالد ، إذ أشار علي أبي الأسود الدؤلي الكناني( واسمه ظالم بن عمرو بن سفيان ) بذلك ، قائلا له : { انح للناس كتابا } .
فقام أبو الأسود في ذلك ، فكان أول من كتب في علم النحو .
وابتكر الضبط بالنقط ، في القرآن الكريم ،،
(وضع النقط بين يدي الحرف أو فوقه أو تحته ، إذا كان متحركا ، أما الحرف الساكن فلم يضع عليه شيئا من النقط ) ،
وسمي هذا النقط شكلا ، باعتبار دلالته علي شكل الحرف وصورته ،
[ وقيل إن الذي طلب إلي أبي الأسود أن يضع طريقة لإصلاح الألسنة هو زياد بن أبيه والي البصرة آنذاك ، حين رأي ظهور الخطأ واللحن عند بعض الناس في قراءة القرآن الكريم ]
ولم تشتهر طريقة أبي الأسود إلا في المصاحف ،
ثم جاءت مرحلة إعجام الحروف ، لاسيما المتشابهة منها ،إذ فشا اللحن في الكتابة ، حين نقلت الدواوين من الرومية والفارسية والقبطية ( المصرية ) إلي اللغة العربية ، في عهد عبد الملك بن مروان . وفزع إلي ذلك الحجاج الثقفي، ودعا لهذا الأمر رجلين من تلاميذ أبي الأسود هما : نصر بن عاصم الليثي ، ويحيي بن عامر العدواني ، فرتبا حروف المعجم ترتيبا جديدا غير الترتيب القديم ، وجمعا الحروف المتشابهة بعضها بجانب بعض ، وميزوا بينها بالنقط أفرادا وأزواجا ،
فلما كان هذا العمل يستدعي اشتباه نقط الشكل ( التي وضعها أبو الأسود ) بنقط الإعجام الذي قرراه ، اتفقا علي أن تكون نقط الشكل بالمداد الأحمر ، أما نقط الإعجام فبنفس مداد الحروف ،
ثم جاء الخليل بن أحمد الفراهيدي من بعدهما في أيام الرشيد ، فهذب هذه الصناعة ، وكمل أبوابها ، فوضع طريقة جديدة للشكل مبتكرة من عند نفسه وهي العلامات الثمانية :
( الضمة والفتحة والكسرة والسكون والشدة والمدة والصلة والهمزة ) .
فأمكن أن يجمع الكتاب ( أي كتاب ) بين كل من الكتابة والشكل والإعجام بمداد ذي لون واحد ،،
وقد صار الخليل رحمه الله إمام البصريين في النحو ، فتتلمذ علي يديه سيبويه ( أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي بالولاء ) فكمل تفاريع صناعة النحو ، واستكثر من أدلتها ، وشواهدها ووضع فيها كتابه ( كتاب سيبويه ) ، فصار إماما لكل من كتب في النحو من بعده ،
ثم جاء أبو علي الفارسي ( الحسن بن أحمد بن عبد الغفار ) فاشتهر بآرائه في أصول النحو، وكذا أبو القاسم الزجاج ( أبو سهل ابراهيم بن السري بن سهل ) الذي كان من الأكابر في علم النحو ،
فوضعا كتبا مختصرة للمتعلمين ،
ثم جاءت مرحلة جديدة من مراحل صناعة النحو ، وبخاصة في البصرة والكوفة ،
إذ تباينت الطرق في التعليم ، وكثرت الأدلة ، وظهر الإختلاف بين أهل البصرة وبين أهل الكوفة في إعراب كثير من آي القرآن الكريم باختلاف القواعد عند كل منهما ،
إلي أن جاء دور بعض العلماء الذين عمدوا إلي الإختصار لما قد طال وتفرع ،،
ومثال ذلك كتاب ( التسهيل ) لابن مالك ، أو الإقتصار علي المباديء للمتعلمين كما فعل الزمخشري في ( المفصل ) ، بل ونظموا ذلك نظما ، كما فعل ابن مالك في ألفيته ، وابن معط في ألفيته ، ، ،
والآن ، يعتمد النحاة علي ما وصلنا من هؤلاء العلماء ، فيدرسونه ويشرحونه ويعلمونه في المدارس والجامعات .
هذا والله أعلي وأعلم ،،
والحمد لله رب العالمين .
صلاح جاد سلام
تعليق