ثرثرة على ضِفاف المتوسّط
(أرسل لي صاحبي كتابًا وقال لي : اقرأ، حتّى لا تموت فيك الحياة، اقرأ وتفكّر. فقلت له: قرأت كثيرًا يا صاحبي حتّى هدّني الحزن، ثمّ بدأت أتذكّر)
هكذا مضيت في دربي، لم ألتفت إلى الوراء، تركت خلفي ما حفظت، شعرًا، ونثرًا؛ وروايات. لماذا من جديد ذكّرتني بكامو وسارتر وبكلّ ما مضى؟ عندما كنت تائهًا في جامعتي أراقب خيول المناضلين؛ ماتوا وعاشوا وذكرى أليمة في قلوبنا بقوا، لم نجرؤ على مكافأتهم وعلى الحنين إليهم، وأيامنا السّوداء تلتهمنا ...يا صاحبي من يجرؤ على الشّوق؟!
قرأتها من سنيين؛ حميدة نعنع...تذكّرنا بالجلوس على المقاهي نداعب خيالات الوطن الحزين، مناضلين ومنفيين وعملاء يلبسون ثوب حمامة، ينتظرون كلمة من صيد ثمين...هربنا وركضنا لآمالنا الكبيرة.
أين أنت يا ديكنز؟ من أين لي بفتى يحطم قيودي ويكسر سواري؟ تائهًا بين المستنقعات أسير، ورصاصات حمقى تطاردني، أين أنت يا فتى؟ أريد الرّحيل، يؤلمني هذا القيد، تعال وحطّمه، وأحضر لي كسرة خبز، ولا تدع أحدًا يراك، فالشّر لا يعرف من قصده نبيل...في هذا الشّرق الكبير.
أيامنا تمضي يا بائع الخبز؛ انتظر؟
لماذا لا تنتظر، أريد كسرة خبز، هل هذا طلب مستحيل؟! سأدخل سجنك ظلمًا وأكسر قيدي وأهرب، عبثًا تحاول القبض عليّ يا صاحب الظّلم الكبير!
سآخذ شمعدانين وأضيء طريقي بيدي، قتلني النّدم، لماذا لم تمنعني يا راهبًا؟ تركتني أعذّب نفسي سنيين طويلة، طوعًا ندمت، وطوعًا أردت التّوبة، وهذه الصّغيرة خطيئتي بذنب لم أرتكبه، ماتت أمّها على محرابي ترجو منّي لقمة عيش، سأرحل بك وبأحزاني وأموت وحيدًا بين شمعدانين .
هوجو... هل تسمع هذا الأنين، أنين الشّرق الحزين؟! ما هذا الظّلم الكثير؟ ما هذا الدّمار الكبير؟
كلّ الّذين أحببتهم ماتوا يا بائع الخبز، رحلوا وبقيت وحيدًا، سارحًا، لعلّي أعرف سببًا واحدًا لا يجعلني أموت، لعلّي أتذكّر وجوه من أحببتهم ولم أودّعهم، ذاكرتي متعبة يا بائع الخبز؛ لم أعد جائعًا إلّا من حنيني لمن ذهبوا ولن يعودوا.
سأرتشف حزني، رويدًا رويدًا، تساوي الحزن والفرح، وجلست على شاطئ المتوسّط أراقب وأتذكّر رحيل طيور النّورس، ورحيل صاحبي الكبير.
متى رحلت يا صاحبي وتركت بحر أحلامنا الكبير متى رحلت؟ لم أجد اسمك بين أسماء من ماتوا بلا ذنب وبلا سبب، بين أسماء من ماتوا تحت سماء المتوسّط...
الآن هنا أو شرق المتوسّط مرّة أخرى، متنا كثيرًا وعشنا كثيرًا، لم نعد نفرّق بين الموت والحياة، أعطونا وعودًا كثيرة وذبحونا كثيرًا، لكنّنا ما زلنا نحبّ الحياة.
ما زلنا نحبّ حريّتنا يا صاحبي الكبير.
(أرسل لي صاحبي كتابًا وقال لي : اقرأ، حتّى لا تموت فيك الحياة، اقرأ وتفكّر. فقلت له: قرأت كثيرًا يا صاحبي حتّى هدّني الحزن، ثمّ بدأت أتذكّر)
هكذا مضيت في دربي، لم ألتفت إلى الوراء، تركت خلفي ما حفظت، شعرًا، ونثرًا؛ وروايات. لماذا من جديد ذكّرتني بكامو وسارتر وبكلّ ما مضى؟ عندما كنت تائهًا في جامعتي أراقب خيول المناضلين؛ ماتوا وعاشوا وذكرى أليمة في قلوبنا بقوا، لم نجرؤ على مكافأتهم وعلى الحنين إليهم، وأيامنا السّوداء تلتهمنا ...يا صاحبي من يجرؤ على الشّوق؟!
قرأتها من سنيين؛ حميدة نعنع...تذكّرنا بالجلوس على المقاهي نداعب خيالات الوطن الحزين، مناضلين ومنفيين وعملاء يلبسون ثوب حمامة، ينتظرون كلمة من صيد ثمين...هربنا وركضنا لآمالنا الكبيرة.
أين أنت يا ديكنز؟ من أين لي بفتى يحطم قيودي ويكسر سواري؟ تائهًا بين المستنقعات أسير، ورصاصات حمقى تطاردني، أين أنت يا فتى؟ أريد الرّحيل، يؤلمني هذا القيد، تعال وحطّمه، وأحضر لي كسرة خبز، ولا تدع أحدًا يراك، فالشّر لا يعرف من قصده نبيل...في هذا الشّرق الكبير.
أيامنا تمضي يا بائع الخبز؛ انتظر؟
لماذا لا تنتظر، أريد كسرة خبز، هل هذا طلب مستحيل؟! سأدخل سجنك ظلمًا وأكسر قيدي وأهرب، عبثًا تحاول القبض عليّ يا صاحب الظّلم الكبير!
سآخذ شمعدانين وأضيء طريقي بيدي، قتلني النّدم، لماذا لم تمنعني يا راهبًا؟ تركتني أعذّب نفسي سنيين طويلة، طوعًا ندمت، وطوعًا أردت التّوبة، وهذه الصّغيرة خطيئتي بذنب لم أرتكبه، ماتت أمّها على محرابي ترجو منّي لقمة عيش، سأرحل بك وبأحزاني وأموت وحيدًا بين شمعدانين .
هوجو... هل تسمع هذا الأنين، أنين الشّرق الحزين؟! ما هذا الظّلم الكثير؟ ما هذا الدّمار الكبير؟
كلّ الّذين أحببتهم ماتوا يا بائع الخبز، رحلوا وبقيت وحيدًا، سارحًا، لعلّي أعرف سببًا واحدًا لا يجعلني أموت، لعلّي أتذكّر وجوه من أحببتهم ولم أودّعهم، ذاكرتي متعبة يا بائع الخبز؛ لم أعد جائعًا إلّا من حنيني لمن ذهبوا ولن يعودوا.
سأرتشف حزني، رويدًا رويدًا، تساوي الحزن والفرح، وجلست على شاطئ المتوسّط أراقب وأتذكّر رحيل طيور النّورس، ورحيل صاحبي الكبير.
متى رحلت يا صاحبي وتركت بحر أحلامنا الكبير متى رحلت؟ لم أجد اسمك بين أسماء من ماتوا بلا ذنب وبلا سبب، بين أسماء من ماتوا تحت سماء المتوسّط...
الآن هنا أو شرق المتوسّط مرّة أخرى، متنا كثيرًا وعشنا كثيرًا، لم نعد نفرّق بين الموت والحياة، أعطونا وعودًا كثيرة وذبحونا كثيرًا، لكنّنا ما زلنا نحبّ الحياة.
ما زلنا نحبّ حريّتنا يا صاحبي الكبير.
تعليق