لكل خلق مقام ولكل مقام خلق
توطئة
إنني ألمس جدة وطرافة في أن أتحدث عن الخلق كبناء فوقي لكل بناء آخر للشخصية والكيان النفسي . وهاك فلسفتي . أزجها اليك دون زخرف القول ودون سفسفطة . إنني أرى أن الخلق بحد ذاته مكون مكين وركن ركين من أركان الشخصية الفذة والخلاقة. ولماذا علي أن أتحدث عن الضمير كبناء تحتي للشخصية إذا كان بمستطاعي أن أدرء بالخلق كسجية من سجايا النفس الفاعلة كل رذيلة ومفسدة . أو أن أفعل بالخلق القويم كل سجايا النفس الفاعلة لتصبح تلك السجايا بؤرة نماء وسدرة .
والحديث عن الخلق ليس شيء طاريء على الشخصية العربية . فلقد كان العرب للخلق القويم عرابا و ربيبا . وأورقت شجرة الخلق في الجاهلية إلا قليلا . ووجدت تلك الشجرة الأخلاقية في مجيء الإسلام ضياء نماء لماهيتها . لا بل إمتدادا لأغصانها وتقديسا عبر وصايا الدين الجديد ونواهيه . والمفهوم الأخلاقي أو الدعوة الأخلاقية ممكن أن تقف على قدميها حتى ولو جردت عن كساءها الديني . والطريق إلى الفضيلة الأخلاقية يمر عبر أكثر من حرم وساحة وله من الخشب أكثر من خشب الساج . وطريق الدين إلى إكتساب السجايا الخلقية طريق له أريج . بيد أن المرء قد يحدد إطارا ومرفقا للخلق ضمن قالب الدين أو ضمن قالب خلقي مرادف أو مستقل . ولا ضرر إذا تداخل القالبان وتموجا ضمن حدود بحيرة و صهريج .
ولعلي لا أتجنى على الدين أو على أحد إن قلت أن في السجية الخلقية جمالا . وفي بوتقة نموها مجالا . وأن هذه السجية تطلق في النفس مناطيد . وتدق في النفس وتدا أو وتيد . وتصديقا لمقالي هذا أقول أن السجايا الأخلاقية تخلق في النفس حالة من التفاعل المتعدد الأطراف . في ترحال أبدي وطواف . وتطرد عن النفس شبح أو أشباح التردي كالبهمة في وادي مرعاها . تلك الأشباح التي تسكن الكثير من النفوس التي تجهل قيمة الخلق ولا تسلك مسالك صيدها وقنصها ولا تبيت مهمومة بهمها .
تعليق