[align=center]
[/align]
[align=center]
[/align]
صديق المساء
[/align]
[align=center]
[/align]
للمرّة العاشرة في هذا المساء الموحش تعود إليه الخيبة عبر هاتفه متمثّلة ببضع كلمات أحرقت أعصابه وهو يطفئ لفافة التبغ.. الواحدة تلو الأخرى:
الخطّ مغلقٌ أو خارج نطاق التغطية..
أصابعه ترتجف وهو يقلِّب الجهاز بين كفّيه، يستحثّه على النّطق دون جدوى، ثم يرميه بنزقٍ واضح على الأريكة جانبه.
على الطّرف المقابل كانت تحتضر صديقة المساء، تمسح الدّمعة وراء الدمعة ،تتوق إلى سماع صوته..، إلى كلماته العذبة..، إلى صوته الشجيّ ، إلى عبق رجولته المتسرّبة لرئتيها عبر الأثير.
لقد توسّل إليها قلبها أن يحتويه كما كان يضمّ صورته المبهمة التي عشّشت في روحها دون أن تراه.
كابرتْ، وأوصدتْ قلبها بأسلاكٍ شائكةٍ زرعتها رغماً عنها..
عادت بها الذكرى إلى بداية معرفتها به.. الصّدفة وحدها جمعتهما عبر الهاتف، في خطأ غير مقصود، تحوّل بعدها إلى خطأ مقصودٍ ، إلى استئناسٍ ،إلى إدمانٍ.
لم تكن تدري أنّ ليالي الحرمان ستجرفها إلى سعادةٍ جعلتها تشيّد قصراً في الرمال..، متناسية جرح تشوّهها الذي رافقها دون أن يندمل منذ كانت صغيرةً، إثر حادثةٍ مؤلمةٍ ابتلعتْ أيّامها ، وشبابها، وكلّ حواسها ، لم تبقِ فيها غير صوتٍ رخّمه الألم في رنّة حزنٍ ملموسةٍ.. و روحٍ متّصلة في السماء، بعد أن قهرها ظلم الأرض .
عاشتْ معه قصّة وهميّة من طرفها.. ،عاشتها كما أحبّتْ أن تكون لو أنهّا كانت جميلة الملامح ، تصحو وتنام على الحلم ، أودعته كلَّ حرمانها وجوعِها لهذه المشاعر الدافئة التي ما عرفتها ولا تذوّقت طعمها ، كأنهّا داخلةٌ إلى عالم سحريٍّ، استعملتْ فيه كلّ الشّخصيات التي أسقطتْها ذاكرتها على بطلات حكاياتٍ خرافيّةٍ قرأتْ عنها .
فهي عبر الهاتف .. الحلوة ، المغناج ، العذراء ، الخجول ، الرّقيقة.
كانت تفتعلُ المواقفَ ، تعيشها في كلّ حالاتها هاربةً من أغلالها، من بكائها ، من عويل أيّامها ، من ملامحها.
فهي تارة ترغب في السّهر لأنّ النّوم هرب منها ، وتارة يغالبها النّعاس بصوت تملؤه أنوثة تشحذها بكل ما أوتيت من قهرٍ، وحيناً تصطنع الخوف من أن يسمعها أحد في المنزل فتقفل الخطّ على عجلٍ، و أخرى تُسمعه بعض مقاطعَ من أغنياتٍ شجيّةٍ كان يطرب لها، و ربّما تحدّثه عن امتحاناتٍ موهومةٍ تدّعي اجتيازها باضطرابٍ وقلقٍ ، فيسارع إلى بثِّ الحماس فيها، وعدم الخوف..، ويطمئنّ عنها كلّ مساء.
لقد أحبّها، نعم أحبّها دون أن يراها ، اصطحبتْه إلى عالمها الخرافيّ المجنون رغماً عنه ، أخذتْه إلى رحلاتها المليئة بجنانٍ لم يعشها قبلاً، أبصرها بروحه، كلماتها تنساب إلى مسمعه كينبوع أنوثةٍ يشقّق الصخر...
أدمن أنفاسها عند كلّ مساء، وآن الأوان كي يعيش هذا الحلم حقيقةً ، أراد أن يمتلكها بين يديه تحت سقف واحدٍ..، أحسَّها بأنها مخلوقة من ضلوعه..
مخلوقة من حناياه.
ألحَّ عليها أن تعطيه عنوانها ، مسكنها، أن يراها ، أن يسدَّ هذا الظمأ المتأجّج في عروقه.
تهربّتْ متعلّلةً بكثير من المواقف ، بكثير من الأسباب الواهية التي لم يعد يحتملها.
حدّد لها موعداً أخيراً، أُسقِطَ في يدها، فصلتْ هاتفها بإصرار، وسلختْ قلبها عن جسدها ،وعادت إلى فراشها البارد وحيدةً باكية. لقد هبطتْ من جنّتها المزعومة إلى أرضها القاحلة ، وكأنّها تدوس أشواكها بقدميها العاريتين النّازفتين، كقلبها الواهن الذي ينادي صديق المساء.
(نُشرتْ في المجلّة العربيّة الثّقافيّة ...)
الخطّ مغلقٌ أو خارج نطاق التغطية..
أصابعه ترتجف وهو يقلِّب الجهاز بين كفّيه، يستحثّه على النّطق دون جدوى، ثم يرميه بنزقٍ واضح على الأريكة جانبه.
على الطّرف المقابل كانت تحتضر صديقة المساء، تمسح الدّمعة وراء الدمعة ،تتوق إلى سماع صوته..، إلى كلماته العذبة..، إلى صوته الشجيّ ، إلى عبق رجولته المتسرّبة لرئتيها عبر الأثير.
لقد توسّل إليها قلبها أن يحتويه كما كان يضمّ صورته المبهمة التي عشّشت في روحها دون أن تراه.
كابرتْ، وأوصدتْ قلبها بأسلاكٍ شائكةٍ زرعتها رغماً عنها..
عادت بها الذكرى إلى بداية معرفتها به.. الصّدفة وحدها جمعتهما عبر الهاتف، في خطأ غير مقصود، تحوّل بعدها إلى خطأ مقصودٍ ، إلى استئناسٍ ،إلى إدمانٍ.
لم تكن تدري أنّ ليالي الحرمان ستجرفها إلى سعادةٍ جعلتها تشيّد قصراً في الرمال..، متناسية جرح تشوّهها الذي رافقها دون أن يندمل منذ كانت صغيرةً، إثر حادثةٍ مؤلمةٍ ابتلعتْ أيّامها ، وشبابها، وكلّ حواسها ، لم تبقِ فيها غير صوتٍ رخّمه الألم في رنّة حزنٍ ملموسةٍ.. و روحٍ متّصلة في السماء، بعد أن قهرها ظلم الأرض .
عاشتْ معه قصّة وهميّة من طرفها.. ،عاشتها كما أحبّتْ أن تكون لو أنهّا كانت جميلة الملامح ، تصحو وتنام على الحلم ، أودعته كلَّ حرمانها وجوعِها لهذه المشاعر الدافئة التي ما عرفتها ولا تذوّقت طعمها ، كأنهّا داخلةٌ إلى عالم سحريٍّ، استعملتْ فيه كلّ الشّخصيات التي أسقطتْها ذاكرتها على بطلات حكاياتٍ خرافيّةٍ قرأتْ عنها .
فهي عبر الهاتف .. الحلوة ، المغناج ، العذراء ، الخجول ، الرّقيقة.
كانت تفتعلُ المواقفَ ، تعيشها في كلّ حالاتها هاربةً من أغلالها، من بكائها ، من عويل أيّامها ، من ملامحها.
فهي تارة ترغب في السّهر لأنّ النّوم هرب منها ، وتارة يغالبها النّعاس بصوت تملؤه أنوثة تشحذها بكل ما أوتيت من قهرٍ، وحيناً تصطنع الخوف من أن يسمعها أحد في المنزل فتقفل الخطّ على عجلٍ، و أخرى تُسمعه بعض مقاطعَ من أغنياتٍ شجيّةٍ كان يطرب لها، و ربّما تحدّثه عن امتحاناتٍ موهومةٍ تدّعي اجتيازها باضطرابٍ وقلقٍ ، فيسارع إلى بثِّ الحماس فيها، وعدم الخوف..، ويطمئنّ عنها كلّ مساء.
لقد أحبّها، نعم أحبّها دون أن يراها ، اصطحبتْه إلى عالمها الخرافيّ المجنون رغماً عنه ، أخذتْه إلى رحلاتها المليئة بجنانٍ لم يعشها قبلاً، أبصرها بروحه، كلماتها تنساب إلى مسمعه كينبوع أنوثةٍ يشقّق الصخر...
أدمن أنفاسها عند كلّ مساء، وآن الأوان كي يعيش هذا الحلم حقيقةً ، أراد أن يمتلكها بين يديه تحت سقف واحدٍ..، أحسَّها بأنها مخلوقة من ضلوعه..
مخلوقة من حناياه.
ألحَّ عليها أن تعطيه عنوانها ، مسكنها، أن يراها ، أن يسدَّ هذا الظمأ المتأجّج في عروقه.
تهربّتْ متعلّلةً بكثير من المواقف ، بكثير من الأسباب الواهية التي لم يعد يحتملها.
حدّد لها موعداً أخيراً، أُسقِطَ في يدها، فصلتْ هاتفها بإصرار، وسلختْ قلبها عن جسدها ،وعادت إلى فراشها البارد وحيدةً باكية. لقد هبطتْ من جنّتها المزعومة إلى أرضها القاحلة ، وكأنّها تدوس أشواكها بقدميها العاريتين النّازفتين، كقلبها الواهن الذي ينادي صديق المساء.
(نُشرتْ في المجلّة العربيّة الثّقافيّة ...)
تعليق