عند الرحيل تبدو الأشياء جميلة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • نافل العتيبي
    عضو الملتقى
    • 10-01-2010
    • 29

    عند الرحيل تبدو الأشياء جميلة

    [align=justify]


    تمام الحادية عشرة مساءً ، حينما توقف زياد أمام مغسلة الملابس ، اعتذر العامل المصري عن تأخره ، ووعد بان الملابس ستكون جاهزة خلال نصف ساعة ، أخذ يحدث نفسه :
    - لايوجد وقت كافي ، لأذهب ثم أعود ..
    بقي في مقعد السيارة ، وأخذ يتأمل واجهة المحلات التجارية ، صالون حلاقة ، سوبر ماركت ، صيدلية ، مستوصف تجاري .. مستوصف ! منذ عدة أيام وأنا أحس بدوار تتصاعد وتيرته ، لكنه بقي في حدود قدرتي على الاحتمال ، لم أذهب لأي طبيب ، فأنا أكرههم كره العمى ، ربما لأنهم يشعرونني دائماً بأنهم يعرفون مصلحتي أكثر مني ، لكن ، لماذا لا أشكو للطبيب المناوب هذا العارض ، بدلاً من الانتظار في السيارة .
    دفع اجرة الكشف ، ودخل إلى الطبيب ، من شبه القارة الهندية ، في الخامسة والثلاثين من عمره ونظراته حادة ، شكى له ، وهو يقيس الضغط ، ثم سأله :
    - كيف الضغط ؟
    - نازل شويه ..
    طلب الطبيب منه التمدد على السرير ، ثم وضع السماعة على أذنيه الصغيرتين ، وأخذ يحوم حول قلبه ، وتعابير وجهه ترسل إشارات متناقضة ، بدأت المخاوف تتسلل إلى داخل صاحبنا ، وهو يكرر :
    - وش فيه ؟
    والطبيب يردد كالببغاء :
    - إن شاء الله مافي مشكلة .
    أخيراً أنزل سماعته ووقف منتصباً ، وقال :
    - إن شاء الله مافي مشكلة ، بس لازم تخطيط قلب .
    كانت الظنون قد أحكمت طوقها حول زياد ، هذه نتيجة إهمالي في صحتي ، كان يجب أن أذهب للطبيب قبل أسبوعين ، حينما أحسست بالعارض أول مره ، نهض متوجهاً لغرفة التخطيط ، فعاوده ذلك الدوار اللعين ، وكاد يسقط ، فزادت ثقة الدكتور بنفسه ، وتضعضعت ثقته بنفسه .
    نزع ملابسه ، وأخذ الطبيب والممرضة يتعاونان في زرع المجسات في أنحاء جسده وهو جثة هامدة ، لا يتحرك ، جهاز التخطيط يرسم إشارات غريبة ، ذكرته بإشارات الرادار ، وطبيبه يتلقاها بيده وينظر فيها باهتمام ، دقائق ، وإذا بطبيب آخر يحضر ، ويتبادلان حديثاً قصيراً لم يفهم منه شيئاً ، ثم التفت إليه قائلاً بارتباك ظاهر :
    - ما فيه خوف ، إن شاء الله مافي مشكلة ، هذا قلب ممكن شويه مشكله ، الآن أعطيك حبتي أسبرين ، بس لازم تروح مستشفى كبير ..
    أسقط في يد زياد ، أسبرين ! يعني الموضوع فيه جلطه ! لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، تهاوت معنوياته ، وبدا له بأنه لن يستطيع الوقوف ، تناول الدواء ، والطبيب ينظر اليه بشفقه ، ثم شجع نفسه ، واستجمع قواه ، ونهض بنشاط مصطنع ، فبرق له الأمل :
    - ها أنا أقف ، الحمد لله ..
    لكن الطبيب ، اقترب منه وقال بما معناه لن تستطيع قيادة السيارة لوحدك ولابد أن يأتي أحدهم ليأخذك ، فكانت جملته الأخيرة بمثابة الضربة القاضية ، فقد خارت قواه مرة أخرى ، وتمكن اليأس منه ، فاتصل بأخيه .
    خرج بخطى ثقيلة ، فتلقاه العامل المصري عند باب السيارة ليريه أنه على الوعد ، في تلك اللحظة ، لم تكن الملابس تهمه ، حرص فقط على إبرا ذمته ، فدفع أجرته صامتاً ، في حين أخذ الأخ المصري ينظر اليه باستغراب ، تبدلت حاله خلال نصف ساعة .
    بدأت رحلته إلى المستشفى الرئيسي ، وبدأت معالم الحي تودعه ويودعها ، وفي داخله دارت أحاديث كثيرة ، هذا الجامع ، وتلك مدرسة إبني ، وهذه حديقة الحي ، كأنني أرى تلك المعالم للمرة الأولى ، أخي صامت لا ينبس ببنت شفه ، فقد صدمه الخبر ، ووجه له الطبيب تحذيراً شديداّ من إرهاقي بالحديث ، مقصورة سيارتي بدت لي في غاية الجمال ، أضواؤها ، ومؤشراتها تفيض جمالاً وعذوبة ، أشجار النخيل الباسقة ، ما أجملها ، كنت أعتبرها كالرصيف الأسمنتي تماماً ، أما ألان فهي تنضح بالحياة ، تتماوج أطرافها مع الأنسام اللطيفة التي تداعبها .
    طموحاتي الكبيرة التي كنت أسير نحوها ، هاهي الأقدار تحول بيني وبينها ، بعد سنوات من الجهد والعمل الشاق ، هل يعقل أن أصاب بهذه العاهة الخطيرة في هذا العمر ؟ أمن الممكن أن تنتهي حياتي العملية هذه النهاية الباردة ؟ وأنا الذي كنت أعتقد بأنني سأساهم في مجالي مساهمة فعالة تبقى نبراساً للأجيال ، كتاباتي ، مذكراتي ، مشاريعي الأدبية والتجارية ، كل ذلك سينتهي ، نعم سينتهي ، آه ياقلبي ، كم سقط بسقوطك من الطموحات !
    أطفالي الجميلون ، من سيتلمس حاجاتهم ، ويوجههم في مسالك الحياة الوعرة ، وأمهم ، كيف سيكون مصيرها ؟ ياويحهم وويح أمهم ، أشعر بأنني أترك أفراد أسرتي الصغيرة يتزاحمون على ظهر قارب صغير متهالك في خضم بحر الحياة المتلاطم ، عذري أنني لم أتخل عنهم بإرادتي ، فقد نزعتهم الحياة من يدي ، أو نزعني الموت من بينهم ، يااااه .. ما أقسى هذه المشاعر ، وما أجمل حياتي قبل هذا العارض .
    بعد فحص سريع ابتسم الاستشاري المناوب في المشفى المركزي ثم التفت اليه قائلاً :
    - قلبك زي الفل يابني ..
    قفز زياد وقبّل جبينه وهو يردد :
    - الله يجزاك خير يادكتور ..
    ثم أراد أن يقطع دابر الشكوك ويطمئن أكثر ، فتساءل بحذر :
    - طيب .. ما سبب الدوار الذي ينتابني ؟
    أجابه بثقة الطبيب الخبير :
    - أظهرت التحاليل وجود فقر دم شديد ..
    رد بفرح صبياني :
    - فقر الدم لاشيء بالقياس الى غيره .
    [/align]
    [align=center]

    [U][B][SIZE=6][COLOR=blue][SIZE=6][COLOR=blue][B][U].. التسامح اكسير الحياة .. [/U][/B][/COLOR][/SIZE][/COLOR][/SIZE][/B][/U]

    [/align]
    [align=center]

    [COLOR=darkred][B]مدونتي على الرابط التالي[/B][/COLOR]
    [URL="http://alotaibi-nafel.maktoobblog.com/"][COLOR=darkred][B]http://alotaibi-nafel.maktoobblog.com/[/B][/COLOR][/URL]
    [/align]
  • عائده محمد نادر
    عضو الملتقى
    • 18-10-2008
    • 12843

    #2
    المشاركة الأصلية بواسطة نافل العتيبي مشاهدة المشاركة
    [align=justify]

    تمام الحادية عشرة مساءً ، حينما توقف زياد أمام مغسلة الملابس ، اعتذر العامل المصري عن تأخره ، ووعد بان الملابس ستكون جاهزة خلال نصف ساعة ، أخذ يحدث نفسه :
    - لايوجد وقت كافي ، لأذهب ثم أعود ..
    بقي في مقعد السيارة ، وأخذ يتأمل واجهة المحلات التجارية ، صالون حلاقة ، سوبر ماركت ، صيدلية ، مستوصف تجاري .. مستوصف ! منذ عدة أيام وأنا أحس بدوار تتصاعد وتيرته ، لكنه بقي في حدود قدرتي على الاحتمال ، لم أذهب لأي طبيب ، فأنا أكرههم كره العمى ، ربما لأنهم يشعرونني دائماً بأنهم يعرفون مصلحتي أكثر مني ، لكن ، لماذا لا أشكو للطبيب المناوب هذا العارض ، بدلاً من الانتظار في السيارة .
    دفع اجرة الكشف ، ودخل إلى الطبيب ، من شبه القارة الهندية ، في الخامسة والثلاثين من عمره ونظراته حادة ، شكى له ، وهو يقيس الضغط ، ثم سأله :
    - كيف الضغط ؟
    - نازل شويه ..
    طلب الطبيب منه التمدد على السرير ، ثم وضع السماعة على أذنيه الصغيرتين ، وأخذ يحوم حول قلبه ، وتعابير وجهه ترسل إشارات متناقضة ، بدأت المخاوف تتسلل إلى داخل صاحبنا ، وهو يكرر :
    - وش فيه ؟
    والطبيب يردد كالببغاء :
    - إن شاء الله مافي مشكلة .
    أخيراً أنزل سماعته ووقف منتصباً ، وقال :
    - إن شاء الله مافي مشكلة ، بس لازم تخطيط قلب .
    كانت الظنون قد أحكمت طوقها حول زياد ، هذه نتيجة إهمالي في صحتي ، كان يجب أن أذهب للطبيب قبل أسبوعين ، حينما أحسست بالعارض أول مره ، نهض متوجهاً لغرفة التخطيط ، فعاوده ذلك الدوار اللعين ، وكاد يسقط ، فزادت ثقة الدكتور بنفسه ، وتضعضعت ثقته بنفسه .
    نزع ملابسه ، وأخذ الطبيب والممرضة يتعاونان في زرع المجسات في أنحاء جسده وهو جثة هامدة ، لا يتحرك ، جهاز التخطيط يرسم إشارات غريبة ، ذكرته بإشارات الرادار ، وطبيبه يتلقاها بيده وينظر فيها باهتمام ، دقائق ، وإذا بطبيب آخر يحضر ، ويتبادلان حديثاً قصيراً لم يفهم منه شيئاً ، ثم التفت إليه قائلاً بارتباك ظاهر :
    - ما فيه خوف ، إن شاء الله مافي مشكلة ، هذا قلب ممكن شويه مشكله ، الآن أعطيك حبتي أسبرين ، بس لازم تروح مستشفى كبير ..
    أسقط في يد زياد ، أسبرين ! يعني الموضوع فيه جلطه ! لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، تهاوت معنوياته ، وبدا له بأنه لن يستطيع الوقوف ، تناول الدواء ، والطبيب ينظر اليه بشفقه ، ثم شجع نفسه ، واستجمع قواه ، ونهض بنشاط مصطنع ، فبرق له الأمل :
    - ها أنا أقف ، الحمد لله ..
    لكن الطبيب ، اقترب منه وقال بما معناه لن تستطيع قيادة السيارة لوحدك ولابد أن يأتي أحدهم ليأخذك ، فكانت جملته الأخيرة بمثابة الضربة القاضية ، فقد خارت قواه مرة أخرى ، وتمكن اليأس منه ، فاتصل بأخيه .
    خرج بخطى ثقيلة ، فتلقاه العامل المصري عند باب السيارة ليريه أنه على الوعد ، في تلك اللحظة ، لم تكن الملابس تهمه ، حرص فقط على إبرا ذمته ، فدفع أجرته صامتاً ، في حين أخذ الأخ المصري ينظر اليه باستغراب ، تبدلت حاله خلال نصف ساعة .
    بدأت رحلته إلى المستشفى الرئيسي ، وبدأت معالم الحي تودعه ويودعها ، وفي داخله دارت أحاديث كثيرة ، هذا الجامع ، وتلك مدرسة إبني ، وهذه حديقة الحي ، كأنني أرى تلك المعالم للمرة الأولى ، أخي صامت لا ينبس ببنت شفه ، فقد صدمه الخبر ، ووجه له الطبيب تحذيراً شديداّ من إرهاقي بالحديث ، مقصورة سيارتي بدت لي في غاية الجمال ، أضواؤها ، ومؤشراتها تفيض جمالاً وعذوبة ، أشجار النخيل الباسقة ، ما أجملها ، كنت أعتبرها كالرصيف الأسمنتي تماماً ، أما ألان فهي تنضح بالحياة ، تتماوج أطرافها مع الأنسام اللطيفة التي تداعبها .
    طموحاتي الكبيرة التي كنت أسير نحوها ، هاهي الأقدار تحول بيني وبينها ، بعد سنوات من الجهد والعمل الشاق ، هل يعقل أن أصاب بهذه العاهة الخطيرة في هذا العمر ؟ أمن الممكن أن تنتهي حياتي العملية هذه النهاية الباردة ؟ وأنا الذي كنت أعتقد بأنني سأساهم في مجالي مساهمة فعالة تبقى نبراساً للأجيال ، كتاباتي ، مذكراتي ، مشاريعي الأدبية والتجارية ، كل ذلك سينتهي ، نعم سينتهي ، آه ياقلبي ، كم سقط بسقوطك من الطموحات !
    أطفالي الجميلون ، من سيتلمس حاجاتهم ، ويوجههم في مسالك الحياة الوعرة ، وأمهم ، كيف سيكون مصيرها ؟ ياويحهم وويح أمهم ، أشعر بأنني أترك أفراد أسرتي الصغيرة يتزاحمون على ظهر قارب صغير متهالك في خضم بحر الحياة المتلاطم ، عذري أنني لم أتخل عنهم بإرادتي ، فقد نزعتهم الحياة من يدي ، أو نزعني الموت من بينهم ، يااااه .. ما أقسى هذه المشاعر ، وما أجمل حياتي قبل هذا العارض .
    بعد فحص سريع ابتسم الاستشاري المناوب في المشفى المركزي ثم التفت اليه قائلاً :
    - قلبك زي الفل يابني ..
    قفز زياد وقبّل جبينه وهو يردد :
    - الله يجزاك خير يادكتور ..
    ثم أراد أن يقطع دابر الشكوك ويطمئن أكثر ، فتساءل بحذر :
    - طيب .. ما سبب الدوار الذي ينتابني ؟
    أجابه بثقة الطبيب الخبير :
    - أظهرت التحاليل وجود فقر دم شديد ..
    رد بفرح صبياني :
    - فقر الدم لاشيء بالقياس الى غيره .
    [/align]
    الزميل القدير
    نافل العتيبي
    نص لطيف
    ويحدث مثل هذا الإلتباس لكثيرين
    رأيت ومضة النهاية تحتاج منك لمراجعة وومضة أكثر إشراقا من هذه
    كأن تترك الطبيب يقهقه وهو يغادر الغرفة ويقول
    _ فقر الدم عزيزي.. فقر الدم
    مالونته لك بالأزرق هو شرح أفقد النص تلك الدهشة
    أرجوك لا تزعجك ملاحظتي فهي قابلة للخطأ قبل الصواب
    ودي الأكيد
    الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

    تعليق

    • نافل العتيبي
      عضو الملتقى
      • 10-01-2010
      • 29

      #3
      الزميل القدير
      نافل العتيبي

      نص لطيف
      ويحدث مثل هذا الإلتباس لكثيرين
      رأيت ومضة النهاية تحتاج منك لمراجعة وومضة أكثر إشراقا من هذه
      كأن تترك الطبيب يقهقه وهو يغادر الغرفة ويقول
      _ فقر الدم عزيزي.. فقر الدم
      مالونته لك بالأزرق هو شرح أفقد النص تلك الدهشة
      أرجوك لا تزعجك ملاحظتي فهي قابلة للخطأ قبل الصواب
      ودي الأكيد


      ++++++++++++++

      [align=center]
      الاديبة العزيزة / عائدة

      ملاحظتك أحترمها جداً ، ولاتزعجني أبداً

      تقبلي الشكر الجزيل
      [/align]
      [align=center]

      [U][B][SIZE=6][COLOR=blue][SIZE=6][COLOR=blue][B][U].. التسامح اكسير الحياة .. [/U][/B][/COLOR][/SIZE][/COLOR][/SIZE][/B][/U]

      [/align]
      [align=center]

      [COLOR=darkred][B]مدونتي على الرابط التالي[/B][/COLOR]
      [URL="http://alotaibi-nafel.maktoobblog.com/"][COLOR=darkred][B]http://alotaibi-nafel.maktoobblog.com/[/B][/COLOR][/URL]
      [/align]

      تعليق

      • مختار عوض
        شاعر وقاص
        • 12-05-2010
        • 2175

        #4
        الراقي نافل العتيبي
        لأعترف أن عنوانك كان لافتًا لانتباهي فهرولت إلى القصة أقرؤها بشغف ساعد عليه حميمية سردك .. كما ساعد عليه أيضًا قدرتك الفائقة على نقل مشاعرك.. بالإجمال أحسست كقارئ أنني أمام عمل يستحق الإشادة والتقدير من قاص يمتلك كل أدواته إلا أداة واحدة وجدت لديك قصورًا فيها.. تلك هي التمكن من ناصية اللغة حيث لاحظت بعض الأخطاء في ثنايا النص وقد كان أكثرها أخطاء تتعلق بالرسم الإملائي، لذلك أرجو أن تتقبل نصحي بضرورة تلافي ذلك مستقبلا..
        وفي انتظار الأجمل لك دائما..
        مودتي وتقديري الكبيرين.

        تعليق

        يعمل...
        X