" وباء الإيجار "
صرعة راجت في الفترة الأخيرة ردا على قسوة الحياة وشراسة الغلاء ومداهمة التقشف وقلة المردود..
إنها صرعة " عدوى الإيجار"..
أحدهم يملك شقة وسط البلد.. يلملم عياله وعفشه وهمومه ويرتحل بعيدا إلى أقصى الريف ويسكن غرفة متواضعة في قرية مغمورة.. ويؤجر شقته لزبون دسم ليقتات من دهنه في أول كل شهر.
وآخر يطرح سيارته للإيجار شبه السياحي ويدس جسده كل يوم في زحام الباصات مع أولاده كي يستعين على الزمان بما يدره إيجار السيارة على أسرته.
وكاتب يتوهم أنه موهوب في التعبير فيؤجر قلمه وقطعة من ضميره لثري مخصي محدث نعمة..فيروج له في المجلات والصحف والحفلات الخطابية ويدبج العرائض ضلالا وبهتانا ليتعشى من مطبخه آخر المساء.. ويحمل صرة باقي الأطباق إلى عياله .
ورابع يفتتح موقعا الكترونيا ويقلبه إلى دكانة للمستلزمات الاستهلاكية.. ويؤجر أبوابه وزواياه كبصطات عرض واستعراض لأولاد الذوات فينتفع هو بمواردهم ويكسبون هم ثوابه.
وجامعي يؤجر شهادته في الصيدلة أو الهندسة للميسورين ويجلس في ظلال التنبلة يستفيئ من إيجارها الشهري .
والقائمة تطول وتطول إلى من يؤجر صوته في الانتخابات.. ومن تؤجر بدلة زفافها لعروس على قد الحال..ومطرب الأحياء الشعبية الذي يؤجر موهبته لسهرة الفرح..و... و...و....و يستشري الفيروس في جسم المجتمع.. ويسيل اللعاب له..لأن فترة الإيجار لاتنزع حق الملكية في نهاية المطاف بل هي مسكنات للعاطلين عن العمل.. وهواية محببة للتنابل وقليلي الحيلة.
لكن الخوف أن يشتط وباء الإيجار ويقفز فوق الخط الأحمر لنسمع ذات يوم عمن يؤجر زوجته لفترة غيابه في مأمورية أو إجازة..
تعليق