كتب مصطفى بونيف

لماذا أصبح العنف منتشرا بكل هذا الشكل المرعب ..؟
لم يعد حتى أفراد البيت الواحد في وسعهم الحوار بشكل هادئ دون أن تسيل قطرة واحدة من الدم ...الكل يحمل في يده عصا وينتظر متى يخطأ صاحبه حتى يشبعه ضربا وقتلا...حتى في الشارع وأنا أتمشى صرت أخاف أن أصطدم بأحدهم ، ولا تكفيه اعتذاراتي فيوزعني ضربا وشتما ، وهذا ما كان سيحصل لي بالفعل عندما اصطدمت بأحدهم وأنا أمشي سابحا في ملكوت الله ولولا لطف ربك لكان قد أشبعني هراوة ....ورغم توسلاتي واعتذراتي الحارة غير أن هذا الرجل قال لي" إذا رأيتك مرة أخرى في هذا الشارع سوف أقطع خبرك" كان يتكلم وكأن الشارع ملك لأمه أو لأبيه..وما إن تمشيت خطوات حتى تذكرت أنه هو الذي اصطدم بي ولست من اصطدم به.
ثم دخلت إلى محل خضار حتى أشتري كيلو من الموز فوجدت الموز ذبلانا لا يصلح للاستهلاك الآدمي إطلاقا، فقلت بحسن نية " من فضلك كيلو موز صالح للاستعمال " فثارت ثائرة الخضار وكأنني شتمت والدته دون أن أشعر ، ولولا لطف اللطيف لكان حرث وجهي بالسكين التي يطبع بها البطيخ.
خرجت من محل الخضار والفواكه وأنا لا أملك سوى جملة " حسبي الله ونعم الوكيل" تملأ فمي وقلبي ...وتوجهت إلى البلدية حتى أستخرج شهادة ميلاد ، فتقدمت نحو الموظف وألقيت السلام عليه من وراء الشباك . ولكنه لم يعبأ بي.
- من فضلك شهادة ميلاد .
- لا يوجد.
- طيب شهادة شخصية .
- لا يوجد.
- طيب شهادة إقامة.
- لا يوجد
التفتت حتى أتأكد هل أنا في بلدية فعلا ...فربما أخطأت ودخلت مكانا آخر. ولكن الذي كان مكتوبا هو"دار البلدية – مصلحة الأحوال الشخصية والمدنية "...فرجعت إلى الموظف .
-السلام عليكم أريد شهادة ميلاد.
- لايوجد.
- يا أخ كيف لا يوجد ؟
- لا يوجد استمارات خاصة بشهادة ميلاد ، عد غدا .
فتقدم شاب آخر وطلب "استمارة طلب جواز سفر" ، وفي لمح البصر قدمها الموظف لهذا الشاب . فقلت للموظف " ناولني أنا أيضا استمارة طلب جواز سفر" فقدمها لي بسهولة ويسر . فعرفت أن الحكومة تريد أن تتخلص منا بأن ترمينا خارج البلاد حتى نعفيها من طلباتنا المتزايدة.
خرجت وفي يدي "استمارة طلب جواز السفر " وفي الطريق قابلني أحد أصدقائي وبمجرد ما إن رأى الورقة في يدي حتى انبسطت أساريره " هل تنوي الهجرة ؟ لا تنسانا ..عندما تصل إلى هناك أرسل لنا بطاقة دعوة ...".
الجميع يفكر في الهجرة ، الجميع ضاقت به الأرض واتسعت في عينه كل بلاد ما وراء حدودنا...جلست إلى أحد التلاميذ النجباء في المدرسة وسألته " ما هي الوظيفة التي تحلم بها عندما تكبر وتتخرج ؟ " فرد بسرعة البرق " الهجرة " ، فقلت له " وما الذي ستفعله في المهجر يا ولدي؟ " فأجاب دون تردد " أصنع القنبلة النووية "....فكرت مليا ثم قلت له " ولكن عندما تصنع القنبلة النووية سوف يطلقوها على رؤوسنا وينخرب بيتنا وبيت أهلك " فقال في براءة " والله أحسن ستموتون شهداء وستدخلون الجنة "، تأملت مليا في وجه هذا الطفل البريئ وضحكت " أنت على حق ، سنموت شهداء ".
وعندما رجعت إلى الحي ، تأملت مجموعة من الحرس والجيش يسوقون ابن الجيران إلى "البوكس"...فسألت أحد الواقفين " ترى ما نوع الجريمة التي ارتكبها حتى تأتيه كل هذه القوة لتعتقله أكيد جريمة تمس بأمن الدولة؟ " فقال لي " لا لأنه امتنع عن أداء الواجب الوطني " فصرخت مرتعدا ومرتبكا " ماذا لم يذهب إلى الانتخاب ؟" فقال لي " لا يارجل ،لقد امتنع عن أداء الخدمة العسكرية"...فقلت له ولكنه تخرج من ثلاث سنوات من الجامعة دون وظيفة وهو يساعد أهله بعمله في حراسة أحذية المصلين في الجامع ". ثم استطرد جاري قائلا " مسكين ، لقد كان يجهز ورقه للهجرة " فقلت له " سينهي فريضة الخدمة وبعدها سيتمكن من الهجرة ".
دخلت إلى البيت وطلبت كوبا من الماء ...
-لا يوجد ماء الحنفية صدأت من قلة الماء .
- طيب هل هناك مثلا كوب من العصير ؟
- لا يوجد الثلاجة لا تشتغل، الكهرباء مقطوعة من البارحة.
- لماذا مع أنني سددت فاتورتها ؟
- لا أدري ولكن الكهرباء مقطوعة.
لم أجد شيئا أتسلى به سوى قراءة الجريدة الملقاة على الطاولة.
وكان الخبر الأول عن "العزة والكرامة " التي نعيشها ، فمعدلات البطالة في تنازل مستمر ، فكرت قليلا وقلت " سبحان الله ربما شباب الحي هم الكسالى ، هاهي معدلات البطالة في تنازل في حين أنها في تصاعد في حينا ". ثم استطردت قائلا " حارة غجر" ...ثم قرأت أن أزمة السكن تقريبا قد حلت ,انه قد تم توزيع آلاف السكنات مؤخرا ..فقلت " الحمد لله ..فعلا لقد وزعت السكنات بدليل أنه لايوجد أحد ينام في الشارع ، بدليل أن محمد ( ابن عم النائب) قد حاز على سكنين اجتماعيين وقد أجرهما لشابين متزوجين حديثا ..فعلا توزيع عادل يضمن للمستفيد سكن وأيضا دخل من خلال تأجير السكن الاجتماعي ...تفكير حكومي ليس كأي تفكير ..سبحان الله ".
ثم قرأت خبرا في إطار صغير من الجريدة مفاده أن الحكومة استغنت عن خدمات 10آلاف عامل ....كما أن الحكومة كانت حريصة على دفع تعويضات لهؤلاء ..فقلت بعلو صوتي " الله أكبر ، أين أنت يا عمر بن عبد العزيز حتى ترى العدل بحق وحقيقة ؟ ".
ثم قرأت خبرا آخر عن اعتقال صحفي بتهمة القذف في مسؤول شريف دون أن تكون لديه أدلة.....فقلت بعلو صوتي أيضا " طبعا ..يجب على الصحفي أن يصطحب معه شارلوك هولمز حتى يتحقق من صحة الخبر...وعموما الحالة التي نعيشها دليل قاطع على نزاهة المسؤولين فالحمد لله كل شيئ متوفر الماء والكهرباء والموصلات ولا توجد أية بطالة والحمد لله ، والناس كلها تتمتع بسكنات واسعة ، الشباب متمسكون بوطنهم ويرفضون عروض الهجرة التي تأتيهم من الخارج ،لا يغادرون وطنهم الحبيب إلا على سبيل السياحة وتبديل الجو ولله الحمد ".
خرجت إلى المقهى ، فربما هناك أجد شربة ماء أروي بها عطشي ..
جلست على الكرسي ، وجاءني النادل ....
- ما ذا تشرب ؟
- أي شيئ بارد لو سمحت.
- لا يوجد.
- طيب أي شيئ إن شاء الله كوكا كولا التي قاطعتها من مدة طويلة.
- لا يوجد أي شيئ بارد.
- ماذا يوجد عندكم إذن ؟.
- يوجد قهوة ، شاي ، نعناع ...
- يعني لا يوجد عندكم إلا المشروبات التي تحرق الدم.
قمت من مكاني غاضبا ..والشرر يتطاير من عيني ...لدرجة أنني اصدمت بأحدهم
ثم صرخت في وجهه " هل أنت أعمى ؟ أنظر أمامك ...وإياك أن تنطق بكلمة ."
وتوجهت إلى سفارة إحدى الدول ...فوجدت طابورا طويلا عريضا ....ومع ذلك سوف أقف أنتظر دوري ..أريد أن أتقدم بطلب هجرة.
مصطفى بــــونيف

لماذا أصبح العنف منتشرا بكل هذا الشكل المرعب ..؟
لم يعد حتى أفراد البيت الواحد في وسعهم الحوار بشكل هادئ دون أن تسيل قطرة واحدة من الدم ...الكل يحمل في يده عصا وينتظر متى يخطأ صاحبه حتى يشبعه ضربا وقتلا...حتى في الشارع وأنا أتمشى صرت أخاف أن أصطدم بأحدهم ، ولا تكفيه اعتذاراتي فيوزعني ضربا وشتما ، وهذا ما كان سيحصل لي بالفعل عندما اصطدمت بأحدهم وأنا أمشي سابحا في ملكوت الله ولولا لطف ربك لكان قد أشبعني هراوة ....ورغم توسلاتي واعتذراتي الحارة غير أن هذا الرجل قال لي" إذا رأيتك مرة أخرى في هذا الشارع سوف أقطع خبرك" كان يتكلم وكأن الشارع ملك لأمه أو لأبيه..وما إن تمشيت خطوات حتى تذكرت أنه هو الذي اصطدم بي ولست من اصطدم به.
ثم دخلت إلى محل خضار حتى أشتري كيلو من الموز فوجدت الموز ذبلانا لا يصلح للاستهلاك الآدمي إطلاقا، فقلت بحسن نية " من فضلك كيلو موز صالح للاستعمال " فثارت ثائرة الخضار وكأنني شتمت والدته دون أن أشعر ، ولولا لطف اللطيف لكان حرث وجهي بالسكين التي يطبع بها البطيخ.
خرجت من محل الخضار والفواكه وأنا لا أملك سوى جملة " حسبي الله ونعم الوكيل" تملأ فمي وقلبي ...وتوجهت إلى البلدية حتى أستخرج شهادة ميلاد ، فتقدمت نحو الموظف وألقيت السلام عليه من وراء الشباك . ولكنه لم يعبأ بي.
- من فضلك شهادة ميلاد .
- لا يوجد.
- طيب شهادة شخصية .
- لا يوجد.
- طيب شهادة إقامة.
- لا يوجد
التفتت حتى أتأكد هل أنا في بلدية فعلا ...فربما أخطأت ودخلت مكانا آخر. ولكن الذي كان مكتوبا هو"دار البلدية – مصلحة الأحوال الشخصية والمدنية "...فرجعت إلى الموظف .
-السلام عليكم أريد شهادة ميلاد.
- لايوجد.
- يا أخ كيف لا يوجد ؟
- لا يوجد استمارات خاصة بشهادة ميلاد ، عد غدا .
فتقدم شاب آخر وطلب "استمارة طلب جواز سفر" ، وفي لمح البصر قدمها الموظف لهذا الشاب . فقلت للموظف " ناولني أنا أيضا استمارة طلب جواز سفر" فقدمها لي بسهولة ويسر . فعرفت أن الحكومة تريد أن تتخلص منا بأن ترمينا خارج البلاد حتى نعفيها من طلباتنا المتزايدة.
خرجت وفي يدي "استمارة طلب جواز السفر " وفي الطريق قابلني أحد أصدقائي وبمجرد ما إن رأى الورقة في يدي حتى انبسطت أساريره " هل تنوي الهجرة ؟ لا تنسانا ..عندما تصل إلى هناك أرسل لنا بطاقة دعوة ...".
الجميع يفكر في الهجرة ، الجميع ضاقت به الأرض واتسعت في عينه كل بلاد ما وراء حدودنا...جلست إلى أحد التلاميذ النجباء في المدرسة وسألته " ما هي الوظيفة التي تحلم بها عندما تكبر وتتخرج ؟ " فرد بسرعة البرق " الهجرة " ، فقلت له " وما الذي ستفعله في المهجر يا ولدي؟ " فأجاب دون تردد " أصنع القنبلة النووية "....فكرت مليا ثم قلت له " ولكن عندما تصنع القنبلة النووية سوف يطلقوها على رؤوسنا وينخرب بيتنا وبيت أهلك " فقال في براءة " والله أحسن ستموتون شهداء وستدخلون الجنة "، تأملت مليا في وجه هذا الطفل البريئ وضحكت " أنت على حق ، سنموت شهداء ".
وعندما رجعت إلى الحي ، تأملت مجموعة من الحرس والجيش يسوقون ابن الجيران إلى "البوكس"...فسألت أحد الواقفين " ترى ما نوع الجريمة التي ارتكبها حتى تأتيه كل هذه القوة لتعتقله أكيد جريمة تمس بأمن الدولة؟ " فقال لي " لا لأنه امتنع عن أداء الواجب الوطني " فصرخت مرتعدا ومرتبكا " ماذا لم يذهب إلى الانتخاب ؟" فقال لي " لا يارجل ،لقد امتنع عن أداء الخدمة العسكرية"...فقلت له ولكنه تخرج من ثلاث سنوات من الجامعة دون وظيفة وهو يساعد أهله بعمله في حراسة أحذية المصلين في الجامع ". ثم استطرد جاري قائلا " مسكين ، لقد كان يجهز ورقه للهجرة " فقلت له " سينهي فريضة الخدمة وبعدها سيتمكن من الهجرة ".
دخلت إلى البيت وطلبت كوبا من الماء ...
-لا يوجد ماء الحنفية صدأت من قلة الماء .
- طيب هل هناك مثلا كوب من العصير ؟
- لا يوجد الثلاجة لا تشتغل، الكهرباء مقطوعة من البارحة.
- لماذا مع أنني سددت فاتورتها ؟
- لا أدري ولكن الكهرباء مقطوعة.
لم أجد شيئا أتسلى به سوى قراءة الجريدة الملقاة على الطاولة.
وكان الخبر الأول عن "العزة والكرامة " التي نعيشها ، فمعدلات البطالة في تنازل مستمر ، فكرت قليلا وقلت " سبحان الله ربما شباب الحي هم الكسالى ، هاهي معدلات البطالة في تنازل في حين أنها في تصاعد في حينا ". ثم استطردت قائلا " حارة غجر" ...ثم قرأت أن أزمة السكن تقريبا قد حلت ,انه قد تم توزيع آلاف السكنات مؤخرا ..فقلت " الحمد لله ..فعلا لقد وزعت السكنات بدليل أنه لايوجد أحد ينام في الشارع ، بدليل أن محمد ( ابن عم النائب) قد حاز على سكنين اجتماعيين وقد أجرهما لشابين متزوجين حديثا ..فعلا توزيع عادل يضمن للمستفيد سكن وأيضا دخل من خلال تأجير السكن الاجتماعي ...تفكير حكومي ليس كأي تفكير ..سبحان الله ".
ثم قرأت خبرا في إطار صغير من الجريدة مفاده أن الحكومة استغنت عن خدمات 10آلاف عامل ....كما أن الحكومة كانت حريصة على دفع تعويضات لهؤلاء ..فقلت بعلو صوتي " الله أكبر ، أين أنت يا عمر بن عبد العزيز حتى ترى العدل بحق وحقيقة ؟ ".
ثم قرأت خبرا آخر عن اعتقال صحفي بتهمة القذف في مسؤول شريف دون أن تكون لديه أدلة.....فقلت بعلو صوتي أيضا " طبعا ..يجب على الصحفي أن يصطحب معه شارلوك هولمز حتى يتحقق من صحة الخبر...وعموما الحالة التي نعيشها دليل قاطع على نزاهة المسؤولين فالحمد لله كل شيئ متوفر الماء والكهرباء والموصلات ولا توجد أية بطالة والحمد لله ، والناس كلها تتمتع بسكنات واسعة ، الشباب متمسكون بوطنهم ويرفضون عروض الهجرة التي تأتيهم من الخارج ،لا يغادرون وطنهم الحبيب إلا على سبيل السياحة وتبديل الجو ولله الحمد ".
خرجت إلى المقهى ، فربما هناك أجد شربة ماء أروي بها عطشي ..
جلست على الكرسي ، وجاءني النادل ....
- ما ذا تشرب ؟
- أي شيئ بارد لو سمحت.
- لا يوجد.
- طيب أي شيئ إن شاء الله كوكا كولا التي قاطعتها من مدة طويلة.
- لا يوجد أي شيئ بارد.
- ماذا يوجد عندكم إذن ؟.
- يوجد قهوة ، شاي ، نعناع ...
- يعني لا يوجد عندكم إلا المشروبات التي تحرق الدم.
قمت من مكاني غاضبا ..والشرر يتطاير من عيني ...لدرجة أنني اصدمت بأحدهم
ثم صرخت في وجهه " هل أنت أعمى ؟ أنظر أمامك ...وإياك أن تنطق بكلمة ."
وتوجهت إلى سفارة إحدى الدول ...فوجدت طابورا طويلا عريضا ....ومع ذلك سوف أقف أنتظر دوري ..أريد أن أتقدم بطلب هجرة.
مصطفى بــــونيف
تعليق