ذل و لا فخر
تتهاوى عليّ المحن , و ليست بمحن , أصبحت أظنها كذلك , ساد السواد في كل أمري و ضاقت بي أمالي بما رحبت , ضعت بين بيني و كياني الأخر .
هل هذه هي اللحظة الفصل , أم أنها إحدى الهفوات الغريبة التي أعيشها بين سكرات عيشي .
من بعيد تبدو أرغب لأول مرة أن أقترب و لكن الحركات المعهودة توحي بعدم الجواز في ذلك , كما العادة , و لا تملي و لا أملك إلا أن أخوض في حزن عميق .
من يعذب من , و من يفرض عليّ إلا أنا أن أكون معذباً , لماذا ... أهرب , و هل هذا بهروب , أم أنه غروب .. شمس لم تطلع من قبل إشراقة يوم جديد , أفضل أن أبقى عند أول اليوم و أن أحترق بنيران شوقٍ لم يعرف الرحمة قط , حب جزار , لم يعرف الرأفة قط , قلب جبار , أملكه و لو أنه ملكني لكان الأمر على خير ما يرام .
هل كانت متوحشة إلى هذا الحد لتصنع هذا , لتقتل أخر أقاصيصي بما لا تهوى و لا أهوى , هل في إنسانيتها شرخ , هل أنا مخدوع , أسأل تلك الأنا و مالي ...........
يتراءى لي حبها كوحش بربري , غايته قتلي , عنوانه اسم ليس لها , لكنها , تسمى به , أيه الوحش الأشم ألا غربت عني و تركتني و شأني ... و يفعل
له من الجبروت القلبي ما إن جاء على ملأ أشبعهم عشقاً , ما أن جاء على قلمٍ أوسعه كلماً , ما أن جاء على عين أضرمها دمعاً , ما إن جاء على قلب أملأه حزناً , و ما إن جاء على تاءه زاده تيهاً أو جاء به إلى الرشد , بين يدي ربي هو كائن , و لولا أنه بالآية يوصف : لكان لي عليه حجة .
لست أنسفه و لن أقدر , و لن يقدر بشر بل إنه فريضة يقع على إنسيّ فلا يلبث إلا ليجن رشداً , فبعضي كما أنا ينثر مأساته على ورقة , و بعضي كما غيري يعتريه الدمار , و تشتريه الأوزار , و تفصم ظهره الأحمال , و العياذ بالله .
فأما ترويض وحش على هذا القدر من التكليف و التجنيد في بوتقة الحكمة الإلهية فلي فيه حجج و لي من أمر شريعتي مآرب و مدارك و مسالك أخريات بخلاف ماهيته كوحش كاسر .
أستطيع أن أقول : سأبقى في قفصه ملازماً إياه طوال العمر , و إني لأتمنى أن أبقى و صاحبته طوال العمر في مجال اللحاظ و الوصل المحال , و لست بآبه ما ينكل بي و ما يكسّر من أجنحتي , بل أبغي أن أتعامل فيه و أتصرف على بنائه و ما أنسجل من تصريف الأمور , لعلي أتبوئ مقعدي من الجنة .
نعم ... أن يركب رأسي شيطان الحب , أو أن أركب رأسه , أو أنه ملاك , فلي أيضا حججي قوّات و صلوات {{أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ }} ((الرعد28)) , و لي من أهل العلم أن قالوا لا يفنى من أمر المعاني بل في تحول بين المباني و الأشكال (أخطئوا إذ لم يشملوا الروحانية من الأمر ) و إني في التحول أجري فيما يرضي خالق الحُب و فالق الحَب , لست أدعي الكمال , و لكنني أتكلم فيه , فإن رأساً جبهته تلامس تراب الأرض تحمل بين طياتها ما هو أرقى و أعلى مما يوصف , و إن ذل عبَيدٍ و المناكب على أرضٍ إلى قبلة يرضاها سيد البشر لأعز من العز و أعلى من ملك كسرى و قصور روما الحمراء , و لئن أتينا بذاك الذل فأنزلناه في بحر لصار طعمه حلواً يسر الشاربين , و إن جاء ناراً كوهج القاع لصارت سيرتها كسيرة الثلج أو أنقى .
أمن ذلٍ كذاك الذل أبغي لإن جاء في ملأ من الناس لسادوا الأرض أسياداً , و لإن جاء في ملأ أصابت بصيرتهم علّة المادة لأبصروا من ما وراء الحجب , و لحركوا بأيديهم ما لا تحركه يد المبصر المحترف , و لإن جاء على حرف القلم لأنطقه كما لو جاء على أخرس فنطق , إن ذلاً كالذي أتمناه قد رفع المدائن في أيام لنا انصرمت , و جاء به صاحبٌ له ليصاحب خير البشر , و يسبق السبق من المتقدمين في أصوله , و جاء بصاحبه ليقول الجبل يا سارية الجبل , و شرى ظلامة أرملة , و أركب عبده و أسدل دمعه , و لو أن علومي و معارفي أسعفتني لما انتهيت , و لكن دمعتي عبرت عن تقصيري , فمتى ألوذ بمثل هذا من ذل .
أضع أولى الخطوات و التي خضت فيها , فإني لا أعرف معنى اليأس , و إنه لمحض رواية أرويها بين كلماتي لأنسفها و أتسلى بمحوها فليست من أمري في شيء .
أضع أدنى الحب بين شاب و فتاة و أحياناً أرفعه و أبرئه دوماً ... أقول :
أحلى ما في الوجود أنني بشر .... أخطئ و أصيب , ثم أخطئ و أصيب , ثم أخطئ و أصيب .... و لولا أن كل البشر كذلك لذهب الله بهم و أتى بقوم آخرين , ليخطئوا ثم ليرفعوا أيادي التوبة , و من ثم ليعيدوا الكرة تلو الكرة , و أختم بقول ربي {{ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً }} ((طه114))
و ألف الصلاة و ألف التسليم على سيد البشر خير الخلق سيدي محمد و على إله و صحبه أجمعين .
النص الأخير
أكاذيب صادقة
تعليق