إنها قصةُ حُلْمِي..../آسيا رحاحليه /
كلما حقّقنا حلماً انتعش الأمل في تحقيق حلمٍ آخر .
آسيا .
أحبتي في ملتقى الأدباء و المبدعين العرب..أحبّتي في ملتقى القصة ..
هذه المرّة لم آتكم بقصة من نسج خيالي الخصب أو وحي ذاكرتي المشحونة ببصمات الزمن و صروف الأيام .
حكايتي هذه المرّة من قلب الواقع , حقيقية , حيّة , نابضة , رائعة .
إنها حكاية الحلم الذي يبدأ ضعيفا , صغيرا , محتشما .. ينطلق من فكرة مبهمة , من صورة باهتة , مشوشة , تنتشر عشوائيا في سماء الخيال ثم تبدأ بالتشكّل و التجمّع شيئا فشيئا مثل غيمة تحمل الغيث , حتى تصير حقيقة مجسّدة ماثلة أمام أعيننا , تلمسها الأيادي , و تدركها العقول .
لكن , كم من الوقت يأخذه الحلم لكي يصير حقيقة ؟ كم يأخذ من عمرنا ؟ من حياتنا ؟ و ما الثمن الذي ندفعه من أجل تحقيقه ؟ و لماذا بعض الحلم لا يموت , حتى لو وأدناه و أهَلنا عليه الخيبة و الإحباط , نجده في غفلة منا , ينفض اليأس و يقف منتصبا , يحاصرنا .. يصرخ فينا : لا مفر..لا مفر ..لا مهرب لك مني إلا تحقيقي .
كلما أغمضت عيني ..رأيت البداية ..بكل وضوح ..ولعي بالقراءة .. مدرستي ..أساتذتي.. أستاذ العربية بالذات ...ونصوص التعبير الإنشائي التي كنت أتفوق فيها, و كان أستاذي يحملها معه في محفظته ليقرأها على تلامذة الأقسام الأخرى , ثم أراني ليلا منتبذةً ركنا في الغرفة أكتب مذكّراتي اليومية .. أدوّنها كل ليلة في " الكراسة السوداء ".. أسميتها كذلك لأن غلافها أسود . كنت أسكب فيها أفكاري و أحلامي و مشاعري و جنوني و دموعي ..و كثير من ترّهات المراهقة و الصبا .
و كان يحلو لي , في ذلك الزمن الجميل , أن أقوم بدور الكاتب العمومي .. كنت كاتبة مراسيل الغرام لزميلاتي في المتوسطة و الثانوية.. أكتب لهذه رسالة عتاب لحبيبها , و لتلك رسالة وداع..و لأخرى برقية شوق و حب مطرّزة بأبيات من الشعر الجميل ..
قد يبدو الأمر مضحكا الآن , في هذا الزمن الجاف البارد الإلكتروني , و لكن يومها كان للرسائل المكتوبة بخط اليد شأن كبير و قيمة عظيمة , و أثر عميق أيضا .
توالت الأيام ... تهت في زحمة الزمن.. و ضاع مني خط الحلم .
سلكت دربا مغايرة تماما لأمنية حياتي..تخرّجت من الجامعة و دخلت معترك التدريس..في الثانوية..و تدريس ماذا ؟ اللغة الانجليزية ..أنا التي أعشق العربية و أتقنها بشهادة الجميع ! و انغمست في التدريس لمدة 23 سنة . تألقت في المهنة و نجحت و أعطيت من شبابي و قوتي و حياتي للآخرين . لم أبخل بشيء أبدا..
و نسيت حلمي ..أو تناسيته ..كأن لم يدغدغ خيالي ذات طفولة .
و كنت أحس بأني غريبة.. عني ..عن نفسي ..أني لست أنا ..حتى في اللحظات السعيدة الهانئة المستقرة في مسيرتي المهنية كنت أشعر بشيء غريب يقلقني , يحزنني . حلقةٌ مفقودة في السلسلة , لونٌ ينقص اللوحة ..نغمةٌ هاربة من السيمفونية .
ثم دخلت عالم النت ..
و وجدتني أعود إلى الكتابة بعد انقطاع دام أكثر من عشرين سنة ..عدت لأمارس عشقي الأول ..هوايتي الحقيقية ..متعتي و ألمي ..نشوتي و عذابي ...عدت لقدري الجميل ..فالكتابة قدر ..الكتابة حصار جميل لذيذ ..حياة ثانية , موازية لحياتنا..لكنها أجمل و أعمق ..و أكثر ثراءً .
و حين صدرت مجموعتي القصصية "ليلة تكلّم فيها البحر "..و أمسكت الكتاب بين يدي..ابتسمت..تنفست عميقا و لأول مرّة أحسستُ بالهواء نقيا , منعشا يملأ رئتي ..و سمعتني أهمس ..الآن أعرف نفسي .الآن تصالحت مع ذاتي .
مطلقا أحبتي ..ليس للأمر علاقة بالشهرة أو حب الظهور أو أي نفع ٍ مادي , دنيوي زائل . الأمر كله أن أمنية عذبة جميلة داعبت الخيال و راودت الفكر في فترة حساسة من عمرنا , قد قدّر لها أن ترى النور ..أخيرا .
آسفة لو أطلت عليكم ..أردت أن أمرّر لكم بكل حب.. رسالة ..أن أقول لكم و كلي ثقة و إيمان و يقين.. :
الأحلام الجميلة تتحقق..أيضا..
فقط....
اقبض علي حلمك بأسنانك و يديك .. بقوة ..احتضنه برئتيك..غذّه بدمك , أعطه من أنفاسك و نبضك و وريدك . عليك أن تؤمن بحلمك , و أن تدرك أنك حتى لو تخليت أنت عنه فإنه لن يتخلى عنك . يظل يطاردك , يقض مضجعك , يقلقك , ليفكّ عنك في الأخير أغلال سلبيتك و قنوطك ..فقط عليك أن تثق بموهبتك و قدراتك و أن لا تدع خيط الحلم ينزلق من بين أناملك .
لا تقل ..ليس الآن .
لا تقل ..فات الأوان .
يفوت الأوان فعلا في حالة واحدة , حين تحتضن الأرض أجسادنا الهامدة ..
حينها فقط يكون فات الأوان....حقا .
أحبكم .
تعليق