السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قراءة لقصيدة الشاعرة سليمى السرايري
أنا هنا منذ الأزل
أهيّئ أكاليل وقوارير
بزيت قدسيّ
لعلّلك تأتي
فارسا
وتسألني... من أين أتيت ?
أنا من بقايا السّلالات الغابرة
ورثت عن أسلافي
الرقص ....والغناء
بهيكل الملك
أنا امرأة الوقت الراحل
والقادم
أسكن القلاع
أغتسل بألبان النوق
في بركة من الضوء
ليس يساورني ندم,
كلّما وزّعوا دمي نبيذا
فوق التلال
قد تتألّق لآلئ المطر
قد يعانقني نجم
على وجهي، قد يسقط ضياء
وقد تجيئ مريم
في جرّتها مياه ساخنة
لتزيل لعنة الجدب منّي
فأتّخذ من التّراب حرفا
أخبّئ فيه طفلي
لينبت من جديد
عندما تكبر عناقيد الضّوء
في جسدي
وترشح وردا وماء
و يعود النص ليبحث عن عذرية "مريم" و نقائها و يصبح كأنه بحر متلاطم الأمواج و كأن للمعاني مدا و جزرا تتواصل فيه الأعماق بالشاطئ في بحث محموم عن حقيقة وجودية تسكن الوجدان الإنساني لكنها غائرة تلفها المعتقدات و المفاهيم الموروثة فتارة تطفو على السطح لتفصح عن وجودها و أخرى تلفها ظلمات القاع فلا يعرف لها قرار و تستأنف الكلمات طوافها بحثا عن معانيها الغائرة في وجدان هذا الوجود الإنساني المحمل بالطهر و الدنس بالقدسية و البغاء والذي أضفى عليه مسحة قدسية زائفة
تمنحني العذراء
عصارة نخلة سامقة
أنتبذ من فيئها
عتبة قصيّة
لأشرب نخب الغابرين
وألمح حدائق في السماء
مظللة بشحوب حبيبي
…. والغياب يتبع
قراءة لقصيدة الشاعرة سليمى السرايري
حتى تعود مريم .....
أردت بهذه القراءة أن أغوص في الفكر الذي حمله النص و أستلهم معانيه التي حركت حروفه و شكلت كلماته التي إختزلت كل المشاعر الإنسانية
هذه القراءة ليست نقدا بقدر ما هي تواصل أرجو أن يكون بناء يضيف و يغني الفكر بعيدا عن شخصية الشاعرة و قد حاولت تناول النص في جانبه الوجودي الإنساني فالكاتب هو فرد من المجموعة الإنسانية محمل بموروثها و همومها و كل الإشكاليات التي خانه العقل القاصر على حلها
لقد خلقنا الله تعالى من نفس واحدة ففي كل فرد منا إنسان لا يستطيع أن يتخلص من إنسانيته الفطرية أو من موروثه الحضاري بما فيه تاريخ الزمان و المكان و الأديان الكل حفر في ذاكرة هذا الكون الصغير ليجعله يعبر عما يجيش في وجدانه و لاوعيه عند لحظات صفاء يمر بها كل منا في ظروف معينة
فمن هذا المنطلق أريد أن أغوص في نص الشاعرة "سليمى" و التي هي إنسان قبل أن تكون شاعرة
و كل ما سيأتي في هذه القراءة هو فهم شخصي للنص أنقله كما أدركته
لقد عاب البعض على النص تناول مفاهيم دينية صاغها أدبيا و أقول أن الإنسان لا يمكن أن ينفصل بشعوره على الأديان ولا عن التاريخ لأنه جزء منه وهو موروث لا بد أن نسلم بوجوده في الذاكرة الفردية و الجماعية فتناول شخصية مريم لا يسيء لشيء يذكر لأن الاسم استعمل كرمز للديانة المسيحية كما نزلت على الأرض و كرمز للطهارة و النقاء و العبادة و هي الأرض الخصبة التي أنبت فيها الله تعالى الكلمة الروح التقية النقية وهي النفس الزكية الصابرة على الأذى كل هذه المواصفات و أخرى حملتها مريم العذراء و نحن مطالبون من ديننا الحنيف أن نتحقق بها و نسير بمقتضاها و هذا لا يسيء للرمز بل بالعكس يصير الرمز قدوة يقتدى به لمجرد ذكره و يصبح إشارة تختزل كل ما ذكرت من خصال إنسانية فطرية
و اختزال الاسم مريم لهذه المفاهيم يجعله في مقابل حقيقة واقع طاله التحريف للديانة المسيحية و أصبح التاريخ و رموزه هو المرجعية و يسحبك النص إلى تفاصيل أخرى لها علاقة بالديانة اليهودية
فالعنوان يوحي بفرضية مجيء مريم ليطهر واقعا من دنس التحريف و النسيان و بكاء وحزن نساء "أورشليم" في أماكن معينة جعلوها تحتضن طقوسهم المغرقة في واقع اختلقوه من عدم متناسين أصل حقيقة وجودهم ووجود أنبيائهم الذين قتلوهم و صاغوا مفاهيما و فكرا ماديا جديدا لا يمت للحقيقة بصلة بل يعتمد على الزمان و المكان و يصبغ عليه طقوسا يختزلها وجدانه لترثها الأجيال القادمة من بعده . فكأن النص جعل من مجيء مريم الخلاص لهذا الكيان الإنساني الأزلي ليتحرر من هذه الطقوس التي تكبل روحه و تمسخ هويته الأنثوية
قد تجيء مريم
لست من نساء أورشليم
لأبكي على تموز
عند بوابة الهيكل الشّماليّ
لأبكي على تموز
عند بوابة الهيكل الشّماليّ
و يفصح النص عن حقيقة وجودية أزلية ألا وهي وجود الإنسانية بصفة عامة و كأنها خارج الزمان و المكان ليتناول بعدها وجود الأنثى بصفة خاصة و التي خلقها الله تعالى لمهمة معينة فكأنها الأرض بما فيها من خصوبة معطرة، تنتظر هذه العلاقة الزوجية المقدسة كما أمر بها الله تعالى في الأزل و قدوم فارس من غيب أسطوري أفصح عنه لتمتزج الحقيقة بالخيال و بالواقع التاريخي وهو الأقرب إلى التصديق . فمجيء مريم مرتبط بمجيء هذا الفارس ليؤسس مع الأنثى علاقة زوجية لها قداستها الربانية لتهب لها مفاتيح الأرض و تجزل لها العطاء على المستوى المادي الخصوبة و المعنوي الحب "المريمي" الطاهر فيكون لهذا الحب شعارات أخرى أصدق و أجمل لا يشوبها خداع و لا نفاق بعيدة كل البعد عن ما تعرفه نساء "أورشليم" الباكيات عند بوابة "الهيكل الشمالي"
أنا هنا منذ الأزل
أهيّئ أكاليل وقوارير
بزيت قدسيّ
لعلّلك تأتي
فارسا
أسطوريا
خارقا
فتهبني مفاتيح الأرض
لأؤسس مملكة جديدة
للخصب
للكائنات
وأرسم على سماء المدينة
شعارات أخرى للحبّ
خارقا
فتهبني مفاتيح الأرض
لأؤسس مملكة جديدة
للخصب
للكائنات
وأرسم على سماء المدينة
شعارات أخرى للحبّ
و يعود بنا النص إلى الواقع الموجود و المعاش في ترانيم القداس لتزيل ما علق بالناس من علاقات بغاء خارجة عن الشرعية و عن الزوجية الربانية و التي حرفت كل المفاهيم و حتى مشاعر الحب المقدس
فكلّ الترانيم لا تزيل
ما علق فينا
من بغاء مقدّس
ما علق فينا
من بغاء مقدّس
و تتشابك المفاهيم في النص و يتواصل التاريخ مع الموروث الشخصي و الجماعي و كأن النفس تعيش في نفس اللحظة كل ما اختزلته العصور الغابرة في وجدان المرأة و أحيته ليولد من جديد كجنين هو طفل هذه الأنثى التي أخصبت سلالات حاملة محملة بعبق التاريخ و الزمان و المكان الذي اخترق كل العصور و ترك آثاره في هذه الأرض الأنثى الحاملة المحملة بهموم الإنسانية جمعاء فهي امرأة الوقت الراحل و القادم و كأن الزمن عزف عن الحركة ليكرر لنا هذا النموذج بما فيه و يجسد عالم الكثرة الأنثوي في جسد واحد هو لكل النساء
وتسألني... من أين أتيت ?
أنا من بقايا السّلالات الغابرة
ورثت عن أسلافي
الرقص ....والغناء
بهيكل الملك
أنا امرأة الوقت الراحل
والقادم
أسكن القلاع
أغتسل بألبان النوق
في بركة من الضوء
ليس يساورني ندم,
كلّما وزّعوا دمي نبيذا
فوق التلال
قد تتألّق لآلئ المطر
قد يعانقني نجم
على وجهي، قد يسقط ضياء
و هذا الجسد لا يختزل فقط في ذاكرته تاريخ الديانات و المجتمعات بل يتعدى إلى مظاهر كونية من مطر و نجوم و ضياء في بحث محموم عن الطهارة و النور الذي اختزلته الأرحام "المريمية" والذي هو موجود في رحم كل أنثى فطريا
وقد تجيئ مريم
في جرّتها مياه ساخنة
لتزيل لعنة الجدب منّي
فأتّخذ من التّراب حرفا
أخبّئ فيه طفلي
لينبت من جديد
عندما تكبر عناقيد الضّوء
في جسدي
وترشح وردا وماء
و يعود النص ليبحث عن عذرية "مريم" و نقائها و يصبح كأنه بحر متلاطم الأمواج و كأن للمعاني مدا و جزرا تتواصل فيه الأعماق بالشاطئ في بحث محموم عن حقيقة وجودية تسكن الوجدان الإنساني لكنها غائرة تلفها المعتقدات و المفاهيم الموروثة فتارة تطفو على السطح لتفصح عن وجودها و أخرى تلفها ظلمات القاع فلا يعرف لها قرار و تستأنف الكلمات طوافها بحثا عن معانيها الغائرة في وجدان هذا الوجود الإنساني المحمل بالطهر و الدنس بالقدسية و البغاء والذي أضفى عليه مسحة قدسية زائفة
تمنحني العذراء
عصارة نخلة سامقة
أنتبذ من فيئها
عتبة قصيّة
لأشرب نخب الغابرين
وألمح حدائق في السماء
مظللة بشحوب حبيبي
…. والغياب
الفقد و الغياب هما سمة النص المميزة فللحقيقة وجهان أحدهما نوراني "مريمي" و الآخر ظلامي بشري فكلما تناول النص وجه غيب الآخر ثم رجع ليبحث عنه في رحلة محمومة بين السالب و الموجب بين الظلمة و النور، لم يستطع أن يجعل من الأضداد تكاملا ليفصح عن الحقيقة الفطرية النقية الكامنة في الإنسان مع وجود الآخر خارجا عنه بل يعيش النص كل هذه التناقضات التي تتفاعل فيه فتتلاطم المعاني و كأنها تخضع لريح الهوى العاتية تارة تقذفها إلى اليمين و أخرى إلى الشمال دون أن يستطيع النص أن يكون متوازنا يوحي للقارئ بالطمأنينة و الاستقرار على مفاهيم معينة بل يحتوي كل التناقضات و يجعل المتلقي يعيشها بكل التفاصيل الغائرة حد الألم الذي تحمله لنا المعاني المتضاربة في كيانها الوجودي و الإنساني المتحرك على الأرض
تطول المسافات
أهجس في سرّي
كيف نعبر أحزاننا
و كيف نمنح للعتمة
أغنيات من الضوء
كي لا تموت الأسماء...
هناك على مرافئ الليل
تعزف نجمة نشيد الخلد
ترشق دروبنا وردا وياسمينا
ثمّ تغفو بين كفّين
تطول المسافات
أهجس في سرّي
كيف نعبر أحزاننا
و كيف نمنح للعتمة
أغنيات من الضوء
كي لا تموت الأسماء...
هناك على مرافئ الليل
تعزف نجمة نشيد الخلد
ترشق دروبنا وردا وياسمينا
ثمّ تغفو بين كفّين
يحمل النص في طياته حزنا دفينا لا يستطيع تجاوزه لكنه يهرب منه ليذكر لنا مسميات أخرى خارجة عنه كالتواصل مع الطبيعة ليوحي لنا بشيء من الرومانسية التي تزيح عن كاهله ثقل أحزانه و معاناته لفترة قصيرة ثم يعود إليه الوجع ليذكره بانقضاء العمر و التطلع إلى القمر و النور و العتمة فيترنح النص بين الحقيقة و الخيال بين الغيب و الشهادة في تداخل غير واضح تفصح عنه المعاني المتناقضة في ظاهرها لكنها متكاملة في جوهرها و هذا التكامل يغيبه النص فيشعر القارئ باضطراب داخلي لأنه لا يستطيع التنقل بالسرعة المطلوبة ليتابع حركة تنقل المعاني التي تتخذ من النص مساحة أو مركبة يخترق بها الزمان و المكان و الطبيعة و التاريخ و الموروث الحضاري و الديني و هذه الحركة تتقاطع في كثير من الأحيان بالطول في تواصل أرض - سماء و بالعرض شمال - جنوب شرق - غرب إذا صح التعبير فكل هذه المسافات التي يختزلها النص تتعب القارئ و تشوش إدراكه فتجزئة المفاهيم والأشياء و كثافة الصور يفقد النص بناءه التواصلي المنطقي والذي يوجد بين كل مكوناته الدلالية فيعيش الفكر معاني التشرذم و التفرقة و الغياب و هذا من شأنه أن يطمس حقيقة المشاعر الإيجابية فتختفي معالمها و يغيب وجودها
وألمحني على جدار العمر
أحفر إسمي
وفي أرض الموعد
أزرع توجّعي
حتّى أينعت عناقيد الانتظار
في يديّ
وصار للقمر أصابع
على كفّها تقتات روحي
حبيبات ضوء
فتزهر دمائي
بين العتمة والنور
ويرتفع الطّلع
حيث الكواكب
وألمحني على جدار العمر
أحفر إسمي
وفي أرض الموعد
أزرع توجّعي
حتّى أينعت عناقيد الانتظار
في يديّ
وصار للقمر أصابع
على كفّها تقتات روحي
حبيبات ضوء
فتزهر دمائي
بين العتمة والنور
ويرتفع الطّلع
حيث الكواكب
تعليق