دع اللقالق ترحل.
-أو- ضمير ممنوع من الصرف
–أوـ أي عنوان آخر تشاؤون...
ـ نورالدين شكردة ـ
على الرغم من اعتراف الجيلالي بتقصيره و تقاعسه في أحايين كثيرة و بوحه الصادق باستهتاره الشبه الدائم بالمسؤولية الملقاة على عاتقه ، إلا أن *حنان* الأنثى التي وفدت حديثا على فرعيته المجهولة الاسم و المستقرة فوق أعالي جبال الريف أوضحت له الكثير من اللبس و جعلته يتوهم المثالية والإخلاص المفرط في عمله ...
حلت صبيحة يوم ضبابي بقوامها المتمدن و لباسها القصير الضيق ﴿اللزق ﴾و قوس قزح أخطأ مكانه فامتد بشعا على طول مساحة وجهها المكفهر . أبدى الجيلالي تجاهها استقبالا باهتا و حاول جاهدا أن يعكس لها مشاعر محايدة كاذبة ...فعزلته الأبدية بفرعيته/المسكن لأمد طويل جعلته يركن لسلوكيات بدائية محضة و يميل لأذواق غارقة في البداوة ... بل و بات يعتقد أنه يملك بين يديه مفاتيح عوالم الجن و المثل و الحقائق المطلقة ...
شهران من التدريس بالتناوب على مكتب نفس الفصل المفكك البناء أبدت خلالهما الوافدة من التخاذل و التقاعس و التمارض و التثاؤب ما لم يخطر على بال و ما لم يسبقه إليها إنسان . و توضحت خلالهما للجيلالي حقائق و مسلمات أمضى عقدا من الزمن و هو يسائل نفسه حولها و ها هي ذي تنط عليه نطا من نوافذ فرعيته/المسكن المحتلة ... .
” الأنثى هي سبب كل الفتن والمحن ومصدر كل الخلل والضرر″ خمن الجيلالي محللا و هو يدعك توحيمته : ” واضح أن الوافدة في ريعان مراهقتها ..و جلي أن استهتارها بالمسؤولية في أوجه..و الأكيد أن عواطفها بدأ يكتنفها الجفاف ونفسيتها الفتية المرهفة أبدت عن عدم استعداد ورفض مبدئي مسبق لفكرة تهجير و إخفاء جمالها و قوامها بين نتوءات هذا الوطن الجائر.. و لعل توترها الدائم و قضمها المستمر لأظافرها دليل قوي على أنها وفقت في ترجمة إحساسها بالمسؤولية و الواجب إلى إحساس بالظلم و الحيف و القلق و الترقب... و ها هي ذي المسكينة تحل ضيفة حزينة على عالم قروي ناكر للجميل غير عابئ بالجمال و القوام و الماضي المشرف لصاحبة أجمل أنف و أطول شعر بالثانوية و بمركز التكوين ... لعل المسكينة تفتقد متعا عدة، صديقها الحميم، بريدها الإلكتروني ، مسلسلاتها المفضلة ، شبكة الهاتف ..أضواء الإنارة التي تنعكس على شعرها و أرنبة أنفها فتجعلها تبدو أكثر حسنا و جاذبية .. شلة صديقاتها الحميمات و معجبيها و معاكسوها العديدون ... لكن هل يشفع لها كل هذا العبث تخاذلها المقيت و استهتارها الشنيع ببراءة عشرات البراعيم المتعطشين للحظات إخلاص في العمل و سويعات أرقام و حروف و أناشيد ، و هي التي لم تفتر عن تعنيف و تعذيب تلاميذها منذ حلت مبعدة كأنها إحدى مجرمات حرب البوسنة ...”
لملم الجيلالي شحوم توحيمته و اتكأ على ثقل ركبتيه.. فحافتي مكتبه ..جرجر رجليه المصابين بمرض الدوالي ..تذكر و هو في طريقه إلى السبورة ماضيه التربوي غير المشرف ، التقط أنفاسه و معها طبشورا أبيضا صادفه في طريقه . استند مترنحا على الجدار المؤدي إلى السبورة . كاد يستغيث بأحد تلاميذه لكي يتمم السير و إياه صوب الشرفة المطلة على الطريق غير المعبد الوحيد المؤدي للجماعة .. تأمل كرسيه بشوق جارف غير أن عزيمة التغيير كانت متقدة ووازع الواجب و الضمير كان حاضرا .
إحساس تاريخي بالوهن و التقصير يسيطر على سيالاته العصبية و الاخلاقية.
يعلم الجيلالي أكثر من غيره أن تفاعل و تجاوب تلاميذه و استيعابهم لإلقائه و شروحاته و هو واقف متحرك غيره تماما و هو لاصق جامد على كرسيه..
و يعلم أكثر من أي أحد آخر أن متعة الإخلاص في العمل لا تضاهيها متعة ، وأن اداء الواجب بمسؤولية و تفان و إتقان يخلف في النفس إحساسا بالرضى و الفخر و بنبل المهنة و عظمة الرسالة و بسلاسة الزمن و إنسيابية الوقت و براحة البال و الضمير ... تساءل معرضا عن ضجيج تلاميذه:
” الواجب والاخلاص وجهان لعملة واحدة ..إيمان صادق برسائل وقيم كونية . فلماذا يركن معلمينا ومعلماتنا للتمارض والتخاذل ؟ لماذا يولون أقسامهم الأدبار ويصدون صدا عن فضول وشغب وبراءة أطفالهم ؟ لابد وأن في الامر سر خفي . أيكون فتور الاحساس بالانتماء للوطن ؟ أيكون الراتب وما يطال صاحبه عندما يتسلمه من إحساس بالقهر والحيف ؟ أيكون هذا العبث في التسيير وغياب الرقابة والمحاسبة ؟ أيكون هذا الجو السياسي الملوث ؟ لقد صارت كهرباء الملل والاستهتار هي التردد الوحيد الذي يرتفع توتر تردده في أغلب المدارس والفصول...
هي شبكة من الأسباب و خليط من المسببات و هو وازع واحد و أوحد يعوز كل هؤلاء و أولئك و يعوزني أنا أيضا .. الوازع الديني و الذي بحضوره يحضر مبدأ الواجب شاخصا ماثلا كأنه ملك الموت حينا و كأنه رب العمل حينا آخر و كأنه الأنا الأعلى أحيانا كثيرة إلا أنه ليس كل ذلك ..”
عاد ليحاول إيجاد أعذار مقنعة تجعله يتعاطف مع هذه الوافدة الجديدة غير أنه لم يعثر على مبرر واحد يلين من موقفه السلبي تجاهها.. خمن بصوت مسموع: ” إذا لم تقو على هذه الظروف فلتغادر...هناك الآلاف ممن تمنين أنفسهن بامتلاك قسم و أطفال في عهدتهن ... نعم فلتغادر .. سأكتب لها نموذجا لطلب الاستقالة و سأدعه لها فوق المكتب منتظرا توقيعا صغيرا من سيادتها !”.
زوال الغد و على نفس المكتب وجد علبة شكولاتة و جهاز تسجيل بسماعتين و فوقه شريط حديث لإيليسا و خاطرة مهداة إلى روح توحيمته الوطنية جاء فيها :
قديما كنت تمر من أمامي كالعملاق..
و لم أكن أقو على إيقافك أو اللحاق ...
مصيري معك كان كأنه موج بحر سحيق الأعماق ..
رغم حبي.. رغم عشقي ..رغم الاشتياق ...
رغم وفائي ..رغم إخلاصي.. رغم المصداق...
رغم توحيمتك.. رغم الأرق.. رغم سوء الأخلاق ..
فلقد استطعت الوصال إليك و اللحاق ..
فتيقن أن حبي لك كان كحرب أمريكا على العراق..
و أنني بعد كل المعارك لم يكن مصيري معك سوى الإخفاق..
فأنت أمريكا ..و أنا العراق..
همس مع نفسه و قلبه يضطرب فرحا و نشوة و ذكرى و تقصيرا:” لعلها لم تأخذ لقاحا ضد التقصير في صغرها أو لعلني من أصيبت مشاعره بالتصلب و بفائض زائد من الوطنية ..؟ ”
أمسك قلما يتدلى منه قلب وردي يصدر عند تحريكه موسيقى عذبة كانت قد أهدته إياه أيام الثانوية و انهمك في تحرير خاطرة عنونها بــ:” رضوخ الأبله المغوار لشعاع ملكة الجمال و الجبال ” هذا مستهلها :
ألا قصري يا غيد الغيوم تقصيرا وانفخي و اصرخي في الأبواق..
يكفيني و يكفي الأطفال و الجبال لقاؤنا بعد طول اشتياق و فراق ..
إياك ثم إياك و الإخلاص واستعدي لأبشع عناق..
وأبشري فلقد هيأت لك التوازيع و المذكرة اليومية و كل الأوراق..
أنا لست العراق و أنت لست أمريكا أنت نهر أبي رقراق و أنا البراق..
أنت أنيسي أنت من سأصطاد و إياها الأرانب و الحجل و طيور اللقلاق ...
أنت من سأعلن و إياها – من هنا – على تدشين زاوية للعشاق..
و من يومها و ضجيج تلاميذ تلك الفرعيةالنائية يسمع على بعد عشرات الكيلومترات
-أو- ضمير ممنوع من الصرف
–أوـ أي عنوان آخر تشاؤون...
ـ نورالدين شكردة ـ
على الرغم من اعتراف الجيلالي بتقصيره و تقاعسه في أحايين كثيرة و بوحه الصادق باستهتاره الشبه الدائم بالمسؤولية الملقاة على عاتقه ، إلا أن *حنان* الأنثى التي وفدت حديثا على فرعيته المجهولة الاسم و المستقرة فوق أعالي جبال الريف أوضحت له الكثير من اللبس و جعلته يتوهم المثالية والإخلاص المفرط في عمله ...
حلت صبيحة يوم ضبابي بقوامها المتمدن و لباسها القصير الضيق ﴿اللزق ﴾و قوس قزح أخطأ مكانه فامتد بشعا على طول مساحة وجهها المكفهر . أبدى الجيلالي تجاهها استقبالا باهتا و حاول جاهدا أن يعكس لها مشاعر محايدة كاذبة ...فعزلته الأبدية بفرعيته/المسكن لأمد طويل جعلته يركن لسلوكيات بدائية محضة و يميل لأذواق غارقة في البداوة ... بل و بات يعتقد أنه يملك بين يديه مفاتيح عوالم الجن و المثل و الحقائق المطلقة ...
شهران من التدريس بالتناوب على مكتب نفس الفصل المفكك البناء أبدت خلالهما الوافدة من التخاذل و التقاعس و التمارض و التثاؤب ما لم يخطر على بال و ما لم يسبقه إليها إنسان . و توضحت خلالهما للجيلالي حقائق و مسلمات أمضى عقدا من الزمن و هو يسائل نفسه حولها و ها هي ذي تنط عليه نطا من نوافذ فرعيته/المسكن المحتلة ... .
” الأنثى هي سبب كل الفتن والمحن ومصدر كل الخلل والضرر″ خمن الجيلالي محللا و هو يدعك توحيمته : ” واضح أن الوافدة في ريعان مراهقتها ..و جلي أن استهتارها بالمسؤولية في أوجه..و الأكيد أن عواطفها بدأ يكتنفها الجفاف ونفسيتها الفتية المرهفة أبدت عن عدم استعداد ورفض مبدئي مسبق لفكرة تهجير و إخفاء جمالها و قوامها بين نتوءات هذا الوطن الجائر.. و لعل توترها الدائم و قضمها المستمر لأظافرها دليل قوي على أنها وفقت في ترجمة إحساسها بالمسؤولية و الواجب إلى إحساس بالظلم و الحيف و القلق و الترقب... و ها هي ذي المسكينة تحل ضيفة حزينة على عالم قروي ناكر للجميل غير عابئ بالجمال و القوام و الماضي المشرف لصاحبة أجمل أنف و أطول شعر بالثانوية و بمركز التكوين ... لعل المسكينة تفتقد متعا عدة، صديقها الحميم، بريدها الإلكتروني ، مسلسلاتها المفضلة ، شبكة الهاتف ..أضواء الإنارة التي تنعكس على شعرها و أرنبة أنفها فتجعلها تبدو أكثر حسنا و جاذبية .. شلة صديقاتها الحميمات و معجبيها و معاكسوها العديدون ... لكن هل يشفع لها كل هذا العبث تخاذلها المقيت و استهتارها الشنيع ببراءة عشرات البراعيم المتعطشين للحظات إخلاص في العمل و سويعات أرقام و حروف و أناشيد ، و هي التي لم تفتر عن تعنيف و تعذيب تلاميذها منذ حلت مبعدة كأنها إحدى مجرمات حرب البوسنة ...”
لملم الجيلالي شحوم توحيمته و اتكأ على ثقل ركبتيه.. فحافتي مكتبه ..جرجر رجليه المصابين بمرض الدوالي ..تذكر و هو في طريقه إلى السبورة ماضيه التربوي غير المشرف ، التقط أنفاسه و معها طبشورا أبيضا صادفه في طريقه . استند مترنحا على الجدار المؤدي إلى السبورة . كاد يستغيث بأحد تلاميذه لكي يتمم السير و إياه صوب الشرفة المطلة على الطريق غير المعبد الوحيد المؤدي للجماعة .. تأمل كرسيه بشوق جارف غير أن عزيمة التغيير كانت متقدة ووازع الواجب و الضمير كان حاضرا .
إحساس تاريخي بالوهن و التقصير يسيطر على سيالاته العصبية و الاخلاقية.
يعلم الجيلالي أكثر من غيره أن تفاعل و تجاوب تلاميذه و استيعابهم لإلقائه و شروحاته و هو واقف متحرك غيره تماما و هو لاصق جامد على كرسيه..
و يعلم أكثر من أي أحد آخر أن متعة الإخلاص في العمل لا تضاهيها متعة ، وأن اداء الواجب بمسؤولية و تفان و إتقان يخلف في النفس إحساسا بالرضى و الفخر و بنبل المهنة و عظمة الرسالة و بسلاسة الزمن و إنسيابية الوقت و براحة البال و الضمير ... تساءل معرضا عن ضجيج تلاميذه:
” الواجب والاخلاص وجهان لعملة واحدة ..إيمان صادق برسائل وقيم كونية . فلماذا يركن معلمينا ومعلماتنا للتمارض والتخاذل ؟ لماذا يولون أقسامهم الأدبار ويصدون صدا عن فضول وشغب وبراءة أطفالهم ؟ لابد وأن في الامر سر خفي . أيكون فتور الاحساس بالانتماء للوطن ؟ أيكون الراتب وما يطال صاحبه عندما يتسلمه من إحساس بالقهر والحيف ؟ أيكون هذا العبث في التسيير وغياب الرقابة والمحاسبة ؟ أيكون هذا الجو السياسي الملوث ؟ لقد صارت كهرباء الملل والاستهتار هي التردد الوحيد الذي يرتفع توتر تردده في أغلب المدارس والفصول...
هي شبكة من الأسباب و خليط من المسببات و هو وازع واحد و أوحد يعوز كل هؤلاء و أولئك و يعوزني أنا أيضا .. الوازع الديني و الذي بحضوره يحضر مبدأ الواجب شاخصا ماثلا كأنه ملك الموت حينا و كأنه رب العمل حينا آخر و كأنه الأنا الأعلى أحيانا كثيرة إلا أنه ليس كل ذلك ..”
عاد ليحاول إيجاد أعذار مقنعة تجعله يتعاطف مع هذه الوافدة الجديدة غير أنه لم يعثر على مبرر واحد يلين من موقفه السلبي تجاهها.. خمن بصوت مسموع: ” إذا لم تقو على هذه الظروف فلتغادر...هناك الآلاف ممن تمنين أنفسهن بامتلاك قسم و أطفال في عهدتهن ... نعم فلتغادر .. سأكتب لها نموذجا لطلب الاستقالة و سأدعه لها فوق المكتب منتظرا توقيعا صغيرا من سيادتها !”.
زوال الغد و على نفس المكتب وجد علبة شكولاتة و جهاز تسجيل بسماعتين و فوقه شريط حديث لإيليسا و خاطرة مهداة إلى روح توحيمته الوطنية جاء فيها :
قديما كنت تمر من أمامي كالعملاق..
و لم أكن أقو على إيقافك أو اللحاق ...
مصيري معك كان كأنه موج بحر سحيق الأعماق ..
رغم حبي.. رغم عشقي ..رغم الاشتياق ...
رغم وفائي ..رغم إخلاصي.. رغم المصداق...
رغم توحيمتك.. رغم الأرق.. رغم سوء الأخلاق ..
فلقد استطعت الوصال إليك و اللحاق ..
فتيقن أن حبي لك كان كحرب أمريكا على العراق..
و أنني بعد كل المعارك لم يكن مصيري معك سوى الإخفاق..
فأنت أمريكا ..و أنا العراق..
همس مع نفسه و قلبه يضطرب فرحا و نشوة و ذكرى و تقصيرا:” لعلها لم تأخذ لقاحا ضد التقصير في صغرها أو لعلني من أصيبت مشاعره بالتصلب و بفائض زائد من الوطنية ..؟ ”
أمسك قلما يتدلى منه قلب وردي يصدر عند تحريكه موسيقى عذبة كانت قد أهدته إياه أيام الثانوية و انهمك في تحرير خاطرة عنونها بــ:” رضوخ الأبله المغوار لشعاع ملكة الجمال و الجبال ” هذا مستهلها :
ألا قصري يا غيد الغيوم تقصيرا وانفخي و اصرخي في الأبواق..
يكفيني و يكفي الأطفال و الجبال لقاؤنا بعد طول اشتياق و فراق ..
إياك ثم إياك و الإخلاص واستعدي لأبشع عناق..
وأبشري فلقد هيأت لك التوازيع و المذكرة اليومية و كل الأوراق..
أنا لست العراق و أنت لست أمريكا أنت نهر أبي رقراق و أنا البراق..
أنت أنيسي أنت من سأصطاد و إياها الأرانب و الحجل و طيور اللقلاق ...
أنت من سأعلن و إياها – من هنا – على تدشين زاوية للعشاق..
و من يومها و ضجيج تلاميذ تلك الفرعيةالنائية يسمع على بعد عشرات الكيلومترات
تعليق