أحلام لا تموت

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • سامر عبد الكريم
    أديب وكاتب
    • 22-11-2010
    • 95

    أحلام لا تموت


    حين أجالسه... أميل إلى الصمت... إلا من تساؤلات تنقلنا إلى شرفات أخرى...‏

    كان يرنو بعينين مجعدتين نحو شجرة تين أمامه... مغلفاً بظل أوراق كرمة تمددت أغصانها أعلاه وتدلت عناقيدها... وذقنه الحاد يستريح على كفين تقبضان على عكازه الواقف على مصطبة غافية كقط أليف عند جدران طينية تغمرها أشعة شمس صيفية.... جلست قربه... بدا غير منتبه لوجودي...‏
    والصمت يلفنا....‏

    في أي الموانئ تلقي مرساتك الآن؟؟؟ تساءلت وعيناي تراقبان سكونه...‏

    ربما... والسنين تتراكم... ننحني تحت وطأتها... نصبح أقرب إلى أرض تنتظرنا....‏
    نظل نشتهي الوقوف على أطلالنا... بقايا أحلامنا... نستعيد صورنا العتيقة... دروبنا القديمة...

    ببطء تسربت كلماته:
    ذات مساء شتائي... ومن خلف نافذتي... كنت أراقبها...‏
    عارية كانت... ووحيدة....‏
    صباحاً... سرت نحوها... وكعادتنا لا نجيد غير البكاء... انهمرت دموعي...‏
    كم كانت مبللة.. فقدت بعض أغصانها... غير أنها بدت سعيدة بنور يتسرب خلال غيوم رمادية...‏

    ربما لو ملكت ساقين... لرأيتها إلى جوارك تراقب المطر وتصغي إلى ريح غاضبة..!!‏

    أليس كذلك يا جدي...؟؟؟ سألته...‏

    مال برأسه نحوي... وبنظرات حادة... أجابني:‏

    -ولو ملكت جناحين أيضاً... ألن يكون أفضل؟؟؟!!‏

    سيحملانها إلى بلاد لا تغيب عنها الشمس... أليس كذلك!!؟..‏

    سألني وأنا أكتم ضحكة كادت تفر مني... شجرة تطير...‏

    وتابع دون أن ينتظر ردي:‏

    -لا تهزموا أنفسكم يا ولدي.... لا تجتهدوا في إيجاد مبررات تخدركم...‏

    لا تقتلوا ذواتكم... لا ترفعوا جدراناً عالية على أحلامكم...‏
    وأنهى كلامه وهو يشير بسبابته إلى رأسه الأشيب...‏

    كل شيء يبدأ من هنا يا ولدي...‏

    -ولكن ما الذي تستفيده الشجرة..؟؟؟ سألته..‏

    -ماذا تقصد..؟؟‏

    -أعني أنها لن تأكل من ثمارها... تحترق تحت الشمس وتظلل غيرها....‏

    -إذاً علينا أن نرميها بالحجارة....... أليس كذلك..؟؟؟؟‏

    وبسخرية أضاف:‏

    -الساقطة... تثمر لغيرها... وينعم الآخرون بفيئها..‏

    ربما عليها أن تصبح كتلة أغصان يابسة... حطباً.. وقوداً لنار لا تختارها.. حتى تعجبنا..!!! الأشجار لا تحلم بأن تصبح رماداً...‏

    صمت لثوان قبل أن يتم كلامه...‏

    -لسنا كائنات محكومة بحاجات الجسد فقط....‏

    إننا كائنات حالمة.... تحب أن تنظر إلى طفولتها بعينيها الكهلتين من علِّ... لا أن تموت حيث ولدت... ليست سوى حياة واحدة يا ولدي... فلتكن ذات معنى.... لا أن تمحي الأمواج آثارها...‏

    غادرتني عيناه إلى كروم تتهيأ للقطاف...‏

    بعض الرجال يتحولون في كهولتهم إلى أبطال ماضيهم... فتظن وأنت تصغي إليهم... أن الحياة كانت ستتوقف لولا وجودهم... تبدي اهتماماً... تُجحظ عينيك.... وترسم وجهاً ذاهلاً تغمره الدهشة... لكل ما قالوه أو فعلوه في شبابهم... تدرك أنهم يحدثونك عنهم كما كانوا يشتهون... كما أرادوا أن يكونوا...‏

    لكنه كان مختلفاً...‏

    بدا كهلاً يجلس على حطام ماضٍ لا يريده أن يتكرر...‏

    -هل كنتم أشجاراً....؟؟؟؟؟ سألته...‏

    عانقتني عيناه... بينما كان سرب من حمام أبيض يغادرنا مبتعداً... وبكلمات مبللة بالحزن أجابني...‏

    -يا ولدي... نحن ماضيكم... عبرناه ولم نترك خلفنا إلا تجاربنا الفاشلة وطريقاً مشيناه ونعرف أين يفضي... ونحن مستقبلكم... إذا وطأتم آثار أقدامنا....‏

    وتابع وهو يهم بالوقوف:‏

    -الحكمة تقتضي أن تستفيدوا من تجارب الآخرين.... أليس كذلك؟؟؟‏

    وقفت... أراقبه.... والشمس تذيب ظلاً كان يغمرني...‏

    مشى على مهل... جلس مستنداً إلى جذعها... وعيناه معلقتان بنافذة مغلقة..‏

    ربما يطلب مغفرة عما حدث ذات مساء شتائي......‏


    سامر عبد الكريم المنصور

    Blogger is a blog publishing tool from Google for easily sharing your thoughts with the world. Blogger makes it simple to post text, photos and video onto your personal or team blog.
    http://shurofat.blogspot.com
  • وفاء الدوسري
    عضو الملتقى
    • 04-09-2008
    • 6136

    #2
    الساقطة... تثمر لغيرها... وينعم الآخرون بفيئها..‏ ربما عليها أن تصبح كتلة أغصان يابسة... حطباً.. وقوداً لنار لا تختارها.. حتى تعجبنا..!!!
    الأشجار لا تحلم بأن تصبح رماداً...‏
    صمت لثوان قبل أن يتم كلامه...‏-لسنا كائنات محكومة بحاجات الجسد فقط....‏إننا كائنات حالمة.... تحب أن تنظر إلى طفولتها بعينيها الكهلتين من علِّ... لا أن تموت حيث ولدت... ليست سوى حياة واحدة يا ولدي... فلتكن ذات معنى.... لا أن تمحي الأمواج آثارها...

    أستاذ/سامر
    لأول مرة اقرأ لك وأعجبني سردك
    صدقاً كنت سوف اخسر كثيراً لو غاب عني هذا الجمال
    نص مليء بالحكمة يدل على تمكن وقدرة رائعة على الإبداع
    شكراً لقلمك
    تحية طيبة
    التعديل الأخير تم بواسطة وفاء الدوسري; الساعة 23-11-2010, 15:44.

    تعليق

    • سامر عبد الكريم
      أديب وكاتب
      • 22-11-2010
      • 95

      #3
      أستاذ/سامر
      لأول مرة اقرأ لك وأعجبني سردك
      صدقاً كنت سوف اخسر كثيراً لو غاب عني هذا الجمال
      نص مليء بالحكمة يدل على تمكن وقدرة رائعة على الإبداع
      شكراً لقلمك
      تحية طيبة
      شكرا لك ولردك الطيب .. وكم كنت ساخسر ..أنا أيضاً ..لو لم أجد ردك على قصتي ..
      www.shurofat.blogspot.com
      http://shurofat.blogspot.com

      تعليق

      • آسيا رحاحليه
        أديب وكاتب
        • 08-09-2009
        • 7182

        #4
        أسجّل إعجابي ..
        تحيّتي لك
        .
        يظن الناس بي خيرا و إنّي
        لشرّ الناس إن لم تعف عنّي

        تعليق

        • محمد فطومي
          رئيس ملتقى فرعي
          • 05-06-2010
          • 2433

          #5
          قصّة موفّقة إلى حدّ بعيد.
          بل كأنّي بالسّارد أيقن بأنّ الحكمة لا تنتزع من أصحابها إلاّ غلابا،فراح يتفنّن في استفزاز الجدّ على نحو مقصود لتحريضه على الكلام.
          يمتلك الجدّ الحكمة ،هذا صحيح،لكن لا ننسى أنّ السّارد أيضا بدا مسيطرا بارعا في استبطان مادّتها.
          مودّتي لك.
          كان الحوار ذكيّا و النصّ متقن أستاذ سامر.فنصوص كهذه أعتبرها صعبة للغاية من حيث حفاظ الكاتب على أدبه من السّقوط في فسح المجال للآخر للحديث بصورة مفبركة و مفضوحة.
          هناك سرّ جعلك تحيد عن هذا الشّرك،و أظنّه عفويّة القصّ و صدق الطّرح.
          مدوّنة

          فلكُ القصّة القصيرة

          تعليق

          • سامر عبد الكريم
            أديب وكاتب
            • 22-11-2010
            • 95

            #6
            أسجّل إعجابي ..
            تحيّتي لك .
            أشكرك سيدتي على ردك
            http://shurofat.blogspot.com

            تعليق

            • سامر عبد الكريم
              أديب وكاتب
              • 22-11-2010
              • 95

              #7
              قصّة موفّقة إلى حدّ بعيد.
              بل كأنّي بالسّارد أيقن بأنّ الحكمة لا تنتزع من أصحابها إلاّ غلابا،فراح يتفنّن في استفزاز الجدّ على نحو مقصود لتحريضه على الكلام.
              يمتلك الجدّ الحكمة ،هذا صحيح،لكن لا ننسى أنّ السّارد أيضا بدا مسيطرا بارعا في استبطان مادّتها.
              مودّتي لك.
              كان الحوار ذكيّا و النصّ متقن أستاذ سامر.فنصوص كهذه أعتبرها صعبة للغاية من حيث حفاظ الكاتب على أدبه من السّقوط في فسح المجال للآخر للحديث بصورة مفبركة و مفضوحة.
              هناك سرّ جعلك تحيد عن هذا الشّرك،و أظنّه عفويّة القصّ و صدق الطّرح.
              الأستاذ محمد فطومي ...
              شكرا لك على الرد الجميل .. وتحليلك العميق للقصة..
              تحية لك
              Blogger is a blog publishing tool from Google for easily sharing your thoughts with the world. Blogger makes it simple to post text, photos and video onto your personal or team blog.
              http://shurofat.blogspot.com

              تعليق

              • إيمان الدرع
                نائب ملتقى القصة
                • 09-02-2010
                • 3576

                #8
                من ذاكرة عام 2010
                تحيّاتي أستاذ سامر ...
                وكلّ عامٍ وأنتم بخيرٍ

                تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدود

                تعليق

                • سامر عبد الكريم
                  أديب وكاتب
                  • 22-11-2010
                  • 95

                  #9
                  من ذاكرة عام 2010
                  تحيّاتي أستاذ سامر ...
                  وكلّ عامٍ وأنتم بخيرٍ
                  الرائعة والمبدعة دائماً ..ايمان..
                  شكرا لك ..
                  وكل لحظة من لحظات عمرك وأنت بألف خير..
                  http://www.shurofat.blogspt.com
                  http://shurofat.blogspot.com

                  تعليق

                  يعمل...
                  X