نزار قباني.. وطن متمرد على الحدود
خرج نزار من الوجع العربي في أزقة دمشق.. حين كانت فؤوس القبيلة تتربص بسيقان الورود.
ومثل نبي في غابات الكبت والحراموالممنوع راح ينحت من جذوع عيوبها "خوازيق" لأبي زيد الهلالي ..وحفاة الخليج.. والسياف "مسرور".
والتف جيش من المراهقين حوله وراحوا سرا يقومون بتهريب عيونه و شفتيهوأصابعه كيلا تقع في أيدي الانكشاريين.. والسلفيين و حراس الذكورة.
ونبتت قصائدنزار في زوايا كل البيوت.. وأزاحت الستائر في غرف الحريم.. وأدخلت الشمس والهواء النظيفإلى أقبية شهريار .. وحرضت العبيد والإماء على القفز فوق العباءات وطناجرالضغط.
إن ملاعق الذهب التي فطم فيها نزار.. وبدلات "السموكين" التي سكنها.قده المياس..وأختام القنصليات التي أخذت شكل أصابعه لطول الاستخدام.. و وزارة الخارجية التي حصنته من أوبئة "زعرانالحارة".. كل هذه لم تفسد شهيته في النزول إلى الأزقة والمنعطفات العفنة ليأخذعينات لمختبره .. ليقيم عليها تجارب أوزانه وقوافيه ثم يقدم نشرات التحليل علنا في دواوين ملونة
ونحن مهما كابرنا.. وادعينا العفة.. وترفعنا عن نرجسية قصائده.. ستجدنا هناك نحوم فوقسطوره.. ونخرج من رخام كلماته.. وتفضحنا رائحة القرن السابع للميلاد ونحن نختبئ خلفقوافيه.
إن نزار لم يخلع الثياب عن نسائنا- كما يدعي بعضهم- بل عرّى فحولتنا المزيفة.. وكنسالغشاوة المتراكمة فوق عيوننا.. وأخرجنا من زيف بني أمية.. وصادر السوادالعباسي من شبابيكنا.. ووزع علينا الفساتين الملونة لنهديها إلى صبايانا.. ودلناعلى سوق علب المكياج ودكان الورود.. وأوصانا أن الورود ليست فقط للمقابر كماعودونا.. وسرب إلينا كراريس الغزل ومحو الأمية في الأنثى.. وغسل لنا أيدينا من زفروشحوم البادية كيلا "نلطخ" بها نهود نسائنا بعد المغيب.
ولأول مرة نكتشف نحن ورثةالمماليك والعثمانيين أن المرأة ليست "طست غسيل" آخر الأسبوع.. ولا "حلة طبيخ عيدالفطر" ولا حتى "ماكينة تفريخ" آخر السنة.
لأول مرة نراها مزهرية أنيقة تزين أركاننوافذنا.. وخزان عطر يتدفق في صحن الدار يراقص حبال الياسمين.. وصدرا حنونا نبكي عليه بعد أن كنا نجلده بالبكاء.. وغدت إيقونة نطلب رضاها بعد أن كانت تحتار في إرضائنا.
لقد فك لنا نزار قباني ـ رحمه من استعاره من الدنيا لتتغنى بأشعاره حوريات الآخرة ـ لقد فك لنا رموز الشيفرةلحل هذا اللغز الذي يدعى "المرأة" كي نتعامل معها بشكل حضاري ورقيق.. وليس بالطريقةالتقليدية المتوارثة واستخدامها بحماقة وجهل وبربرية.. ونتلقى رد الفعل، لا أن نغرس فيهاالفعل ونرميها في منتصف المشوار الغريزي ونغفو كالثيران تاركين لها أرق المعاناة وشخيرنا المقيت.
إن قصائد نزارمفصلة على تضاريس جسد الأنثى كمحاضرات لتثقيف الذكور.. وخارطة لمعالم المرأة السياحية.. بتكنولوجيا نهديها.. ومزارع العسل في شفتيها.. ومنتجعات الاستجمام في عينيها. لقدأوصلنا نزار إلى باب المدرسة.. وأوصى البواب فينا بعد أن مشط شعرنا.. ودس لناالسندوتشات والسكاكر في عب الكتب.. وراجع لنا دروسنا ورحل..
نعم رحل..
وما اصطبرعلى تخرجنا..
مثل كل الأنبياء..
الذين يحترفون العطاء بلا مقابل..
ويهدرون التسامح لأنه أعلى درجات الرقي..
ولذا يعيشون أبدا..
هل تطلبين مني حساب حياتي
إن الحديث يطول يامولاتي
كل العصور أنا بها فكأنما
عمري ملايين من السنوات
تعليق