" الليل لايخشى العتمة"
كانت تمطر لعناتها على زمن البسكويت والنايلون الذي زخ عليها بهذا الرجل الخلطة.. خلطة من العيوب والآثام والعفن الآدمي..
تزوجت به في ضبابية القهر التي لم تكن في مأمن منها فمكنات تفريخ الشائعات لدى نسوة حيها لاتتعطل ولاتحتاج إلى إجازة ، وشفرات الفرم التي تديرها ألسنتهن ويشحمها أشباه الرجال..لا تترك ولاتذر..
وكثيرات يلجأن للزواج لردم الشائعات..وهي احداهن.
تزوجت لتتفادى هرسها تحت سنابك النميمة لكنها الآن نادمة على فعلتها لأن العيش مع الخلطة يفرمها كل يوم..وغدت " خرقة خانم"..كما تسميها نساء الحي الآن.
هذا اللقب علق بها بعد زواجها..وتاقلمت معه بمرور الزمن قائلة لنفسها:
- " الليل لايخشى العتمة" !
كانت تمضي أيامها بشكل ممل وساذج حتى لم تعد تميز أيام الأسبوع عن بعضها بعضا وكذلك الشهور غدت لونا واحدا ورتما باهتا..
الحياة بالنسبة لها رمادية رمادية..وتساوت لديها كفتا العيش والموت..
لكنها لن تذهب إلى الموت حافية بل ستأخذ معها زوجها كزوادة طريق..
تلك هي العدالة..
راحت تخطط للموت الثنائي..لا الموت عشقا كروميو وجولييت بل الموت كرها.
دست السم القاتل في طعام العشاء..وجلست تلاصق زوجها في عشائهما الأخير.. وعندما شرعا يغمسان اللقمة الأولى رن جرس الباب فأمرها أن تنهض لترى من بالباب ..
كان الطارق جارتها التي تستدعيها كلما جاءها زوار لتقوم على خدمتهم..
فصاح الزوج وهو يبتلع لقمة أكبر من فمه:
- روحي معها بسرعة وقومي بالواجب.
في اليوم التالي عادت من المقبرة وحيدة بعد أن طمروا زوجها المتوفي بالسكتة القلبية جراء التهامه وجبة أدسم من جشعه..
جلست على الأريكة تتأمل وحدتها الكئيبة..
لاحظت أن اللون الرمادي بدأ يميل إلى البياض..
والجدران تستأنس بها..
والأواني تتحرش بيديها..
والكراسي تغازلها..
والنوافذ تشدها نحو النور.
ورموشها تصفق فرحا..
وأسنانها تتكشف للنور..
وشفتاها تمتدان في ابتسامة واسعة..
فتنهدت وقالت:
- أه كم الحياة حلوة..
واكتشفت أخيرا أن الليل لايخشى العتمة لكنه يرتعش مع زحف أولى خيوط النور.
تعليق