سوق البالة*
مديري رجل متواضع . نعم يخطر بملابسه الأنيقة كالطاووس ، ويرمقنا نحن صغار الموظفين من أرنبة أنفه
ولا يكاد يتكلّم معنا إلاّ بالإشارة . لكننا والحق يُقال أننا أذكياء ، وينطبق علينا المثل القائل " اللبيب من الإشارة يفهم "
طبعا ، هذا الذكاء لم نولد به ، ولم يهبط علينا من السماء هبة مجانية . لقد دفعنا الثمن كي نصل إليه . لقد دفعنا ثمنه
من كرامتنا التي قام مديرنا الحبيب بمرمغتها بالأرض حين كنا نقوم بعمل لا يتفق مع رؤيته . لقد دفعنا ثمنه كوابيس
في أحلامنا ، ومن لقمة عيشنا يوم كان يخصم من رواتبنا بسبب بعض الأخطاء البسيطة التي لو مرّت على غيره
من المدراء كانت لا تحسب ، لكن لأن مديرنا فَطِن وحازم ونحبه ويحبنا ، كان يعتبرها من الأمور الجلل وتستحق العقاب .
أذكر ذات يوم ، وكان يوما مشهودا . حين قام باختياري كي أنوب عن الموظفين بحضور حفل زفاف ابنته الوحيدة
ومن البديهي أن يكون حفلا فائق الفخامة ، احترت ماذا ألبس لهذه المناسبة ، ولم يكن عندي خيار سوى أن أذهب
لسوق البالة وأشتري بدله معقولة الثمن . ولحظي التعيس لم أعثر على واحدة بمقاسي ، وليست على الموضة أيضا ،
رجوت جاري - الترزي - أن يُبْرِز مواهبه في فن القص والخياطة . فبذل مجهودا خارقا كي يقيّفها على مقاسي .
وكمّن دُلِقَ عليه سطلا من الماء البارد ، وقفت ارتجف وأمسح العرق المتصبب من جبيني حين أمسك بي حرّاس المدير
الأمنيين " البودي غاردز " كجرذ مقرف ، ومنعوني من الدخول إلى صالة الحفل . لظنّهم بي أنني متسول أو شحاذ .
رغم ذلك لم تتزعزع مكانة مديري وحبي له في نفسي . وخصوصا أنه قد قام بالاعتذار لي عن سوء الفهم الذي حصل .
وجاء اليوم الذي أرد له محبته لي بمحبّتين . فقرّرت يا جماعة الخير أن أعزم مديري على حفل زفاف ابني .
نعم سوف يحضر ، وما الذي يمنعه من الحضور ؟ وهي رد لعزومته على أي حال .
قمت بالتنبيه على جميع الذين عزمتهم إلى العرس ، وأخبرتهم أن مديري سوف يشرفنا بحضوره ، وبالتالي عليهم أن
يكونوا على أتم استعداد وأن يلبسوا لباسا أنيقا وعلى الموضة . كما قمت أيضا بزرع مخبرين على باب الصالة ،
يمنعون أي إنسان غير مرغوب به من الدخول والترحيب بالضيف المقصود .
جلست خلف مكتبي في اليوم التالي لحفل زفاف ابني ، وأنا أهلوس مع نفسي كالعادة :
ــ أنا أسأل المدير لماذا لم تحضر حفل زفاف ابني ؟ من أنا ؟ أنا غلبان ! للمدراء مسؤوليات جسام ولا يعيرون لهذه
الأمور إي اهتمام .
وإذا بالمدير أمامي . رمى ورقه كانت بيده في وجهي وقال بغضب :
ــ أنت مطرود من العمل .
كدت أسأله ، لماذا ؟ لكني بلعتها فهو أدرى بمصلحته. ثم أردف قائلا والزبد يتطاير من فيه :
ــ لقد مَسَحْتَ بكرامي الأرض . كيف تأمر يا - هلفوت - رجال عصابتك أن يمسكوا بي كالجرذ على باب الصالة
ويمنعونني من الدخول ؟ وأنا الذي احترمت رغبتك بالحضور وقمت باختيار ملابس متواضعة اشتريتها خصيصا
من سوق البالة لأحضر بها عرس ابنك كي لا أحرجك بملابسي الفخمة غالية الثمن ؟
مديري رجل متواضع . نعم يخطر بملابسه الأنيقة كالطاووس ، ويرمقنا نحن صغار الموظفين من أرنبة أنفه
ولا يكاد يتكلّم معنا إلاّ بالإشارة . لكننا والحق يُقال أننا أذكياء ، وينطبق علينا المثل القائل " اللبيب من الإشارة يفهم "
طبعا ، هذا الذكاء لم نولد به ، ولم يهبط علينا من السماء هبة مجانية . لقد دفعنا الثمن كي نصل إليه . لقد دفعنا ثمنه
من كرامتنا التي قام مديرنا الحبيب بمرمغتها بالأرض حين كنا نقوم بعمل لا يتفق مع رؤيته . لقد دفعنا ثمنه كوابيس
في أحلامنا ، ومن لقمة عيشنا يوم كان يخصم من رواتبنا بسبب بعض الأخطاء البسيطة التي لو مرّت على غيره
من المدراء كانت لا تحسب ، لكن لأن مديرنا فَطِن وحازم ونحبه ويحبنا ، كان يعتبرها من الأمور الجلل وتستحق العقاب .
أذكر ذات يوم ، وكان يوما مشهودا . حين قام باختياري كي أنوب عن الموظفين بحضور حفل زفاف ابنته الوحيدة
ومن البديهي أن يكون حفلا فائق الفخامة ، احترت ماذا ألبس لهذه المناسبة ، ولم يكن عندي خيار سوى أن أذهب
لسوق البالة وأشتري بدله معقولة الثمن . ولحظي التعيس لم أعثر على واحدة بمقاسي ، وليست على الموضة أيضا ،
رجوت جاري - الترزي - أن يُبْرِز مواهبه في فن القص والخياطة . فبذل مجهودا خارقا كي يقيّفها على مقاسي .
وكمّن دُلِقَ عليه سطلا من الماء البارد ، وقفت ارتجف وأمسح العرق المتصبب من جبيني حين أمسك بي حرّاس المدير
الأمنيين " البودي غاردز " كجرذ مقرف ، ومنعوني من الدخول إلى صالة الحفل . لظنّهم بي أنني متسول أو شحاذ .
رغم ذلك لم تتزعزع مكانة مديري وحبي له في نفسي . وخصوصا أنه قد قام بالاعتذار لي عن سوء الفهم الذي حصل .
وجاء اليوم الذي أرد له محبته لي بمحبّتين . فقرّرت يا جماعة الخير أن أعزم مديري على حفل زفاف ابني .
نعم سوف يحضر ، وما الذي يمنعه من الحضور ؟ وهي رد لعزومته على أي حال .
قمت بالتنبيه على جميع الذين عزمتهم إلى العرس ، وأخبرتهم أن مديري سوف يشرفنا بحضوره ، وبالتالي عليهم أن
يكونوا على أتم استعداد وأن يلبسوا لباسا أنيقا وعلى الموضة . كما قمت أيضا بزرع مخبرين على باب الصالة ،
يمنعون أي إنسان غير مرغوب به من الدخول والترحيب بالضيف المقصود .
جلست خلف مكتبي في اليوم التالي لحفل زفاف ابني ، وأنا أهلوس مع نفسي كالعادة :
ــ أنا أسأل المدير لماذا لم تحضر حفل زفاف ابني ؟ من أنا ؟ أنا غلبان ! للمدراء مسؤوليات جسام ولا يعيرون لهذه
الأمور إي اهتمام .
وإذا بالمدير أمامي . رمى ورقه كانت بيده في وجهي وقال بغضب :
ــ أنت مطرود من العمل .
كدت أسأله ، لماذا ؟ لكني بلعتها فهو أدرى بمصلحته. ثم أردف قائلا والزبد يتطاير من فيه :
ــ لقد مَسَحْتَ بكرامي الأرض . كيف تأمر يا - هلفوت - رجال عصابتك أن يمسكوا بي كالجرذ على باب الصالة
ويمنعونني من الدخول ؟ وأنا الذي احترمت رغبتك بالحضور وقمت باختيار ملابس متواضعة اشتريتها خصيصا
من سوق البالة لأحضر بها عرس ابنك كي لا أحرجك بملابسي الفخمة غالية الثمن ؟
سوق البالة : هو المكان التي تُباع فيه الملابس القديمة بأسعار زهيدة .
تعليق