مداخلُ القلبِ لا تحتملُ أن تكونَ مخارج !
قلتَها .. ( حتٌى أنت ؟!) نعم سأوافقك .. حتى أنا لم أعرفني وأنا أبحثُ عن قناعٍ أختبئ في خيوطه لأخفي عني ما أرهق عيني ولم أبده لهم ، نعم أحكمتُ إغلاقَ وجهي جيداً ، ورنوتُ إلى زاوية مظلمة من الخوف ، وانطلقتُ ألعن الأشياء كما رأيتها قديماً وكما ترهقني الآن ، حينها لن يكون هناك متسعٌ لترى ما خفي من أمري سوى تكهناتٍ تطلقها ، يغلب عليها الظن ، أتظن حقاً يا صديقي أن ما تراه من تلك الوجوه يجعلكَ تبتسمُ جهلاً ؟! أو تطأطئ الرأس خجلاً ؟! أو تنافق غصباً ؟! هنا لن يكون متسع للحلم ليبدى سوأته لهؤلاء ، ولن تقبل مدرسة الحقيقة أي وافدٍ جديد قُـدِّرَ له أن يتخلف ويوسمه جنونه قناعاً جديدًا ، ليُعدٌ مارقاً عن غيره ممن نطحتهم الدنيا فارتجت المفاهيمُ في بواطن عقولهم ، هكذا دائماً وجدتهم ، وهكذا ألقاهم لم يكن لي من الأمر شيء سوى أنهم يأتون سريعاً ، يمرون سريعاً ، وتتكسر أمواج نيٌاتهم على شواطئ الغفران تحت أقدامي ويرحلون ، لا يتركون في الروح سوى ما يكفي للعيش بقية العمر في متٌسعٍ من الصمت ، ولا شيء غيره ، وإن لم يكن ؛ فبعضُ التلميع ضروري لتسير في الحياة مطيٌة لهم ، وما أقسى أن تنحني للغبار ليَعبرك / ليُغبِرك ، وما أقسى أن تنحني لهم وإن كانوا فقاعاتٍ على هيئة آدمية !
عذراً يا صديقي نسيتُ أن أخبرك ، يقولون أنني صديق صالحٌ للاستخدام ، وحتٌى أتجرد من حياتي السابقة ، سأمارس تشكيلَ ما يكون متوازناً مع الحياة بأفضلية ، ثمة تغيراتٍ بسيطة عليٌ إزالتها من فم النسيان ، عليٌ أن أبترني قليلاٌ وأقفُ على حافة متناقضاتٍ ثكلى بسمومٍ مُشوهة كي أتضح للجميع ذاتَ افتراء النفاق ، مفرداتي ليست كثيرة ، وعباراتي لا تُشكلُ عائقاً ، فالمِلق ومرتادوها قد اعتادوا فرك الأحذية ووضعها فوق رؤوسهم ، أنا فقط من عليٌ الاعتياد والتعوٌد ..
لازلتُ أرقعُ من الحرية خرقًا تزيدُ من غرسِ قدمي في الرمال ، وما الرمال إلا ساحة لاحتمالِ الأسى حين يشتعلُ الصمتُ فيمرٌ من عين الشمس ليخترقَ الرداء ، ويظلٌ صدري عارياً من الأشياء ، والسائرون على وجوههم يلامسون السحاب ، في مظاهر/ مناظر هشٌة ما إن ألامسها حتى تتكسر عن حقيقتها كوحلٍ يتراءى للظمآن ماءً حتٌى إذا جاءها أصابته رائحتها من بُعدٍ فينفرُ منها وجلاً ثم يرحلَ غيرَ آسف لاعناً الطريق الذي قاده إليه .
مازالت الكلمة ترهقني كلٌما دنت إلى أذني ( حتٌى أنت ! ) نعم يا صديقي إنها تقصٌ خمائل من الألم وتلقيها على صدري كلما امتلأت به ، كما تمتلئ بي حورية السحاب ، تلك الطفلة التي لا تزالُ الروح تشرب من مدادها كلما لاح تعاظم الغربة دون الوطن !
كلما لاح تعاظم الطيف دون حقيقة وجودها ، ولا أزالُ صديقاً للأرصفة حين تناشدني الاتكاء على صدرها، مواسيا لعناقيد الفراق مذ امتدت في فراغات الوجود كالهواء !
ولا أزالُ أصادق الشوارع ، تستقبلني ظلمة الليلِ متهللة ، فأعبس في وجهها فترميني بجمالِ الأفق فأبتسم لمصالحتها .
يسألونني لماذا ترمي على وجهك الظلمة ؟
وهم لا يعلمون يا صديقي أنني حين أزيلها لا أرى سوى الظلمة ، ولا ألآمسُ سوى ظلمة الوجوه إذا ما أطلت من زوايا الخداع ، وقميصُ يوسف مذ ألقاه على وجه أبيه لم يلقه أحدٌ من بعده !
ويسألونني لماذا تباعدُ المسافاتِ حين تقترب ؟
وهم يعلمون أن الاقتراب خطر ، محفوفٌ بالمكاره ولكنٌه فضول النفس ، ففيه تشتعلُ ثلاث بثلاث ، فتنة بأنثى ، ومصلحة منافق ، وصداقة كاذب ، علام الاقتراب والاقترابُ خطر ؟؟!
ويسألوني كثيراً عنكَ يا صديقي فقلتُ ذاتَ غبطة : هذا ما اقترفته يداي ، وها أنتَ كما أنتَ وإني أعفيكَ من ظنونكَ حين تعلم أن طريقي ليست به فروع ، ولا تضيقُ بي الحارات ، كما أنا لن أكون أحداً غيري ولستُ مستعداً لأبيعني في سوق النخاسة ، علٌكَ أن تذكر ..
لا تسقطُ أجزائي أمامي ، ولا أبكي ضياعها ، لكنٌى أدفعُ ضريبة احتفاظي بكامل حقوقي الإنسانية كي لا أكون حيواناً بالتقليد / بالتعميد !
(مُذ أسلمتْ لي يدٌها والتيه يَقسِمُ وجهها
عبسَتْ قليلاً ثم ضحكت قلتَ:أنتَ ملكتها )
دائماً ستجدني في الليالي الباردة ، في الموانئ حين ترحل الرياح تؤنسُ وحدة السفن ، في مواسم صمتي المريرة ، في الحانة التي تبيع القهوة والتبغ وقطعة من الزمن تمثلُ دور الحياة عبر صرير بابها ، في السوق حين يتعالى صراخ الباعة وهم يتخطفون الزبائن يسلبونهم أموالهم طوعاً وكرها ، في الحارة القديمة ، في طائرٍ أرهقه التحليق وكلما رفا على غصنٍ عاجله الصيٌادُ بطلقة لم تصبه ، في تلك التي ترتل قطراتِ المطر على شفتيها وتحطٌ روحها على الشبابيكِ المليئة بالصبٌارِ لتصبغَ روحي بمرارةِ فقدها ، في بائعٍ عرفته قديماً كان جميلاً يهذي ببيعُ الدموع ، ستجدني ياصديقي رغماً عنٌي ، صديقٌ للاستخدام الآدمي ...
لأن المخارج موصدة ، لن يخرجَ من دخله !
تعليق