[align=center]"التَّناصْ " [/align]
{ 1ـ 2}
بين الحين والحين تنفجر علي صفحات الجرائد والمجلات قضايا السرقات الأدبية ـ قصة00 قصيدة 00 مسرحية أو حتى أغنية 00 الخ ، ويتنافس النُقَّاد والكُتَّاب في توضيح الفرق بين السرقة الاقتباس وتوارد الخواطر إلي آخر هذه المسميات دون حسم للمسألة أو اللجوء إلي التحليل العلمي المنهجي ، علي اعتبار أن النقد الحديث أصبح له مدارس و مناهج قائمة علي نظريات في الشرح والتفسير والتحليل والتأويل النقدي لكافة أنواع الإبداع يستخدمها النُقَّاد أداة في أساليبهم النقدية وهذه النظريات أسست لمصطلحات نقدية شاعت غرباً وشرقاً ومن بينها "التَّناصْ " الذي كان موضوع محاضرة الندوة الأسبوعية بيت ثقافة شربين بمحافظة الدقهلية ـ جمهورية مصر العربية ـ ألقاها الدكتور / فهمي عبد الفتاح أستاذ الأدب بكلية التربية جامعة المنصورة
يقول في كتابه { دراسات في الأدب واللغة } : " مصطلح التَّناصْ
مصطلح حديث أستخدم في الستينيات في أوربا بعد أن أشارت إليه "جوليا كرستينا "كمصطلح " النص المغلق " 1965
ـ النص ترحال للنصوص وتداخل نصي معها ، ففي فضاء معين تتقاطع وتتنافي ألفاظ عديدة مقتطعة من نصوص أخري ـ
وهو تطوير لفكرة الحوارية عند ميخائيل باختين 1895 ـ 1929و التَّناصْ في حوارية " باختين " ينتسب إلي الحوار ولا ينتسب إلي اللغة علي اعتبار أن اللغة أداة توصيل
فهو يستبعد العلاقات المنطقبة من دائرة الحوار ية ، وإذا أريد لهذه العلاقة أن تصبح حوارية يجب أن تتجسد من حروف ملفوظة تتمثل في كلمة لتعبير وأن يكون لها مؤلف أي خالق لهذا التعبير ، تبين هذه الكلمة موقفه وهو موقف محدد ذي معني تجاه إنسان آخر بشرط أن نحس فيه بوجود صوت لإنسان ربما هو المخاطب أو السامع أو المتلقي أو القارئ ، أي يصدم فيها صوتان اصطداماً حوارياً مع ملاحظة أن المخاطبة تكون مع الآخر بخلاف حديث النفس أو المناجاة الداخلية
والملاحظ هنا ، استخدام " باختين " لكلمة حوار بدلاً من النصْ ربما أن الحوار يحدث بين المبدع والمتلقي من خلال النصْ ، أثناء تفاعله معه 0
والحوارية هنا ظاهرة ملازمة لكل خطاب إنساني ، ولا يستثني من ذلك إلا أبونا آدم عندما خاطب الملائكة وأنبأهم بأسمائهم
كما أمره الله الذي علمه الأسماء كلها وهو أمر غيبي عنهم فلم يكونوا علي علم بهذه الأسماء الملفوظة
فقد خاطب سيدنا آدم عالماً بكراً خالياً من المخلوقات البشرية فكيف إذاً انتقلت كلماته إلي العالم البشري إن لم يكن قد أنجب ذرية متكلمة في حوارية متعددة اللغات واللهجات ستظل تتكلم إلي أن تقوم الساعة عندئذ يحصد الإنسان ما قاله اللسان 0
فالكلمة إذاً كانت قبل آدم " في البدء كانت الكلمة 0000 "
والرسالة المحمدية بدأت في غار حراء بحوار استهله جبريل 00 اقرأ 000 قال عليه الصلاة والسلام " ما أنا بقارئ00" ماذا كان سيقرأ؟ 00 الكلمة 00
"اقرأ باسم ربك الذي خلق 000 "الآية سورة العلق
ويرجع شيوع مصطلح التَّناصْ خاصة بعد ان استخدمه " رولان بارت 1910 ـ 1975 في مقال بعنوان " من الأثر الأدبي إلي النص " ثم نظرية " النص "
ومن تعريفاته للنص " هو نسيج من الاقتباسات والإحالات والأصداء من اللغات الثقافية السابقة أو المعاصرة التي تخترقه بأكمله وكل نص هو تناصْ ، والنصوص الأخرى تري فيه بمستويات متفاوتة وباسكال ليست عصية علي الفهم بطريقة أو بأخرى ، إذ نتعرف علي ما فيه من نصوص الثقافات السالفة والحالية ، فكل نصْ ليس إلا نسيجاً من خيوط كلمات وأفكار سابقة كتبها المبدع في نصه الحالي ، تعرض موزعة في النص كقطع ومدونات "[/color]
،فمكونات النص ونسيجه ما هو إلا استشهادات لنصوص سابقة كمواد متاحة للاستعانة بها عند الكتابة
ويقول الجاحظ : " الأفكار ملقاة علي قارعة الطريق ، الاختلاف يكون في طريقة تناولها فطريقة التناول تختلف من مبدع إلي آخر "
وتقول العبارة النقدية الشهيرة " ما الليث إلا عدة خراف مهضومة " أي أنه التهم مكوناته من غير جنسه فنتج شيء آخر
هكذا الأدب خلق شيء أدبي لم يكن موجوداً من مكونات ثقافات سابقة وحالية متاحة وموجودة أمام المبدعين قبل إبداعهم
{ 2ـ 2 } التَّناصْ في النقد العربي القديم
يتبع
الجزء الثاني
{ 2ـ 2 } التَّناصْ في النقد العربي القديم
لقد شغف العرب القدماء بالمفاضلة بين نصوص تربطها ببعض علاقة ما ، مثل المعارضات والتشطير 00الخ ، تلك العلاقة هي الفكرة التي يقوم مصطلح التَّناصْ
أدركه الشعراء القدامى من مفهومهم لهذه لفكرة قبل أن يتوصل إليها الغرب فيقول كعب بن زهير
[align=center]ما أرانا نقول إلا رجيعا / ومعاداً من قولنا مكرورا [/align]
ثم يأتي ليؤكد القاعدة و كعادة الشعراء استثني نفسه إذ يقول:
أنا السابق إلي ما أقوله 0 إذ القول قبل القائلين مقول
فالمتنبي لا يشكوا الشعراء القدامى بل من الشعراء الجدد الذين أتوا بعده ويأخذون من شعره ، فيقول مخاطباً ممدوحه:
[align=center]أجزني إذا أنشدت فإنما / بشعري أتاك المادحون مرددا
ودع كل صوتُُ غير صوتي فإنني / أنا الصائح المحكي والآخر الصدى[/align]
وفكرة الصوت والصدى أو الأصل والصورة أو التقليد ، كانت تصور طبيعة العلاقة بين النصوص عند شعراء العرب ، وأوضح لنا ابن طبطبا العلوي هذه المشكلة بقوله :
" والمحنة علي شعراء زماننا في أشعارهم أشد علي من كان قبلهم ، لأنهم سبقوا إلي كل معني 000فإن أتوا بما يقصر عن معاني أولئك ولا يربي عليها، لم يتلقى بالقبول وكان كالمطرح الملول 00"
وهو ينصح الشعراء الجدد بعد أن يقرؤوا الموروث ويحفظوا قصائد الشعراء القدامى يحذرهم من الإغارة عليها ، متوهمين أن مجرد تغير الأوزان والألفاظ يخفي معالم قصائد السابقون ، فالعرب قديماً عرفوا التَّناصْ كفكرة واستخدموه في المقارنة كمنظور جمالي وأخلاقي ، بينما نظرية التَّناص الحديثة في الغرب من حيث الهدف هو نسف المبادئ التي قامت عليها العقلية الأوربية الحديثة من رومانسية ورمزية وسريالية واتجاهات لا معقولة تزعم التفرد والإبداع المطلق وتعلي من قيمة الإنسان والعبقرية الفردية ، وفلسفة هذه النظرية قائمة علي رفض المثالي والشك في الحقيقة المطلقة تلك النظرية التي نمت وترعرعت في صراع معتقدي بين حرية وتسلط المعبد الكنيسة هذا المعتقد لا يؤمن إلا بحتمية الصراع مع الآخر متي وجدت القوة بل الأشد من ذلك رفض المقدس والتطاول علي ذات الله ، فإذا كانت الكتب المقدسة أسفار التوراة والإنجيل الذي طلبوا من الرب حفظها ، لم تسلم من التبديل والتحريف علي مر العصور علي الر غم من قدسيتها فما بالك بإبداع أدبي من صنع البشر ، لن يصل إلي حد الكمال مهما كانت براعة كاتبه
أي ان نظرية التَّناصْ تقضي علي فكرة العمل المكتمل المتفرد أو المثالي الذي لم يوجد مثله من قبل ولن يوجد بعده
وبعض لمحدثين العرب يرفضون المصطلح وغيره من المصطلحات الرأس مالية الغربية منها والشرقية الشيوعية أو الاشتراكية بل يرجعون إلي الأصول العربية والتي توافق الوسطية الإسلامية، احتواء وتفاهم لا صدام مع الآخر
فالغرب يعدون هذه المصطلحات فروعاً من معتقدهم الديني
فرع من شجرة خبيثة نتاج منهج معرفي لا وسطية فيه قائم علي فلسفات الفرد القوي المقدس السيد الأعظم ، تمجيداً يصل لحد العبادة بدأ من طالوط وداود وشمشون يؤمنون بالقوة كوسيلة لحسم الصراع مع الآخر لا تعايش سلمي معه
وتعد قضية السرقات الأدبية أكثر القضايا انشغالاً بالعلاقة بين النصوص ، يكشفها ناقد متخصص أو دارس أو واع بالحركة الثقافية والإبداعية يعد بمثابة المدعي العام للأدب واللغة وفق قانون أو قاموس الإبداع والذي شارك في وضع بعض مواد لائحته التنفيذية ابن رشيق حين قال :
"السرقات الأدبية باب متسع جداً لا يقدر أحد من الشعراء علي أن يدعي السلامة منه وفيه ـ باب السرقات ـ أشياء غامضة إلا عن أولي البصيرة والحاذقين بالصناعة الأدبية وفيه أشياء أخري أيضاً واضحة فاضحة ، لا تخفي علي الجاهل المغفل الذي يستغفله السارق ويقد له منتج أدبي مسلوب من مبدع آخر 00"
وطالما أن الناقد الحاذق يمثل الاتهام في جريمة السرقة ويجري تحقيقه في شفافية موضحاً مكان المسروق بالدليل المادي من مواد قانون العرب القدامى الموروث والذي استخدمه الناقد في تناوله النقدي للنصوص ومنها
"الاصطراف وهو نوعان 00 الاجتلاب أو الاستلحاق 00 والنوع لثاني الانتحال والإغارة والغصب و المرافدة و الاهتدام و النظر و الملاحظة والإلمام والاختلاس والموازنة والعكس و المواردة والالتقاط وكشف المعني والشعر المجدود وسوء الإتباع ونظم النثر وحل الشعر
وأضاف البديعي خمسة عشرة مادة اخري أحصاها ضرباً من السرقات بين محمود ومذموماً وهي " الاقتباس 00 والاكتفاء 00 والتلميح 00 والعنوان 00 والتوليد 00 والتضمين 00 والعقد 00والحل 00 ونقل الطويل 00ونقل الرذل إلي الجزل 00ونقل الجزل إلي الرذل 00والهدم 00والتكرير 00والمساواة 00والألتقاط 00وفضل السابق علي المسبوق 00 و رجحان المسبوق علي السابق 00 والتثقيل 00 والتخفيف 00والتقصير والنقل00 والحذو00 والكشف 00والتوارد 00والسابق 00 واللاحق 00والتناول 000 والتداول 000والتقفية 0000
تلك هي مواد الحماية القانونية ولكن العقوبة التي توقع علي السارق لم يصدر بشأنها قانون ولم ترد في قانون الحماية الفكرية ، ونقترح أن يكون العقاب بقانون أخلاقي من مادة واحدة هي
" التجريس " [/color
وهي العقوبة التي ابتدعها العثمانيون ، يعاقبون بها من يعارضهم ، ولا مانع من استخدمها طالماً أنها سوف تؤدي إلي حماية الإبداع ، ولتنفيذ هذه العقوبة يأُتي بمن ثبت سطوه علي أعمال أدبية للغير ، بأن يرتدي المذنب معطف بالمقلوب ثم يوضع علي ظهر أتانة صماء دون سرج ، ظهره لرأسها ، يقبض علي ذيلها وكأنه لجام ثم تسير به الصبية والغلمان في شوارع وحارات البلدة التي يسكنها مرددين ما كان يقوله الصبية في الزمان الماضي من أغاني وأهازيج
"الجرسه والفضيحة " علي أنغام الناي ودقات الطبول والدفوف
{ 1ـ 2}
بين الحين والحين تنفجر علي صفحات الجرائد والمجلات قضايا السرقات الأدبية ـ قصة00 قصيدة 00 مسرحية أو حتى أغنية 00 الخ ، ويتنافس النُقَّاد والكُتَّاب في توضيح الفرق بين السرقة الاقتباس وتوارد الخواطر إلي آخر هذه المسميات دون حسم للمسألة أو اللجوء إلي التحليل العلمي المنهجي ، علي اعتبار أن النقد الحديث أصبح له مدارس و مناهج قائمة علي نظريات في الشرح والتفسير والتحليل والتأويل النقدي لكافة أنواع الإبداع يستخدمها النُقَّاد أداة في أساليبهم النقدية وهذه النظريات أسست لمصطلحات نقدية شاعت غرباً وشرقاً ومن بينها "التَّناصْ " الذي كان موضوع محاضرة الندوة الأسبوعية بيت ثقافة شربين بمحافظة الدقهلية ـ جمهورية مصر العربية ـ ألقاها الدكتور / فهمي عبد الفتاح أستاذ الأدب بكلية التربية جامعة المنصورة
يقول في كتابه { دراسات في الأدب واللغة } : " مصطلح التَّناصْ
مصطلح حديث أستخدم في الستينيات في أوربا بعد أن أشارت إليه "جوليا كرستينا "كمصطلح " النص المغلق " 1965
ـ النص ترحال للنصوص وتداخل نصي معها ، ففي فضاء معين تتقاطع وتتنافي ألفاظ عديدة مقتطعة من نصوص أخري ـ
وهو تطوير لفكرة الحوارية عند ميخائيل باختين 1895 ـ 1929و التَّناصْ في حوارية " باختين " ينتسب إلي الحوار ولا ينتسب إلي اللغة علي اعتبار أن اللغة أداة توصيل
فهو يستبعد العلاقات المنطقبة من دائرة الحوار ية ، وإذا أريد لهذه العلاقة أن تصبح حوارية يجب أن تتجسد من حروف ملفوظة تتمثل في كلمة لتعبير وأن يكون لها مؤلف أي خالق لهذا التعبير ، تبين هذه الكلمة موقفه وهو موقف محدد ذي معني تجاه إنسان آخر بشرط أن نحس فيه بوجود صوت لإنسان ربما هو المخاطب أو السامع أو المتلقي أو القارئ ، أي يصدم فيها صوتان اصطداماً حوارياً مع ملاحظة أن المخاطبة تكون مع الآخر بخلاف حديث النفس أو المناجاة الداخلية
والملاحظ هنا ، استخدام " باختين " لكلمة حوار بدلاً من النصْ ربما أن الحوار يحدث بين المبدع والمتلقي من خلال النصْ ، أثناء تفاعله معه 0
والحوارية هنا ظاهرة ملازمة لكل خطاب إنساني ، ولا يستثني من ذلك إلا أبونا آدم عندما خاطب الملائكة وأنبأهم بأسمائهم
كما أمره الله الذي علمه الأسماء كلها وهو أمر غيبي عنهم فلم يكونوا علي علم بهذه الأسماء الملفوظة
فقد خاطب سيدنا آدم عالماً بكراً خالياً من المخلوقات البشرية فكيف إذاً انتقلت كلماته إلي العالم البشري إن لم يكن قد أنجب ذرية متكلمة في حوارية متعددة اللغات واللهجات ستظل تتكلم إلي أن تقوم الساعة عندئذ يحصد الإنسان ما قاله اللسان 0
فالكلمة إذاً كانت قبل آدم " في البدء كانت الكلمة 0000 "
والرسالة المحمدية بدأت في غار حراء بحوار استهله جبريل 00 اقرأ 000 قال عليه الصلاة والسلام " ما أنا بقارئ00" ماذا كان سيقرأ؟ 00 الكلمة 00
"اقرأ باسم ربك الذي خلق 000 "الآية سورة العلق
ويرجع شيوع مصطلح التَّناصْ خاصة بعد ان استخدمه " رولان بارت 1910 ـ 1975 في مقال بعنوان " من الأثر الأدبي إلي النص " ثم نظرية " النص "
ومن تعريفاته للنص " هو نسيج من الاقتباسات والإحالات والأصداء من اللغات الثقافية السابقة أو المعاصرة التي تخترقه بأكمله وكل نص هو تناصْ ، والنصوص الأخرى تري فيه بمستويات متفاوتة وباسكال ليست عصية علي الفهم بطريقة أو بأخرى ، إذ نتعرف علي ما فيه من نصوص الثقافات السالفة والحالية ، فكل نصْ ليس إلا نسيجاً من خيوط كلمات وأفكار سابقة كتبها المبدع في نصه الحالي ، تعرض موزعة في النص كقطع ومدونات "[/color]
،فمكونات النص ونسيجه ما هو إلا استشهادات لنصوص سابقة كمواد متاحة للاستعانة بها عند الكتابة
ويقول الجاحظ : " الأفكار ملقاة علي قارعة الطريق ، الاختلاف يكون في طريقة تناولها فطريقة التناول تختلف من مبدع إلي آخر "
وتقول العبارة النقدية الشهيرة " ما الليث إلا عدة خراف مهضومة " أي أنه التهم مكوناته من غير جنسه فنتج شيء آخر
هكذا الأدب خلق شيء أدبي لم يكن موجوداً من مكونات ثقافات سابقة وحالية متاحة وموجودة أمام المبدعين قبل إبداعهم
{ 2ـ 2 } التَّناصْ في النقد العربي القديم
يتبع
الجزء الثاني
{ 2ـ 2 } التَّناصْ في النقد العربي القديم
لقد شغف العرب القدماء بالمفاضلة بين نصوص تربطها ببعض علاقة ما ، مثل المعارضات والتشطير 00الخ ، تلك العلاقة هي الفكرة التي يقوم مصطلح التَّناصْ
أدركه الشعراء القدامى من مفهومهم لهذه لفكرة قبل أن يتوصل إليها الغرب فيقول كعب بن زهير
[align=center]ما أرانا نقول إلا رجيعا / ومعاداً من قولنا مكرورا [/align]
ثم يأتي ليؤكد القاعدة و كعادة الشعراء استثني نفسه إذ يقول:
أنا السابق إلي ما أقوله 0 إذ القول قبل القائلين مقول
فالمتنبي لا يشكوا الشعراء القدامى بل من الشعراء الجدد الذين أتوا بعده ويأخذون من شعره ، فيقول مخاطباً ممدوحه:
[align=center]أجزني إذا أنشدت فإنما / بشعري أتاك المادحون مرددا
ودع كل صوتُُ غير صوتي فإنني / أنا الصائح المحكي والآخر الصدى[/align]
وفكرة الصوت والصدى أو الأصل والصورة أو التقليد ، كانت تصور طبيعة العلاقة بين النصوص عند شعراء العرب ، وأوضح لنا ابن طبطبا العلوي هذه المشكلة بقوله :
" والمحنة علي شعراء زماننا في أشعارهم أشد علي من كان قبلهم ، لأنهم سبقوا إلي كل معني 000فإن أتوا بما يقصر عن معاني أولئك ولا يربي عليها، لم يتلقى بالقبول وكان كالمطرح الملول 00"
وهو ينصح الشعراء الجدد بعد أن يقرؤوا الموروث ويحفظوا قصائد الشعراء القدامى يحذرهم من الإغارة عليها ، متوهمين أن مجرد تغير الأوزان والألفاظ يخفي معالم قصائد السابقون ، فالعرب قديماً عرفوا التَّناصْ كفكرة واستخدموه في المقارنة كمنظور جمالي وأخلاقي ، بينما نظرية التَّناص الحديثة في الغرب من حيث الهدف هو نسف المبادئ التي قامت عليها العقلية الأوربية الحديثة من رومانسية ورمزية وسريالية واتجاهات لا معقولة تزعم التفرد والإبداع المطلق وتعلي من قيمة الإنسان والعبقرية الفردية ، وفلسفة هذه النظرية قائمة علي رفض المثالي والشك في الحقيقة المطلقة تلك النظرية التي نمت وترعرعت في صراع معتقدي بين حرية وتسلط المعبد الكنيسة هذا المعتقد لا يؤمن إلا بحتمية الصراع مع الآخر متي وجدت القوة بل الأشد من ذلك رفض المقدس والتطاول علي ذات الله ، فإذا كانت الكتب المقدسة أسفار التوراة والإنجيل الذي طلبوا من الرب حفظها ، لم تسلم من التبديل والتحريف علي مر العصور علي الر غم من قدسيتها فما بالك بإبداع أدبي من صنع البشر ، لن يصل إلي حد الكمال مهما كانت براعة كاتبه
أي ان نظرية التَّناصْ تقضي علي فكرة العمل المكتمل المتفرد أو المثالي الذي لم يوجد مثله من قبل ولن يوجد بعده
وبعض لمحدثين العرب يرفضون المصطلح وغيره من المصطلحات الرأس مالية الغربية منها والشرقية الشيوعية أو الاشتراكية بل يرجعون إلي الأصول العربية والتي توافق الوسطية الإسلامية، احتواء وتفاهم لا صدام مع الآخر
فالغرب يعدون هذه المصطلحات فروعاً من معتقدهم الديني
فرع من شجرة خبيثة نتاج منهج معرفي لا وسطية فيه قائم علي فلسفات الفرد القوي المقدس السيد الأعظم ، تمجيداً يصل لحد العبادة بدأ من طالوط وداود وشمشون يؤمنون بالقوة كوسيلة لحسم الصراع مع الآخر لا تعايش سلمي معه
وتعد قضية السرقات الأدبية أكثر القضايا انشغالاً بالعلاقة بين النصوص ، يكشفها ناقد متخصص أو دارس أو واع بالحركة الثقافية والإبداعية يعد بمثابة المدعي العام للأدب واللغة وفق قانون أو قاموس الإبداع والذي شارك في وضع بعض مواد لائحته التنفيذية ابن رشيق حين قال :
"السرقات الأدبية باب متسع جداً لا يقدر أحد من الشعراء علي أن يدعي السلامة منه وفيه ـ باب السرقات ـ أشياء غامضة إلا عن أولي البصيرة والحاذقين بالصناعة الأدبية وفيه أشياء أخري أيضاً واضحة فاضحة ، لا تخفي علي الجاهل المغفل الذي يستغفله السارق ويقد له منتج أدبي مسلوب من مبدع آخر 00"
وطالما أن الناقد الحاذق يمثل الاتهام في جريمة السرقة ويجري تحقيقه في شفافية موضحاً مكان المسروق بالدليل المادي من مواد قانون العرب القدامى الموروث والذي استخدمه الناقد في تناوله النقدي للنصوص ومنها
"الاصطراف وهو نوعان 00 الاجتلاب أو الاستلحاق 00 والنوع لثاني الانتحال والإغارة والغصب و المرافدة و الاهتدام و النظر و الملاحظة والإلمام والاختلاس والموازنة والعكس و المواردة والالتقاط وكشف المعني والشعر المجدود وسوء الإتباع ونظم النثر وحل الشعر
وأضاف البديعي خمسة عشرة مادة اخري أحصاها ضرباً من السرقات بين محمود ومذموماً وهي " الاقتباس 00 والاكتفاء 00 والتلميح 00 والعنوان 00 والتوليد 00 والتضمين 00 والعقد 00والحل 00 ونقل الطويل 00ونقل الرذل إلي الجزل 00ونقل الجزل إلي الرذل 00والهدم 00والتكرير 00والمساواة 00والألتقاط 00وفضل السابق علي المسبوق 00 و رجحان المسبوق علي السابق 00 والتثقيل 00 والتخفيف 00والتقصير والنقل00 والحذو00 والكشف 00والتوارد 00والسابق 00 واللاحق 00والتناول 000 والتداول 000والتقفية 0000
تلك هي مواد الحماية القانونية ولكن العقوبة التي توقع علي السارق لم يصدر بشأنها قانون ولم ترد في قانون الحماية الفكرية ، ونقترح أن يكون العقاب بقانون أخلاقي من مادة واحدة هي
" التجريس " [/color
وهي العقوبة التي ابتدعها العثمانيون ، يعاقبون بها من يعارضهم ، ولا مانع من استخدمها طالماً أنها سوف تؤدي إلي حماية الإبداع ، ولتنفيذ هذه العقوبة يأُتي بمن ثبت سطوه علي أعمال أدبية للغير ، بأن يرتدي المذنب معطف بالمقلوب ثم يوضع علي ظهر أتانة صماء دون سرج ، ظهره لرأسها ، يقبض علي ذيلها وكأنه لجام ثم تسير به الصبية والغلمان في شوارع وحارات البلدة التي يسكنها مرددين ما كان يقوله الصبية في الزمان الماضي من أغاني وأهازيج
"الجرسه والفضيحة " علي أنغام الناي ودقات الطبول والدفوف
تعليق