الدكتور /محمد النويهى ...وثورة الفكر (8)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبدالرؤوف النويهى
    أديب وكاتب
    • 12-10-2007
    • 2218

    الدكتور /محمد النويهى ...وثورة الفكر (8)

    مقالات مختارة من كتابات الدكتور /النويهى
    ******************
    القومية قبل العالمية

    [align=justify]فى هذا العهد الجديد الذى إنطلقنا إنطلاقاتنا الكبرى فى كافة ا لميادين ، سياسية وأقتصادية وإجتماعية وثقافية ، كان طبيعيا أن تمتلأ صدورنا بالآمال الجسيمة ، وأن نبتدىء فى التجاوز بتفكيرنا من المجال المحلى الضيق إلى المجال العالمى الرحيب وفى الميدان الثقافى خاصة تركز هذا الطموح الجديد على سؤال هام : كيف نستطيع أن نكتسب لأدبنا صفة عالمية شاملة ؟؟
    هذا نزوع مشروع وهو فى حد ذاته يبشر بالخير لكنى رأيت كثيرين يلتمسون إليه مسلكا خاطئا حين يهيبون بالأديب العربى المعاصر ان يضع هدف العالمية نصب عينيه وألايقتصر فى اهتمامه وتعبيره عن المشاغل ( المحلية المحددة ) بل يتناول ما يسمونه بالآمال الإنسانية العريضة وأن تتسع روحه حتى تتميز بما يسمونه ( الإنسانية الشاملة )وأن يدخل ما يسمونه ( التسابق الثقافى الدولى ) هذا فى إعتقادى مسلك ضار لأنه إن تحقق فلن يؤدى إلى ما يهدف من ( إنسانية شاملة ) بل سيفقد أدبنا العربى الجديد أى قيمة حقيقية ترجى له بين آداب العالم ، فالأديب الذى يحاول أن يجعل أدبه بهذه (السعة ) لن يحقق السعة التى ينشدها بل كل ما يحققه هو الضحالة والميوعة والسطحية ، أما الطريقة الوحيدة إلى إكتساب صفة العالمية فهى إتقان القومية لأن الطريقة الوحيدة للنفاذ إلى المشاعر والمخاوف والآمال البشرية المشتركة بين كل الأجناس والأمم فى أدب ناضج ذى قيمة عالية ،هى أن يقصر الأديب نفسه على ما يعرفه معرفة شخصية ويخبره خبرة مباشرة من آلام أمة بعينها وآمالها ومن مناظر طبيعية بعينها وخصائصها ومن شخصيات قوم معينين وأمزجتهم ونفسياتهم 0فإن أتقن استخلاصها وتعمق تحليلها وأجاد عرضها فإنه سيتعمق فى محليتها ، حتى يصل إلى الجذور الأساسية المشتركة بين جميع بنى البشر على إختلاف أجناسهم وأحوالهم، فالأدب والفن جميعه لا يعنى الكليات بل بالجزئيات المفصلة ولا يعنى بالعموميات بل بالخصوصيات ولايعنى بالتجريدات بل بالماصدقات ، أما الذى بالكليات والعموميات والتجريدات فالفلسفة وأقصى إهتمام الأدب بها أن يستخلصها من الدراسة الدقيقة والخبرة الشخصية الحية للأمثلة التحقيقية المعينة، والدليل على صحة دعواى هذه تجده فى أى أثر أدبى عالمى مشهور ، من قصيدة أو دراما أو قصة فستجد أن منشئها لم يحاول أول ما حاول أن يعبر عن (آلام الإنسانية وآمالها ) ولم يهدف إلى ( إنسانية عريضة شاملة ) ولو وضع نصب عينيه مثل هذا الهدف الغامض المشتت ، لما أنتج تحفة عالمية خالدة ,لما أنتج سوى بديهيات فئة، وشعارات مائعة ،وملا حظات سطحية تافهة، وإنما وضع نصب عينيه أن يصور مشاعر قوم معينين فى بيئة خاصة فى زمن محدد من أزمان التاريخ فى ظروف سياسية أو إقتصادية أو فكرية معينة يتأثرون بها ويرضون عنها أو يرضخون لها أو يثورون عليها ، لكنه لم يكتف بتقييد السطحيات من الأمور المحلية ولو أكتفى بهذا لكان أدبه ( محليا ) بالمعنى الردىء للكلمة أى أدب مقصور أهميته على بيئته وعصره المحدودين بل كان لهذا ا لأديب من نفاذ الذهن وتعمق البصيرة ودقة الإحساس ما مكنه من أن يتغلغل إلى الأعماق ، فلما تغلغل وصل ،_ دون أن يقصد هذا فى المحل الأول_ إلى استخلاص الحقائق الإنسانية الخالدة التى يشترك فيها جميع البشر على إختلاف أممهم وبيئاتهم من صينيين وأمريكيين وبريطانيين وعرب وإغريق ومكسكيين ...إلى آخر أجناسهم وظروفهم .

    الوصول إلى الصفة العالمية لا يكون إذن بالإتساع الأفقى بل يكون بالتغلغل الرأسى ، فالذى يجعل الأديب أديبا محليا قاصرا أو يجعله أديبا عالميا شاملا ليس تناوله للأمور المحلية أو تناوله للحقائق العا لمية بل هو مقدار نفاذه وتغلغله فى فهم الطبيعة البشرية ، ولن يستطيع أديب أن يحلل ( الطبيعة البشرية ) مجردة من أوضاع المجتمع وظروف الزمان والمكان ، فهى إنما هى تصور كلى تجريدى ينتزعه الذهن فى تفكيره الفلسفى من آلا ف الماصدقات ، أما الأديب كأديب فوسيلته الوحيدة إلى فهمها هى أن يعنى بتفهم ذلك الفريق من البشرية الذى يعرفه معرفة شخصية مباشرة وهو فى أغلب الأحيان، قومه ، هذه طريقته الواحدة للوصول إلى الحقيقة الكلية الشاملة أو القيمة العامة الخالدة .

    يعجبنى فى هذا الموضوع ما قاله برنارد شو فى دراسته لهنريك إبسن حين قال :
    ""أن إبسن قد أجاد تصوير نفسية المرأة الأوروبية الجديدة وروحها العصرية النازعة إلى التحرر والكرامة الأنثوية ، لا لأنه حاول أن يصف ( المرأة الجديدة ) أو ( المرأة الأوروبية المتحررة ) بل لأنه عمد إلى نساء نرويجيات فى بيئة نرويجية خالصة ومن دراسته العميقة وفهمه البعيد لهؤلاء النرويجيات المعينات فى منازلهم النرويجية ومعيشتهن النرويجية وصل إلى ما وصل إليه من الإتساع والشمول والخلود"" [/align]
يعمل...
X