[align=center]مجيد حسيسي
اللقاء المرّ
جلس إلى الطاولة القريبة من النافذة المطلـّـة على الحديقة بورودها الحمراء ، بعشبها الأخضر ، بأشجارها الباسقة اليانعه ، بأضواء القناديل الصفراء المنعكسة على سطح بركة الماء القريبة من المطعم ، وإلى جواره أخذت مكانها زوجته التي ألحـّـت عليه أن يصحبها إلى عشاء فاخر في المدينه..
جاء النادل وسألهما عمـّـا يريدان من أصناف الطعام ، للوجبة الأولى ، للوجبة الرئيسة وللأخيره..فطلب صحنين من الحمـّـص مع مقبـّـلات أخرى إلى جانب السـّـلطه ، كوجبة أولى، وسمك مقلي للوجبة الرئيسيه.
في الزاوية التي تقابلهما ، جلس رجل في الخمسين من عمره ، وإلى جواره جلست امرأة في الثلاثين ، يتناولان طعامهما، ويشربان نبيذا أحمر ، لحظات..ويترك الرجل الكهل طعامه ، ويفغر فاه ..ويفتح عينيه محدقا به ، لا ينظر إلاّ إليه ، فظنّ أن الأمور قد اختلطت على الكهل ، أو أنّ الخمرة قد لعبت دورها معه ، فينظر بدوره إلى الناحية الأخرى ، يعود بعد لحظات وينظر إليه فيلقاه على نفس الصوره ، يحمرّ وجه الكهل ، يقف من توّه ويتوجـّـه نحوه ، فيقف الشاب ، ويمدّ الكهل يده للسلام ، فيقابله بالمثل ، ينظر في عينيه ، يبتسم ويقول : " ولدي..إبني..حبيبي .."
يفاجأ الشاب لسماع هذه الكلمات التي طالما تمنـّـى أن يسمعها ، سيـّـما وأنه فقد والده منذ أكثر من عشرين سنة ً ، حين كان في العاشرة من عمره ، فيعتقد أنّ مسـّـا من الجنون قد أصاب الكهل ، لكنه ، يفضل أن يجاريه ، حفاظا على شعوره..فيقول : " أهلا ً .."
في تلك الأثناء ، يضع النادل أنواع الطعام على الطاوله أمام الشاب وزوجته ، بينما يظلّ الكهل قابضا على يد الشاب بيمناه ، وفي يسراه يربت على كتفه..
_ فوله مقسومه شطرين..ما أروع أن يلتقي الوالد بابنه بعد سنوات من الفراق، قالوا : مات ابنك.. لم أصدّقهم ، أنا أعرف تماما أنـّـك ما زلت تعيش ، ولدي..أهلا بك..في محفظتي صورتك..( يـُـخرج من المحفظة صورة لا تشبه الشاب بالمرّه )..إنـه أنت..أنظر..نفس العيون..نفس العنق..لم أصدقهم ، عرفت أنـّـك حيّ ترزق..، الحمدلله ، أشكرك يا ربي ..
( في تلك الأثناء ، عانق الكهل إبنه ، والناس من حوله ينظرون..منفعلين..)
_ عفوا..سأتركك مع زوجتك الآن لتأكلا ، فأنا لا أريد أن أضايقكما..صحتين..!!
ويعود إلى مكانه ، إلى جوار المرأة ، بوجه باسم ، والفرحة تملأ عينيه وقلبه..
" الصورة لا تشبهني ، مسكين هذا الرجل ، يعتقد أنـّـي ابنه الذي مات منذ زمن ، لا أريد أن أجرح شعوره ، جاريته كيلا أسيء إليه ولشعوره..كان الله في عونه..."
أخذت الزوجة تحدّث زوجها ، وتحاول أن تنسيه ما حدث ، وبدأ يتناول الطعام بشهيـّـة ، لأنّ كلام الرجل الكهل أثـّـر فيه..
ويمرّ وقت قصير ويقترب النادل من طاولة الرجل الكهل ، حيث يطلب إليه أن يقدّم زجاجة نبيذ لولده ، لحظات ويحضرها النادل ، يقدّمها للشاب وزوجته : " هذه من والدك..تفضل .."
يستغرب الشاب هذا التصرّف ، لكنه ، حرصا على شعوره ، لم ينبس ببنت شفه..وتمرّ لحظات ..يقترب خلالها الكهل من الشاب ، ويعتذر إليه عن مضايقته ، ويرجوه أن يزوره في أقرب فرصه ، للإحتفال بهذه المناسبة السعيده ، فيأخذ قصاصة ورق صغيره يسجل فيها رقم تلفونه ، ويسأله أن يكلمه ولو مرّة في الأسبوع ، ثمّ يقول : " هلاّ ناديتني ..والدي أمام الناس ، أحبّ أن أسمعها منك..وأن يسمعها الناس من حولي..أنت موجود..."فيضطر الشاب أن يستمر في اللعبة ، فيهزّ رأسه دلالة الموافقه، فيرفع الأب كأسه ويصيح: " في صحـّـة ابني.."
_ " في صحـّـة والدي"...يجيبه الشاب مبتسما..ثمّ يتركه الرجل الكهل ، ويعود إلى المرأة . ليغادرا المكان..
ويبقى الشاب مع زوجته ومع مأساة هذا الرجل المسكين ، الذي يحاول أن ينسى مأساته بوفاة ابنه الشاب ، فيمسك عن الطعام بعد أن فقد شهيته ، ويبقى صامتا يحاول جاهدا أن يبعد شبح هذا الرجل عن مخيـّـلته..
عندما انتهت زوجته من تناول الطعام ، اقترب النادل منهما ، وسألهما حاجتهما في الشراب ، فاعتذرا وطلبا إحضار فاتورة الحساب..
لحظات..ويعود النادل ، وقد سجـّـل في الفاتوره الرّقم ألفيـــن !!
تفاجأ الرجل وقال باسما : " هل كان عشاؤنا وليمة فرح..أم تراك تمازحني ؟..أنا لا أحبّ أحدا يمازحني..
غضب النادل من إجابته ، وتركه..
نظر في وجه زوجته التي أدهشتها قيمة العشاء التي كانت هي نفسها السبب فيه ، وانتظرا..دقيقة..أو اثنتين..تقدم عندها منهما صاحب المطعم محاولا إرضاءهما:
" ما القضيـّـة يا سيدي ؟ لماذا ترفض دفع المبلغ المطلوب منك ؟؟"
_ هذا الحساب..لا يعجبني..لا أطيق أحدا يمازحني..
_ عن أيّ مزاح تتحدث ؟! إنـه حساب صحيح ، وإن أردت ..ذكرنا لك فيه كل الأصناف التي تناولتها والأصناف التي تناولها والدك وتلك التي أخذها معه ..
وهنا..وقعت الصاعقه على الشاب ، ففغر فاه مستغربا ، لكنه سرعان ما أدرك أنه وقع فريسة لاحتيال رجل كهل مجرّب ، جعله يناديه والده ، ليسجل عليه عشاءه ، وثمن زجاجات الخمرة التي أخذها وصديقته من المطعم...!!![/align]
اللقاء المرّ
جلس إلى الطاولة القريبة من النافذة المطلـّـة على الحديقة بورودها الحمراء ، بعشبها الأخضر ، بأشجارها الباسقة اليانعه ، بأضواء القناديل الصفراء المنعكسة على سطح بركة الماء القريبة من المطعم ، وإلى جواره أخذت مكانها زوجته التي ألحـّـت عليه أن يصحبها إلى عشاء فاخر في المدينه..
جاء النادل وسألهما عمـّـا يريدان من أصناف الطعام ، للوجبة الأولى ، للوجبة الرئيسة وللأخيره..فطلب صحنين من الحمـّـص مع مقبـّـلات أخرى إلى جانب السـّـلطه ، كوجبة أولى، وسمك مقلي للوجبة الرئيسيه.
في الزاوية التي تقابلهما ، جلس رجل في الخمسين من عمره ، وإلى جواره جلست امرأة في الثلاثين ، يتناولان طعامهما، ويشربان نبيذا أحمر ، لحظات..ويترك الرجل الكهل طعامه ، ويفغر فاه ..ويفتح عينيه محدقا به ، لا ينظر إلاّ إليه ، فظنّ أن الأمور قد اختلطت على الكهل ، أو أنّ الخمرة قد لعبت دورها معه ، فينظر بدوره إلى الناحية الأخرى ، يعود بعد لحظات وينظر إليه فيلقاه على نفس الصوره ، يحمرّ وجه الكهل ، يقف من توّه ويتوجـّـه نحوه ، فيقف الشاب ، ويمدّ الكهل يده للسلام ، فيقابله بالمثل ، ينظر في عينيه ، يبتسم ويقول : " ولدي..إبني..حبيبي .."
يفاجأ الشاب لسماع هذه الكلمات التي طالما تمنـّـى أن يسمعها ، سيـّـما وأنه فقد والده منذ أكثر من عشرين سنة ً ، حين كان في العاشرة من عمره ، فيعتقد أنّ مسـّـا من الجنون قد أصاب الكهل ، لكنه ، يفضل أن يجاريه ، حفاظا على شعوره..فيقول : " أهلا ً .."
في تلك الأثناء ، يضع النادل أنواع الطعام على الطاوله أمام الشاب وزوجته ، بينما يظلّ الكهل قابضا على يد الشاب بيمناه ، وفي يسراه يربت على كتفه..
_ فوله مقسومه شطرين..ما أروع أن يلتقي الوالد بابنه بعد سنوات من الفراق، قالوا : مات ابنك.. لم أصدّقهم ، أنا أعرف تماما أنـّـك ما زلت تعيش ، ولدي..أهلا بك..في محفظتي صورتك..( يـُـخرج من المحفظة صورة لا تشبه الشاب بالمرّه )..إنـه أنت..أنظر..نفس العيون..نفس العنق..لم أصدقهم ، عرفت أنـّـك حيّ ترزق..، الحمدلله ، أشكرك يا ربي ..
( في تلك الأثناء ، عانق الكهل إبنه ، والناس من حوله ينظرون..منفعلين..)
_ عفوا..سأتركك مع زوجتك الآن لتأكلا ، فأنا لا أريد أن أضايقكما..صحتين..!!
ويعود إلى مكانه ، إلى جوار المرأة ، بوجه باسم ، والفرحة تملأ عينيه وقلبه..
" الصورة لا تشبهني ، مسكين هذا الرجل ، يعتقد أنـّـي ابنه الذي مات منذ زمن ، لا أريد أن أجرح شعوره ، جاريته كيلا أسيء إليه ولشعوره..كان الله في عونه..."
أخذت الزوجة تحدّث زوجها ، وتحاول أن تنسيه ما حدث ، وبدأ يتناول الطعام بشهيـّـة ، لأنّ كلام الرجل الكهل أثـّـر فيه..
ويمرّ وقت قصير ويقترب النادل من طاولة الرجل الكهل ، حيث يطلب إليه أن يقدّم زجاجة نبيذ لولده ، لحظات ويحضرها النادل ، يقدّمها للشاب وزوجته : " هذه من والدك..تفضل .."
يستغرب الشاب هذا التصرّف ، لكنه ، حرصا على شعوره ، لم ينبس ببنت شفه..وتمرّ لحظات ..يقترب خلالها الكهل من الشاب ، ويعتذر إليه عن مضايقته ، ويرجوه أن يزوره في أقرب فرصه ، للإحتفال بهذه المناسبة السعيده ، فيأخذ قصاصة ورق صغيره يسجل فيها رقم تلفونه ، ويسأله أن يكلمه ولو مرّة في الأسبوع ، ثمّ يقول : " هلاّ ناديتني ..والدي أمام الناس ، أحبّ أن أسمعها منك..وأن يسمعها الناس من حولي..أنت موجود..."فيضطر الشاب أن يستمر في اللعبة ، فيهزّ رأسه دلالة الموافقه، فيرفع الأب كأسه ويصيح: " في صحـّـة ابني.."
_ " في صحـّـة والدي"...يجيبه الشاب مبتسما..ثمّ يتركه الرجل الكهل ، ويعود إلى المرأة . ليغادرا المكان..
ويبقى الشاب مع زوجته ومع مأساة هذا الرجل المسكين ، الذي يحاول أن ينسى مأساته بوفاة ابنه الشاب ، فيمسك عن الطعام بعد أن فقد شهيته ، ويبقى صامتا يحاول جاهدا أن يبعد شبح هذا الرجل عن مخيـّـلته..
عندما انتهت زوجته من تناول الطعام ، اقترب النادل منهما ، وسألهما حاجتهما في الشراب ، فاعتذرا وطلبا إحضار فاتورة الحساب..
لحظات..ويعود النادل ، وقد سجـّـل في الفاتوره الرّقم ألفيـــن !!
تفاجأ الرجل وقال باسما : " هل كان عشاؤنا وليمة فرح..أم تراك تمازحني ؟..أنا لا أحبّ أحدا يمازحني..
غضب النادل من إجابته ، وتركه..
نظر في وجه زوجته التي أدهشتها قيمة العشاء التي كانت هي نفسها السبب فيه ، وانتظرا..دقيقة..أو اثنتين..تقدم عندها منهما صاحب المطعم محاولا إرضاءهما:
" ما القضيـّـة يا سيدي ؟ لماذا ترفض دفع المبلغ المطلوب منك ؟؟"
_ هذا الحساب..لا يعجبني..لا أطيق أحدا يمازحني..
_ عن أيّ مزاح تتحدث ؟! إنـه حساب صحيح ، وإن أردت ..ذكرنا لك فيه كل الأصناف التي تناولتها والأصناف التي تناولها والدك وتلك التي أخذها معه ..
وهنا..وقعت الصاعقه على الشاب ، ففغر فاه مستغربا ، لكنه سرعان ما أدرك أنه وقع فريسة لاحتيال رجل كهل مجرّب ، جعله يناديه والده ، ليسجل عليه عشاءه ، وثمن زجاجات الخمرة التي أخذها وصديقته من المطعم...!!![/align]
تعليق