رغم أني لم أشعر بذلك التفاعل الهام هنا إلا أني رأيت أن أضع نصاً جديداَ
هو فصل من روايتي الجديدة التي ستصدر عن دار الحوار خلال أيام
ولأني وجدت في هذا الفصل قصة قصيرة بامتياز - والله أعلم-
نبيل حاتم
__________________________________________________ ___________
هو فصل من روايتي الجديدة التي ستصدر عن دار الحوار خلال أيام
ولأني وجدت في هذا الفصل قصة قصيرة بامتياز - والله أعلم-
نبيل حاتم
__________________________________________________ ___________
رعب
لاشك أن للرعب مستويات ، و لعل أعلى مستوى له ذلك الذي مر به نبيل الصغير مساء الخميس الثاني لدخوله مدرسة سيد قريش الداخلية . بدت الباحة الواسعة التي تحيط بها الجدران الداخلية الأربعة لطابقي المدرسة ، كئيبة و مغرقة بحزن مبهم عميق ، و زاد من كآبتها تلك المصابيح الكهربائية الصفراء التي ترسل ضوئها الباهت ، فلا تنير إلا جوانب متفرقة منها ، و تبقى مساحات مظلمة سوداء كثيرة في الزوايا و تحت الأفاريز النافرة بين الطابقين . بدت المدرسة كسجن ضخم أطبق بظلمته وظلمه على التلاميذ الستة الذين لم يغادروا المدرسة في نهاية ذلك الأسبوع ، لأن أحداً من أهلهم لم يأتي لإصطحابهم ، و رغم أنهم بقوا واقفين على الباب الداخلي الضخم حتى خروج آخر تلميذ مع ذويه إلا أن الليل باغتهم ليؤكد لهم أنهم باقون هنا أسبوعاً كاملاً طويلاً آخر . كان نبيل أشدهم كآبة ، لأنه كان متأكداً أنها ستأتي حتماً لأن أمه أكدت له ذلك " ليس الخميس القادم هذا بل الخميس الذي بعده يا نبيل " ، ثم ذهبت زكية وهي
تحس ذلك الحزن المتغلغل في جسد صغيرها ذو السنوات السبع . وقف الستة رتلاً نظامياً تحت ضوء الزاوية الشمالية للباحة ، و الاستاذ عويس بعصاه الغليظة يقف أمامهم و يتأملهم بعينيه الصغيرتين خلف عدسات نظارتيه السميكتين ، استعرضهم كجنرال ، و توقف قليلاً أمام نبيل فوضع يده السميكة على خده و قال متصنعاً تلك البسمة المسطحة المواربة :
- " كيفك يا نبيل " .
كره نبيل الاستاذ عويس منذ اليوم الأول الذي تركته فيه أمه بالمدرسة و غادرت . لم يجب و هو يتأمل انعكاس الضوء الأصفر على صلعة الاستاذ و قد زادته رهبة . كان عويس يستعرض التلاميذ كي يدخلهم إلى المطعم قبل الصعود للمهجع إلى للنوم .
أكل معهم ، كان يرفع ملعقة اللبن إلى فمه فيفتحه أكثر من اللازم ، ربما كي يرى التلاميذ أسنانه الكبيرة الصفراء المتبقية في فكيه . و كان لا يرفع نظره عن نبيل و هو يأكل بصمت و بكثير من الرهبة .
كانت أسرتهم متفرقة و متباعدة في المهجع الطويل بين عشرات الأسرة على جانبي الجدران . رفض الاستاذ عويس أن يناموا متقاربين قال بحزم :
- " كل واحد على سريره " .
أطفأ الضوء و غادر دون أن يوصد الباب خلفه .
- " كيفك يا نبيل " .
كره نبيل الاستاذ عويس منذ اليوم الأول الذي تركته فيه أمه بالمدرسة و غادرت . لم يجب و هو يتأمل انعكاس الضوء الأصفر على صلعة الاستاذ و قد زادته رهبة . كان عويس يستعرض التلاميذ كي يدخلهم إلى المطعم قبل الصعود للمهجع إلى للنوم .
أكل معهم ، كان يرفع ملعقة اللبن إلى فمه فيفتحه أكثر من اللازم ، ربما كي يرى التلاميذ أسنانه الكبيرة الصفراء المتبقية في فكيه . و كان لا يرفع نظره عن نبيل و هو يأكل بصمت و بكثير من الرهبة .
كانت أسرتهم متفرقة و متباعدة في المهجع الطويل بين عشرات الأسرة على جانبي الجدران . رفض الاستاذ عويس أن يناموا متقاربين قال بحزم :
- " كل واحد على سريره " .
أطفأ الضوء و غادر دون أن يوصد الباب خلفه .
الضوء الشاحب المنساب من النافذة السميكة الجدران ، و المقابله لسرير نبيل كان يسمح له برؤية الحديد المتكرر لرؤوس الأسرة حتى نهاية المهجع ، بدت كأنها شواهد قبور متماثلة ، و بدا ظل طاسة الماء الموضوعة في عمق النافذة كظل حيوان ينام هناك ، بعد أن خلع بنطاله ، بحث كثيراً عن بيجامته و لكنه لم
يجدها ، لبس سترتها و اندس تحت البطانية بسرواله القصير . قشعريرة خفيفة التي انتابته من برود آذار المتسرب من الباب المفتوح الذي لف المدرسة بعد أن خمدت كل نيران المدافئ فيها ، هالت دون اغماض عينيه ، و من أزقة الشام القربيبة كان يسمع نباحاً مكتوماً ، يغيب ثم يبدو أكثر اقتراباً ، إلى أن غلبه نعاس خفيف .
الاصابع الغليظة التي كانت تمر بهدوء و حذر شديد على ساقه جعلته يفتح عينيه ، لكنه بقي جامداً في مكانه يلجمه و يرعبه احساس أن اليد الاخرى ستطبق على فمه لتخنقه . ضوء النافذة الشاحب كان ينعكس على صلعة الاستاذ عويس الذي ركع على يمين السرير و قد خلع نظارته ، بدا كعملاق مخيف و ظله على الجدار
الخلفي ، جمد نبيل في مكانه ، و تسارعت نبضات قلبه حتى بات يسمعها جلية واضحة ، و يد الاستاذ المناوب تنزلق ذهاباً و إياباً على فخذه العاري ، و بدأ بكاءً مكتوماً وهو يحس حرارة كريهة تنزلق على لحمه الطري ، و يغوص أكثر في فراشه و يغرق رأسه إلى أقصى حد
يجدها ، لبس سترتها و اندس تحت البطانية بسرواله القصير . قشعريرة خفيفة التي انتابته من برود آذار المتسرب من الباب المفتوح الذي لف المدرسة بعد أن خمدت كل نيران المدافئ فيها ، هالت دون اغماض عينيه ، و من أزقة الشام القربيبة كان يسمع نباحاً مكتوماً ، يغيب ثم يبدو أكثر اقتراباً ، إلى أن غلبه نعاس خفيف .
الاصابع الغليظة التي كانت تمر بهدوء و حذر شديد على ساقه جعلته يفتح عينيه ، لكنه بقي جامداً في مكانه يلجمه و يرعبه احساس أن اليد الاخرى ستطبق على فمه لتخنقه . ضوء النافذة الشاحب كان ينعكس على صلعة الاستاذ عويس الذي ركع على يمين السرير و قد خلع نظارته ، بدا كعملاق مخيف و ظله على الجدار
الخلفي ، جمد نبيل في مكانه ، و تسارعت نبضات قلبه حتى بات يسمعها جلية واضحة ، و يد الاستاذ المناوب تنزلق ذهاباً و إياباً على فخذه العاري ، و بدأ بكاءً مكتوماً وهو يحس حرارة كريهة تنزلق على لحمه الطري ، و يغوص أكثر في فراشه و يغرق رأسه إلى أقصى حد
يستطيع في الوسادة الرقيقة .. بدأت دموعه تصل إلى ياقة السترة .. و أحس بسكاكين تمزق جوفه .. أحس أنه سيلفظ كل ما في جوفه .. حموضة صعدت إلى رأسه و الانفاس الكريهة تقترب أكثر فأكثر من وجهه . عندما وصلت اليد الغليظة إلى أسفل إليته الصغيرة .. لم يستطع كتم ارتجافه اهتزت أوصاله ، و زادت ارتجافات جسده الصغير عندما بدأت تلك الأصابع تسحب سرواله إلى أسفل ، حاول الالتفاف و لكن اليد الغليظة الثانية أمسكت بكتفه النحيل و ثبتتها ، فغرق وجهه بالوسادة لعق طعم ملح دموعه التي رطبت وجهه و وجه الوسادة ، بدت اليد الأخرى أكثر قسوة بعد أن نزعت السروال بعنف .
كان يعرف أن صوتاً واحداً سيخرج من فمه ، سيكون الصوت الاخير في حياته ، و لكنه عندما أحس أن عضواً حاراً لامس قفاه ، لم يستطع كبت صرخة خرجت عالية ، حادة اخترقت سقف المهجع ، اضطرب الوضع بعدها أحس بحركات سريعة و التفت بسرعة و جسد الاستاذ عويس نصف العاري يخرج من الباب و يصفقه خلفه بعد أن همس بأذنه :
- " بذبحك إذا حكيت " .
اجتمع التلاميذ الستة فوق رأسه ، و قد جلس عارياً إلا من سترة بيجامته ، و لا يستطيع التوقف عن نهنهة متلاحقة و الدموع تنساب على خديه إلى أسفل ذقنه .
كان يعرف أن صوتاً واحداً سيخرج من فمه ، سيكون الصوت الاخير في حياته ، و لكنه عندما أحس أن عضواً حاراً لامس قفاه ، لم يستطع كبت صرخة خرجت عالية ، حادة اخترقت سقف المهجع ، اضطرب الوضع بعدها أحس بحركات سريعة و التفت بسرعة و جسد الاستاذ عويس نصف العاري يخرج من الباب و يصفقه خلفه بعد أن همس بأذنه :
- " بذبحك إذا حكيت " .
اجتمع التلاميذ الستة فوق رأسه ، و قد جلس عارياً إلا من سترة بيجامته ، و لا يستطيع التوقف عن نهنهة متلاحقة و الدموع تنساب على خديه إلى أسفل ذقنه .
الصغير أسامة أخذ يبكي معه بلا سبب ، و الكبير عبد المالك تلميذ الصف الخامس كان يربت على ظهره و يقول :
- " بسم الله الرحمان الرحيم .. بسم الله الرحمان الرحيم "
و أسرع زميله في الصف الثاني مطيع ليحضر طاسة الماء النحاسية الموضوعة في عمق النافذة التي ما زال ذلك الضوء الشاحب الكئيب ، ينساب من خلالها على الوجوه الصغيرة الستة .
- " بسم الله الرحمان الرحيم .. بسم الله الرحمان الرحيم "
و أسرع زميله في الصف الثاني مطيع ليحضر طاسة الماء النحاسية الموضوعة في عمق النافذة التي ما زال ذلك الضوء الشاحب الكئيب ، ينساب من خلالها على الوجوه الصغيرة الستة .
تعليق