أحلام
( تم تكثيف النص للعيون الثاقبة الشكر)
اتجه نحو حقله في طرف البلدة الجنوبي,و الأمل يحدوه
وأخيراً وصل الحقل ونزل عن ظهر حماره الأسود المتعب.....
وربطه إلى صخرة على حد الحقل.ثم اعتلى كومة تراب على طرفه الشرقي ,وتوجه ببصره غرباً ,نحو أرضه الممتلئة بعيدان الحمص ,الخضراء الطرية.
و ارتسمت على وجهه علامات الرضا الشديد,والارتياح,وابتسم ابتسامةً عريضة زينت وجهه الأسمر المعجون بلون الأرض معشوقته الأولى
وقال لنفسه: محصول الحمص هذه السنة سوف يكون رائعاً فأسعار الحمص يا أبا محمود مرتفعة هذه السنة ولم يبلغه من قبل الحمد لله سوف تقبر الفقر.
ثم هبط للحقل , وأخذ بعضاً من حزم الحمص, وعاد إلى أعلى كومة التراب , وجمع بعض الأعشاب الجافة وأشعلها و وضع الحزم القليلة التي أحضرها و شواها على النار.
و أحرق معها هموم العام كله خاصةً ، فقره و عوزه وهو يقول لنفسه (انبسط يا أبا محمود ) فالمحصول هذا العام وفير جداً
سيكفي علاج للصغيرة و دراسة للأولاد و مأكل و ملبس ، و سيطير قلب أم محمود فرحاً عندما تأتي معي لرؤية الحقل
لن أتركك يوماً ... سأكون عندك كل يوم
و بينما أحلامه كانت تحمله من أمل ندي لآخر ، هبط إلى حقله يتفقده من جميع الجوانب ،
و قال لنفسه : إن رؤية المحصول قد أعادت إلى قلبي شباباً حالماً بكل الآتي ، فمنظر الحقل يرد الروح ، و تابع سيره غرباً على الطرف الشمالي
فكل شيء موّات اليوم ، ليجعل مزاجه في أروق حال فالنسائم عليلة ، فرؤية فروع الحمص ، تموج كموج البحر غرباً و شرقاً ، تجعله يتموج بمخيلته على مدار العام القادم .... و عاد يحدث نفسه ، اقترب و تلمس الأعواد بيدين خشنتين أرهقتهما متاعب السنين المتلاحقة
قال : أنظر إن العيدان هنا كثيفة كجزّة صوف، وعيدانه طويلة .... تابع سيره ....
تابع حديثه لنفسه : إنشاء الله جزء من سعر المحصول لدراسة محمود ، و الجزء الأهم لعملية زينة ، فرجلها المكسورة من قبل قد جبرت على عطل مثل هذه الأيام ، و يجب إجراء عملية لها ، فعمليتها تأكل و تشرب معي
الأولاد بحاجة لملابس جديدة ، حتى أنه مرّ عيد الأضحى هذا العام ، و لم أشتر لواحد من السبعة و لو قميصاً ....
ما زال يسير الهوينى غرباً يتأمل حقله .
يقول : الحمد لله على هذا الغلال .... و هناك أمر آخر كدت أنساه (حفنة ) الديون المتراكمة على ظهري ، فهي ترزح فوقه ثقيلةً أثقل من جبل الشيخ و ما تبقى سيغطي مصاريف العام المحسوب لها و غير المحسوب لها من حقل القمح ، و لو أن حقل القمح ليس كبيرا
التفت جنوباً مستنشقاً الهواء المعطر بتراب الأرض ممازجاً رائحة الحمص العبقة .
حتى التفّ حول الحقل و شعر أنه التف حول العالم شاعراً أنه أضحى ملك يديه و عاد و جلس فوق كومة التراب
و راح يومياً يطل بقامته المتوسطة ، على حقله يتفقده
محدثاً نفسه عليك أن تأتى كل يوم يا أبا محمود ، و أن تكون يقظاً فأولاد الحرام كثر
مرت الأيام سريعة
فخرج أبو محمود مع أسرته للحصاد ، و سُرّت زوجته لرؤية أكوام القش الكبيرة خلفهم في الحقل و قلبها يخبرها بأنها سنة خير
في اليوم الثالث أثناء عودتهم إلى المنزل ، تألمت زينة من رجلها ، فربما زاد الألم الخفيف مع درجة الحرارة و مع التعب فقال لها أبوها : لا عليك يا ابنتي ، بعد يومين أو ثلاثة أيام على الأكثر ، سآخذك إلى المدينة المجاورة لأخصائي عظام بارع . و تمتم قائلاً : لن أدع المرض يأكل عظام ابنتي ، فاليوم مساءً سأستدين من أبي صالح ألفاً و خمسمائة ليرة ، من أجل معاينة الطبيب
سكت على مضض بعد أن وضع يده في جيبه ، أملاً لو أنها استنبت بعض النقود ، فوجدها خاوية كباقي جيوبه ...
بعد أربعة أيام أنهى أبو محمود و أسرته الحصاد ، فجمعوه في منتصف الحقل ، بانتظار الدراس ، لكن الفتاة الصغيرة زينة بوجهها الملائكي على ما يبدو لم تعد أعوامها الإثنا عشر تستطيع مقاومة الألم أكثر ، فأخبرت والدتها بألمها المتزايد
فزع والديها عليها
فقرر أبو محمود أخذها في الصباح الباكر إلى المدينة ، و سيعود محمود و أحمد مساءً إلى الحقل ...
لجلب الدرّاسة عند الصباح ، سار كلّ شيء كما خطط له بعد معاينة الطبيب
فقال : لماذا كل هذا الانتظار على رجلها ، ألا يأتي إنساننا العربي إلى الطبيب ، حتى يرى الموت بعينه ، إنها بحاجة ماسة لعمل جراحي ، يجب أن تدخل المشفى من فورها .
وافق الوالدان ، فأدخلت إلى مشفى خاص حرصاً على سلامتها
و قال لأم محمود : سوف أعود اليوم للمباشرة على عملية الدّراس و أخذ الحبوب إلى التاجر مباشرةً ، و سآتي غداًَ بالنقود .
تفاءلت أم محمود خيراً و ودعها .. قبّل ابنته ، و توجه إلى البلدة . عندما وصل إلى طرفها الجنوبي نزل من سيارة الأجرة .
و توجه بأحلامه مقرونة بالغلال
في الطريق شعر بسعادةٍ تغمره ، لأنه اليوم سينهي الدّراس فقد أتى موعد استلام الغلّة على الأكثر نهاية هذا اليوم .
و بينما هو متوجه إلى الحقل ، شعر بقلق يأتي من أعماقه المجهولة ، ليطفو على السطح .
قال لنفسه : إنها وسوسة الشيطان ، لا تكترث يا رجل الحمد لله ، أنهينا الحصاد على خير و ما عليك غداً ، إلا أن تأخذ النقود ، و تذهب إلى المشفى ، لمحاسبته و الاطمئنان على الصغيرة
هذه هي الدنيا تقبل عليك أخيراً فطب نفساً ، كل المشاكل المادية ستحل على خير و لن تأكل همّ المصاريف الكبيرة و الصغيرة .
لقد بنينا أحلاماً كثيرة أنا و أم محمود ، على هذا المحصول .
ما زال يسير على الطريق المؤدية إلى حقله ، فرأى دخاناً يتصاعد في السماء ، أخذ يساوره قلق أكبر
و كلما اقترب ازداد عمود الدخان طولاً ، فجأةً أخذت الأفكار تأخذه شرقاً و غرباً ، ماذا حصل و يعود و يقول لا شيء يا رَجل ربما يحرقون بقايا مزروعات البساتين حولنا .
اقترب أكثر .
أصبحت ألسنة اللهب المتطايرة في السماء تبدو واضحةً ، فأخذ يسرع الخطى دون أن يدري .
و عندما أصبح على مشارف الحقل ، رأى نيراناً مندلعة حتى عنان السماء ، فقال : اللهم اجعله خيراً ، و اقترب أكثر ، و سمع أصوات جيرانه في الحقل ، يا جماعة ارموا تراب أكثر ، و آخر يقول سأسرع إلى القرية لآتي بصهريج ماء ، علنا نلحق من المحصول شيئاً ...
أطفئوا بالشواعيب ...
أحمد المسكين الذي أفاق من غفوته القصيرة ، في عريشته على أصوات الجيران ، خرج يركض ، ذهاباً و إياباً لا يعرف ! ماذا يفعل ؟ كمجنون يركض فوق النار و يصرخ لقد ضاع المحصول لقد احترق محصولنا .
عندما وصل أبو محمود للحقل ، تسمرت عيناه على محصوله ، تجمد الدم في عروقه ، و تكسر ت الأحلام الكبيرة أمام عينيه فأسرع فجأةً بلا وعي باتجاه المحصول ، و أخذ ينثر التراب فوق النار الملتهبة ...
لكن محال فقد التهمت النيران كلّ شيء .
جثا أبو محمود على ركبتيه ( بمزيج من مشاعر الرعب ، الحزن ، البؤس ، و الإحباط لفته كلها معاً) أمام محصوله المحترق وهو يقول هل ولدت أنا والفقر توأمين أم أن الحظ لا يطرق أبواب الفقراء .
وربطه إلى صخرة على حد الحقل.ثم اعتلى كومة تراب على طرفه الشرقي ,وتوجه ببصره غرباً ,نحو أرضه الممتلئة بعيدان الحمص ,الخضراء الطرية.
و ارتسمت على وجهه علامات الرضا الشديد,والارتياح,وابتسم ابتسامةً عريضة زينت وجهه الأسمر المعجون بلون الأرض معشوقته الأولى
وقال لنفسه: محصول الحمص هذه السنة سوف يكون رائعاً فأسعار الحمص يا أبا محمود مرتفعة هذه السنة ولم يبلغه من قبل الحمد لله سوف تقبر الفقر.
ثم هبط للحقل , وأخذ بعضاً من حزم الحمص, وعاد إلى أعلى كومة التراب , وجمع بعض الأعشاب الجافة وأشعلها و وضع الحزم القليلة التي أحضرها و شواها على النار.
و أحرق معها هموم العام كله خاصةً ، فقره و عوزه وهو يقول لنفسه (انبسط يا أبا محمود ) فالمحصول هذا العام وفير جداً
سيكفي علاج للصغيرة و دراسة للأولاد و مأكل و ملبس ، و سيطير قلب أم محمود فرحاً عندما تأتي معي لرؤية الحقل
لن أتركك يوماً ... سأكون عندك كل يوم
و بينما أحلامه كانت تحمله من أمل ندي لآخر ، هبط إلى حقله يتفقده من جميع الجوانب ،
و قال لنفسه : إن رؤية المحصول قد أعادت إلى قلبي شباباً حالماً بكل الآتي ، فمنظر الحقل يرد الروح ، و تابع سيره غرباً على الطرف الشمالي
فكل شيء موّات اليوم ، ليجعل مزاجه في أروق حال فالنسائم عليلة ، فرؤية فروع الحمص ، تموج كموج البحر غرباً و شرقاً ، تجعله يتموج بمخيلته على مدار العام القادم .... و عاد يحدث نفسه ، اقترب و تلمس الأعواد بيدين خشنتين أرهقتهما متاعب السنين المتلاحقة
قال : أنظر إن العيدان هنا كثيفة كجزّة صوف، وعيدانه طويلة .... تابع سيره ....
تابع حديثه لنفسه : إنشاء الله جزء من سعر المحصول لدراسة محمود ، و الجزء الأهم لعملية زينة ، فرجلها المكسورة من قبل قد جبرت على عطل مثل هذه الأيام ، و يجب إجراء عملية لها ، فعمليتها تأكل و تشرب معي
الأولاد بحاجة لملابس جديدة ، حتى أنه مرّ عيد الأضحى هذا العام ، و لم أشتر لواحد من السبعة و لو قميصاً ....
ما زال يسير الهوينى غرباً يتأمل حقله .
يقول : الحمد لله على هذا الغلال .... و هناك أمر آخر كدت أنساه (حفنة ) الديون المتراكمة على ظهري ، فهي ترزح فوقه ثقيلةً أثقل من جبل الشيخ و ما تبقى سيغطي مصاريف العام المحسوب لها و غير المحسوب لها من حقل القمح ، و لو أن حقل القمح ليس كبيرا
التفت جنوباً مستنشقاً الهواء المعطر بتراب الأرض ممازجاً رائحة الحمص العبقة .
حتى التفّ حول الحقل و شعر أنه التف حول العالم شاعراً أنه أضحى ملك يديه و عاد و جلس فوق كومة التراب
و راح يومياً يطل بقامته المتوسطة ، على حقله يتفقده
محدثاً نفسه عليك أن تأتى كل يوم يا أبا محمود ، و أن تكون يقظاً فأولاد الحرام كثر
مرت الأيام سريعة
فخرج أبو محمود مع أسرته للحصاد ، و سُرّت زوجته لرؤية أكوام القش الكبيرة خلفهم في الحقل و قلبها يخبرها بأنها سنة خير
في اليوم الثالث أثناء عودتهم إلى المنزل ، تألمت زينة من رجلها ، فربما زاد الألم الخفيف مع درجة الحرارة و مع التعب فقال لها أبوها : لا عليك يا ابنتي ، بعد يومين أو ثلاثة أيام على الأكثر ، سآخذك إلى المدينة المجاورة لأخصائي عظام بارع . و تمتم قائلاً : لن أدع المرض يأكل عظام ابنتي ، فاليوم مساءً سأستدين من أبي صالح ألفاً و خمسمائة ليرة ، من أجل معاينة الطبيب
سكت على مضض بعد أن وضع يده في جيبه ، أملاً لو أنها استنبت بعض النقود ، فوجدها خاوية كباقي جيوبه ...
بعد أربعة أيام أنهى أبو محمود و أسرته الحصاد ، فجمعوه في منتصف الحقل ، بانتظار الدراس ، لكن الفتاة الصغيرة زينة بوجهها الملائكي على ما يبدو لم تعد أعوامها الإثنا عشر تستطيع مقاومة الألم أكثر ، فأخبرت والدتها بألمها المتزايد
فزع والديها عليها
فقرر أبو محمود أخذها في الصباح الباكر إلى المدينة ، و سيعود محمود و أحمد مساءً إلى الحقل ...
لجلب الدرّاسة عند الصباح ، سار كلّ شيء كما خطط له بعد معاينة الطبيب
فقال : لماذا كل هذا الانتظار على رجلها ، ألا يأتي إنساننا العربي إلى الطبيب ، حتى يرى الموت بعينه ، إنها بحاجة ماسة لعمل جراحي ، يجب أن تدخل المشفى من فورها .
وافق الوالدان ، فأدخلت إلى مشفى خاص حرصاً على سلامتها
و قال لأم محمود : سوف أعود اليوم للمباشرة على عملية الدّراس و أخذ الحبوب إلى التاجر مباشرةً ، و سآتي غداًَ بالنقود .
تفاءلت أم محمود خيراً و ودعها .. قبّل ابنته ، و توجه إلى البلدة . عندما وصل إلى طرفها الجنوبي نزل من سيارة الأجرة .
و توجه بأحلامه مقرونة بالغلال
في الطريق شعر بسعادةٍ تغمره ، لأنه اليوم سينهي الدّراس فقد أتى موعد استلام الغلّة على الأكثر نهاية هذا اليوم .
و بينما هو متوجه إلى الحقل ، شعر بقلق يأتي من أعماقه المجهولة ، ليطفو على السطح .
قال لنفسه : إنها وسوسة الشيطان ، لا تكترث يا رجل الحمد لله ، أنهينا الحصاد على خير و ما عليك غداً ، إلا أن تأخذ النقود ، و تذهب إلى المشفى ، لمحاسبته و الاطمئنان على الصغيرة
هذه هي الدنيا تقبل عليك أخيراً فطب نفساً ، كل المشاكل المادية ستحل على خير و لن تأكل همّ المصاريف الكبيرة و الصغيرة .
لقد بنينا أحلاماً كثيرة أنا و أم محمود ، على هذا المحصول .
ما زال يسير على الطريق المؤدية إلى حقله ، فرأى دخاناً يتصاعد في السماء ، أخذ يساوره قلق أكبر
و كلما اقترب ازداد عمود الدخان طولاً ، فجأةً أخذت الأفكار تأخذه شرقاً و غرباً ، ماذا حصل و يعود و يقول لا شيء يا رَجل ربما يحرقون بقايا مزروعات البساتين حولنا .
اقترب أكثر .
أصبحت ألسنة اللهب المتطايرة في السماء تبدو واضحةً ، فأخذ يسرع الخطى دون أن يدري .
و عندما أصبح على مشارف الحقل ، رأى نيراناً مندلعة حتى عنان السماء ، فقال : اللهم اجعله خيراً ، و اقترب أكثر ، و سمع أصوات جيرانه في الحقل ، يا جماعة ارموا تراب أكثر ، و آخر يقول سأسرع إلى القرية لآتي بصهريج ماء ، علنا نلحق من المحصول شيئاً ...
أطفئوا بالشواعيب ...
أحمد المسكين الذي أفاق من غفوته القصيرة ، في عريشته على أصوات الجيران ، خرج يركض ، ذهاباً و إياباً لا يعرف ! ماذا يفعل ؟ كمجنون يركض فوق النار و يصرخ لقد ضاع المحصول لقد احترق محصولنا .
عندما وصل أبو محمود للحقل ، تسمرت عيناه على محصوله ، تجمد الدم في عروقه ، و تكسر ت الأحلام الكبيرة أمام عينيه فأسرع فجأةً بلا وعي باتجاه المحصول ، و أخذ ينثر التراب فوق النار الملتهبة ...
لكن محال فقد التهمت النيران كلّ شيء .
جثا أبو محمود على ركبتيه ( بمزيج من مشاعر الرعب ، الحزن ، البؤس ، و الإحباط لفته كلها معاً) أمام محصوله المحترق وهو يقول هل ولدت أنا والفقر توأمين أم أن الحظ لا يطرق أبواب الفقراء .
( تم تكثيف النص للعيون الثاقبة الشكر)
تعليق