عن أحوال الثقافة والمثقفين

كتب مصطفى بونيف



ما أجمل الثقافة ...وما أحلى أن يكون الإنسان مسكفا أي مثقفا في هذا الزمن العجيب ...
قرأت على بوابة قصر الثقافة إعلانا عن أمسية أدبية ، فدخلت القاعة المخصصة لذلك وأخذت مكانا متقدما ،لأنه أصلا لم يكن هنالك جمهور ..سوى عاشقان يغتنمان الظلام الذي يسود القاعة ، فلا تسمع سوى صوت تزميرهما في فم بعضهما ..ومجنون يصفق ، وبعض المسؤولين الصغار طبعا ، يتكلمون في البزنس ، والأخ الشاعر ، يغلي على المنصة ...وكانت قصيدته رائعة فعلا ..وأعتقد أن لا أحد تفاعل معها غيري في تلك القاعة .

بعدها بأيام ، وفي نفس القصر ، حضرت أمسية أدبية ، للإعلان عن الشعراء الفائزين بجائزة الدولة ...وتقدم الشاعر الفائز هادئ الخطى إلى المنصة ، تحت تصفيقات الجماهير الغفيرة التي جاءت لتحسده وهو يتسلم الجائزة من سيادة المسؤول الكبير.
وكم كنت تواقا إلى الاستماع إلى قصيدة الشاعر الفائز ...الذي اخترق صوته أذني وهو يعلن عنوان قصيدته .." القصيدة الخنفسائية"...
ضرب شاعرنا الميكروفون ثلاث خبطات ثم صرخ :
الخنفســـــاء
تلك الجميلة الجميلة السوداء
إنها جميلة سمراء ...
كتبت لها قصيدتي
قصيدتي العصماء ...
أحبها خنفس حقير
من أكواخ البسطـــاء
منحها قلبه وعمره
التقى بها ..في شارع الخنساء ..

واهتزت له القاعة بالتصفيق والتهليل ..فواصل قصيدته بحماس

الخنفســـــــاء
ولأنها خنفســـــــــاء
أحبت جرادة صفــــراء
جاءت من القرن الأفريقي
جاءت مع البعوض والوباء ....
والخنفس الصغير
الخنفس الحقير
انتحر من شدة الصدمــــــة
وصرخ صرخة بلغت
عنــــــان السمـــــــــاء
لماذا يا خنفســــــــــاء ؟؟؟
لماذا يا خنفســـــــــاء ؟؟؟؟
لماذا يا خنفســـــــــاء ؟؟؟؟

صفق الجمهور الغفير للشاعر ، وتسلم الجائزة وهو يبتسم للصحافة ، وخرجت أنا من القاعة أهرش ، فلقد شعرت كأن الخنافس تجري في جسمي ....
وأنا أمشي في طريق العودة ، لمحت خنفســــاء ..تجري على رزقها ...ابتسمت..وقلت لها ..حتى أنت يا خنفساء ...

من يوميات المواطن صـــــالح

مصطفى بونيف