الفيلسوف و الموهبة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • سعيد محمد الخروصي
    أديب وكاتب
    • 08-12-2010
    • 97

    الفيلسوف و الموهبة

    عنوان القصة: الفيلسوف و الموهبة.
    تأليف: سعيد محمد الخروصي.

    " أرهقتني الكتابة" قالها السيد حاتم في نفسه ظهيرة يوم الخميس، إنه يوم العطلة الأسبوعية، فقد تعود استثمار وقت فراغه في الكتابة، لم يكن ينشر مؤلفاته، ولم يكن أحد من المقربين لديه يعرف سبب ذلك، فقد كانوا دائما يشجعونه على ذلك لكنه كان يرد في عبارة واحدة حتى حفظها الجميع " المحارة الخالية تكون محببة قبل فتحها"، لم يكن أحد يفهم هذه الكلمات إلا زوجته التي كانت ترد عليه بعبارة واحدة أيضا " و ما يدريك أن المحارة خالية؟!"، لينتهي الحوار عند هذا الحد.
    خرج من بيته بعد أن أرهقته الكتابة، و ذهب إلى الحديقة القريبة، فقد كان الجو جميلا، و الكثير من العائلات خارجة من بيوتهم، الصغار يلعبون، و الكبار من يقرأ الجريدة، و غيرهم الغارق في أفكاره بعيدا و كأنه ـ كما يقول المثل ـ "في واد آخر"، كانت هذه الأخيرة المحبذة عند السيد حاتم عندما يكون بمفرده، يفكر فيما فعل و ما سيفعل و ما عليه أن يفعل في حاضره، فقد كان يقول دائما: "خذ من ماضيك ما تعلمت، و من مستقبلك ما تود تحقيقه، لتعلم ما عليك فعله في حاضرك"، لكن النعاس غلبه هذه المرة، و لم يستيقظ إلا على صوت صديقه أمجد قائلا له: "حاتم.. حاتم.. استيقظ، منذ متى و أنت في هذا المكان؟"
    حاتم و هو يحك عينيه: "ممم... كم الساعة الآن؟"، قالها وهو ينظر إلى ساعته "ماذا.. الرابعة، لقد نمت لمدة ساعة و نصف الساعة تقريبا و كأنني نمت في ساعتين"
    أمجد: " أظن أنك متعب.. اذهب إلى المنزل كي تأخذ قسطا من الراحة، هل أوصلك بسيارتي؟"
    حاتم: "لا شكرا، أفضل المشي، إلى اللقاء".
    عاد السيد حاتم إلى منزله مسرعا، فقد واعد زوجته على الخروج للتسوق الساعة الخامسة، عندما دخل منزله وجد زوجته متجهزة، و كانت تقلب على قنوات التلفاز، و فجأة شاهدت إعلانا " لتكن الحاصل على الخمسة آلاف ريال... لا تترد في الإشتراك إن وجدت في نفسك موهبة في كتابة الروايات"، صرخت آمنة زوجة السيد حاتم فورا: "أتيت في الوقت المناسب.. أرأيت؟ إنها فرصتك".
    السيد حاتم: " هل أنت جاهزة؟".
    آمنة: "لا تتجاهلني... لقد مللت، كم من الجوائز تفوتنا بسببك، ماذا تريد غير أن نصرخ جميعا " أنت موهوووب" ؟ ".
    السيد حاتم: "لم أتجاهلك.. لكني أظن أنه لا يعجبك أن أتأخر عن الميعاد، أليس كذلك؟".
    آمنة بصوت خافت و قلبها يتوهج نارا كأنها تقول " أنت دائما تغلبني" : "بلى".
    السيد حاتم: "ذاهب للاستحمام إذا".
    ذهب و في الساعة المحددة صار جاهزا، و في السيارة لم تتفوه السيدة آمنة بأي كلمة، حتى بدأ السيد حاتم بالكلام: " كل غواص يحب أن يحصل على لؤلؤة"، ثم أتبع قائلا: " و ما أمهر الغواص الذي يحصل على أكثر من لؤلؤة"، نظرت السيدة آمنة إليه و كأن في خاطرها شيء تقوله لكن واصل حديثه: " و لكن الأكثر مهارة من يتمكن من صنع لؤلؤته بنفسه".
    السيدة آمنة: " و هل تقصد أن الصناعي أفضل من الحقيقي؟".
    السيد حاتم: " أجبر العلم الحديث الدجاجة على أن تبيض قبل موعدها".
    السيدة آمنة: مهممم، يقول الشاعر:
    " و من يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر"
    ما رأيك؟
    السيد حاتم: أخيرا وصلنا، سوف نكمل بعد خروجنا من المركز التجاري.
    السيدة آمنة: كفاك تهربا من أسئلتي، سوف نكمل الموضوع و إياك أن تأتي موضوع آخر.
    بعد تسوقهم و أثناء عودتهم إلى السيارة شاهدا الإعلان ذاته على تلك الشاشة العملاقة التي كانت ستبث مباراة بعد ثوان، بعد دخولهما إلى السيارة ابتدأت السيدة آمنة بالكلام قائلة: "ها.. ما رأيك؟ هل ستشارك في المسابقة؟".
    السيد حاتم: "لا، و لا تجبريني على ذلك".
    السيدة آمنة: "لماذا؟!".
    السيد حاتم: "لأنك لا تعرفين ما في قلبي".
    السيدة آمنة: "سيكون من الجميل أن تخبرني بذلك".
    السيد حاتم: "سأخبرك بشرط ألا تخبري أحدا".
    السيدة آمنة: " و هل أفشيت أسرارك من قبل؟ هيا أسرع".
    السيد حاتم: " حادثة عمرها حوالي 15 سنة.. و قعت في إحدى المدارس.. كتب أحد الطلاب قصة قصيرة و أعطاها للمعلم.. لكنه تفاجأ من رده.. فهو بكل برود قال له: " و هل تعتقد أن هذه قصة.. أنا لا أراها إلا سخافة.. إن لم تكن فيك الموهبة فاتركها لأصحابها.."، كانت قصة سخيفة حقا لكن ما ذنب هذا الولد الصغير؟ ألم يكن بحاجة إلى تشجيع فربما طور من كتاباته؟ لا أعرف كيف صارت قصصه.. أأصبحت جيدة؟".
    السيدة آمنة: "و لماذا لا تبحث عنه؟ اسأل أصحابك فربما يعرفونه.. أم أنك لا تذكر اسمه؟
    السيد حاتم: " الشيء الوحيد الذي أتذكر هو اسمه، حاتم".
    السيدة آمنة: "يا لك من إنسان ضعيف، كلمات شخص لم يشأ إلا أن يهدم موهبتك، أخذت برأيه و لم تأخذ برأي العشرات، أم أردت أن تنال إعجاب الجميع، و رسول الله صلى الله عليه و سلم لم ينل تقبلا من الجميع، أعجبنا برواياتك قبل أن تحكي لنا قصتك هذه، كي لا تقول أنها مجرد مجاملات، و فائدة إخفاء موهبتك و قد قال الشاعر: إن كنت تخفي كلاما فإن الكنز إن يخفى يكن حجرا "
    السيد حاتم: " اليوم قرر الغواص أن يفتح محارته".
    السيدة آمنة: "الحمد لله رب العالمين".
    وصلا إلى المنزل و بعد نقل الأعراض ذهب السيد حاتم ليجمع أوراقه و كل ما هو مطلوب ليرسل أوراقه إلى مقر المسابقة منتظرا النتائج.
    بعد حوالي أسبوعين تلقى السيد حاتم اتصالا من أحد منظمي المسابقة و دار بينهما الحوار التالي:
    السيد حاتم ـ و بعد أن رأى الرقم الغريب عليه ـ بنبرة محاولة معرفة الصوت: "السلام عليكم".
    المتصل: "و عليكم السلام.. هل أنت حاتم؟".
    السيد حاتم: "نعم.. عفوا من المتصل؟".
    المتصل: "من مسابقة الروايات ندعوك لحضور حفلة في "قاعة النور" لإعلان الفائز في المسابقة غدا بإذن الله".
    السيد حاتم: " حاضر سأكون في الموعد بإذن الله".
    قطع الإتصال...
    ذهب السيد حاتم ليخبر زوجته بالخبر، كذلك لم ينس إعلام أصدقاءه بالأمر، و في اليوم التالي كان في الموعد بعد أن استفسر عن وقت الحفل.
    أعلن عن الفائز الخامس الذي حصل على 1000 ريال، كذلك عن الرابع و الثالث، أما عن الأول فقد أعلن عنه بطريقة ملؤها الحماسة: "أما عن الفائز بالخمسة آلاف فقد ترددت اللجنة كثيرا بين راشد موسى و حاتم محمود و لكن بعد مراجعة الروايتين مرات عدة قررت اللجنة قرارها النهائي بعد أن شاهدت خللا بسيطا في أحد الروايتين ليكون الفائز هو.. راشد موسى".
    و بعد لحظات أكمل المقدم قائلا: "و الآن لنستمع إلى ما يقوله الفائز الثاني حاتم محمود"
    السيد حاتم: "بسم الله الرحمن الرحيم.. ترددت كثيرا في الإشتراك لولا تشجيع أحبابي لي.. و لولا زوجتي التي فكت عقدتي من أيام طفولتي.. لكني تعجبت عندما رأيت واضع عقدتي هو الحكم و هو الذي اتصل بي.. حاولت أن أتذكر الصوت لكني لم أتذكر حتى هذه اللحظة التي شاهدته فيها، أوجه له كلمة بسيطة.. للكلمة تأثير، خاصة على الطفل.. فكم من أناس أبدعوا من أجلها.. و كم من أناس تحطموا بسببها.. فهلا نكن سبب الإبداع لننال محبة الناس من بعد رضا خالق الناس".
    المقدم: "و ما قولك حاتم في شراء روايتك بثلاثة آلاف ريال من قبل أصحاب المسابقة؟".
    السيد حاتم: "أرفض ذلك بسبب تلك الجملة "إن لم تكن فيك الموهبة فاتركها لأصحابها"، لكني قررت أن أنشر روايتي الأولى مجانا فهي تتحدث عن "عدم اليأس".
    المقدم: "ننقل الكلمة إليك يا راشد.. ماذا تقول للحظور؟".
    راشد: "بسم الله الرحمن الرحيم.. أشكركم على هذه المسابقة الرائعة.. و لن أضيف على ما قاله السيد حاتم شيئا إلا أبيات شعرية كتبتها:
    قم للحياة مجـاهدا و دع الكآبة و الأسى
    فالعيش تبغي قوة حتى تقـاوم مـا قـسى ".
    فلنحفظ جميعا هذه الأبيات و لنتذكرها كلما صادفنا شيء من الصعوبات.
  • محمد فطومي
    رئيس ملتقى فرعي
    • 05-06-2010
    • 2433

    #2
    نصّ يخاطب جميع الفئات العمريّة تقريبا.
    منذ زمن طويل لم أقرأ قصّة تتحدّث عن فضيلة الأمل و الثّقة في النّفس بهذا الوضوح و هذة السّلاسة في السّرد.
    كان الحوار شيّقا و الّلغة بسيطة و جميلة.
    أحيّّيك أستاذ سعيد الخروصي.
    مدوّنة

    فلكُ القصّة القصيرة

    تعليق

    • سعيد محمد الخروصي
      أديب وكاتب
      • 08-12-2010
      • 97

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة محمد فطومي مشاهدة المشاركة
      نصّ يخاطب جميع الفئات العمريّة تقريبا.
      منذ زمن طويل لم أقرأ قصّة تتحدّث عن فضيلة الأمل و الثّقة في النّفس بهذا الوضوح و هذة السّلاسة في السّرد.
      كان الحوار شيّقا و الّلغة بسيطة و جميلة.
      أحيّّيك أستاذ سعيد الخروصي.
      أشكرك على الكلام الرائع، فقد شجعني على مواصلة الكتابة لأنها محاولتي الأولى المنشورة.

      تعليق

      يعمل...
      X