الأمنيات الثّلاث / كارل سمروك

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد فطومي
    رئيس ملتقى فرعي
    • 05-06-2010
    • 2433

    الأمنيات الثّلاث / كارل سمروك

    الأمنيات الثّلاث


    قصّة لـلكاتب الألماني :"كارل سمروك"

    تعريب :محمّد فطومي


    ***

    حدث ذلك منذ زمن بعيد، في قرية لا تزال على حالها إلى اليوم.و كانوا آنذاك يشيّدون كنيستها بعد.في تلك القرية بالذّات كان يعيش رجل فقير،عمل كثيرا طوال حياته لكنّه ظلّ معدما كجرذ.كان له أطفال و غالبا ما يبيتون دون قطعة خبز واحدة في البيت.
    ودّ لو أنّه ساهم في بناء أساسات الكنيسة.كان حتما سيتبرّع بشيء ما لو فقط علم من أين يحصل عليه.
    كان يراقب الأغنياء و هم ينقلون إليها الحجارة في سيّاراتهم و عرباتهم و يقول في نفسه:
    " أيّ بائس أنا..ماذا أفعل كي أساعد،و لست أملك سيّارة أو عربة أو حتّى نقّالة؟"
    فجأة خطرت له فكرة ؛سينقل الحجارة بسلّته إلى حظيرة الأشغال ليلا و النّاس نيام..و كان الأمر كذلك فعلا.
    في إحدى الّليلات و هو يعمل،دنا منه شيخ قصير القامة و قال:
    -" ماذا تفعل أيّها الصّديق هنا في ساعة متأخرّة؟"
    -" آه!..قال الجرذ.أحببت أن أتطوّع بطريقة ما من أجل بناء الكنيسة ،و ليس لديّ سيّارة أو حتّى نقّالة؛لذلك فكّرت أن أجلب الحجارة في سلّتي إلى أرضها و النّاس نيام."
    عندها أجاب الشّيخ:
    -" سوف لن يهدر شقاؤك دون مكافأة،أيّها الرّجل الطيّب.إنّي أمنحك ثلاث أمنيات."
    شرد الرّجل قليلا و أجاب:
    -" في هذه الحالة، أتمنّى سماءً و خلودا عندما أموت،و سأقنع بأن تملأ المكيال الذي ستجده بحوض القمح في ركن من بيتي ذهبا،و أريد أن يبقى دائما على حاله لا يفرغ أبدا.في ما عدا ذلك لا أريد شيئا آخر،و ليس لي بالأمنية الثّالثة من حاجة."
    - "احذر ،قال القصير.كوخك متداع و سيهوي على رؤوسكم عمّا قريب،و ربّما لن تعيش ما يكفي لتبني بيتا آخر؟قل أمنيتك الثّالثة.
    - "إذن،أريد أن يتضاعف حجم بيتي."
    - " لقد تمّ تنفيذ كلّ ما طلبت.قال الشّيخ القصير،و اختفى.
    حين وصل الحرفيّ أمام بيته لاحظ أنّه قد استبدل بآخر أكبر منه مرّتين،و المكيال مليء بالذّهب،و غمر منه قبضة فامتلأ من جديد.
    و عاش صاحبنا سعيدا و لم ينس الكنيسة و لا الفقراء.
    تداول أهالي القرية القصّة.الجميع يثرثر و يروي.
    و سمع الحكاية رجل ثري ليس هناك من هو أفظع منه في طمعه و بخله.كان لديه ممتلكات كثيرة و لكنّه غير راض على الدّوام.
    -" ماذا لو أنّ الحظّ يطرق بابي أنا أيضا."
    و تناول سلّة حقيرة و راح ينقل فيها الحجارة من أجل بناء الكنيسة،ليلا و النّاس نيام.
    لم يطل انتظاره كثيرا لمّا ظهر له الشّيخ القصير.اقترب منه و قال:
    -"ماذا تفعل أيّها الصّديق،و الوقت متأخّر."
    -" أجلب الحجارة و العالم يرتاح و يرقد."
    -"إذن،تنال ثلاث أمنيات.."أجاب القصير.
    فكّر الثّريّ طويلا،و قال:
    -"تبرؤ عينا حصاني و تصير برّاقة،لا أجمل.أمّا بالنّسبة لباقي الأمنيات فأدّخرها لزوجتي.سأترك لها شرف الإفصاح عنها."
    -"ستنفّذ أمانيك أيّها الرّجل الطيّب."
    حين عاد البخيل إلى بيته،ذهب مباشرة إلى الإسطبل حيث الحصان.هناك فوجىء به و قد صار يملك أجمل العيون بين الخيل و أصفاها.ثمّ دخل على زوجته و بشّرها :
    -"كان لديّ منذ قليل ثلاث أمنيات..أولاهم قد تحقّقت؛صار لدى حصاني اليوم عينا غزال.و لقد تركت لك الأمنيتين المتبقّيتين،فاطلبي ما شئت."
    -" مادمت ،أيّها الخرف المجنون ،قد تمنّيت أمرا حقيرا كهذا،فأودّ أن تصبح أعور كما كان حصانك من قبل."
    و ما كادت تتمّ جملتها حتّى صار زوجها أعور تماما كما كان حصانه من قبل.
    أخذت البخيل فورة غضب عارمة،و انتفض غير مصدّق ما يجري و صاح بالأمنية الأخيرة:
    -" مادام ليس لديك أمنية أفضل من هذه،يا أقذر العجائز،فإنّي أتمنّى أن أراك عمياء تماما."
    و بذا يكون قد نال كلّ مكافأته.
    ***
    Les trois souhaits
    من مجموعة
    Contes du temps passé
    - كارل سمروك:كاتب و شاعر ألماني،ولد بمدينة بون 1802-1876
    له ما يقارب الأربعين مؤلّفا بين مقالات صحفيّة و مجموعات شعريّة و قصصيّة و تراجم.
    عرف سيمروك باهتمامه الكبير بترجمة الأعمال الشعريّة الألمانيّة التي يعود تاريخها إلى العصور الوسطى.و لقد كتب على نحوها أشعارا مشهورة كثيرة.
    قضّى سيمروك بقيّة حياته أستاذا محاضرا في الحضارة و علوم الأدب في جامعة بون الألمانيّة.
    التعديل الأخير تم بواسطة محمد فطومي; الساعة 11-12-2010, 18:34.
    مدوّنة

    فلكُ القصّة القصيرة
  • سمية الألفي
    كتابة لا تُعيدني للحياة
    • 29-10-2009
    • 1948

    #2
    الأستاذ/ محمد فطومي

    يالروعتك حقا مبدع راقي

    سأعود حتما مرات ومرات


    وحتاها

    تقبل هذه لك

    تعليق

    • محمد فطومي
      رئيس ملتقى فرعي
      • 05-06-2010
      • 2433

      #3
      الغالية سميّة الألفي،يسرّني حضورك و تربكني زهورك.
      و ماذا بوسعها أن تهدي الحدائق غير الزّهور.
      مودّتي لك يا قلب الكلّ.
      مدوّنة

      فلكُ القصّة القصيرة

      تعليق

      • فراس شدود
        عضو الملتقى
        • 20-07-2010
        • 193

        #4
        الأستاذ العزيز محمد،
        قصة جميلة، شكراً على تعريبها ..
        لقد ذكرتني بأقصوصة قرأتها في عام 1975 في مجلة مصرية قديمة للأطفال "مجلة سندباد".
        بعنوان "أماني الحمقى"
        سأذكرها كما أحفظها:
        بينما الزوجان الفقيران يجلسان في كوخهما يكابدان الجوع و البرد، ظهر لهما ماردٌ وخوّلهما ثلاث أمنيات. فصاحت الزوجة: "أريد قطعة كبيرة من اللحم." فحصلت أمامها على الفور.
        غضب الزوج من تسرّعها وقال: "ليتها تلتصق بوجهك إلى الأبد."
        فقفزت قطعة اللحم والتصقت بخدها ..
        قال المارد: "بقيت آخر أمنية؟"
        ففكرّا لبرهة في خيبتهما، ثم قالا: "انزعها عنه."


        شكراً جزيلاً.
        تقبل تحيتي وتقديري.

        تعليق

        • محمد فطومي
          رئيس ملتقى فرعي
          • 05-06-2010
          • 2433

          #5
          أرأيت صديقي فراس كم هو متاح أن نبلّغ حكمة بتفاصيل و تعابير تبدو للوهلة الأولى بسيطة،بل هي كذلك فعلا.
          أليست القصّة التي أوردتها في ردّك مثالا قويّا و نافذا لنزعة إهدار الفرصة السّهلة القريبة،ثمّ السّعي لتداركها حين تصير بعيدة ،و هيهات،إذ لا يحدث شيء في النّهاية عدا العودة للأصل،أو أدنى غالبا؟و الأمثلة لا حصر لها فيما نراه و نشهده و نسمع عنه يوميّا.

          أشكرك كثيرا أخي العزيز على حضورك الجميل.
          دمت بخير.
          مدوّنة

          فلكُ القصّة القصيرة

          تعليق

          • إبراهيم كامل أحمد
            عضو أساسي
            • 23-10-2009
            • 1109

            #6
            دمت تهدينا زهوراً يانعة من حدائق الأدب

            [align=justify]
            الأخ الغالي المبدع محمد فطومي

            تحية حب في الله

            دمت تهدينا زهوراً يانعة من حدائق الأدب.. تدهشنا باختياراتك الموفقة وتمتعنا بتعريبك المتمكن وتثري معرفتنا بكتاب جديرين بالقراءة.. أغلب الظن سيدي أن كارل سمروك قد أطلع علي حكايات ألف ليلة وليلة ونقل عنها الفكرة. فمن حكايات " الليالي " حكاية العابد وزوجته والأمنيات الثلاث.. وقد أضاعت زوجة العابد الأمنيات الثلاث التي نالها لإخلاصه في العبادة وتبتله بحماقتها.. في انتظار مزيد من زهور حدائق الأدب أتمني لك الخير كله.

            [/align]
            [CENTER][IMG]http://www.almolltaqa.com/vb/picture.php?albumid=136&pictureid=807[/IMG][/CENTER]

            تعليق

            • محمد فطومي
              رئيس ملتقى فرعي
              • 05-06-2010
              • 2433

              #7
              ما انفكّ الأدباء و كتّاب السينايو و المخرجون يقتبسون أعمالهم أو بعضا منها من ركائز الأدب العالمي،مثل "ألف ليلة و ليلة" و "كليلة و دمنة" و "حرب طروادة" و ملاحم بني هلال إلخ؛و إن اختلفت زوايا الرؤى و إعادة الصّياغة بما يخدم أغراضهم،و إنّي أومن و هذا رأي شخصيّ بأنّ طريقة التّقديم في حدّ ذاتها ضرب من الفنون حتّى لو عُلم المصدر أو أن يكون الموضوع قد طُرق سابقا.

              أشكرك صديقي على إثراء الموضوع و البحث المستمرّ عن الفائدة..و لي عودة بقصّة أخرى إن شاء الله عمّا قريب.
              دمت بخير أخي.
              مدوّنة

              فلكُ القصّة القصيرة

              تعليق

              • عباس العكري
                أديب وكاتب
                • 07-07-2016
                • 139

                #8
                [aimg=borderSize=0,borderType=none,borderColor=blac k,imgAlign=none,imgWidth=,imgHeight=]https://3.bp.blogspot.com/-kvlSMA5s-hA/V44-Ffgcs0I/AAAAAAAADdg/Ib2OFFbpy_sUkh7VwTyQ2dxiwkG6swHTgCLcB/s1600/%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25A7%25D9%2585%25D9%2586 %25D9%258A%25D8%25A7%25D8%25AA.png[/aimg]
                التعديل الأخير تم بواسطة عباس العكري; الساعة 19-07-2016, 13:50.

                تعليق

                • محمد فطومي
                  رئيس ملتقى فرعي
                  • 05-06-2010
                  • 2433

                  #9
                  سلاما حارا أستاذ عباس..
                  أشكرك على العناية. يسعدني أنّ المحاولة قد نارت رضاك.
                  مدوّنة

                  فلكُ القصّة القصيرة

                  تعليق

                  يعمل...
                  X