دكتاتورية كلمة
كلمة ساحرة تذوب تحت اللسان
ذات المذاق كأنها المن و السلوى
ذات عطر كأنها من أرض الجنة
بل هي سم معطر قد قتلت صاحبها
إذ نطق بها يوماً
لكنها كعذاب النار
يحيى المرء بها و يموت
ثم يحيى و يموت
ليحترق بلظاها
و شر شرورها المتألقة
مرصعة هي بمشاعر روحية
أسلوبها الشعري و منطقها علم
و مدرستها عامة الدنيا و خاصتها
*****************
أنا الضحية الأولى و الأخيرة
كل بشري يقول أنا بمفرده
و قلم متغطرس منغرس في القلب
و قلب ينبض بالسلام الشرير
و عينان كأنهما كوكبا الحسن لا يكادان يبزغان
حتى يأفلا فكأنها نهاية العالم
و لا يكاد اللحظ مني يتأخر
ليكذب النظر و ينحسر الفكر
فيضيق بالصدر أضلاعه
حتى تتكسر الأفكار برحا مشاعرها
و حتى تنغرس تلك الأمسيات الحزينة
و تلك العبارات المنمّقة
حتى تنغرس كأشواك الفلا في صوف النعاج الثكلى
حتى يرتحل الدهر مآثري
و يلبس حلة الحزين الكاذب
و يسافر إلى اللانهاية و يعود
ليداعب وحدتي بمزاحه الثقيل
بصرخات من كائنات تعيث في قلبي فساداً
يعلمهم ذاك الدهر معنى الكلمة
يخرج من تلك المدرسة من لا يخاف الله
يسلط من يشاء و لا يأبه
فإن كان التذمر مني عقيدة المتمسك
فتبا لعملي و سحقا لعيشتي المضنكة
لا خيار
إما أن تحترق بنيران الدنيا المتشعبة
أو أن تحترق بنار الآخرة الواحدة
*************
و حكمتي الضالة عن سعيها المجهول !
كم و كم صررتُ و أصر
أن أبصق تلك الكلمة
لأعود فألعقها مجدداً
و كم قدّمتُ و أقدمتُ
حتى نلتُ أن صرتُ حراً
و بعدها صدمتُ بالحقيقة
كم من الكائنات البشرية يعيش في الفراغ ؟!
لا ... أحد
يُصعق براحة الفراغ
يحترق ببرد الوحدة
يتذمر من طيب الرخاء
إنه بشر
فإما نار الدنيا المتعددة
و إما نار الآخرة الواحدة
**********
تنضج تلك الكلمة
لتكون الترياق بذاتها
لتلمع النجوم من جديد
و تشرق الشمس في أول اليوم
و يهطل المطر في كل أرض ميتة
ليتعوذ كل مؤمن من شر شيطان اليأس
و لتحقن الدماء .....
نعم أنا الضحية الأولى و الأخيرة
لأجل أن يسلم أخوتي الضحايا
أنا شهيد الدنيا بقلب ميت ينبض بالحياة
أنا فقيد الكلمة
و من اليوم سأمحو تلك الكلمة
من كل قاموس و من كل لغة
من كل ثقافة و من دماغ البشرية
حاء و باء
سيكون الإباء بدلاً مفروضا
ستكون وحدتي في غار حراء
و مدينتي الفاضلة !
سأعيش بين أسوارها وحيداً
إلى الأبد
سأبنيها لأجل لا أحد
و أزج بها نفسي
فهل سأنسى تلك الجراح
مدينتي الفاضلة ....
سأهدم من اليوم أسوارها
سأهدم من اليوم أسوارها
و أتركها لقطاع الطرق و شذاذ الأفاق الشاعريّين
لينهبوا من عواطفها و روحانياتها
ليكتبوا على جدرانها و على أوراقهم ما يشاؤون
سأكون و الحياة على مستوى الصداقة
و من الآن لن أفرق بين ظلمة الليل
و إشراقة النهار
و قبل أن تجف المحبرة
سأعود لأكتب تلك الكلمة
و لو قضيت و أنا أرسم حدودها
أحبك فلتسمعها عذراء
و لتلكها بلسانها لتعيش الحساب
لتصفع وجهي بقبلة همجية ناعمة
أو لتلامس أطراف الأنامل بالأنامل
ليغرد قلمي بالكذب المشرع أغنية
لكي لا أخالف القانون المستبد
لكي لا أكون من الملائكة الذين لا يعلمون
و لكي لا أكون من الشياطين المتعلمين
و حتى لا تظلم من صلاح نفس
و حتى لا تبكي من ثباتي عين
و حتى لا أعيش بلا معاص
حتى أتعرف ما معنى إنسان
و حتى أكتب الكلمة من جديد
و لتبقى الحروف ثمانية و عشرين
هي أبجدية العشاق
و من قبل و بعد قد بارك بها الله
و بارك بالكلمة بما يشاء
دكتاتورية دنيا
تعليق