{ 2ـ 2 } التَّناصْ في النقد العربي القديم
لقد شغف العرب القدماء بالمفاضلة بين نصوص تربطها ببعض علاقة ما ، مثل المساجلات والمعارضات والتشطير 00الخ ، تلك العلاقة هي الفكرة التي يقوم عليها مصطلح " التَّناصْ "
وفكرة التَّناص أدركها الشعراء العرب القدامى من مفهومهم لهذه الفكرة قبل أن يتوصل إليها الغرب إليها كمصطلح
فيقول كعب بن زهير
[align=center]ما أرانا نقول إلا رجيعا / ومعاداً من قولنا مكرورا [/align]
ثم يأتي ليؤكد القاعدة و كعادة الشعراء استثني نفسه إذ يقول:
أنا السابق إلي ما أقوله 0 إذ القول قبل القائلين مقول
فالمتنبي لا يشكوا الشعراء القدامى بل من الشعراء الجدد الذين أتوا بعده ويأخذون من شعره ، فيقول مخاطباً ممدوحه:
[align=center]أجزني إذا أنشدت فإنما / بشعري أتاك المادحون مرددا
ودع كل صوتُُ غير صوتي فإنني / أنا الصائح المحكي والآخر الصدى[/align]
وفكرة الصوت والصدى أو الأصل والصورة أو التقليد ، كانت تصور طبيعة العلاقة بين النصوص عند شعراء العرب وبين مبدعيها ، وأوضح لنا ابن طبطبا العلوي هذه المشكلة بقوله :
" والمحنة علي شعراء زماننا في أشعارهم أشد علي من كان قبلهم ، لأنهم سبقوا إلي كل معني 000فإن أتوا بما يقصر عن معاني أولئك ولا يربي عليها، لم يتلقى بالقبول وكان كالمُطْرح الملول 00"
وهو ينصح الشعراء الجدد بعد أن يقرؤوا الموروث ويحفظوا قصائد الشعراء القدامى يحذرهم من الإغارة عليها ، وينبه المتوهمين منهم أن مجرد تغير الأوزان والألفاظ يخفي معالم قصائد السابقون ، فالعرب قديماً عرفوا التَّناصْ كفكرة واستخدموه في المقارنة كمنظور جمالي وأخلاقي ، بينما نظرية التَّناص الحديثة في الغرب من حيث الهدف هو نسف المبادئ التي قامت عليها العقلية الأوربية الحديثة من رومانسية ورمزية وسريالية واتجاهات لا معقولة تزعم التفرد والإبداع المطلق وتعلي من قيمة الإنسان والعبقرية الفردية ، وفلسفة هذه النظرية قائمة علي رفض المثالي والشك في الحقيقة المطلقة تلك النظرية التي نمت وترعرعت في صراع معتقدي بين حرية وتسلط المعبد الكنيسة هذا المعتقد لا يؤمن إلا بحتمية الصراع مع الآخر متي وجدت القوة بل الأشد من ذلك رفض المقدس والتطاول علي ذات الله ، فإذا كانت الكتب المقدسة أسفار التوراة والإنجيل الذي طلبوا من الرب حفظها ، لم تسلم من التبديل والتحريف علي مر العصور علي الر غم من قدسيتها فما بالك بإبداع أدبي من صنع البشر ، لن يصل إلي حد الكمال مهما كانت براعة كاتبه
أي ان نظرية التَّناصْ تقضي علي فكرة العمل المكتمل المتفرد أو المثالي الذي لم يوجد مثله من قبل ولن يوجد بعده
وبعض لمحدثين العرب يرفضون المصطلح وغيره من المصطلحات الرأس مالية الغربية منها والشرقية الشيوعية أو الاشتراكية بل يرجعون إلي الأصول العربية والتي توافق الوسطية الإسلامية، احتواء وتفاهم لا صدام مع الآخر
فالغرب يعدون هذه المصطلحات فروعاً من معتقدهم الديني
فرع من شجرة خبيثة نتاج منهج معرفي لا وسطية فيه قائم علي فلسفات الفرد القوي المقدس السيد الأعظم ، تمجيداً يصل لحد العبادة بدأ من طالوط وداود وشمشون يؤمنون بالقوة كوسيلة لحسم الصراع مع الآخر لا تعايش سلمي معه
وتعد قضية السرقات الأدبية أكثر القضايا انشغالاً بالعلاقة بين النصوص ، يكشفها ناقد متخصص أو دارس أو واع بالحركة الثقافية والإبداعية يعد بمثابة المدعي العام للأدب واللغة وفق قانون أو قاموس الإبداع والذي شارك في وضع بعض مواد لائحته التنفيذية ابن رشيق حين قال :
"السرقات الأدبية باب متسع جداً لا يقدر أحد من الشعراء علي أن يدعي السلامة منه وفيه ـ باب السرقات ـ أشياء غامضة إلا عن أولي البصيرة والحاذقين بالصناعة الأدبية وفيه أشياء أخري أيضاً واضحة فاضحة ، لا تخفي علي الجاهل المغفل الذي يستغفله السارق ويقد له منتج أدبي مسلوب من مبدع آخر 00"
وطالما أن الناقد الحاذق يمثل الاتهام في جريمة السرقة ويجري تحقيقه في شفافية موضحاً مكان المسروق بالدليل المادي من مواد قانون العرب القدامى الموروث والذي استخدمه الناقد في تناوله النقدي للنصوص ومنها
"الاصطراف وهو نوعان 00 الاجتلاب أو الاستلحاق 00 والنوع لثاني الانتحال والإغارة والغصب و المرافدة و الاهتدام و النظر و الملاحظة والإلمام والاختلاس والموازنة والعكس و المواردة والالتقاط وكشف المعني والشعر المجدود وسوء الإتباع ونظم النثر وحل الشعر
وأضاف البديعي خمسة عشرة مادة اخري أحصاها ضرباً من السرقات بين محمود ومذموماً وهي " الاقتباس 00 والاكتفاء 00 والتلميح 00 والعنوان 00 والتوليد 00 والتضمين 00 والعقد 00والحل 00 ونقل الطويل 00ونقل الرذل إلي الجزل 00ونقل الجزل إلي الرذل 00والهدم 00والتكرير 00والمساواة 00والألتقاط 00وفضل السابق علي المسبوق 00 و رجحان المسبوق علي السابق 00 والتثقيل 00 والتخفيف 00والتقصير والنقل00 والحذو00 والكشف 00والتوارد 00والسابق 00 واللاحق 00والتناول 000 والتداول 000والتقفية 0000
تلك هي مواد الحماية القانونية ولكن العقوبة التي توقع علي السارق لم يصدر بشأنها قانون ولم ترد في قانون الحماية الفكرية ، ونقترح أن يكون العقاب بقانون أخلاقي من مادة واحدة هي
" التجريس " وهي العقوبة التي ابتدعها العثمانيون ، يعاقبون بها من يعارضهم ، ولا مانع من استخدمها طالماً أنها سوف تؤدي إلي حماية الإبداع ، ولتنفيذ هذه العقوبة يأُتي بمن ثبت سطوه علي أعمال أدبية للغير ، بأن يرتدي المذنب معطف بالمقلوب ثم يوضع علي ظهر أتانة صماء دون سرج ، ظهره لرأسها ، يقبض علي ذيلها وكأنه لجام ثم تسير به الصبية والغلمان في شوارع وحارات البلدة التي يسكنها مرددين ما كان يقوله الصبية في الزمان الماضي من أغاني وأهازيج "الجرسه والفضيحة " علي أنغام الناي ودقات الطبول والدفوف
لقد شغف العرب القدماء بالمفاضلة بين نصوص تربطها ببعض علاقة ما ، مثل المساجلات والمعارضات والتشطير 00الخ ، تلك العلاقة هي الفكرة التي يقوم عليها مصطلح " التَّناصْ "
وفكرة التَّناص أدركها الشعراء العرب القدامى من مفهومهم لهذه الفكرة قبل أن يتوصل إليها الغرب إليها كمصطلح
فيقول كعب بن زهير
[align=center]ما أرانا نقول إلا رجيعا / ومعاداً من قولنا مكرورا [/align]
ثم يأتي ليؤكد القاعدة و كعادة الشعراء استثني نفسه إذ يقول:
أنا السابق إلي ما أقوله 0 إذ القول قبل القائلين مقول
فالمتنبي لا يشكوا الشعراء القدامى بل من الشعراء الجدد الذين أتوا بعده ويأخذون من شعره ، فيقول مخاطباً ممدوحه:
[align=center]أجزني إذا أنشدت فإنما / بشعري أتاك المادحون مرددا
ودع كل صوتُُ غير صوتي فإنني / أنا الصائح المحكي والآخر الصدى[/align]
وفكرة الصوت والصدى أو الأصل والصورة أو التقليد ، كانت تصور طبيعة العلاقة بين النصوص عند شعراء العرب وبين مبدعيها ، وأوضح لنا ابن طبطبا العلوي هذه المشكلة بقوله :
" والمحنة علي شعراء زماننا في أشعارهم أشد علي من كان قبلهم ، لأنهم سبقوا إلي كل معني 000فإن أتوا بما يقصر عن معاني أولئك ولا يربي عليها، لم يتلقى بالقبول وكان كالمُطْرح الملول 00"
وهو ينصح الشعراء الجدد بعد أن يقرؤوا الموروث ويحفظوا قصائد الشعراء القدامى يحذرهم من الإغارة عليها ، وينبه المتوهمين منهم أن مجرد تغير الأوزان والألفاظ يخفي معالم قصائد السابقون ، فالعرب قديماً عرفوا التَّناصْ كفكرة واستخدموه في المقارنة كمنظور جمالي وأخلاقي ، بينما نظرية التَّناص الحديثة في الغرب من حيث الهدف هو نسف المبادئ التي قامت عليها العقلية الأوربية الحديثة من رومانسية ورمزية وسريالية واتجاهات لا معقولة تزعم التفرد والإبداع المطلق وتعلي من قيمة الإنسان والعبقرية الفردية ، وفلسفة هذه النظرية قائمة علي رفض المثالي والشك في الحقيقة المطلقة تلك النظرية التي نمت وترعرعت في صراع معتقدي بين حرية وتسلط المعبد الكنيسة هذا المعتقد لا يؤمن إلا بحتمية الصراع مع الآخر متي وجدت القوة بل الأشد من ذلك رفض المقدس والتطاول علي ذات الله ، فإذا كانت الكتب المقدسة أسفار التوراة والإنجيل الذي طلبوا من الرب حفظها ، لم تسلم من التبديل والتحريف علي مر العصور علي الر غم من قدسيتها فما بالك بإبداع أدبي من صنع البشر ، لن يصل إلي حد الكمال مهما كانت براعة كاتبه
أي ان نظرية التَّناصْ تقضي علي فكرة العمل المكتمل المتفرد أو المثالي الذي لم يوجد مثله من قبل ولن يوجد بعده
وبعض لمحدثين العرب يرفضون المصطلح وغيره من المصطلحات الرأس مالية الغربية منها والشرقية الشيوعية أو الاشتراكية بل يرجعون إلي الأصول العربية والتي توافق الوسطية الإسلامية، احتواء وتفاهم لا صدام مع الآخر
فالغرب يعدون هذه المصطلحات فروعاً من معتقدهم الديني
فرع من شجرة خبيثة نتاج منهج معرفي لا وسطية فيه قائم علي فلسفات الفرد القوي المقدس السيد الأعظم ، تمجيداً يصل لحد العبادة بدأ من طالوط وداود وشمشون يؤمنون بالقوة كوسيلة لحسم الصراع مع الآخر لا تعايش سلمي معه
وتعد قضية السرقات الأدبية أكثر القضايا انشغالاً بالعلاقة بين النصوص ، يكشفها ناقد متخصص أو دارس أو واع بالحركة الثقافية والإبداعية يعد بمثابة المدعي العام للأدب واللغة وفق قانون أو قاموس الإبداع والذي شارك في وضع بعض مواد لائحته التنفيذية ابن رشيق حين قال :
"السرقات الأدبية باب متسع جداً لا يقدر أحد من الشعراء علي أن يدعي السلامة منه وفيه ـ باب السرقات ـ أشياء غامضة إلا عن أولي البصيرة والحاذقين بالصناعة الأدبية وفيه أشياء أخري أيضاً واضحة فاضحة ، لا تخفي علي الجاهل المغفل الذي يستغفله السارق ويقد له منتج أدبي مسلوب من مبدع آخر 00"
وطالما أن الناقد الحاذق يمثل الاتهام في جريمة السرقة ويجري تحقيقه في شفافية موضحاً مكان المسروق بالدليل المادي من مواد قانون العرب القدامى الموروث والذي استخدمه الناقد في تناوله النقدي للنصوص ومنها
"الاصطراف وهو نوعان 00 الاجتلاب أو الاستلحاق 00 والنوع لثاني الانتحال والإغارة والغصب و المرافدة و الاهتدام و النظر و الملاحظة والإلمام والاختلاس والموازنة والعكس و المواردة والالتقاط وكشف المعني والشعر المجدود وسوء الإتباع ونظم النثر وحل الشعر
وأضاف البديعي خمسة عشرة مادة اخري أحصاها ضرباً من السرقات بين محمود ومذموماً وهي " الاقتباس 00 والاكتفاء 00 والتلميح 00 والعنوان 00 والتوليد 00 والتضمين 00 والعقد 00والحل 00 ونقل الطويل 00ونقل الرذل إلي الجزل 00ونقل الجزل إلي الرذل 00والهدم 00والتكرير 00والمساواة 00والألتقاط 00وفضل السابق علي المسبوق 00 و رجحان المسبوق علي السابق 00 والتثقيل 00 والتخفيف 00والتقصير والنقل00 والحذو00 والكشف 00والتوارد 00والسابق 00 واللاحق 00والتناول 000 والتداول 000والتقفية 0000
تلك هي مواد الحماية القانونية ولكن العقوبة التي توقع علي السارق لم يصدر بشأنها قانون ولم ترد في قانون الحماية الفكرية ، ونقترح أن يكون العقاب بقانون أخلاقي من مادة واحدة هي
" التجريس " وهي العقوبة التي ابتدعها العثمانيون ، يعاقبون بها من يعارضهم ، ولا مانع من استخدمها طالماً أنها سوف تؤدي إلي حماية الإبداع ، ولتنفيذ هذه العقوبة يأُتي بمن ثبت سطوه علي أعمال أدبية للغير ، بأن يرتدي المذنب معطف بالمقلوب ثم يوضع علي ظهر أتانة صماء دون سرج ، ظهره لرأسها ، يقبض علي ذيلها وكأنه لجام ثم تسير به الصبية والغلمان في شوارع وحارات البلدة التي يسكنها مرددين ما كان يقوله الصبية في الزمان الماضي من أغاني وأهازيج "الجرسه والفضيحة " علي أنغام الناي ودقات الطبول والدفوف